المفكرة الثقافية: ذكرى: 44 عامًا على غياب الأخطل الصغير

 المفكرة الثقافية: ذكرى: 44 عامًا على غياب الأخطل الصغير
        

          بمناسبة مرور 44 عامًا على رحيل الأخطل الصغير أقامت دار الندوة في بيروت احتفالاً بالذكرى شارك فيه نخبة من الأكاديميين والمثقفين اللبنانيين كان منهم الدكاترة والأساتذة ميشال جحا ووحيد فانوس وإلياس سحاب ومحمود شريح ونجل الشاعر الكبير الراحل جوزف بشارة الخوري. وقد أشاد المشاركون في مداخلاتهم بالأخطل الصغير الذي بايعه الشعراء العرب بإمارة الشعر في حفل ضخم أقيم في قصر الأونسكو في بيروت في الرابع من حزيران (يونيو) عام 1961، والذي يؤلف شعره سجلاً لا لآلامه وآماله وحسب، بل لآلام جيل كامل وآماله.

          وقد اشتهر الأخطل الصغير بغزلياته الرقيقة التي يغنّي بعضها محمد عبدالوهاب وأسمهان وفيروز وفريد الأطرش، وكذلك بوطنياته ومنها قصائد كثيرة له في الشام ومصر ولبنان والعراق. وقد كان في واقع أمره نوعًا من سفير للبنان في العالم العربي يشارك في مناسباته الوطنية وينطق باسم تطلعاته وطموحاته.

          وقد روى الأخطل الصغير مرة لماذا لقّب نفسه بهذا الاسم فقال إنه وقّع بهذا الاسم عندما كان مطاردًا من السلطة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وقد اختاره لأن هناك أوجه شبه بينه وبين الأخطل الأموي الذي كان شاعر الدولة الأموية. فهو مثله من أنصار الدولة العربية وعروبي الهوى. وقد بدأ حياته صحفيًا عندما أنشأ جريدة «البرق» التي عطلتها سلطات الانتداب الفرنسي مرارًا إلى أن سحبت الترخيص بها في النهاية. وهذا إن دلّ على شيء، فعلى طول مقارعته للسلطات المهيمنة على لبنان والمشرق العربي في زمانه. على أن حظه مع رجال الاستقلال اللبناني لم يكن أفضل إذ لم يسمحوا بعودة جريدته إلى الصدور مرة أخرى.

          ولكن حظه مع الشعر كان أفضل من حظه مع السياسة. فالباحثون والنقاد أشادوا بإرثه الشعري وبقدرته على إيجاد ما يسمونه بـ «الجو الشعري». وقد كان في قرارته مفتونًا بمعاني الحياة الجميلة، الغنية بالعطور والأزهار والأضواء والظلال، وكانت النضارة والطلاوة وما شاكلهما من صور، هي ما يطفو على الآفاق والعوالم التي ينقل قارئه إليها. وهو يتألق في كثير من قصائده بوصف شجون الفؤاد ومطارح الهوى والصبابة. وهذا التجدد في روح القلب وريحانه يشعر به الأخطل الصغير، ويسرّبه، غير أنه لا يلبث أن يصيح صيحة القوي المعتد بنفسه:

كفاني يا قلبُ ما أحملُ
                              أفي كلّ يوم هوى أوّل؟

          وله أكثر من حكمة:

          هكذا أهل الغزل/ كلما خانوا الملل/أنعشوه بالقبل

          ويسمّي القبلة، رسالة:

رسالة من فمه لفمها
                              كذا رسالات الهوى تُختصر

          والواقع أن شعره لم يكن لونًا واحدًا بل ألوان متعددة اجتمعت على تألق راح به الأخطل إلى معامي الخوافي يفتّق عنها الطلاسم ليزفّها إلى الشعر مزهوة الرواء، في برود من تماوج ألوانها عمرت دنيانا بما لم يحلم به شفق، أو تُغَنِّهِ صوادح:

أنا في شمال الحب قلب خافق
                              وعلى يمين الحق طيرٌ شادِ
غنّيت للشرق الجريح وفي يدي
                              ما في سماء الشرق من أمجاد

