بيتنا العربي: الفنون في حياة الأبناء
بيتنا العربي: الفنون في حياة الأبناء
رئيس التحرير لا تمثل الفنون اليوم شأنًا نخبويًا يهتم به أفراد منعزلون أو طائفة في برج عاجي، بل أصبحت شغل كل امرئ في عالمنا العربي، وهو ما وسَّع إدراك الجميع لها، باعتبار أن الفن يتيح لنا اختيار كل شيء، من الملبس الذي نرتديه، والحقائب التي نستخدمها، والسيارات التي نشتريها، والهواتف والأجهزة الرقمية الأخرى التي نستخدمها. لهذا حين نهتم بتنشئة الأبناء على تذوّق الفن، فنحن نربي فيهم حسّ المعماري، ونعلي لديهم من ذائقة الأديب، ونحسّن عندهم أبجديات العالِم. إن البيولوجي الماهر - مثالا - لا يمكن إلا أن يكون رسامًا نابغة، وكذلك المهندس، عليه أن يكون واسع الخيال مثل فنان سوريالي. الفنون لا تنشأ عند دخول الأبناء المرحلة الجامعية، بل إن الحواس التي تفطم على الجماليات تساهم في إسعاد جيل المستقبل. فلنهتم بإدراج الفنون في حياة أبنائنا، وإدراكهم لقيمتها. تلك أحد أنبل وأشق مهام الأسرة العربية في كل بيت عربي. --------------------------------------- د. كريستين نصار يعطي الأطباء، منذ عدة سنوات، أهمية خاصة لاضطرابات السلوك الغذائي عند الرضيع والمراهق، في حين يبقى أطفال ما بين 6 و12 سنة بعيدين عن مثل هذا الاهتمام، مع العلم بأنّ هذه المرحلة من الحياة (أي «مرحلة الكمون» حسب التحليل النفسي) لا توفّرها الخصوصيات الغذائية المتزايدة الأهمية وبشكل ثابت في المجتمعات المعاصرة. لذا، سنحاول إلقاء بعض الضوء على هذه المرحلة (6 - 12 سنة): لقد تبين أن هناك، خلال السنوات الأولى من الحياة، ما بين 1 و2 في المائة من الأطفال - الفتية يعانون ما قد يسمى «اضطرابات السلوك الغذائي»: 70 في المائة من هذه الاضطرابات تستمر حتى العمر المدرسي. وفي العمر المدرسي، نسبة انتشار هذه الحالات غير معروفة، كل ما هو معروف أن 16 في المائة من الأطفال الفرنسيين مثلا، هم بدينون وأن فقد الشهية العصبي يصيب كاضطراب فتاة من كل مائة أنثى. وكما قيل، الجميع يعرفون أن المراهقين، فتيات أو فتيانًا، قد يعانون فقد الشهية العصبي، لكن قلة هم من يعرفون أن الأطفال الصغار قد يعانون، هم أيضًا، هذا الاضطراب. في مجتمعنا، حين لا نحب صورة جسدنا، تقوم الفتيات بعمليات حمية، في حين يمارس الصبيان الرياضة بشكل مفرط، وهذه الحمية تقود عددًا قليلاً جدًا من الفتيات باتجاه النحافة فلا يتوقفن، من ثم، عند ذلك، والرياضة قد تقود عددًا أقل من الصبيان إلى الحمية فلا يتوقفون، من ثم، عند ذلك: «نسبة الذكور/ الإناث = ذكر على 3 إناث». أهمية مرحلة البلوغ (10 - 12 سنة) من حيث الإصابة باضطراب سلوكي غذائي معين تفصل مرحلة البلوغ بين الطفولة والمراهقة، وهي في غاية الأهمية نظرًا للانتكاسات السلبية التي قد تتركها عند الراشد. فالبلوغ هو ولادة جديدة ويُعايش غالبًا بصعوبة زائدة نظرًا لتحول الجسم خلال بضعة أشهر حيث يكون التحول غير معكوس، غير قابل للضبط ويترافق بشكل متواتر مع زيادة في الوزن، مع تزايد سريع على مستوى الفخذين بالمقارنة مع النصف الأعلى من الجسم أو مع ظهور مشكلات على مستوى الجلد كحب الشباب، في حين لم يحقق الجسم، بعد، الأبعاد التي تميّزه في سن الرشد، وبالتالي، يصبح النظر في المرآة أحيانًا بمنزلة عقاب للفرد خلال هذه الفترة. وكما قيل، قد يشكّل البلوغ عامل خطر بالنسبة لنشوء اضطراب الغذاء. لكنّ الوضعية ليست على هذه الدرجة المرتفعة من المأساوية، كما قد يُعتقد. فالصعوبة تكمن في تكيّف الفرد مع جسده الجديد وفي معرفة كيف يحمله كما يحمل كساء، لأن مركز الثقل قد تغير مكانه. فمع الثديين مثلا، تحس الفتاة البالغة بأنها أثقل وزنًا، لذا ستجد لذّة في الاعتناء بجسدها وبتقييمه إن توقفت عن اعتبار نفسها زائرة عليه. ليس أفضل من الأمثلة لتوضيح المقصود: سمير (6 سنوات) ولد مزاجيًا، ولا يأكل إلا حين يرغب بذلك، سالم (11 سنة) يُتخَم بالبطاطا المقلية التي يشتريها في الخفاء من مطاعم الأكل السريع، سعاد تقارن فخذيها مع أفخاذ رفيقاتها، ماري تتسلّى بالتهام البسكويت وهي تنتظر عودة أهلها، لكن وزنها لا يزداد لأنها تتحكم بنفسها، بعد نوبة من الشره العصبي، فتمتنع عن الأكل خلال وجبتين متتاليتين أو تتعمد التقيؤ الذاتي، ميلاد (11 سنة) يذهب إلى مطاعم الأكل السريع، بعد المدرسة، فيلتهم سندويشًا مزدوجًا من الهمبرجر مع كمية كبيرة من البطاطا المقلية وقنينة كبيرة من المشروبات الغازية فيزداد وزنه لأنه لا يقوم بسلوكيات تعويضية، الأمر الذي يقود لاستشارة الاختصاصي بخصوص نوبات الشره العصبي التي يتعرض لها بعد إخبار الشقيقة والدتهم بأمره وتأكّد هذه الأم أن الاضطراب قابل للعلاج والشفاء. لايزال تحديد اضطراب السلوك الغذائي بين هذه السلوكيات الغذائية المختلفة، عند الطفل، صعبًا، فالشره العصبي، كاضطراب، هو حالة نادرة قبل الثالثة عشرة من العمر، ونسبة فقد الشهية العصبي هي أكثر ندرة في مرحلة البلوغ من تلك الموجودة في مرحلة المراهقة حيث السيطرة واضحة للإناث (إصابة ذكر على 9 فتيات)، ومع ذلك، هذا الاضطراب موجود قبل سن البلوغ حيث 20 - 30 في المائة من الحالات تخص الذكور. ثم إن الدفعات الغذائية القهرية، الملاحظة خصوصًا عند أطفال هذه المرحلة (ما بين 6 و12 سنة)، تبدو تحت أشكال متنوعة حيث الحدود بين ما هو سوي وما هو مرضي ليست واضحة. كُثُر هم الأطفال المتروكون على هواهم (يعود الأهل إلى المنزل منهكين فلا يطبخون أو نادرًا ما يقومون بالطبخ، البرّاد تحت تصرف الطفل، مصروف الجيب واف وجاهز لديه..)، يأكلون البسكويت أو الشوكولا أو المقالي.. في كل وقت. أحيان، لا تتجاوز كمية الغذاء التي يتناولونها حدًا معينًا فلا تنعكس سلبًا على وزن الطفل، وفي أحيان أخرى، تكون عملية التغذية فوضوية جدًا مع نتائج غاية في السلبية، وتتمثل خصوصًا بازدياد وزن الطفل ومن ثم تعرّضه للبدانة أو للقيام بسلوكيات إلغائية (كعمليات التقيؤ الذاتي، الصيام، الامتناع عن الأكل وقعتين متتاليتين.. إلخ) قد تعرّضه، وإن بشكل أكثر ندرة، لما يسمّى اضطراب «فقد الشهية». ينبغي عدم الخلط، هنا، بين ما يسمى «الجوع الشديد» الملاحظ عند بعض الأطفال الذين «لا يشبعون» كما تقول بعض الأمهات وبين ما يسمى الدفعة الغذائية القهرية (المرضية الطابع): كمية الغذاء (مهما بدت كبيرة) هي ضعيفة نسبيًا في الحالة الأولى، مهمة وقد تذهب إلى حدود الغثيان، النفور وطفح الكيل في الحالة الثانية، اللذة موجودة في الأولى، غائبة في الثانية، إمكان التحكم موجود في الأولى، غائب في الثانية، عمليات القيء موجودة فقط في الحالة الثانية. ظاهرة قلّة الأكل: عامل خطر يؤدي لاضطراب غذائي غير محدد بيّنت دراسات حديثة متابعة لأطفال قليلي الأكل منذ الأشهر الأولى من الحياة أن هذا السلوك (قلّة الأكل) هو عامل خطر يمهّد لإصابة الطفل، في ما بعد باضطراب السلوك الغذائي، وبشكل مواز يبدي أطفال المجتمع الحالي، منذ صغرهم، انشغالاً ظاهرًا بمظهرهم الخارجي ويعتبرون الجسد الفتي، ذا العضل، الجميل والرشيق (النحيف) مثالاً لهم، وذلك منذ السنة الثالثة أو الرابعة من عمرهم. هذا، ويبدي بعض الأطفال خشيتهم من السمنة، منذ الخامسة من عمرهم، ولا يحبون اللعب مع رفاقهم البدينين الذين يصفونهم بالكسل، بالبشاعة، بالكذب وبالغباء. ثم إن بعض الفتيات