عزيزي العربي

 عزيزي العربي
        

  • المرأة ومجمع الخالدين

          الاستاذ الدكتور سليمان إبراهيم العسكري المحترم.. تحية وبعد..

          في العدد 643 يونيو 2012 طالعت في باب «قضايا عامة» موضوع «ثمانون عامًا ومجمع الخالدين بلا امرأة» ص63 للكاتب المصري «سامح كريم» المنشور في مجلة العربي حيث يقول: «في كل انتخابات يجريها مجمع الخالدين بالقاهرة ننتظر أية بارقة أمل فيها ترف قلوب كبارنا من المجمعيين الخالدين فيختارون أختنا حواء من بين مَن يختارونهم لعضوية المجمع، ولكن - مع الأسف - تبدأ هذه الانتخابات وتنتهي بحمد الله، ولا تختار المرأة لهذه العضوية».

          مشكور الأستاذ سامح كريم على هذا الطرح البنّاء وبانتفاضته هذه كنواة مستقبلية مما يمهّد لنيل المرأة حقها في عضوية مجمع الخالدين. مداخلتي شاكرًا لكم إن استمعتم لي، إن آلية المجمع وحسب ما قرأت يكون عدد الأعضاء نصف للمصريين والآخر لغير المصريين وثم لسنوات لاحقة ثلثا الأعضاء للمصريين وثلث لغيرهم من «عرب ومستعربين»، فالقول هو إن الأديبات سواء كن مصريات أو من غيرهن يدخلن التنافس لوحدهن دون الرجال لنيل مقعدين ويتم الانتخاب، أي التصويت من قبل الجميع رجالا ونساء لضمان حق المرأة. فالتنافس يكون على مقعدين إن فازت إحداهن بالمركز الأول فتكون مع عضوية المصريين والتي تفوز بالمركز الثاني تكون مع عضوية غير المصريين «عرب ومستعربين» ومهما تكن هويتها مصرية أم من جنسية آخرى هذا إن قدمت للترشح اثنتان أو أكثر.. أما إذا قدمت للترشح امرأة واحدة فقط فتفوز بالتزكية، فتشغل مقعد في عضوية المصريين لأنهم ذو الأغلبية وهذا من حق المرأة.

          عسى أن يصل صوتي لمجمع الخالدين وشاكرًا لهم في حق المرأة بالعضوية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مناف هاشم أمين
البصرة - العراق

  • الجزائر في مجلة «العربي»

          لفت انتباهي منذ عدة أعداد أن اسم الجزائر أصبح متداولا بكثرة في مجلة «العربي»، إما عن طريق نشر دراسات ومقالات لبعض أكاديميي الجزائر، أو تعاليق وتعقيبات لبعض القرّاء من الجزائر، أو ذكرها فيما ينشر من مواد ومحتويات، وأخص بالذكر هنا ما يكتبه رئيس التحرير الدكتور سليمان إبراهيم العسكري الذي ذكرها في حديث الشهر لعدد (644) يوليو 2012 «دروس الثورات وحصاد الأزمنة»، وحديث الشهر لعدد (646) سبتمبر 2012 «نقولا زيادة: عين الرحلة وعقل التاريخ»، وأود هنا - زيادة في الفائدة وتعميمها - أن ألفت الانتباه إلى بعض القضايا الخاصة بتاريخ الجزائر التي ذكرت في المقالين:

          ففي حديث الشهر للعدد (644) ذُكر أنه في اليوم نفسه الذي شهد التراب الجزائري الاحتلال قبل أكثر من 130 عامًا، أعلن الجنرال ديغول نتيجة استفتاء تقرير المصير للشعب الجزائري.

          والذي حدث بالضبط هو أن الاستفتاء جرى يوم 1 يوليو 1962، واعترف الجنرال ديغول بنتيجة الاستفتاء يوم 3 يوليو، وتأجل إعلان الاستقلال إلى يوم 5 يوليو المصادف ليوم سقوط مدينة الجزائر في أيدي العساكر الفرنسيين.

          أما في حديث الشهر للعدد 646 فقد جاء أن الدكتور نقولا زيادة وفي زيارة له إلى تونس سنة 1970، زار الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الذي تزامن وجوده هناك مع زيارة الدكتور نقولا.

          والحقيقة أن الشيخ البشير الإبراهيمي كان قد أسلم روحه إلى بارئه ظهر يوم الخميس 20 مايو 1965، ومن هنا يمكن أن تكون الزيارة المذكورة قد تمت في سنة سابقة لعام 1965 أو في السنة نفسها.