          وأشاد النقاد بالسمة الغنائية في شعره، وهي سمة لم تستسلم إلا قليلاً إلى الخطابية. وقد استطاع أن يضفي على خطابيته حيث وجدت، تلك الخاصة الجمالية المستقلة التي اجتمعت لها مجموعة من العناصرأبعدت عن شعره، في الغالب، تلك العيوب التي تشوب غنائية الشعر العربي في الجيلين السابقين. من هذه العناصر: مزية الصدق ومزية الصفاء النفسي والتعبيري، ومزية الجدّة والطرافة لا في النغمة واللفظة والعبارة وحسب، بل في الصورة الشعرية كذلك، وفي طريقة التصوير الإيحائي للموضوع الشعري.

بيروت: جهاد فاضل

مؤتمر:
المؤتمر العربي الرابع للترجمة
يُعقد بمسقط في سلطنة عُمان
«اللغة والترجمة في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات»

          انضمت المنظمة العربية للترجمة (بيروت) إلى اتحاد المترجمين العرب (بيروت)، ومعهد بوليغلوت (مسقط)، والنادي الثقافي العماني، وجماعة اللغة الإنجليزية والترجمة بجامعة السلطان قابوس (مسقط)، من أجل عقد مؤتمرها الرابع للترجمة لهذا العام، ضمن سلسلة المؤتمرات التي درجت المنظمة على عقدها دوريًا، وحمل هذا المؤتمر العنوان التالي: «اللغة والترجمة في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات»، وكان ذلك بمشاركة مجلس البحث العلمي في السلطنة وبدعم منها، وبرعاية معالي الوزير الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي.

          تركزت الكلمات التي ألقيت في هذا المؤتمر بمجملها على ضرورة دعم الترجمة واللغة العربية والعمل على الاستفادة من آخر ما توصلت إليه التكنولوجيات الحديثة من أجل إغناء المحتوى العربي، وتركزت كذلك على أهمية تضافر الجهود لاعتماد اللغة العربية في تغذية المكتبة العربية، وتأمين فرص عمل للشباب والمتخصصين. كما أنها تعمّقت في تحليل دور التقنيات الحديثة في تحسين أداء المترجم وتطوير عملية الترجمة إلى العربية، وقد شارك في هذا المؤتمر باحثون من بلاد عربية وأجنبية عدة، من: لبنان، وعمان، والمغرب، وفلسطين، والعراق، وسويسرا، وبريطانيا.

وقائع المؤتمر

          تحدث الباحثون في المحور الأول عن «تكنولوجيا المعلومات والاتصالات» وعلاقتها باللغة والترجمة، وبيّنوا أهمية التكنولوجيا وحوسبة العربية وضرورة الاهتمام بنشرها وتفاعلها. كما ناقشوا مدى إمكانية الاستفادة من تطوير النشر الإلكتروني، والمحتوى العربي الإلكتروني. كما تناول الباحثون في هذا المحور مدى أهمية المعاجم (الورقية والمحوسبة) في بناء بنية تحتية للترجمة ولتحسين اللغة العربية، والخوض في مداركها والاستفادة من تجارب العالم الذي بنى عصره وتقدّمه انطلاقًا من الترجمة ومن مفاعيلها.

          أما المحور الثاني الذي بعنوان «اللغة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات»، فقد نوقش فيه «خطاب الشباب» وتماس اللغات، وتداخلها فيما بينها في العصر الحالي، وكانت النتيجة أنه لابد من تحديث العربية من أجل أن تتناسب مع أدوات التطور التقني والتكنولوجي التي يولع بها الشباب في وقتنا الحاضر. كذلك، تركز البحث في هذا المحور على «تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في اللغة العربية ودورها في تطوير التعليم»، وقد شرح الباحثون أساسيات البرمجة وكيفية التعامل معها بما يضفي عليها أهمية يمكن من خلالها أن تتجانس مع ما هو موجود من تقدم ربما لم نلحق به بعد. وعزّز هذا الكلام البحث الثالث في هذا المحور الذي ناقش فيه الباحثون مسئولية الاختصاصيين العرب عامة، والمؤتمرين خاصة، بضرورة بناء محتوى لجمع اللغة وتصنيفها وتسهيل فهمها وتدريسها انطلاقًا من حوسبتها، والاستفادة بما اضطلعت به التقنيات الحديثة من وسائل إلكترونية ومنهجيات علمية.