يملن، منذ السنة العاشرة، لاعتبار بطنهن شديد الضخامة (البدانة)، ولدى الأطفال انشغالات البال نفسها بالنسبة للوزن، للشكل ولمظهر الجسم الملاحظة عند الراشدين. تشكّل كلمات «حمية، سعرات حرارية، نحافة وشكل فيزيقي» جزءًا من قاموسهم. وهم، بذلك، يتأثرون بالبيئة المحيطة بهم بوسائل الإعلام. خلاصة القول، لا تتوافر اضطرابات السلوك الغذائي في أطفال ما بين 6 و12 سنة، وللأطباء هنا دور وقائي جوهري: عليهم السهر على عدم وصف عمليات حمية متطرفة، على تفسير مخاطر التقييد الغذائي على نماء الطفل للأهل وللأطفال، عدم تقييم النحافة بشكل متطرف، بل العمل على تعديل طلباتهم في هذا المجال، وفي كل الحالات، عليهم تشجيع العائلات للمحافظة على وجبات سارّة تتسم بالمنادمة (أي المشاركة في المرح ولذّة تناول الطعام مع الآخرين)، عليهم، أيضًا، تشجيعهم على ممارسة التمارين الفيزيقية بشكل معتدل وتجنب كل إفراط، ومن المفضل تعويدهم على ممارسة نشاطات الاسترخاء. لا بد، قبل إنهاء حديثنا في هذا الإطار، من التنويه إلى واقع ازدياد نسبة انتشار البدانة، وبشكل ملموس، عند أطفال هذه المرحلة (ما بين 6 و12 سنة) خلال السنوات الأخيرة، وإلى ازدياد عدد البرامج المعدة للأطفل، وبشكل مواز عدد الساعات التي يقضونها أمام التلفزيون (يشاهد الأطفال المعاصرون التلفزيون أكثر من 4 ساعات في اليوم). غني عن القول، هنا، إنّ من شأن كل ذلك رفع مخاطر السمنة (البدانة) التي كشفت دراسات عدة عن ارتباطها بشكل دال وإيجابي على عدد ساعات مشاهدة التلفزيون. يضاف إلى ذلك، نمو الدعاية المركّزة على الأطعمة ذات النوعية الفقيرة بالضروريات الغذائية والموجهة للأطفال بشكل كبير: ألا تعزّز هذه الرسائل كمية استهلاكها؟ وألعاب الفيديو تشتمل، هي الأخرى، على نشاط يساهم في خفض الوقت المخصص للنشاط الفيزيقي. من شأن مختلف الدعايات والبرامج هذه تنمية عادات غذائية مؤذية، وأحيانًا نهائية، عند الطفل. باختصار نقول، للتلفزيون (والمقصود هنا الشاشة وألعاب الفيديو على حد سواء) تأثير مهم على نمو السمنة عند الطفل المعاصر، إن بفعل الوقت الذي يقضيه أمام الشاشة (بخاصة إن ترافق حضوره لها مع قضمه لمأكولات فقيرة غذائيًا)، أو خصوصًا بفعل نوعية البرامج المعدة له في ظل ضياع الأهل بالنسبة لدورهم وقدرتهم على تحديد الوقت الذي يقضيه أمام هذه الشاشة.. إلخ. من المنطقي، بالتالي، أن يساهم تنظيم هذه البرامج والدعايات في تحسين الرسائل الموجهة للأطفال وفي تجنّب نمو مثل هذه العادات الغذائية المؤذية، وأحيانًا النهائية. من المفضّل أيضًا، أن يمارس الأهل ضبطًا أكبر على المستويين، النوعي والكمي، للبرامج التي يشاهدها أطفالهم، وكذلك القول بالنسبة للمسئولين الذين تقع عليهم مسئولية ضبط البرامج الموجهّة إليهم. --------------------------------------- محمد فتحي (1) أبجدية شخص يشبهك ( أ ) أحب وطني.. لكنني أشعر دائماً بأنه حب من طرف واحد! (ب) بريدي ممتلئ دائماً بالإعلانات والمهملات، وبريدي المهم لا يأتي أبداً. (ت) تفاحة أخرجت آدم من الجنة. ومازلنا نأكل التفاح حتى الآن!! (ث) ثمن الحرية باهظ..، ولا يمكن اقتراضه أبداً. (ج) جميع أصدقائي.. ليسوا كذلك بالفعل!! (ح) حروبي اليومية أخسرها جميعاً، لأنها تكون مع زوجتي. (خ) خوفي الدائم لا يبرره سوى أنني لم أعتد استمرار السعادة. (د) دوام الحال.. ليس دائماً من المحال.. صديقي ولد غنياً، ولايزال!! (ذ) ذنبي الكبير أنني أظن دائماً ألا ذنب لي. (ر) «رحمتي غلبت غضبي».. لماذا ينسى شيوخنا هذا الحديث القدسي دائماً؟!! (ز) زنة النحلة أفضل أحياناً من عسلها، فلا تغضب من بكاء أطفالك. (س) سامحتها، لكنها لم تسامح مسامحتي لها، فلم أسامح نفسي. (ش) شهوة الكتابة تتلبث كثيرًا من الكتَّاب، فنشعر بالذنب بعد قراءتنا لما يكتبون. (ص) صورتي الجميلة التي أضعها في كل مكان بالبيت.. لا تشبهني أبداً. (ض) ضمتك لزوجتك في حضنك بمنتهى الصدق.. أفضل من كل هدايا الدنيا.. باستثناء الذهب. (ط) طريق النجاح لا يصل أحد إلى نهايته إلا بعد أن يفشل عدة مرات. (ظ) ظهور الزوجة المثالية في عالمنا العربي.. من علامات نهاية العالم. (ع) علمك الذي لا ينفعك دليل على أنك لم تتعلمه أصلاً. (غ) غريب في وطن لا يحب الغرباء. (ف) فهمت أنني لا أفهم متأخراً، فكففت عن الفهم إلى الأبد!! (ق) قوتي تكمن في دموعي.. التوقيع: امرأة عربية. (ك) كلبك الوفي سيأتي يوم ويعضك فيه إذا لم تبادله الوفاء. (ل) لا تقل أبداً لا.. لقلبك. (م) موت الضمير خطوة مهمة لدى البعض حيث يدركون لحظتها فقط أنهم كانوا يملكون ضميراً!! (ن) «نعم» هي نتيجة أي استفتاء، عدا ذلك الذي يستفتى فيه عليك!! (ه) هدهد سليمان أخبره بما لم يُحِطْ به علماً..، بينما أطفالنا لو شاهدوا هدهداً لقدموه لنا على الغداء. (و) ويل لمن أدرك أنه لا يدرك شيئاً. (ي) يقيني بنفسي.. في حاجة لمراجعة طبيب نفسي. (2) هل تسمعني؟ لم تعد زوجتي تسمعني جيداً، وأخاف عليها من المتاعب الصحية للتقدم في العمر. صحيح أنها مازالت شابة، لكن من قال إن النساء يكبرن عن الخامسة والعشرين؟ عموماً لم أقل لها حتى لا أخدمها وأجعلها تدرك أنها لم تعد تسمع جيداً، واتخذت قراري بالذهاب لصديق لي يعمل طبيباً للأنف والأذن والحنجرة، حكيت له عن متاعب زوجتي في السمع وأنها ترفض الاعتراف بها وأعاني منها وحدي، فطلب مني أن أقوم باختبار أعرف من خلاله درجة سمعها بالضبط، وبالتالي سيحدد وقتها أي علاج أفضل. طلب مني أن أنادي عليها من مسافة، وحين لا تسمع أقترب وأحسب المسافة جيداً، حتى تسمعني، ثم أقول له عند أي مسافة، بالضبط سمعتني. ذهبت مسرعاً للبيت وحين فتحت باب الشقة وجدتها عند (السفرة) تعد لنا الطعام وهي تدير لي ظهرها. ناديتها من على مسافة خمسة أمتار: ماذا طبخت لنا اليوم يا حبيبتي؟. فلم ترد. اقتربت متراً وكررت: ماذا طبخت اليوم لنا يا حبيبتي؟ لم ترد. بدأت في القلق واقتربت متراً آخر وأنا أكرر: ماذا طبخت اليوم لنا يا حبيبتي؟ لم ترد، وظلت مولية ظهرها لي فاقتربت متراً آخر وأنا أكاد أصرخ: ماذا طبخت اليوم لنا يا حبيبتي؟..، وحينها - حينها فقط التفتت زوجتي لي في غضب، وكانت المفاجأة أنها قالت لي : رددت عليك أربع مرات وأنا أقول لك صينية بطاطس.. صينية بطااااطس!! وكنت أنا الذي لا أسمع! (3) غني لي.. شوية شوية!! فجأة تحول عالمنا العربي إلى مجموعة برامج يغني فيها الجميع رغم ما نحياه من نشاز، لكن الشيء الغريب أن آفة الأغنيات العربية لاتزال كما هي. نفس الأغاني. نفس الكلمات. نفس مشاعر الحب والهجر والخصام والوداع. وغيرها من العلامات الغريبة للأغنية العربية، لكن أخيراً استمعت لأغنية جميلة للشاب خالد (المطرب العربي الجزائري الشهير) موضوعها عن الهجرة غير الشرعية!!! وكانت عذبة وجميلة ورائعة بعيداً عن الرجل الذي يخاطب حبيبته وكأنها صديقه (الأنتيم)، فهل جاء وقت نغير فيه موضوعات أغنياتنا، وتكون فيها برامج المسابقات الغنائية لإطرابنا، وتقديم أغنيات مختلفة، وموضوعات تمس واقعنا العربي يغني فيها المطرب لنا بدلاً من أن يغني علينا؟؟. --------------------------------------- أميرة مصطفى الأعياد مواسم البهجة، فالعيد مناسبة رائعة للفرح وتبادل التهاني والتزاور والتنزه والسمر. لكنه أيضًا يمكن أن يكون مناسبة متميزة للتعلم غير المباشر، والتربية بمحاكاة