الفكر الإسلامي.. والمسار الديمقراطي

الفكر الإسلامي.. والمسار الديمقراطي
        

          مع تداعيات الثورات العربية.. اشتمل مقال الدكتور سليمان العسكري في العدد 641 أبريل 2012 على نقاط مهمة لأن تجربة الديمقراطيين الإسلاميين أصبحت شائكة.

          ومع ثورة يناير 2011 في مصر.. التي أسقطت نظامًا ظل يحكم نحو ثلاثين عامًا.. لكن المسار الديمقراطي السليم لم يتحقق.. أو تداول السلطة.. أو نزاهة الانتخابات.. إلخ، وما حدث في مصر يحدث في بلدان عربية عدة.

          وقد جاءت الانتخابات بالإسلاميين الجدد في الحكم.. وكم كنا نود المعايشة مع نظام برلماني يحقق القوة الدافعة لجهود التنمية الاقتصادية والسياسية والتنموية.. أو تحقيق نوع من الاستقرار والتفاهم مع الحكومة، خاصة أن مرحلة ما بعد الثورة في أي مجتمع يعقبها نوع من عدم الاستقرار والفوضى.. إلخ.

          وأصبحنا ما بين البرلمان ذي الأغلبية الإسلامية.. والواقع الديمقراطي بحالة تكريس عدم الوفاق السياسي مع التيارات الأخرى.

          الفكر الإسلامي مع التجربة الديمقراطية هل يحقق لبلدان الأمة القوة السياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية؟ وبلدان الأمة بحاجة إلى وفاق داخلي، والوفاق يحقق العدالة الاجتماعية وهي تمثل مجالا لتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع.. وهي تحض نحو التضامن للخير، بعكس قوة السلطة الدكتاتورية التي تنطلق من منطق عدواني والسلطة قد تحول الباطل حقا عند القوي.. والحق باطلا عند الضعيف. والمسلك ذاته عنوان لسياسات القوى العالمية ذات الأطماع التوسعية لحساب مجتمع الأقوياء على حساب مجتمع الضعفاء.

          إذن، مطلوب من الإسلاميين الجدد مع الحكم تحقيق القوة التي تصون الحقوق، ولنتعلم من حركة قوى عالم اليوم وهي تتحرك بتنسيق المصالح في ما بينها، ولذلك، ازدادت الدول القوية قوة وغنى وسيطرة على ثروات ومقدرات الدول الضعيفة التي ازدادت ضعفًا وفقرًا وخضوعًا لنظم سلطوية حاكمة.

          تجربة الديمقراطيين الإسلاميين لها استحقاقات على أكثر من صعيد.. بتصحيح السياسات الخاطئة من أجل مصلحة الشعوب.. ووفق أسس متكافئة لأن مع عقود حكم سلطوية نجد:

          1 - انهيار قيم العمل والعلم والإنتاج.

          2 - ارتفاع معدلات البطالة لدى الشباب.

          3 - ضعف مجالات الإصلاح السياسي والتنموي.

          4 - عدم النهوض بحركة الطبقات متوسطة ومحدودة الدخل.

          5 - غياب الاستثمار الإيجابي.. وارتفاع معدلات سياسات الاحتكار والاستغلال.

          6 - تزاوج السلطة بالثروة.

          ولو نظرنا كمثال لتعداد مصر عام 2025 فسنجده سيصبح نحو 103 ملايين نسمة.. وفي عام 2050 نحو 120 مليون نسمة، طبقًا لتقديرات الأمم المتحدة. إذن، أين السياسات التنموية التي تصب في خانة اتجاهات ارتفاع المعدلات السكانية؟ وأين استحقاقات التجربة من أجل تحقيق الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وسبل التطوير وتحديث مجالات: التعليم والصحة والسكان؟

          - تجربة الديمقراطيين الإسلاميين لها استحقاقات مستقبلية نحو كيفية تحقيق مزيد من الانفتاح على العالمين العربي والإسلامي ككل، لأن الاستحقاقات تعني: امتلاك برنامج عمل ورؤية صائبة نسترشد منهما كيفية دفع مسيرة التطور والتقدم، إذن، كيف يرسم التيار الإسلامي خصوصية الحركة بسياسات داخلية وخارجية بناءة؟ وما مواقفه تجاه القضايا العربية والإسلامية والمصيرية؟ وهل قوة التيار ذاته تستمد من قوة الجماهير من أجل تحمل أعباء المسئولية، وكيفية مواجهة الصعاب والتحديات، لأن الهدف الأسمى يتمثل في ضرورة حل المشاكل الجماهيرية ثم رفعة شأن المجتمع، والدفاع عن مكتسباته؟

          كما أن قيمة الدولة والمجتمع ناتجة من إرادة الجماهير، لأن هناك فارقًا شاسعًا ما بين الإسلام السياسي والإسلام الدعوي، كما أن هدف السياسة كيفية تحويل القول لفعل، والشعار لممارسة، والفكر لواقع، بما يضع الأهداف المستقبلية في موضع التنفيذ المرحلي الشامل.