          أما المحور الثالث فقد خُصص لمعالجة مسألة «الترجمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات»، بدءًا من «المعجم العربي ومنهجيته وأسسه العلمية» وصولاً إلى «الترجمة الآلية». فقدّم الباحثون رؤية جديدة للمعجم وهيكليته وطرق وضعه، كما حددوا أنواع المعاجم التي يحتاج إليها المترجم العربي. في حين ناقش أحد البحوث ما يمكن استعماله من «التكنولوجيا الحديثة» من أجل تسهيل الترجمة وجعلها سلسة وسريعة ومنتجة. أما البحث الأخير في هذا المحور، فقد تناول موضوع «الترجمة الآلية في التجربة العربية: الإمكانات والحدود». فبعد أن ناقش الباحثون إسهامات النخبة العربية في هذا المجال، دعوا إلى الاهتمام بالترجمة الآلية وذاكرة الترجمة الحاسوبية، وإلى تطوير استعمالها لدى الدارسين عمومًا والمترجمين خصوصًا، لأنها «مساهم حقيقي في ما يصبو إليه المجتمع العربي من تزاوج ما بين المعرفية والمعلوماتية والترجمة».

          يحمل المحور الرابع عنوان «الاقتصاد وصناعة الترجمة». وقد عالجت بحوثه ثلاثة جوانب هي: الترجمة، والاتصالات، والاقتصاديات الاجتماعية. فالبحث الأول ميّز أهمية اللغة وصناعتها وكيفية الاستفادة منها في المجتمع، ومن حيث هي قيمة اقتصادية تنموية. وتركز البحث الثاني على «الترجمة المكتبية الرقمية وتحدياتها في الوطن العربي»، وتطرّق إلى كيفية توظيف ما تنتجه الترجمة في الخدمات المكتبية وإلى الطريقة التي يمكن فيها أن نربطها بواقع التكنولوجيا في الوطن العربي. وتناول البحث الأخير العلاقة بين «اقتصاد العولمة والترجمة»، فكمّل بذلك البحوث التي سبقته، وانتهى بطلب توجيه اهتمام الباحثين إلى تعزيز التفاعل ما بين الواقع الاجتماعي والتقدم التقني وحاجة السوق، هذا مع العلم أنه بالإمكان أن نعد أن هذه الحاجة علمية وثقافية واقتصادية في الوقت نفسه.

التوصيات

          انتهى المؤتمر إلى مجموعة من التوصيات قُرئت أمام المؤتمرين وتمت الموافقة عليها. نذكر أهمها:

          - دعم «المنظمة العربية للترجمة» لإنشاء بنك للمصطلحات متعدد اللغات.

          - دعم «اتحاد المترجمين العرب» وتعزيز إمكاناته المادية والمعنوية بما يؤهله ليقوم بالدور المنوط به .

          - التوسع في إنشاء مدوّنات تُعنى بالنصوص العربية، واعتماد المشروع الذي قدمته مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وموّلته، ليكون أساسًا لمدونة عربية كبيرة تشارك فيها مختلف الجهات المعنية، مثل المنظمة العربية للترجمة واتحاد المترجمين العرب.

          - التركيز على حوسبة اللغة العربية والمسح الآلي الإلكتروني لها.

          - الدعوة لقيام شركات عربية تُعنى بالنشر الإلكتروني، وتفعيل الكتاب الإلكتروني وخاصة المترجم منه لكي يكون بمتناول يد الأجيال الصاعدة.

          - تنظيم دورات تدريبية لمن يرغب من المترجمين المحترفين الشباب.

          - تعاون الحكومات العربية من أجل اشتراك مؤسساتها في عمل يتناغم مع الحاجة لتفعيل ذلك، ومن أجل الاتصال بالمؤسسات القومية ومساعدتها على تفعيل هذه التوصيات.