الأفعال الإيجابية، ووسيلة ناجحة في تدعيم الترابط الأسري والتكافل الاجتماعي لدى أطفالنا. لقد تعودنا أن نحتفل بالأعياد بكثير من السلوكيات، بعضها يخص الطعام والشراب والملبس، وبعضها الآخر يخص العلاقات الاجتماعية والإنسانية مع الأهل والجيران. وسوف نحاول في هذا المقال تقديم اقتراحات لتوجيه سلوكيات الأسرة العربية في الأعياد، بهدف غرس القيم الإيجابية لدى أطفالنا، وتصحيح مسار نموهم الاجتماعي، والاستفادة من هذه المناسبات الترفيهية في بناء شخصية اجتماعية سوية للطفل. الاقتراح الأول: إشراك الطفل في إنجاز الاستعدادات المنزلية لاستقبال العيد، ولو من خلال تقديم مساعدات بسيطة للغاية. ويمكن تحويل هذه الاستعدادات إلى تدريب على العمل الجماعي، وروح الفريق، بتوزيع مهام الاستعداد للعيد على كل أفراد الأسرة، بحسب ما يستطيعه كل فرد. وتعزز هذه المشاركة من إحساس الطفل بالمسئولية وتُنمي ثقته بنفسه، وتجعله يشعر أنه شريك فاعل في الأسرة. الاقتراح الثاني: تحفيز الذائقة الجمالية للطفل. تستغل بعض الأسر العربية فرصة العيد لعمل بعض التجديدات المنزلية، وهي مناسبة جيدة للارتقاء بالإحساس الجمالي عند الطفل. فعلى سبيل المثال، إذا كانت الأسرة بصدد تجميل حوائط الغرف، فيمكن حفز الطفل على الإدلاء برأيه بخصوص اختيار درجات الألوان، وأماكن التزيين، واللوحات التي يمكن أن تناسبها. ومدح رأيه إذا كان ينُم عن ذوق جمالي، وتوجيهه الوجهة الصحيحة إن كان الأمر على خلاف ذلك. الاقتراح الثالث: بعض الأسر تخلط بين السعادة وكثرة الإنفاق، وهو ما قد يرجع إلى نمط الحياة الاستهلاكية، التي تجعل من التسوق ترفيهًا أسبوعيًا. ويمكن أن نستفيد من أيام الأعياد في تصحيح هذا التصور، وتأكيد أننا لا نحتاج إلى إنفاق الكثير من المال لنشعر بسعادة حقيقية. إن قائمة متوازنة من الأعمال للتمتع بإجازة العيد قد تتضمن بالأساس ممارسة ألعاب جماعية أو الخروج في زيارات للأهل، أو لقاءات أسرية للسمر، أو غناء جماعيًا أو مشاهدة بعض الأفلام أو البرامج الترفيهية. وقد يكون من المفيد أن يقرر الجميع أن يحققوا أكبر قدر ممكن من الاستمتاع في حدود أقل قدر من التكاليف الاقتصادية، وغرس قيمة «أن تحقيق السعادة لا يعني بالضرورة المزيد من الإنفاق، أو استهلاك ما يزيد على الحاجة»، وهي من القيم المهمة في مرحلة الطفولة. الاقتراح الرابع: الأطفال هم نجوم الأعياد وأقمارها. لكن يمكن أيضًا أن نوزع بعض البهجة على كبار السن والعجائز. فعادة ما ينتظر الصغار بعض الهدايا أو النقود (العيدية) من الكبار. ويمكن تغيير هذا النمط من العطاء بأن يقدم الأطفال هدايا رمزية لأجدادهم ولكبار السن في العائلة، بما يثري من مشاعر الحب والتعاطف بين الأطفال وآبائهم وأجدادهم. إن هذه الوسيلة تحقق هدفين هما أولاً فكرة المبادأة بإسعاد كبار السن ممن قد تعيقهم حالتهم الصحية عن التنزه والتمتع بما يتاح لغيرهم، والثاني هو تدريب الأطفال على عادة العطاء وتقديم الهدايا للآخرين، وتدريبهم على سلوك إسعاد الأجداد والتواصل الحميمي معهم. الاقتراح الخامس: اصطحاب الأطفال إلى بعض الأحياء الفقيرة أو دور الأيتام. فعادة ما تقتصر مظاهر الاحتفال بالأعياد في بعض المناطق الفقيرة على ساعات معدودة يقضيها الأطفال في اللهو بالشارع. وقد يمر يوم العيد دون أحداث جديدة تميزه عن غيره من الأيام. فعندما نصطحب أبناءنا ليقدموا بعض حلوى العيد أو الملابس الجديدة مثلاً إلى الأطفال في الأحياء الفقيرة أو دور الأيتام، يزداد وعيهم بالآخرين الذين لا يحظون بلعبة أو ملبس جديد أو حتى عائلة تحتويهم. وبذلك ننمي فيهم قيمة القناعة والرضا بما لديهم، وقيمة شكر الله على النعم التي يحظون بها، وقيمة الإحساس بمشاعر الآخرين. كما نربي فيهم سلوك التكافل الاجتماعي الضروري للحفاظ على تماسك المجتمع وأمنه. وهكذا نستطيع أن نحول أيام الأعياد إلى مناسبات للبهجة والتعلم أيضًا. --------------------------------------- آمال عوّاد رضوان تلتقي كاتبة المقال مع واحدة من رائدات البحث في التراث الفلسطيني، الباحثة الفولكلورية الفلسطينية نائلة لبّس. كان ياما كان.. عائلة صغيرة هادئة تتكوّن من أب وأم وطفلتهما، تسكن في حيفا تنتظر مولودهما الثاني، عندما اندلعت حرب الاغتصاب المعروفة بالنكبة، نكبة فلسطين التي عصفت وهزّت أركان البلاد والعباد. وكان النزوح.. هجرة داخليّة وخارجيّة غيّرت خريطة الأرض ومواقع سكّانها، من لاجئ هارب عبر الحدود، إلى طالب لحماية الأهل في الجوار. ومن حيفا لفظت أمواج بحرها تلك العائلة إلى النّاصرة التي بها استقرّت ولاتزال. النّاصرة مدينة البشارة التي استقبلتني جنينًا في شهره الخامس، مع أب كان موظّفًا في شركة بترول العراق في حيفا، وأمّ ربّة منزل تربّي طفلتها وتنتظر مولودها، حيث كان لهذه العائلة حقّ الأولويّة في استئجار غرفة في دير المطران الأرثوذكسي، إذ إن أمّي حفيدة كاهن الطّائفة في قرية يافا النّاصرة. ولمّا خسر أبي وظيفته، أخذ يبحث عن عمل يكفل له الحياة الكريمة، ولم يطل بحثه، إذ كان قد تعلّم مهنة التّصوير الفوتوغرافي بنفسه، وبها بدأ عمله في تصوير كلّ من أراد استصدار بطاقة هويّة مع بداية الاحتلال. كان عمله شاقًّا بل مضنيًا، خصوصًا بعد ولادتي، ثمّ أخي الذي ولد بعدي بسنة، وكان لوالدتي دورها في معاونة زوجها المصوّر الشّابّ، الّذي يعمل بطريقة بدائيّة في إخراج الصّور. لقد كان لحياتي في كنف جدّي وجدّتي الأثر الأهمّ في توجّهي نحو كلّ ما هو متعلّقٌ بالمأثورات الشّعبيّة، علمًا بأنّ قرية يافا النّاصرة قريةٌ زراعيّة، وسكّانها بأغلبيّتهم السّاحقة من الفلاّحين، وكان جدّي لوالدتي شرطيًّا في زمن الانتداب البريطانيّ، وقد أُعفي من الخدمة قبل الحرب بأشهر قليلة، لخوفه من تدهور الأوضاع الأمنيّة، وهو المالك لمساحة من الأرض لا يستهان بها. هناك، في يافا الناصرة عشت حياة الفلاّحين بحلوها ومرّها، بمكوّناتها المادّيّة والفكريّة، بمواسمها الزّراعيّة واحتفالاتها الشّعبيّة، هناك قطفت الزّيتون، وجمعت البيض من قنّ الدّجاجات، وشاركت في حلب البقرة التي كنت أشرب لبنها مباشرةً من ضرعها، وكذلك شاركت في أفراحها وكلّ مناسباتها. وكم شدّني ذاك الغناء الذي كان يصدر من حناجر النّسوة المشاركات في الأعراس، كم وكم حفظت من أبيات مبعثرة من أغانيهنّ، تلك الأغاني الّتي كانت «الخميرة» الّتي تكاثرت مع تقدّمي في العّمر. مثلّث المحاور لا بدّ من وجوده كي أقوم بما قمت، في ظلّ غياب التّشجيع المعنويّ والمعنويّات المادّيّة من الألف حتى الياء. المحور الأوّل هو المناخ الفلاّحيّ الزراعيّ، فهو الدّفيئة التي حضنت وأنتجت الفولكلور بكلّ نواحيه، القوليّة والموسيقيّة والترفيهيّة وسواها.. إذ لا بدّ ممّن يتعامل معها من معايشة الفولكلور من خلال الحياة، في كنف المجتمع الّذي أنتجه، كي نستطيع فهم وهضم النّصوص والصّور التي تعبق بها الأغاني والحكايات، وهي الطّعم المميّز للمادّة، مع غياب المركّبات الاجتماعيّة الّتي أنتجت التراث، نتيجة تبدّل نمط الحياة، من الزّراعيّة المنتجة إلى الحديثة المستهلكة، بمعنى؛ أنّنا نغنّي مثلًا: ذبحنا ذبايحنا على المرج الأخضر فلماذا قمنا بذبح الذّبائح في المرج وليس في ساحات البيوت؟ الجواب؛ أنّ بعض سهرات الأعراس كانت تقام في خيام ينصبها الأهل على أحفاف البلد، كي تتّسع لأكبر عدد من المدعوّين، وهذه إشارةٌ للعرس الكبير الذي لا يقيمه عامّة الشّعب بل علّيّة القوم. المحور الثّاني هو مهارة الباحث في التّعبير عمّا يختلج في صدره، وعمّا يملأ رأسه من أفكار وتحليلات، كي تصل الفكرة للقارئ بشكل سلس بعيدّا عن الرّكاكة، وهذا ما حباني الله به من قدرة على التّعبير، كانت قد فاقت ميولي الموسيقيّة، وقد تميّزت منذ طفولتي بمواضيعي الإنشائيّة، ممّا أثار إعجاب معلّمتي للّغة العربيّة السّيّدة مريم بقلي أمدّ الله في عمرها. وأهمّ المحاور هو الاطّلاع بموضوع الموسيقى، لكوني أتحدّث عنّي كباحثة في «الأغنية»، وتحديدًا الأغاني النّسائيّة في الفولكلور،، والإلمام بأبسط أسسها ومعرفة الإيقاعات الّتي تبنى عليها الأغاني، مع قدر متواضع من إتقان تأدية الغناء، إذ كنت أملك صوتًا جهوريًّا قويًّا. تلك هي أهمّ العناصر الّتي اتّكلت عليها، وكان لا بدّ منها لإخراج أبحاثي للنّور. أوّلًا: أنا لا أدّعي بأنّي مهتمّة بمعنى باحثة بكلّ الموروثات الشّعبيّة، لأنّ ذلك ضربٌ من المستحيل، عندها يتحوّل البحث إلى سرد ركيك لمركّبات الفولكلور، وهذا ليس بحثًا. أمّا عن اهتمامي بالموروثات الشّعبيّة، وتحديدًا بالأغاني النّسائيّة وما يدور حولها من مواضيع، وهي كثيرة جدًّا، فقد جاءت لإيماني بكون هذه الموروثات ضرورةً ملحّةً لأيّ شعب، خاصّةً في غياب المؤسّسات الحكوميّة التي تحفظ وتحافظ على الموروثات الشّعبيّة، لأنها من أهمّ مركّبات الحياة النّفسيّة والعاطفيّة للمجتمع، وهي الشّاهد على تطوّر أيّ مجموعة تعيش على بقعة من الأرض تسمّى وطناً، وتدحرج المتغيّرات في مسار المجتمع من البدائيّة الأولى حتّى أقصى درجات الازدهار، خاّصةً ونحن نتحدّث عن الأغاني النّسائيّة، الّتي لم تترك أيّ جانب من الجوانب إلًا وتحدّثت عنه بكلّ تفاصيله. لعائلتي الموسيقيّة بدايةٌ تعود إلى ما قبل كونها أسرة، فكان هناك حبٌّ وشغفٌ بالموسيقا لكلّ من أمّي وأبي رحمهما الله في شبابهما، وكان طموح والدي أن يتقن العزف على آلة العود منذ كان في حيفا، يستمع للمرحوم حليم الرّومي في صالون الحلاقة الّذي كان يديره فيلومون وهبة، حيث اشترى عوده الأوّل ممّا ادّخر من دخله القليل، في ظلّ عائلة فقيرة عديدة الأولاد، وجميعهم من الذّكور. وبما أنّ والدي هو الابن البكر، فقد كان عليه أن يعين والدته في أعمال المنزل من مسح للأرضيّة والكنس والعجن وغيره.. وعند الفراغ كان يلجأ «للسّدّه» المكان المرتفع في البيت لتخزين المؤن، كي يمارس موهبته للعزف على عوده. وفي إحدى المرّات، كانت والدته بحاجة إلى مساعدته ولم يستجب لندائها، فصعدت إلى حيث كان، وحملت العود وكسرته على رأسه، ولم يكن أمامه إلاّ الانصياع لأمرها، بينما حمل شغفه بالموسيقا حتّى آخر أيّامه. وقبل الدّخول في تفاصيل المسيرة الموسيقيّة للعائلة، أعود لعلاقة والدتي بالموسيقا، فكانت والدتي تملك صوتًا رخيمًا من فئة صوت القديرة فيروز، ومن محاسن الصّدف أنّها تحمل نفس الاسم، وكانت في مطلع شبابها ترافق جدّها المرحوم «الخوري خليل» كاهن طائفة الرّوم الأرثوذكس في يافا النّاصرة، في أداء القدّاس الإلهيّ، الّذي يتطلّب الترتيل والنّشيد والتّسبيح البيزنطيّ، من أوّل القدّاس حتّى نهايته، وكان المصلّون يغمرونها بكلمات التّشجيع، نتيجةً لما كان ينتابهم من مشاعر النّشوة لرخامة صوتها.. وهكذا، التقى عازف عود لم تسعفه ظروف الحياة لإتمام قواعد موهبته، مع صبيّة يملؤها حبّ الفنون، خاصّةً الغناء. وكانت مغامرتهما الأولى بعد الزّواج أن التحقا بفرقة للتّمثيل في حيفا، ومثّلا معًا مسرحيّةً بعنوان «ليلى بنت الصّحراء»، وهنا حلّ الغضب وقامت الدّنيا ولم تقعد.. --------------------------------------- حنان بيروتي في صغري بصفتي الابنة الصغرى في عائلة كبيرة العدد لم ترضني الحصة المتاحة لي من المتابعة والاهتمام،ربما لحسن الحظ لا لسوئه لم تكن ثمة مربيةٌ بديلةٌ،عثرت على ما يشارك، إنّها الكتب التي كان أبي - رحمه الله - يحتفظ بها لضيق المكان على «السدة»، تلك الغرفة الصّغيرة ذات السقف المنخفض التي تسلقت إليها ذات طفولة شقية وعطشى وأصبحت كشفي الثمين، كنت أجلس لساعات أقلّب الكتب أكتشفها وأكتشفني، لم تكن قراءة منظمة وممنهجة، كنت أقرأ صفحة هنا وعشرًا هناك، أقلّب المجلات والكتب، مجلة «العربي» و«المختار» وتمرّ بي الساعات حتى أسمع من ينادي باسمي أو حتى يعضني الجوع، فأنظر لبلاط المطبخ البعيد أنتظر مَن يأتي ليساعدني في النزول، لكني مللت طول الانتظار وابتكرت طريقتي، كنت أدلّي جسدي الصغير وأتعلّق بكفيّ على الحافة مشبهة بندول الساعة ثم أتعلّق بحافة النافذة وأنزل. في العطلة الصيفية أشتاق لأولادي وأشعر بالتقصير والذنب أحسهم حاضرين وغائبين، حاضرون بالجسد لكنّهم غائبون في مكان مجهول غامض، قريب جدا وبعيد جدا، يسرقهم الحاسوب وتتناوب الفضائيات والهواتف في استنزاف المتبقي من حضورهم، كأني أتركهم لمربية بديلة، كأنهم ينتقلون للعيش مؤقتا مع عائلة غريبة، أحاول أن أرشدهم إلى مربيتي البديلة (الكتاب)، لكني أرى أنّ الكتاب أصبح في زاوية مهملة، فالبعض يتخلّص مما يمتلكه من كتب ورقية على اعتبار أنّ الفضاء المفتوح للشبكة العالمية يأتيك بالعالم بين يديك. ترى كيف نعيد للكتاب مكانته ومشاركته الأمينة في خلق الوعي وملء الفراغ وسد الفجوة في عقول أبنائنا؟ هل ثمة إمكان متاح للتربية بمعزل عن المحيط، البيئة المزروعة بتكنولوجيا متسارعة التطوّر ومتزايدة القدرات وسريعة الوصول؟ من يشارك في تربية أبنائنا أبناء هذا الزمن؟ من يؤثّث زوايا وعيهم ويلوّن ذاكرتهم ويملأ صفحة فكرهم ويملأ فراغهم القيمي والمعرفي فالوجداني؟ هل هو زمن المربين المتطوّعين بأجر زهيد،الحواسيب والفضائيات والهواتف الذكية؟ وهل تمدّهم المربية البديلة غريبة الوجه واللسان بلون ثقافتنا العريق وتجعلهم يشمّون عبق الحضارة التي ينتمون إليها؟ ما الذي تزرعه في مساحات وعيهم الأولى؟ أهي أسئلة الحياة المبنية على قيم ومعتقدات نابعة من حضارتنا وديننا أم ثقافة اللاسؤال والقيم المشوّهة ومفردات وعصر الفردية والجمود والفراغ؟! تكنولوجيا باتت تمثل الأم البديلة في بيوتنا، تشارك الأولاد في تفتّح وعيهم تسرق زمنهم بالألعاب الإلكترونية، التحدي الكاذب والنصر الفارغ والحياة المزيفة والقوة الخادعة. هل المربون البديلون الذين نأتمنهم مخيّرون أم مجبرون على الجيل الطالع، جديرون بالثقة ومؤهلون للقيام بالمهمة، هل يمتلكون الروح والرسالة؟. --------------------------------------- لشهب التهامي كل من يقرأ تاريخ الجزائر الحديث في حقبة الاستعمار الفرنسي التي استمرت من 5 يوليو 1830 إلى 5 يوليو 1962، أي نحو قرن وثلث القرن (132 سنة)، سيقف على حقيقة مفادها أن إدارة الاحتلال انتهجت تجاه الشعب الجزائري سياسة التجهيل وطمس الشخصية الوطنية العربية الإسلامية للإنسان الجزائري، على أمل إذابته وسلخه عن مقوماته وهويته الحضارية الشرقية. واتبعت في سبيل تحقيق هذا الهدف العديد من الوسائل والأساليب، منها سياسة الفرنسة والتغريب ومنع التعليم ومحاربة اللغة العربية واعتبارها لغة أجنبية في عقر دارها! والتضييق على الحريات الفردية الأساسية بمنع إصدار الصحف ومراقبتها ومنع إنشاء النوادي والجمعيات، وغيرها من الأساليب البشعة. أثمرت كل هذه