جاليري سلطان بالأبيض والأسود.. 43 عاما من الفن الرفيع

  جاليري سلطان بالأبيض والأسود.. 43 عاما من الفن الرفيع
        

          عادة ما تتسم المعارض الاستعادية بطيف من الحنين الذي تشيعه موضوعات تلك المعارض، أو استعادتها لفنانين لهم قاماتهم وبصماتهم الخاصة راهنًا، إضافة إلى مراحل فنية مبكرة من رحلاتهم الفنية، أو لأعمال فنية بارزة، وكثيرا ما يشيع في مثل هذه الأجواء اللونان: الأبيض والأسود، اللذان يسبغان على المشهد البصري حالة من الحنين ويستدعيان الماضي والذاكرة.

          لكن الأجواء التي سادت قاعة المعرض الاستعادي الذي أقامه جاليري سلطان في الكويت الشهر الماضي اتسمت، بالإضافة إلى ذلك، بكونها كشفت عن لمحة باهرة لطبيعة المجتمع الكويتي وآماله وأحلامه قبل ما يناهز 43 عاما هي عمر هذا المعرض. لمحة عن جيل من المثقفين والفنانين الذين أسهموا في تحديث المجتمع الكويتي وإسباغ ملامح المدنية الحديثة على جوانبه التي كانت تشهد طفرات من التحديث والمدنية في مجالات عديدة أخرى.

          تناول المعرض الاستعادي مرحلة التأسيس بشكل خاص والتي امتدت منذ العام 1969 حتى العام 1973، وهي الفترة الأولى التي رسخ فيها جاليري سلطان وجوده كمركز لنشر ثقافة الفن التشكيلي المعاصر في المجتمع الكويتي.

          افتتح جاليري سلطان للمرة الأولى في 25 مارس 1969، على يد مؤسسيه الشقيقين نجاة وغازي سلطان، وافتتحه آنذاك معالي الشيخ عبدالله الجابر الصباح. واستمر الجاليري نشيطا في استضافة الأعمال الفنية من أنحاء العالم، حيث كان يقيم نحو تسعة معارض فنية سنويا منذ افتتاحه وحتى اضطر للإغلاق قسريًا بسبب الغزو في العام 1991.

          وخلال تلك السنوات التي تجاوزت العشرين، أسهم الجاليري في أن تشهد الكويت أعمالاً فنية لقائمة من أبرز شباب الفنانين الكويتيين والفلسطينيين والمصريين والعراقيين واللبنانيين، إضافة لمجموعات أخرى من الفنانين من جنسيات مختلفة.

شباب صاروا نجوما

          على جدران قاعة جاليري سلطان، تجاورت لوحات لبعض الفنانين العرب الكبار ممن سبق أن عرض المعرض أعمالهم ومنهم مثلا صلاح طاهر من مصر، بالإضافة إلى عبدالوهاب المرسي ويحيى سويلم، وفاتح المدرس، من سورية، وأمين الباشا من لبنان، وضياء العزاوي من العراق (وكان معرضه في العام 1969 ثاني معرض بعد الافتتاح)، إضافة إلى عمل للفنان العراقي عصام السيد، الذي كانت أعماله أول الأعمال التي افتتحت بها أعمال الجاليري، وجاورتها أعمال فنانة كويتية رائدة، هي منيرة القاضي التي جسدت أعمالها لمسة حداثة متطورة، بالإضافة لعدد كبير آخر من الفنانين.

          كما تجاورت على جدران القاعة «كتالوجات» ونماذج من دعوات افتتاح بعض تلك المعارض والبطاقات التعريفية للفنانين المشاركين، بالإضافة إلى قوائم أسعار اللوحات التي تم بيعها. وبينها مثلا معارض للفنانين إيتيل عدنان، آدم حنين، رشيد قريشي، نهى الراضي، شاكر حسن، سعاد العيسى، إضافة لمعرض للنحات المصري محمد موسى وغيرهم. وفي قائمة المعرض الذي أقيم بمناسبة مرور ربع قرن على افتتاح الجاليري، عرضت مجموعة من أعمال هؤلاء الفنانين، إضافة لأعمال الفنانين جاذبية سري، دانيل نويل، جعفر إصلاح، كاترين ستافورد، إينا دورن، باتريشيا ميلنز، ريما فرح، فيصل سمره، وليلى الشوا، وعدد آخر من الفنانين العرب والأجانب.

رسائل ووثائق

          وعلى ما يشبه منضدة كبيرة، استعرض الجاليري عددًا من المكاتبات التي تبادلها المسئولان عن الجاليري مع فنانين آخرين، بعضها في مرحلة ما قبل التأسيس، وبعضها يعود لمناسبات خاصة، مثل مرور 20 عامًا على افتتاح الجاليري، وبعضها يعود إلى مشاركة الجاليري في مناسبات دولية خاصة. وبينها، على سبيل المثال، مكاتبات بين غازي سلطان وبين مجلس المرأة العربية في لندن، حيث شارك الجاليري في إحدى فعالياته بثلاثين لوحة فنية لأبرز الفنانين العرب في ذلك الوقت.