          - دعوة الحكومات والقطاع الخاص لزيادة الاهتمام باللغة العربية ودراساتها والترجمة منها وإليها.

          - العمل على المعجم التاريخي للغة العربية.

          - دعوة القطاع العربي الخاص لإنشاء شركة مستدامة للمعجم العربي تمتلك إمكانية البحث والتطوير واستخدام التقنيات الحديثة.

بيروت: د. بسام بركة

كتاب:
نقولا زيادة في مرآة شيخ المؤرخين الجزائريين

          اطلعت باهتمام بالغ وشغف كبير على ما كتبه أستاذنا الدكتور سليمان إبراهيم العسكري تحت عنوان «نقولا زيادة:عين الرحلة وعقل التاريخ» في العدد: 646، شوال 1433هـ/سبتمبر 2012م، حيث دعا إلى ضرورة معاودة قراءة كتب العلاّمة نقولا زيادة الرحالة في جغرافيا وتاريخ وطنه العربي، «ليس فقط للاستمتاع بلغته وأسلوبه، وإنما لكونه أحد القلائل الذين احترموا ماهية التاريخ، ومدرسته التي تحتمل الشك بقدر احتمائها باليقين».

          كما أشار الدكتور سليمان العسكري إلى حيادية العلاّمة نقولا زيادة تجاه أمته العربية في مشرقها ومغربها، حيث إنه لم يدع منطقة إلا وكتب عنها.

          وبعد قراءتي لمقال الدكتور العسكري المهم، وجدت نفسي ميالًا إلى تقديم رؤية العلاّمة الدكتور (أبو القاسم سعد الله)؛ شيخ المؤرخين الجزائريين، كونها تكشف النقاب عن جوانب مهمة من علاقة نقولا زيادة بالمغرب العربي وشمال إفريقيا من خلال منجزاته ومؤلفاته التي درس فيها تاريخ المنطقة، ففي مسيرة العلاّمة نقولا زيادة جملة من الجوانب التي تستحق البحث والتنقيب والدراسة والاكتشاف، فهو رمز من رموز الحضارة العربية، وصوت تاريخ سيظل صداه يتردد على مر الأجيال والعصور.

          لقد كان الدكتور سعدالله أحد أصدقاء العلاّمة نقولا زيادة، وكان زميلًا له بمعهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة، وهذا ما يشير إليه شيخ المؤرخين الجزائريين، حيث يقول موضحًا علاقته به: «صدفةً كنا معًا في القاهرة أستاذين زائرين في وقت واحد بمعهد البحوث والدراسات العربية. وفي صباح الثامن من أبريل سنة 1976م جاءني الدكتور نقولا زيادة إلى الفندق مودعًا، فقد أخبرته قبل ذلك بيوم بأنني مغادر القاهرة.وأثناء الحديث القصير الذي دار بيننا أخبرني أنه كان قد زار الجزائر سنة 1951م، وأنه لقي بها عددًا من المثقفين ذكر لي منهم الشيوخ: محمد البشير الإبراهيمي، ومحمد خير الدين، والطيب العقبي، وأحمد بن زكري. كما أخبرني أنه زار العاصمة وقسنطينة وتلمسان وغيرها من المدن. وأنه كتب بعد رجوعه إلى بيروت مقالة عن حركة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ونشرها في مجلة «الأبحاث» التي كانت تصدر عن الجامعة الأمريكية (عدد مارس، 1952).

          بحكم وجودنا في معهد واحد، وتخصص واحد، وتدريسنا للطلبة أنفسهم؛ فقد تعددت لقاءاتنا، كما كنا ضيفين مرات عدة على موائد بعض المؤرخين المصريين أمثال د.أحمد عزت عبدالكريم، ود.جمال زكريا قاسم... وقد تراسلنا بعض الوقت بعد ذلك ثم انقطعت الصلة بيننا لأسباب».