الجهود التي بذلها الاستعمار أن استقلت الجزائر سنة 1962، وهي تعاني نسبة أمية تفوق 80 في المائة، وكان من ضحايا هذه السياسة آباؤنا وأجدادنا الذين حملوا السلاح في ثورة الجزائر المباركة - ثورة المليون ونصف المليون شهيد - لطرد المستعمر الغاشم. هؤلاء الآباء - وبالرغم من أمية القراءة والكتابة - عملوا قدر المستطاع حتى نتعلم نحن الأبناء، ونتفتّح على كل العلوم والفنون، ونبحر في مجالاتها المختلفة، وقدّسوا العلم والعلماء، وضحّوا في سبيل أن ننال قسطًا أوفر من العلم. وفي هذا المقام أتذكر والدتي - رحمة الله عليها - التي كانت تحفّزنا - نحن أبناءها - على الاستزادة في أخذ العلوم ومواصلة مشوارنا الدراسي، وتتحسّر، ويتقطّع قلبها أسى لعدم استفادتها مثلنا من فرصة حقيقية للتعلم، وكانت دائمًا تقول إنه لو أتيحت لها فرصة العودة بالزمان إلى الوراء لعادت واختارت أن يكون العلم سبيلها الأوحد. هي والدتي العاجزة عن القراءة والكتابة، الشغوفة بالعلم، المحترمة لأصحابه، وفي تحد لها غير معلن، أصبحت تفتح المصحف الشريف، وتجتهد اجتهادًا كبيرًا لفك رموز الحروف، وتطلب مساعدتنا في ذلك، وتقرأ ما تيسّر لها من الذكر الحكيم بمشقة كبيرة جدًا، ومع مرور الزمن وتكرارها للمحاولة تلو المحاولة، تمكنت والدتي - وبعون الله - من حفظ عدد من السور، كانت أطولها سورة الملك التي اختارتها للحفظ عمدًا، لما لهذه السورة من مكانة ومنزلة في قبر المسلم، كما حفظت أجزاء من سورة الكهف التي داومت على قراءتها كل يوم جمعة، وبقيت تداوم على قراءة القرآن يوميًا، حتى أنني عندما أستحضر صورتها اليوم أتذكرها مجالسة لكتاب الله، بتلك النظارة التي تساعدها على رؤية الحروف جيدًا، وهي تجهد نفسها في القراءة دون ملل. وقد منّ الله عليها أن كان آخر عمل قامت به قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة هو قراءة بعض آيات الذكر الحكيم ولله الحمد. وأتذكر جيدًا أن والدتي - رحمها الله - كانت كلما قامت بتنظيف المنزل وترتيبه، تحتفظ بكل ورقة مكتوبة تجدها في جنبات المنزل، ولا تغامر مطلقًا برميها من تلقاء نفسها، وتعرضها علينا فور عودتنا إلى المنزل لنتفحصها، فنحتفظ بما نحتفظ به، ونرمي ما نرمي، وهذا الحرص المبالغ فيه من والدتي سببه حبها العميق للعلم، وخوفها من أن يضيع شيء منه هو بالغ الأهمية بالنسبة لنا نحن الأبناء. كما أن والدتي اكتسبت بمرور الزمن ثقافة مقبولة بسبب متابعتها للعديد من الحصص الإذاعية والتلفزيونية، فهي مستمع ومتابع وفيّ للحصص الدينية ونشرات الأخبار وبعض الأشرطة، وهو ما أكسبها احترام من هن من جيلها اللواتي عايشن مرحلة الاستعمار الفرنسي، وأصبحت بينهن وكأنها الحكيمة العالمة. هي خواطر تذكرتها وسجلتها باعتزاز في حق أمي، هذه الكلمة التي افتقدتها في قاموسي اليومي، لكنني أجسّد الكثير مما تعلمته منها في حياتي اليومية مع أبنائي، وفي منزلي، ومع شخصي بالذات، فرحم الله والدتي وأسكنها فسيح جناته. --------------------------------------- منى خير تآكل الأسنان هو ظاهرة تآكل المادة المكونة للأسنان الطبيعية، وهي مادة بيضاء صلبة هي المينا تليها مادة أقل صلابة وهي، العاج وتحيط بها الأعصاب والأوعية الدموية التي تغذي السن, وتآكل الأسنان يبدأ بذوبان طبقة المينا عندئذ يشعر المرء بحساسية في الأسنان مع شرب الماء، ويستمر الوضع إلى أن يصل التآكل إلى عصب السن ويكون الألم شديدًا، كما أنه يؤدي إلى التهاب العصب. تآكل الأسنان له أسباب عدة بيئية، ووراثية، وبسبب نوعية الأكل، ونفسية. الأسباب الوراثية: تكون نوعية الأسنان ضعيفة وقابلة للتآكل، وتكون الأسنان مصابة بخلل في تكوينها ما يضعف طبقة المينا أو العاج أو كليهما، وهذا النوع يصيب الأسنان اللبنية والدائمة. الأسباب البيئية: المناخ الصحراوي وما نتعرض له من غبار وتراب، ونوعية الغذاء، والاستخدام الخاطئ، وأيضًا نتيجة كثرة أكل البذر بالأسنان الأمامية، وأيضًا بسبب عدم تنظيف وتفريش الأسنان الأمامية بصورة منتظمة. الأسباب النفسية: مثل الضغط على الأسنان واحتكاكها ببعض عند الغضب، أو طحنها خاصة أثناء النوم، وأيضًا عندما يستخدم الإنسان أسنانه للقيام ببعض الأعمال مثل فتح قوارير المشروبات الغازية ووضع القلم بين الأسنان، أو عادة عض الظفر، وغير ذلك من العادات التي تسبب تآكلاً في أسنان مثل القواطع. واستمرار هذه العادات يؤدي إلى تآكل الأسنان ووجود التهابات في المعدة وحموضتها، وأيضًا تأثير الأحماض على الأسنان يذيب الطبقة الخارجية المكونة للسن، ما يؤدي إلى ضعف وهشاشة السن، ومن هذه الأحماض ما يؤكل مثل البرتقال والليمون والمخللات والفواكه الحمضية مثل التفاح والأناناس والمرطبات التي تحتوي على أحماض مثل المشروبات الغازية، وأيضًا حمض الهيدروكلوريك الذي تفرزه المعدة لهضم البروتينات، فإذا أصيب المرء بمرض في المعدة وكثُر لديه التقيؤ يخرج هذا الحمض من المعدة إلى الفم ويذيب المادة المكونة للأسنان، كما يسبب التهابًا في اللثة. كما أن تآكل الأسنان يزداد مع التقدم في السن. ويظهر تآكل الأسنان نتيجة العوامل التالية: وتتعرض أسنان كثير من الأطفال أثناء فترة الرضاعة إلى التآكل، حيث تظهر الأسنان باللون الأسود الداكن وتتآكل تمامًا بالرغم من أن هؤلاء الأطفال يعتمدون كليًا على الرضاعة، ولا تدخل الحلوى في غذائهم بالرغم من ذلك يهاجم أسنانهم نوع من التسوس الذي يسمى بالتسوس الوحشي. وعن أسباب هذا النوع من التسوس وطرق الوقاية يقول المختصون إن أهم أسبابه نقص الكالسيوم نتيجة نقصه لدى الأم أثناء فترة الحمل مما يؤثر في الجنين، وبالتالى يصبح جسم الطفل ضعيفًا وعظامه ضعيفة. أما عن هذا النوع من التسوس فلا يمكن علاجه إلا بخلع الأسنان بعد سن السادسة للطفل وهي فترة التبديل، حتى تبدأ الأسنان الجديدة في الظهور بشكل جيد، العلاج مما لاشك فيه أن الوقاية خير من العلاج, فعند اكتشاف وجود أي نوع من التآكل ولو كان بسيطًا يمكن تداركه باكتشاف المسبب، ولكن هناك خطوات يمكن اتباعها للتقليل من حدوث أي نوع من التآكل كالتالي: --------------------------------------- إقبال محمد فريد لا يحسب كل واحد كم من الوقت يقضيه للبحث في درج غير منظم، أو صندوق مليء بالأغراض غير المرتبة، أو ركن طاله الإهمال. إنه الدرج في خزانة الملابس، أو طاولة المكتب، أو كومودينو غرفة النوم. درج نبحث فيه عن أبجديات الديكور التي توفر الوقت، والجهد، بالإضافة إلى منح جماليات من خلال لمسات بسيطة. ونذكر في البداية أن المساحة الفارغة بالدرج هي ميزة جيدة، ليس معنى وجود فراغ هو المسارعة بملئه، فهذا الفراغ يوفر فرصة لتأمل المكونات وعزلها إلى أقسام. يمكنك استخدام أوراق لاصقة فوق طبقة بلاستيكية شفافة توضع على الأغراض، تكتب عليها التفاصيل. --------------------------------------- سناء محمود يمثل كتاب موسوعي عن الزي العربي مادة للحديث والجدل، خاصة إذا جاء من مصدر غربي، كما اعتدنا في الدراسات التي تناولت منطقتنا العربية، من هنا كان اهتمامي بتلك الموسوعة (Arab Dress a Short History: From the Dawn of Islam to Modern Times) التي امتلأت بنظرات تاريخية وإثنوجرافية لمرحلة طويلة بلغت 14 قرنا. وبالرغم من أن جزءًا كبيرًا من الكتاب يدخل في معرض الوصف، فإنه يركز على مراحل الإبدال التي يتغير فيها زي