          من اللافت أن المكاتبات في غالبيتها كانت تتم باللغة الإنجليزية، وخصوصًا تلك التي كانت تكتب بواسطة غازي سلطان، وكلها منسوخة بالآلة الكاتبة، وهو ما يعكس طبيعة التعليم الذي تلقاه غازي سلطان، في المجتمع الكويتي آنذاك في نهاية الستينيات.

          لكن ما يلفت الانتباه أكثر هو طبيعة الأعمال الفنية التي عرضت في الجاليري في بداياته، وخصوصًا المعرض الأول الذي تضمن أعمال كل من الفنانين عصام السيد، وهو فنان عراقي عاش في لندن حتى وفاته في العام 1988، والفنانة الكويتية منيرة القاضي، التي درست الفنون في لندن، وحصلت على إجازتها في العام 1961، واستمرت تعمل في بريطانيا. فيبدو جليا في تلك الأعمال لمسة من الحداثة من جهة، وتأثر بحركات التجديد التي شهدها الفن التشكيلي العربي آنذاك، مع محاولة إضفاء العنصر الذي يمثل خصوصية التراث العربي من جهة أخرى.

          قراءة لافتات الأسعار للأعمال الفنية للفنانين المختلفين تبدو مثل تتبع مسار تاريخي للقيمة المادية للعمل الفني العربي بشكل عام من جهة، كما قد تشير أيضا إلى تفاوتات القيمة المادية لأعمال الفنانين الأكبر عمرا مقارنة بالشباب، وأحيانا تبدو التفاوتات في أسعار بعض اللوحات وكيفية تقديرها غير مفهومة.

          فبينما مثلا كانت أغلب الأعمال الفنية تتراوح أسعارها بين 65 و15 دينارًا بحد أدنى في الفترة بين نهاية الستينيات وحتى منتصف السبعينيات، سنجد أن بعضها تضاعف في أواخر الثمانينيات، حيث نرى مثلا عملا للفنان فيصل سمرة يصل إلى 750 دينارًا في العام 1989، أو 600 دينار كما في بعض أعمال شاكر حسن، و450 دينارًا لعمل من أعمال جعفر إصلاح.

توثيق الافتتاح

          من بين ما يتضمنه الجاليري من وثائق المراسلات الأولى بين غازي سلطان والفنان عصام السيد، التي تتجلى فيها الأفكار التي كانت تتداول بينهما من أجل إقامة الجاليري ولإقامة الافتتاح، وذلك على امتداد العام 1968 قبل افتتاح الجاليري بعام. وفيها نرى كيف أن الاتصال في ذلك الوقت كان يأخذ وقتا طويلاً، لأن المراسلات كلها كانت بالبريد العادي، كما أن سفر الأعمال الفنية، وانتقالها، وخصوصًا في المنطقة العربية، كان يعاني صعوبات كبيرة بسبب البيروقراطية، وبسبب عدم وجود خبرة في شحن الأعمال الفنية، حيث يذكر غازي سلطان في إحدى رسائله إلى عصام السيد، بعد أن يقدم اعتذاره الشديد، أن الخطوط الكويتية لم تكن أمّنت على الأعمال الفنية التي شحنتها وتسببت في إتلاف عدد من الأعمال النحتية، وهو ما نلمح إشارات له في الرسائل.

          وكذلك في التقديم الذي كتبه غازي سلطان في افتتاح المعرض الاحتفالي بمرور عشرين عاما على افتتاح الجاليري. هذه رحلة تاريخية فنية مهمة في الحقيقة، تمثل جزءا من مسيرة الفن التشكيلي العربي المعاصر، كما تكشف رحلة الطموح والإرادة والذوق الرفيع، التي تحلى بها مؤسسا الجاليري، الذي تسبب في الارتقاء بسمعة الفن التشكيلي في منطقة الخليج العربي بشكل عام، ولفت الانتباه للدور الذي لعبته الحركة التشكيلية الوليدة في الخليج في مسار الحركة التشكيلية العربية عموما.

          جدير بالذكر أن الجاليري قد عاد لنشاطه في العام 2006 بنفس الطموح والذوق الرفيع الذي تديره به الآن السيدة فريدة سلطان، وتواصل مسيرة المؤسسين بنفس الطموح والذوق والانفتاح على العالم وعلى الفنون، حيث أسهم الجاليري في استضافة عدد كبير من الفنانين العرب والكويتيين من القامات الفنية المميزة ولا يزال. تحية لجاليري سلطان وللقائمين عليه.

 

إبراهيم فرغلي   








حفل الافتتاح في مارس 1969





لوحة للفنان صالح الجميعي من مقتنيات الجاليري





من أعمال الفنان أمين الباشا





من أعمال الفنان أمين الباشا





عمل للفنان يحيى سويلم





من أعمال الفنانة ليلى الشوا





ملصق افتتاح أول معرض في جاليري سلطان في بالعام 1969





من أعمال الفنانة الكويتية منيرة القاضي





نماذج من ملصقات المعرض مع بداية السبعينيات





ملصق معرض الفنان اللبناني أمين الباشا في مطلع السبعينيات