          وفي الجزء الثالث من كتابه الموسوم بـ «مسار قلم» الذي هو عبارة عن يوميات، استعاد شيخ المؤرخين الجزائريين ذكرياته مع العلاّمة نقولا زيادة، ومن بين ما ذكره أنه التقى يوم 21 مارس 1976م بنقولا زيادة حينما كان جالسًا مع عبدالمنعم ماجد؛ رئيس قسم التاريخ بجامعة عين شمس، وقد أخبره الدكتور نقولا زيادة خلال هذا اللقاء أنه كتب بحثًا سنة 1970 عن أربعة مؤرخين جزائريين هم: مبارك الميلي، ومحمد علي دبوز، وعبدالرحمن الجيلالي، وأبو القاسم سعد الله، كما أشار الدكتور أبو القاسم سعد الله إلى لقائه بالدكتور نقولا زيادة بمقر الجمعية المصرية للدراسات التاريخية حينما حضر للاستماع لمحاضرته التي ألقاها عن «الطرق التجارية في الصحراء بين المغرب العربي والسودان القديم»، وقد أعجب المؤرخ سعدالله أيما إعجاب بالعلاّمة نقولا زيادة ووصف محاضرته بالمفيدة، وبأنه كان يملك ناصية اللغتين العربية والإنجليزية.

          وقد تعددت لقاءات شيخ المؤرخين الجزائريين بالعلاّمة نقولا زيادة، ودارت بينهما الكثير من المناقشات العلمية المعمقة رفقة عدد من كبار مؤرخي وأدباء الأمة العربية مثل: الدكتور يونان لبيب رزق، وعبدالعزيز نوار، وصلاح العقاد، وأحمد عبدالرزاق وغيرهم. حيث يقول الدكتور سعدالله وهو بصدد وصف لقاءاته به «...ولكن لقاءاتنا كانت مثمرة لكلينا، فهو قادم من لبنان محملًا بأفكار ومشاريع وأنا قادم من الجزائر محملًا بأفكار ومشاريع. فكنا نجلس في بهو الفندق، أو في قاعة الأساتذة بالمعهد أو على مائدة بعض الأصدقاء المصريين ونتحدث ونرسم خططًا لتعاون ثقافي لاحقًا، ولكن عندما يرجع كل منا إلى البلد الذي جاء منه تصطدم الأحلام بالواقع وتتوقف أو تتبخر للأسف. وأذكر أننا التقينا أيضًا في بيروت عدة مرات عند بعض دور النشر، وبعض هذه اللقاءات في القاهرة وفي بيروت مسجلة في يومياتي».

          وحينما قررت إحدى المؤسسات الثقافية الأردنية إصدار كتاب تكريمي يخصص للعلاّمة نقولا زيادة طلبت اللجنة المشرفة على الكتاب من أبي القاسم سعدالله أن يُشارك ببحث عن التاريخ العربي يُنشر ضمن الكتاب التكريمي، فساهم الدكتور سعد الله بدراسة مطولة عن «الأمير شكيب أرسلان والقضية الجزائرية».

          ومن أهم الأبحاث التي كتبها شيخ المؤرخين الجزائريين عن المؤرخ الكبير نقولا زيادة، بحثه المعنون بـ «نقولا زيادة وشمال إفريقيا» والذي نشر في كتاب «حصاد الخريف» الصادر في طبعته الأولى سنة 2010م، إذ تتجلى أهمية هذا البحث في تقديمه رصدًا شاملًا عن جهود نقولا زيادة في دراسة تاريخ شمال إفريقيا، كما يميط اللثام عن رؤى نقولا زيادة للتحولات التاريخية التي وقعت بالمغرب العربي.

          منذ البداية يؤكد شيخ المؤرخين الجزائريين على أن أعمال نقولا زيادة تدل على اهتمامه بأهل المغرب العربي وكفاحهم، وتاريخهم، وذلك - كما يذكر - خلافًا لمعظم المثقفين والمؤرخين العرب في المشرق في عهده، ويشير إلى أن ما لفت نقولا زيادة هو الصراع ضد الاستعمار، كما يظهر في كتبه عن ليبيا وتونس، ثم أدب الرحلة.