منطقة بعينها تحت وطأة تأثيرات داخلية ومؤثرات خارجية. المؤلفة يديدا كالفن ستيلمان (أستاذة تاريخ الشرق الأدنى، جامعة أوكلاهوما) قدّم لكتابها زوجها نورمان ستيلمان (مؤرخ زميل لها أيضا)، وكال لها المديح الكثير باعتبارها «خبيرة» في مجالها منذ عقود. وبجانب خمسة فصول تاريخية، تتحدث المؤلفة في ثلاثة فصول أخرى عن قواعد الزي لغير المسلمين، والمؤسسة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتأثيرها، فضلا عن الحجاب. في نحو 220 صفحة تتجول المؤلفة بين تاريخين متباينين حتى تصل إلى القرن العشرين، وهي تنحاز بين حين وآخر لمنطقة دون أخرى، ولجماعة دون سواها، وأعتقد أن السبب في ذلك هو أن مصادرها قد لا تغطي جميع المناطق التي تمت دراستها، كما هي الحال للزي الفلسطيني على سبيل المثال. فغاب عنها إدراج ما أصدره المتحف البريطاني من منشورات عن أزياء العرب والمنسوجات الإسلامية في الفهرس المذيل للكتاب. ونحن لا نتحدث عن المصادر العربية، فهناك مراجع بالإنجليزية قدمتها وداد قعوار، وليلى الخالدي، وجيهان رجب، ومثل هذه الأمثلة التي تهمل المراجع الأساسية للباحثات والباحثين الجادين وشهود العيان كثيرون. ومن بين الأخطاء في الصور والرسوم الاستعانة بشروح مصورة لا تتوخى الدقة، حيث يأتي أحيانا الحديث عن زي تقليدي، بينما المنشور زي عصري دخلته موتيفات غربية. أعتقد أن الأمر يحتاج إلى دراسة عربية، ويكون ذلك مشروعًا قائمًا بذاته تتولاه مراكز التوثيق وحفظ التراث، للزي الذي يعد جزءا أصيلا من الهوية. كما أن الحاجة إلى تلك المعرفة متجدد، خاصة حين يلجأ الكتاب لمعالجة التاريخ دراميا على شاشة التلفزيون أو السينما، أو على خشبة المسرح. تفاصيل كثيرة حول الزي، منذ الجاهلية، وقبل صعود الحضارة الإسلامية، حيث تستعيد ما كتب عن الأزياء العربية منذ هيرودوت، ووصف تلك الملابس بدءا من الإزار، إلى الصنادل، وهي ترى أن العرب الذين عاشوا على تخوم أمم كبرى تأثروا بتلك الحضارات. كما أن الطبيعة المحافظة للبدوي هي التي أبقت على كثير من التفاصيل لسنوات طويلة قبل أن يطولها تغيير بسيط (ص 10). وأشارت إلى النزوع إلى أن الأبهة بالملابس التصق بالأمويين (ص 31). وقد أفاضت في الفصول التالية في الحديث عن التأثيرات التركية / العثمانية، وكذلك أفردت قسما خاصا للأزياء العربية العسكرية. --------------------------------------- سعيدة الزّغبي خالد الأبواب سرّ كلّ البدايات, من باب الأمل إلى باب الحياة إلى باب المدينة فباب البيت، وقديما قيل في الأمثال الشعبيّة «دخل من الباب خرج من الخوخة» وقيل أيضًا «دخل من الباب خرج من الشباك» وقيل «الباب اللّي يجيلك منّو الريح سدّو واستريح». الأبواب كانت قلوبا مشرعة, مفتوحة بلا توجّس ولا خوف من المعتدين واللّصوص، فقد كانت المعرفة بابًا للأمان والابتسامة بابًا للودّ والتّراحم. اليوم.. أخرجت الثّورات أسوأ ما فينا وغلّقت الأبواب بأكثر من قفل ومن ترباس وأصبح كلّ نقر على باب هو دقّة خوف ترجّ الصّدور وتوقظ التوجّس فلا تسمع من وراء الزّجاج أو الخشب أو الحديد غير «من هناك، أشكون، مين» .. لم يعد الطّرق على الباب يفتح القلب بقدر ما أصبح مدعاة لاستدعاء الشّرطة. تهاوت حضارات واندثرت وذهبت أقوام وريحهم وظلّ التّاريخ بابًا مفتوحًا على الماضي.. تتّضح بعض التّفاصيل أو تزداد غموضا.. المهمّ أنّ الباب لم يغلق. تموت مدن وتبقى بعض أبوابها شاهدة على الذين قرّروا والذّين شيّدوا والذّين رمّموا.. والذين هدّموا.. من حسن حظّنا أنّ حصن الصّورة قائم يشدّ الأعمدة والأبواب ويحيي الأموات. انظر في الخريطة قبل أن تلج تونس من باب مطارها, سترى ذراعا تمتدّ في البحر هي «جزيرة شريك» أو «الوطن القبلي أو الرّأس الطيّب».. ذراع تنطلق بالرّجاء من الماء إلى السّماء.. تمتدّ في البحر تدقّ أبواب المتوسّط, وسترى أنّ تونس نفسها بوّابة كادت تغرقها غضبة سيدي بن عروس في إحدى الخرافات المحليّة التّي تقول إنّ سيدي بلحسن (أبو الحسن الشّاذلي) وسيدي بن عروس اختلفا في أمر ما حتّى غضب سيدي بن عروس أشدّ الغضب , توكّأ على عصاه ونهض مستنكرا, ثمّ رفع عصاه وكان ظهره لتونس وقال لها «زع يا تونس زع»* فقامت الأرض وراءه تتّبع خطاه وغضبه لتلقي نفسها في البحر إكراما لدعوته وهبّته فما كان من سيدي بلحسن إلاّ أن جرى يهدّئ الغاضب «الهدى يا بن عروس, الهدى يا بن عروس», هدأت الثّورة المهلكة فتوقّفت تونس عن الموت لكنّ ذراعها ظلّت في الماء مستعدّة لتلبية نداء وليّها وحاميها .. حتّى الموت غرقا. ربّما كانت تونس تحتاج إلى أكثر من غضبة تحرّك السّواكن وتصحّح المسارات وتعيد الأبواب إلى نصابها .. فقد ضاع أغلبها, والبقيّة إمّا تغيّر مكانها أو أعيد بناؤها في غير موضعها وعلى غير ما كانت (مثل باب بو سعدون).. هل هي واحدة من محاولات تزوير التّاريخ وما أكثرها؟.. لا أعرف!!. ربّما تعرف حجارة الأبواب وأخشابها الإجابة لكنّها لا تبوح. تقول واحدة من أشهر الحكايات إنّه في زمن من أزمان الغزو وما أكثر ما غُزيت تونس, قد يكون زمن الوندال وربّما زمن حماية الفرنسيس كما يسميهم عامّة الشّعب أو «القورّة» وربّما كانت تعني (les golois) أو الغاليين.. لا أحد يعلم بالضّبط إلاّ أنّهم, سواء كانوا هؤلاء أو هؤلاء لا فرق بينهم عند النّاس في الإجرام والدمويّة، المهمّ أنّ الغزاة انتهكوا الحرمات والأعراض وقرّروا منع امتلاك الأسلحة حتّى سكاكين المطابخ وتمّ تعليق سكّين كبيرة في إحدى ساحات المدينة للاستعمال المنزلي , فكلّ من تريد أن تقصّ لحما أو خضارا أو فاكهة أو حتّى تحتاج إلى قطع حبل الغسيل، لابدّ أن تحمل حاجتها إلى السّاحة حيث السكّين تتدلّى من سلسلتها المعدنيّة. أحد أصحاب الدّكاكين المواجه للسّاحة كان يملك سيفا قديما جعله في الجدار حتّى لا ينتبه له الغزاة.. في أحد الأيّام ثقيلة الحرّ , كان يجلس أمام دكّانه وكانت فتيات المدينة في طابور منظّم كلّ منهنّ تنتظر دورها لقضاء حاجتها من السكّين.. مرّ مجموعة من الجنود الغزاة وبدأوا في معاكسة الفتيات ومضايقتهنّ، بل وصل الأمر إلى التحرّش بهنّ , تحرّكت في الشّيخ مشاعر الغضب والنّخوة و«شعرة سيّدنا علي» كما يقول التّوانسة، فهدم الجدار واستلّ سيفه ودعا النّاس للجهاد في سبيل اللّه ونصرة قيم دين محمّد عليه الصّلاة والسّلام, فحمل كلّ من كان في المكان ما يمكن أن يكون سلاحا وسال الدّم للرّكب .. واستشهدت البنات, فسمّي المكان باب البنات. حكاية لطيفة ومؤثّرة وتجعل للباب قيمة روحيّة كبيرة .. ومثلها كثير مع أغلب أبواب المدينة قد لا يتّسع المجال لسردها. أمّا الثّابت في باب البنات وما يذكره التّاريخ أنّ الباب سمّي كذلك لأنّ السّلطان أبوزكريّا الحفصي تبنّى بنات عدوّه الثلاث يحيى بن غانية وجعل لهنّ قصرا يقمن فيه في هذا الموضع وباب البنات هو خامس باب يفتح في أسوار المدينة بين 1228 و1249م. أمّا ابن غانية المسوفي المعروف بالمايورقي فهو من أرسل بناته ليربيهن عدوّه السّلطان الحفصي. بعد سقوط دولة المرابطين استقلّ أبناء محمّد بن غانية بإمارة الجزر الشرقيّة الأندلسيّة وقرّروا إعادة بناء مجد أخوالهم بمحاولة استرداد ما أمكن من المناطق من تحت حكم الموحّدين فقام عليّ ويحيى من أبناء محمّد بن غانية بالاستيلاء على مدن عدة في الجزائر وتونس وتواصلت المعارك حتى