          - تجربة الديمقراطيين الإسلاميين بحاجة لوفاق مجتمعي مع الاهتمام بدور البرلمان الذي يؤمن بتعدد الأحزاب، لتطوير الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعلى التيار الإسلامي الابتعاد عن إثارة المشاكل والخلافات مع التيارات الأخرى، لأننا جميعًا نمتلك وحدة اللغة.. والتاريخ.. والعقيدة، لذلك ننشد وحدة السلطة ووحدة الإرادة في العيش الكريم، وأي وطن بحركة التاريخ له أمجاد، ونحن أبناء أمة عظيمة خاطبها الله عز وجل بخير أمة، بقوله تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ . (آل عمران 110).

          ونحن اليوم نتعايش مع عصر يمثل عصر إرادة العيش المشترك، وليس الاستحواذ على السلطة، والإرادة بتحقيق المصالح الحيوية. إذن، نحن بحاجة لقيمة الديمقراطية في الحكم، والإدارة لتشييد دعائم حقوق الإنسان وإقامة سلطة القانون.

          - تجربة الديمقراطيين الإسلاميين.. هل لها لغة التواصل مع المستجدات العالمية، لأن هناك تعايشًا بين الشعوب، وليس بين أرض وأرض؟

          وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ. (الحجرات 13).

          والأداء الديمقراطي لا يقوم على الصراعات، كما أن الإسلام دين رحمة، ولا ينظر للإنسان باعتبار قوميته أو ديانته، وفي عالمنا العربي ديانات أخرى مثل المسيحية، إذن ما ننشده أن تبقى الصفوف موحدة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.

          والمشاركة في السلطة تقوم من خلال رابطة نوعية بين تكوين المجتمع من إسلامي وليبرالي.. إلخ.

          والإسلاميون ليسوا وحدهم يمتلكون الحركة الإصلاحية، ولسنا مع أفكار الثورة الفرنسية، وفي عالمنا العربي تياران: إسلامي وقومي، ولهما بنيان ثقافي واحد بلغة الثقافة العربية، واللغة العربية هي الوعاء الثقافي للأمة العربية.

          والخلاف القائم بين الإسلاميين والقوميين هل هو خلاف مفتعل؟ وهناك من يسعون لنشر الفرقة والانقسام بين أبناء المجتمع الواحد، ويجب النظر لأمتنا بصفتها ضعيفة القوة، وفي تصنيف البلدان النامية.

          - تجربة الديمقراطيين الإسلاميين لها تساؤل: ما الموقف تجاه الرؤى الثقافية مثل السينما والمسرح والرقص والغناء والموسيقى كمثال، أو تجاه الثقافة الوافدة أو المعاملات البنكية؟

          ونحن بحاجة إلى باب الاجتهاد البشري في ما يخص مشكلات حياتنا الدنيوية، لأن الإلزام الديني لا يكون أبدًا إلا في ما هو من عند الله.. لأن الدين وضع إلهي والاجتهاد من صنع البشر.. وهو إنتاج العقل البشري الذي يصيب ويخطئ، ونحن بحاجة إلى تحقيق الوحدة الفكرية والتنظيمية.

          والديمقراطية الإسلامية هل تحقق التعبئة السياسية وتقضي على تعسف رؤى الأغلبية؟.. دعونا نتساءل:

          1 - السياسة حينما تلبس ثوب الدين.. تدمر ولا تبني فعندما نشاهد نائبًا في البرلمان المصري يؤذن للصلاة في مدرجات المجلس.. فهل هذا من الدين؟ وحينما يخالف بعض النواب الإسلاميين القسم.. فهل ذلك من الدين؟

          2 - «إن الحكم إلا لله».. في ما قضاه وقدره على عباده بما جاء بالقرآن الكريم.. لكن الحكم الدنيوي له قوانين وتشريعات.. لذلك فإن التيار الإسلامي ذاته لا يسمح حتى بالانتقاد.. وهو يحسب أنه يُحسن صنعًا.

          3 - نحن مسلمون من أجل أن نبين الحق من الباطل.. ونميز الخبيث من الطيب.. والإسلام دعانا لتشغيل العقل.

          وقال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ . (ص29)

          والذي يستمع إلى القول بعقل واعٍ مدرك ليتبع أحسن ما يسمع.. لقوله تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ . (الزمر 18).

          لذلك، واقع الأمر أننا نحن فقراء إلى الله.. ويجب عدم الاندفاع وراء الشعارات الزائفة التي تستغل عواطف بسطاء الناس لكل ما يمت للدين بصلة.

          وعلى كل مسلم أن يتدبر أمره.. ويعي حقيقة ما ينساق إلى ترديده والعمل به من شعارات.. هل هو مما أمر به الله عز وجل ورسوله (صلى الله عليه وسلم) حقيقة، أم هو نقيض ذلك مما يروج له مغرض أو يردده جاهل؟.. والله من وراء القصد.

          والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يحيى السيد النجار
كاتب وباحث - مصر