          يقول الدكتور سعد الله في مستهل بحثه «إن ورقتنا تدرس علاقة الدكتور نقولا زيادة بالمغرب العربي (شمال إفريقيا) من خلال كتاباته. وسنبدأ بالأقدم منها ثم نتابع تطور أفكاره حول المنطقة.وقد لاحظنا أنه بالإضافة إلى الكتب نشر بحوثًا ومقالات بالعربية والإنجليزية عن المنطقة أشار بنفسه إلى بعضها في ثنايا مؤلفاته. ولا ندري متى بدأت بالضبط علاقته بأقطار المغرب العربي وأهلها، ولكن يبدو لنا أنها لا ترجع إلى أبعد من سنة 1946م حين نشر أول كتاب له دعاه «صور من التاريخ العربي»، وهو كتاب - كما يدل عنوانه -ليس خاصًا بالمغرب العربي. فقد ضمنه صورًا تاريخية عنه وعن الأندلس».

          ويتساءل شيخ المؤرخين الجزائريين عن أسباب اهتمام نقولا زيادة بالمغرب العربي خلافًا لمعظم المثقفين الشرقيين في ذلك العهد؟ ويقول عن هذا السؤال إنه قد لا يجد الجواب الشافي له الآن.

          «ذلك أنه لم يكشف عن الجواب في مؤلفاته وبحوثه: فهل هو مجرد الاهتمام بمنطقة معزولة في زمن أخذت فيه حركات التحرير تنشط، ومنها حركات المغرب العربي التي كان على رأسها في المشرق خلال الثلاثينيات أمثال: عبدالعزيز الثعالبي (تونس)، وعبدالكريم الخطابي (مراكش - المغرب)، والفضيل الورتلاني (الجزائر)، وإدريس السنوسي (ليبيا)؟».

          ويضيف الدكتور سعد الله: «هل كان اهتمام أهل الشام بالأندلس هو الذي قاد الدكتور زيادة إلى البحث في آداب وسفارات الأندلسيين والمغاربة فكان لابد من الدخول إلى البيوت من أبوابها؟

          وربما تكون هناك علاقة بينه وبين الإنجليز خلال الحرب العالمية الثانية وهي التي كانت وراء اهتمامه بالجناح المغربي للطائر العربي الكبير، وهذه العلاقة هي التي عبرت عنها رحلته الأولى إلى برقة (بنغازي) سنة 1949م، ونتج عنها كتابه «برقة الدولة العربية الثامنة».

          وربما يقول آخر: إن الاهتمام الأكاديمي هو الذي كان وراء علاقة نقولا زيادة بالمغرب العربي. ذلك أنه فيما بدا لنا كان من أوائل المهتمين بالتاريخ في خدمة المجتمع أو التاريخ الاجتماعي وإعادة تفسير التاريخ في ضوء الواقع، وبأدب الرحلات كفن وتاريخ اجتماعي.وقد كان المغاربة من أبرز من كتب في الرحلة ووصف العالم، ابتداءً من الإدريسي مرورًا بعشرات الرحلات التي انطلقت من الأندلس وبلاد المغرب. ويبدو أن الجغرافية والرحلات كانت تجد اهتمامًا خاصًا لدى نقولا زيادة فبدأ بها، وقد ظهر ذلك في كتابه «الرحلات والجغرافية عند العرب»، وهو الكتاب الذي تحدث فيه عن رحالة المغرب العربي وكتاباتهم عن مدنهم وأهلهم وأحوالهم».

          كما لاحظ شيخ المؤرخين الجزائريين أن العلاّمة نقولا زيادة لم يغط بمؤلفاته السياسية الحديثة كل أقطار المغرب العربي، واكتفى بقطرين حديثي العهد بالاستقلال هما ليبيا وتونس، حيث خص ليبيا بمؤلفين أحدهما تناول فيه إقليم برقة أو بنغازي فقط، ووصل فيه إلى مشارف الاستقلال. أما الكتاب الثاني فقد تطرق فيه إلى القطر الليبي وهو يقاوم الاحتلال الإيطالي ويعاني من تداول الإدارات (العثمانية والإيطالية والإنجليزية).