أصيب عليّ في معركة بالحامّة بالجريد التونسي سنة 1187م وتوفي بعدها فخلفه أخوه يحيى. استمرّت محاولات يحيى بن غانية لإحياء ملك أخواله من المرابطين نصف قرن تقريبًا، تمكّن خلاله من الاستيلاء على جزء كبير من الشّمال الإفريقي فدخل باجة في الشمال وقابس وصفاقس وكذلك القيروان والجريد وتبسة وبسكرة في الجزائر وطرابلس في ليبيا وغيرها من المدن بل ودخل تونس الحاضرة في 1203م. فما كان من الخليفة الموحّدي إلاّ أن هاجم المقرّ الرئيس لابن غانية في الجزر الشرقيّة وانتصر على جنوده هناك ثمّ عاد إلى إفريقيّة لمحاربته فغادر بن غانية تونس بعد أن دحضه الشّيخ أبي محمّد عبدالواحد بن حفص الذي قاد المعارك, إلى الصّحراء . كان بن غانية قد تقدّمت به السنّ وكانت الدولة الموحديّة قد أصابها الوهن هي أيضا وحتى إثر وفاة الشّيخ أبي محمّد تواصلت الحرب ضد بن غانية الذي هزم بتوليّ أبي زكريّا الحفصي الحكم وكان معروفا بشهامته. كان بن غانية قد وهن ووهن ولاء بعض جنوده له ولم يكن يستطيع أن يأتمن أحدا على بناته الثّلاث من أهله ورجاله وقد خاف عليهن المذلّة والهوان من بعده، فخطر له هذا الخاطر الغريب أن يرسلهنّ إلى عدوّه ربّما لأنه محارب ويعرف جيّدا أخلاق المحاربين والفرسان . لكن الأغرب أن يقبل العدوّ إكرامهن وإيواءهن وأن يبني لهنّ قصرا سمي قصر البنات ويبسط عليهنّ حمايته وكرمه ولا يجبرهن على شيء حتى على الزّواج من أحد أبناء عمومتهن حين طلب واحدة منهنّ فرفضن بشدّة وحدّة لم تثر غضب السلطان بقدر ما أثارت حرصه على كرامتهن فزاد في قيمة الجراية المخصّصة لهن. هل هكذا يكون الأعداء؟ يبدو أن من يصلح لرفقة السّلاح أحيانا لا يصلح لحفظ الذّمم والعرض. مازالت حكاية باب البنات رغم زوال الباب والقصر شاهدة على أن «شعرة سيّدنا علي» لم تنقطع عند أبي زكريا الحفصي وهي إلى اليوم في الموروث الشِّعبي التونسي كناية عن الشّهامة والكرم وحفظ الأمانة والذّمم. --------------------------------------- بقلم د. عبدالكريم السعيدي ظاهرة أقفال الحب التي تعبر عن الحب الأبدي بين الحبيبين، أو هي ترمز له، منتشرة كثيرا في المجتمعات الأوربية، وذلك عندما يعمد الحبيبان اللذان يريدان توثيق علاقتهما العاطفية، ويتمنيان أن تكون علاقة متينة وأبدية، يعمدان إلى حفر اسميهما على قفل للدلالة على أبدية تلك العلاقة، ومن ثم يُعلقانه على جدار جسر أو أي مكان بارز في مدينتهما، ثم يرميان مفتاحه في المياه، وهما يتمنيان ألا يجد أحد ذلك المفتاح، ومن ثم يبقى ذلك القفل مقفلا إلى الأبد، من هنا جاءت فكرة أقفال الحب التي انتشرت في بعض من دول العالم الغربية. وتُشير بعض المصادر إلى أن أول ظهور لهذه العادة كان بتأثير رواية عاطفية إيطالية باسم «أو فوليا دي تي» (أرغب فيك) للكاتب فيديريكو موتشيا، التي أصبحت فيلما سينمائيا في ما بعد، إذ يعلق بطلاه قفلين يحملان اسميهما على عمود مصباح جسر ميلفيو في بونتي ميلفيو في روما، قبل أن يتبادلا القبل ويرميا المفتاح في مياه نهر التيبر، في حين يرجع آخرون أصل هذه الممارسة إلى حقبة أقدم، كما هي الحال عند الكثير من الأمم والشعوب التي تربط الأقفال بالعواطف، وعلى نحو عام فإن هذه الممارسة قد أخذت حيزا كبيرا من تفكير المحبين في الكثير من أقطار العالم. ففي باريس انتشرت هذه الظاهرة في بادئ الأمر على جسر الفنون في العام 2008، إذ راحت تلك الظاهرة تحتل حيزا كبيرا من حاجز ذلك الجسر الحديدي، حتى يخيَّل للرائي أنه يرى سلسلة كبيرة من الأقفال التي حفر عليها أسماء العشاق، ثم أخذت تلك الظاهرة بالتسلل إلى معظم جسور المدينة، كجسر ليوبولد سيدار سنكور الضيق قبالة متحف أورسي، وجسر سيمون دو بوفوار الضيق قبالة مكتبة فرنسوا ميتران، فضلا عن جسر الأسقفية (أرشوفيشيه) الذي تبدل لونه بفعل كثرة ما يحمل سياجه الحديدي من أقفال، ولم يكتف العشاق بتلك الأقفال، بل عمد بعضهم إلى تعليق قصاصة من القماش من طرحة العرس مرفقة أحياناً برسوم جرافيتي. وحدها الجسور التي لها حاجز زجاجي أو حجري أفلتت من هذه الظاهرة، كجسر بونوف (وهو الأقدم في باريس) المصنوع من الحجر بالكامل، وقد أثرت هذه الظاهرة على باعة التذكارات المجسمة لمعالم باريس وبطاقاتها البريدية الموجودين قرب جسور نهر السين، فقد أصبحوا يعرضون إلى جانب سلعهم أقفالا معدنية تلقى رواجا يكسبون من ورائها أكثر مما يكسبونه من مجسمات برج إيفل والبطاقات البريدية. أما في المانيا، فقد ظهرت تلك الظاهرة في بداية الأمر في مدينة كولونيا، ولاسيما على جسر هوهنزو لرنبريك (Hohenzollernbruecke)، إذ يمكن رؤية العديد بل الآلاف من أقفال الحب هناك، ثم إنها ما لبثت أن انتشرت في باقي المدن، ولعل من الطريف أن يقابل تلك الظاهرة، ظاهرة أخرى هي ظاهرة أقفال منع سرقة الدراجات الهوائية، إذ نجد هناك الكثير من الأقفال بأرجل طويلة أو بسلاسل حديدية وقد ربطت بها الدرجات الهوائية إلى الأعمدة السميكة أو الحواجز الفولاذية خوفا من سرقتها. على أي حال، عارضت السلطات المحلية والقيمون على المرافق العامة في أوربا هذا الموضوع في بداية الأمر، لأنها رأت فيه تشويها أو تخريبا لتلك الأماكن، ومن هنا سعت تلك السلطات إلى إزالة تلك الأقفال للمحافظة على تراث المدن وجماليتها، بل إن بلدية باريس رفعت بعضا من تلك الأقفال، لكنها سرعان ما تراجعت عن تلك الخطوة، بعد أن لاقت معارضة شعبية من لدن الكثيرين، بعد أن أصبحت تلك الظاهرة حديث الناس في أوربا، وقد وصل صداها إلى أمريكا الشمالية، وتحديداً إلى فانكوفر الكندية، فرضخت تلك السلطات للأمر الواقع بعدما صارت تلك الظاهرة عالمية وطالت مدنا كثيرة، مثل برلين وكييف وفيلنيوس وفلورنسا وفيرونا وبيكس المجر، موسكو روسيا، Korakuen اليابان، وارسو، بولندا، مونتيفيديو، أوروجواي، غوام الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الصين يمكن مشاهدة عناقيد الأقفال التي دونت عليها أسماء العشاق معلقة على الممر المؤدي إلى جبل هوانغشان المقدس، ومدينة براغ، جمهورية التشيك، وفي كوريا الجنوبية علق المحبون أقفالهم على سياج أحد الأبراج العالية في العاصمة ورموا مفاتيحه على الحديقة المجاورة للبرج، ووصلت هذه الظاهرة إلى مراكش المغربية التي تنتمي إلى أمة تؤمن بأن للقفل دلالة أخرى غير هذه الدلالة. وفي هذا الصدد يقول أحد ممثلي بلدية باريس: سنجعل هذه الظاهرة تستمر وننظر إلى الأمر بتعاطف وهو لا يطرح لنا أي مشكلة. الناس هنا يحبون ذلك ويتحدثون بالأمر في ما بينهم، وهم يروّجون بذلك لمدينتنا، وفي ألمانيا حكمت إحدى المحاكم على رجل بالسجن لمدة ثلاثة أشهر بعد ثبوت قيامه بسرقة «أقفال الحب»، ودانت المحكمة الابتدائية الرجل وعمره 41 عاما، لأنه صاحب سوابق عديدة مسجلة لدى السلطات بأنه ارتكب عمليات سرقة وإضرار بأملاك الغير، ولم تمنحه المحكمة حكما مخففا بوضعه تحت المراقبة، في حين عاقبت المحكمة رجلا آخر كان يعاونه في أعمال السرقة وعمره 26 عاما، كان يقوم بكسر العمود المعدني المعلقة به الأقفال ثم يقوم بالاستيلاء على الأقفال، بغرامة قدرها عشرة يورو كفالة عن مدة قدرها تسعون يوما حبسا مع إيقاف التنفيذ، وقد صدر بحقه حكم مخفف لأنه ليست له سوابق عكس صاحبه. ولو رجعنا ثانية إلى الأمة العربية والإسلامية التي تؤمن بأن في القفل دلالة أخرى غير كونه رمزا للحب