الجزائر: محمد سيف الإسلام بوفلاقة

شخصيات:
الخطاط الفلسطيني إيهاب ثابت:
على الخطاط تدريب العين بصورة لا تقل عن تدريب اليد

          يؤمن الخطاط الفلسطيني إيهاب إبراهيم ثابت، بأن الخط اليدوي التقليدي ما زال محتفظًا بقيمته الجمالية، التي لا يمكن للحاسوب أن يصل إليها أو ينال منها، ولا يمكنه أن ينافس الخطاط الذي يؤدي الكتابة بيده وعينيه وأعصابه ويضفي عليها شيئًا من روحه وطبعه وقدراته، فلا يمكن للحاسوب عمل خط عربي أصيل.

          ويرى أن الخط العربي ارتبط خاصة في الماضي بطقوس عشق وتصوّف. وينظر ثابت بشكل عام إلى أعماله بعدم الرضا دائمًا، ويشعر أنها بحاجة لتطوير وتحسين.

          الخطاط ثابت من مواليد عمان الأردن عام 1968، متزوج وله ولد وثلاث بنات. يعمل مخرجًا إلكترونيًا في صحيفة الأيام الفلسطينية برام الله، وليشق طريقه صعودًا بين الخطاطين المعاصرين.

التقيته وكان هذا الحوار:

  • حدثنا عن بداياتك وعن الصعوبات التي واجهتك كخطاط؟

          - والدي كان خطاطًا ورسامًا وكنت أميل لمراقبته وهو يعمل. لفت انتباهَه شغفي بالرسم فشجّعني ووجّهني، ثم وفي سن صغيرة أدركت أن التخصص مطلوب، فإما أن اختار الرسم أو الخط، فتركت الرسم لصالح الخط العربي، وبدأت أطوّر نفسي وأتدرّب. في تلك الفترة كانت المصادر التي تهتم بالخط شحيحة» سواء النظرية أو التطبيقية، بالإضافة إلى عدم توفر الأساتذة أيضًا. كان المصدر الأبرز هو كتاب قواعد الخط العربي للأستاذ هاشم البغدادي رحمه الله، ثم في بداية الثمانينيات بدأ مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (Ircica)، أو «إرسيكا»، ومقرّه اسطنبول في تركيا، بتنظيم مسابقة دورية للخط العربي كل ثلاث سنوات وهذا حرّك الركود الذي عاناه الخط العربي في السبعينيات من القرن الماضي. بدأت التصاوير والكراريس والمصادر تنتشر وتتكشّف بصورة مطّردة، وبدأ الخطاطون يتعرفون على أسماء جديدة من عباقرة الخط وأساتذته مثل: محمد شوقي (1829 1887 م) وسامي أفندي (1838 1912 م) وحليم (1898 1964 م) ونظيف (1846 1913 م) وحامد الآمدي (1891 1982م) وغيرهم رحمهم الله جميعًا. وبدأت المنافسة تشتد وتحتدم بين الخطاطين من مختلف الدول، وكان الجميع ينشد جائزة من «إرسيكا»، فقد كانت وما زالت تعني الكثير للخطاطين من ناحيتها المعنوية. وهنا حدثت طفرة في نهضة الخط وتجديد الاهتمام به، حيث بدأت عدة دول تهتم بالخط وتنظيم المعارض والمسابقات الخاصة به، مما ساعد في نهضة الخط من جديد. وكان للانترنت عظيم الأثر في انتشار الخط وتعارف الخطاطين وتبادل الخبرات. بعد ذلك، انتقلت للعيش من الأردن إلى الضفة الغربية بحكم عملي، وقد واجهتني صعوبات كثيرة بسبب الانتفاضة الثانية، وانقطاع وصول المواد اللازمة للكتابة، خاصة فيما يتعلّق بالأدوات، كالورق والحبر والأقلام، فاجتهدت وأصبحت أجرب إلى أن استطعت تحضير ورقي بنفسي عبر «عملية تقهير» الورق لتحضيره للكتابة. وقد اتخذت من أقلام الحبر البلاستيكية بعد معالجتها أقلامًا للخط بدلًا من القصب، وقد أعطت نتيجة مُبهرة، بحيث واصلت استعمالها حتى بعد أن حصلت على الأدوات من الخارج.