الأبدي السرمدي، وهي الأمة التي ينتمي إليها المغرب، فهناك تعلق الأقفال والخيوط وقصاصات الأقمشة وغيرها، على شبابيك أضرحة الأولياء والصالحين، طلبا لاستجابة النذر، ففي المغرب يوجد هناك العديد من الأضرحة التي يحج إليها الناس كضريح مولاي بوشتى الخمار، الكائن بدائرة قرية أبي محمد بإقليم تاونات، الذي أصبح محجا للكثير من الزائرين، ليس من المناطق القريبة من الضريح فحسب، بل من مختلف مناطق المغرب، ولاسيما من فاس ومكناس وتاونات وتازة، فزيارته صارت تشكل وصفة مفضلة لدى الكثير من زائري المكان، ولاسيما النساء اللائي تعرضن للمشاكل في حياتهن، وهناك تبيت المرأة ثلاثة أيام وتمارس بعض الطقوس، التي منها تعليق الأفقال على شباك الضريح، فالنساء اللاتي هن أغلب زائري هذا الضريح، سواء المتزوجات أو العازبات، يقصدنه كلا حسب حاجتها ومطلبها. وفي البلاد الإسلامية كالمغرب لا يقتصر الأمر على ضريح مولاي بوشتي، إنما هناك العشرات من الأضرحة التي تؤدي الدور نفسه، ففي أغادير على سبيل المثال يلقى ضريح سيدي أبو القنادل إقبالا واسعا من قبل الزوار الذين يعتقدون أن الولي مدفون بالضريح وأن بركته تحيط بالمكان، لذلك نجد أن الزوار يترددون على هذا الضريح لأسباب عدة كالزواج، والشفاء من بعض الأمراض، كالعقم والمس إلى غير ذلك من المعتقدات التي تسيطر على عقلية سكان مدينة أغادير. وأهم الطقوس التي يقوم بها الزائر عند زيارته للضريح، هي إشعال الشموع ورش ماء الزهر على غرفة الولي، وهناك من الناس من يضع الماء في الصندوق ويقبل الأركان الأربعة للضريح ويطوف حوله ثلاث مرات، ومن الاعتقادات السائدة حول ضريح سيدي بوالقنادل، أن الفتيات الراغبات في الزواج يقمن بإحضار قفل جديد، ويقفلنه في الشباك المحيط بالضريح ويحتفظن بالمفتاح، وبعد أن يتم زواج إحداهن تعود لفتح القفل وتقدم صدقة للضريح وتترحم على الولي. وفي البلاد الإسلامية الأخرى كالعراق، هنالك حالات كثيرة مشابهة لهذه الحالات، عندما يربط الزائرون، ولاسيما النساء منهم، الخيوط والأقفال بمختلف الأحجام والأشكال حول مفاصل شبابيك أضرحة الأولياء والصالحين والأئمة وهم كثيرون، وفي معظم الأحيان لا تمتلك الجهة المسئولة فنيا عن الشباك مفاتيحا لفتحها، ربما بسبب ضياعها أو تعمد الزائر عدم ربطها مع القفل، لذلك يصعب التخلص منها لاحقاً، وقد تضطر الجهة المسئولة عن عمليات فتحة الشباك وإدامته كما هو شأن العتبة العباسية (وهي الجهة المشرفة على ضريح الإمام العباس بن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهما) إلى كسر القفل بواسطة مقص حديدي، ذلك لأن ثقافتنا لديها فوبيا من الأقفال وهي تدعو إلى إبقاء الاقفال مشرعة، لأن ذلك بمنزلة فك النحس ورفع الغمة، ومن ثم فإن صاحب القفل سوف يفرح عندما يأتي مرة ثانية ويرى قفله وقد فكت قيوده، وعلى نحو عام فإن هذه السلوكيات والاعتقادات تعد مما ألفه الناس في البلاد العربية والإسلامية وتعارفوا عليه، ومن ثم فهي ليست سلوكيات أو اعتقادات فردية، وقد عالجها الأدب في نماذجه المختلفة، فهذا القاص السعودي طاهر الزراعي الذي يعنون إحدى مجاميعه القصصية القصيرة بعنوان إحدى قصصه «زبد وثمة اقفال معلقة»، وها هو يقول في أحد مقاطعها: «لم أكن أبالي بالعيون الكثيرة التي تتساقط عليّ حينما علقت القفل الصغير على شباك الضريح وأخذت أتأمل أثناء طوافي حوله كومة الليرات السورية المتراكمة بداخله. وقتها ارتأيت أن أهدي بطن هذا الضريح بضع ليرات وريالات متبقية في جيبي وأحتسب الأمر عند الله». في حين نجد أن الثقافة الأخرى لديها فوبيا من فتح القفل المغلق، وربما من سياسة الأبواب المشرعة كلها، فهي تدعو إلى البقاء على القفل مقفلا، لأن في ذلك دلالة على أبدية الحب واستمراره ما دام القفل مقفلا، لذلك يبادر هؤلاء إلى رمي مفاتيح تلك الأقفال في مياه البحر أو النهر بغية تضييعه، إذن نحن بين دلالتين للقفل، واحدة تدعو إلى بقائه مغلقا للدلالة على حجز المحب وعدم تمكنه من الإفلات من قبضة حبيبه، وأخرى تدعو إلى كسره، بوصفه قيدا يجب أن يحطم ويكسر ويفتح، ففي حين يقوم الزوجان في الدول الأوربية بكتابة اسميهما على قفل حديدي ويربطانه في جسر النهر، ثم يلقيان مفتاحه في مياهه، معتقدين أن حبهما سيظل متينًا طوال مدة ارتباط القفل بالجسر، فإن العكس يحدث في بلادنا الإسلامية، عندما تستخدم الساحرات الأقفال لربط العريس والحد من قدرته الجنسية في ما يعرف محليًا في المغرب باسم «الثقاب»، ومن ثم تسعى المتضررات إلى كل الوسائل لفك الأقفال أو تحطيمها، بوصفها رمزا عن ذلك «الثقاب»، وكم هو جميل أن يوازي هذا الإيمان إيمان آخر يدعو إلى تكسير وتحطيم السلوكيات والأفكار المنحرفة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وألا يقتصر الأمر على تحطيم أقفال النحس على أنها رمز للنحس والربط، وفي هذا السياق كتب أحد الصحفيين المغاربة متسائلا: لماذا لا نستخدم مفهوم الأقفال في البلدان الأوربية لفك مفعول الأقفال لدينا؟ والغريب في الأمر أن العرب كانوا قديما يرون في القفل ما تراه المجتمعات الغربية اليوم، إذ ما كانوا يتمنون فتح القفل - على اختلاف أشكاله وأنواعه - فالقفل المقفل لديهم كان رمزا للوفاء والأمانة والحب السرمدي، في حين كان القفل المفتوح في معتقداتهم رمزا للخيانة وعدم الوفاء، فقد ورد عن الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) أنه كان قد أوصى أحد الأعراب الذي ترك ناقته في الصحراء توكلا على الله من دون أن يعقلها، بقوله: «اعقل ثم توكل»، نظرا لما يحمله العقل الذي هو نوع من أنواع القفل من طمأنية وأمان، وفي ضوء ما سبق لعلي لا أجانب الصواب إذا قلت؛ إن الصحراء هي التي أوحت للرجل العربي ارتداء العقال وهو نوع من أنواع القفل بعد أن استعاره من الناقة، إنما كان بغية قفل عقله لئلا يشطح بعيدا إلى ما لا تحمد عقباه، ومن ثم يشرد عن الصحراء، وبعبارة أخرى إن الصحراء هي التي عقلت الرجل العربي بالعقال الذي هو أشبه بخيط الرتم، لئلا يخونها، فنحن إذا رجعنا إلى المعتقدات العربية الجاهلية، فسنجد أن العربي كان إذا سافر يعمد إلى خيط فيعقده في غصن شجرة أو في ساقها ويسمى بـ «الرتم» فإذا عاد من سفره ووجد ذلك الخيط على حالته، اعتقد أن زوجته لم تخنه، وإن لم يجده أو وجده محلولا، قال: لقد خانتني، وفي هذا وردت الكثير من الأشعار، فها هو أحدهم يقول في ذلك: خانته لما رأتْ شَيْباً بمفرقه....... وغَرّه حِلفُها والعَقْدُ للرتم، وقال شاعر آخر: «لا تحسَبنّ رتائما عقدّتَها....... تنبيك عنها باليقين الصادق». ويتضح مما تقدم أن شعوب العالم على اختلاف مشاربها، قد رأت في القفل علامة سيميائية تنطوي على الكثير من الدلالات، فالعقلية الغربية، فضلا عن العقلية العربية القديمة، كانت ترى في القفل إذا ما كان مقفلا، علامة على الطمأنة والأمان والوفاء والإخلاص، وفي حال كون القفل مفتوحا فإنه علامة على عدم الوفاء وعدم الإخلاص، في حين تعيش العقلية العربية الحديثة حالة من الفوبيا ضد كل ما هو مغلق، فكل غلق في تصورها هو هم، بينما كل فتح فرج، ومن ثم فهي رأت أن القفل إذا كان مغلقا، فإنه علامة على العكس والنحس وتعسير الأمور وغلقها، وفي حال كان القفل مفتوحا، فإنه يرمز إلى الفرج وانتهاء الغمة، وقد صدق من قال: وللناس في ما يعشقون مذاهب.
|