  • ما أهم أعمالك الخطّية التي تعتز بها؟

          - كأي أب يتعلّق بآخر أبنائه وأصغرهم، دائمًا أحب آخر عمل لي، وبشكل عام أنظر إلى أعمالي بعدم الرضا، وأشعر أنها بحاجة إلى تطوير وتحسين، وأن هناك ثغرات يجب سدّها. وفن الخط كباقي الفنون، ينشد الكمال. ومن الأعمال التي أحبّها لوحة «الحلية في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم» ولوحة «بداية سورة الإسراء» والتي نالت إعجاب الأستاذ الكبير الخطاط داود بكتاش، واللوحة الأخيرة وهي لوحة «مسابقة بنك البركة الدولية» التي أُطلقت من تركيا، والتي حازت بفضل الله على المركز الأول في فرع «النسخ والثلث». كما أن لي تجارب ومحاولات في الجانب الحديث عبر توظيف الخط في الأعمال التشكيلية.

  • ما موقفك من خط الحاسوب، وهل ألغى الحاسوب قيمة الخط العربي وجمالياته؟

          - خط الحاسوب يؤدي جانبًا وظيفيًا فقط لا جماليًا، أعتقد أنه لا يمكن للحاسوب إنتاج خط عربي أصيل، ولا يمكنه أن ينافس الخطاط الذي يؤدي الكتابة بيديه وعينيه وأعصابه ويضفي عليها شيئًا من روحه وطبعه وقدراته، فيمكنك تمييز خطوط بعض الخطاطين الكبار أو حتى المعاصرين من خلال كتاباتهم، وهذا دليل على أن الخطاط يُضفي على الخط شيئًا من روحانية، ويعكس حالته النفسية ووضعه النفسي، ومقدار راحته أو عدمها. ومثل الكثير من الفنون والحرف التي تم أتمتتها (حوسبتها)، بقي العمل اليدوي التقليدي محتفظًا بقيمته الجمالية، ثم إن الخط العربي ارتبط خاصة في الماضي بطقوس عشق وتصوّف، لذلك عمد بعض الخطاطين - خاصة القدماء - إلى الوضوء قبل الكتابة أو حتى الصلاة ركعتين لله تعالى ليوفقه في الكتابة، وبعضهم عمد إلى عدم إرهاق أعصابه ويديه بحمل الأشياء الثقيلة، وبعضهم قام بلف يده التي يكتب بها بلفائف للحفاظ عليها وعدم إرهاقها بأي من الأعمال المُتعبة.

غياب الثقافة الخطية

  • كيف تقيّم واقع الخط العربي في فلسطين؟

          - واقع الخط في فلسطين جيّد من ناحية «نوعية»، لكنه بخلاف ذلك من ناحية عدد الخطاطين. فلله الحمد لنا حضور دولي جيد في المعارض والمسابقات الدولية، لكن بأعداد خطاطين قليلة. وفلسطين بحكم الوضع السياسي فيها، لم يكن على سلم أولوياتها الاهتمام بالخط وإقامة المعارض، لذلك غابت الثقافة الخطية نوعًا ما، ولم يكن هناك اهتمام بالمعارض من جانب المعنيين، كوزارة الثقافة، كما أن هناك غيابًا عند المواطنين بشكل عام للاهتمام بالخط وبالثقافة الخطّية، واقتناء اللوحات الخطيّة.

  • لماذا لا تكون هناك نقابة للخطاطين؟

          - هناك محاولات يقوم بها بعض الإخوة لتشكيل جسم ما، نقابة أو تجمع، يمثل الخطاطين الفلسطينيين، نتمنّى لهم التوفيق، وربما قلّة العدد أحد الأسباب التي تؤخّر هذه الخطوة.

  • نصائحك للخطاط المبتدئ؟

          - أنصح الخطاط المبتدئ بالاختيار الصحيح والمناسب للمراجع والكراريس، والتخصص في أنواع محددة يجد عنده ميلًا إليها أكثر من غيرها، والاطلاع والمتابعة قدر المستطاع على الكتابات والتصاوير الحديثة والقديمة لإثراء ثقافته واطلاعه وخبراته.

رام الله: عبدالحكيم أبو جاموس

 

 

  




 





بعض المشاركين في المؤتمر في صورة تذكارية





نقولا زيادة