          كما جاء في الحديث أن شعار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كان:

شعب الجزائر مسلم
                              وإلى العروبة ينتم

          والواقع أن هذا البيت الشعري هو البيت الأول لقصيدة نظمها الشيخ عبدالحميد بن باديس مما قال فيها:

شعب الجزائر مسلم
                              وإلى العروبة ينتسب
مَن قال حاد عن أصله
                              أو قال مات فقد كذب
أو رام إدماجًا له
                              رام المحال من الطلب

          أما شعار الجمعية منذ تأسيسها في 5 مايو 1931، فهو هذه الثلاثية الشهيرة:

          «الإسلام ديننا - العربية لغتنا - الجزائر وطننا».

          أود أن أضيف قضية أخيرة، ذُكرت في المقال، وهي الحديث عن القومية العربية والنقاش الذي دار في مدينة تلمسان بين الدكتور نقولا وفئة من أعضاء جمعية العلماء المسلمين حول العربي والمسلم، أقول إن الكثير من آبائنا وأجدادنا وإلى وقت قريب في الجزائر يستغربون حديثك عن العربي كعنصر مختلف عن المسلم، ففي اعتقادهم، إذا قلت العنصر العربي فأنت تقصد لا محالة المسلم، والعكس صحيح، ولهذا فهم لا يستسيغون التفريق بين العنصرين، والسبب في ذلك هو أن منطقة المغرب العربي حباها الله بوحدة الدين والمذهب (الإسلام على المذهب المالكي)، ولهذا لا تجد جدالاً حول الانتماء الديني والطائفي في المنطقة ككل.

          هذه بعض الإضاءات أردتها خدمة للمعرفة، وخدمة لقرّاء مجلة «العربي»، حتى تبقى المجلة دوما مرجعا موثوقًا فيه، معتمدًا في الدراسات والأبحاث. والله الموفق.

التهامي لشهب
قسنطينة - الجزائر

  • الثقافة ومؤسساتها

          تنكأ المناسبات الثقافية جراح الثقافة العربية بدلاً من ترميمها، ربما لأن جراحها أوسع وأعمق من أن ترمم، أو لأنه ليس في تلك المناسبات ما يكفي من البلسم، أو لأن الميزانيات الحكومية لا تلحظ الثقافة ودورها إلا في تلك المناسبات. إن لاحظتها على نحو كاف أصلاً.

          وبالرغم من وجود بنى مؤسسية وأطر ثقافية في جميع البلدان العربية، فإن فاعليتها التي وجدت من أجلها تظل محدودة بسبب الصفة الرسمية التي تجعل من تلك البنى هياكل تتبع التوجه السياسي للحكومات أكثر مما تتبع التوجه الثقافي العام وتقوم على تفعيله، وحتى تلك الهياكل لا تحظى إلا بدعم محدود لا يتجاوز في أحسن الأحوال 5.% من ميزانية الدولة وتأتي المناسبات عادة كما يأتي الشفق القطبي، فلا تستطيع أشعة شمسه الناعسة إذابة الجليد المتراكم بين الثقافة والجمهور الذي ينبغي أن تتوجه إليه، فيمر العام الاحتفالي، أو المهرجان، كما يمر طبيب عام في مستشفى حكومي بمرضاه الذين يرقدون على أسرتهم بلا أمل، يسكن ألم هذا، ويربت على كتف ذاك.. لا أكثر. ولعل في الأوضاع المأساوية التي تعاني منها اتحادات وروابط وجمعيات الكتّاب العرب من تمزق هنا، وتعال على الساحة الثقافية هناك، وانقطاع للصلة بينها وبين أعضائها في مكان آخر، ما يؤكد هذه الحقيقة المرّة، وربما يكون الوضع أفضل حالاً بين ساحة ثقافية وأخرى، إلا أن السلبيات المصاحبة لهذا الوضع العام تنطبق على جميع ساحتنا الثقافية العربية.

          وبدلاً من أن تكون الثقافة بما هي فكر، وتفلسف، ونقد، وأعمال إبداعية، ونظرات عميقة في الحياة وسبل التطور والتقدم، معجزة الأمة التي تنهض بها من رماد تخلفها، أصبحت ثقافتنا تحتاج إلى معجزة للنهوض بها من أغلال التقتير والقمع، ومن أغلالها ذاتها المتمثلة بالانكفاء والاكتفاء وغياب الجانب النقدي فيها، وصولاً إلى البؤس الذي يعاني منه المثقف، المرتبط بقضايا مجتمعه وأمته وتراثه انتهاء بمشكلة تمثيل المؤسسات الثقافية وصياغة هياكلها على نحو غير نقابي، مما يجعل تلك المؤسسات «فزّاعات» رسمية طاردة للمثقفين. وبالرغم من أن أحوال الثقافة من أحوال المجتمع، إلا أنها وبفعل قوانين الاستقلال النسبي التي تتمتع بها كمنتج خاص، تستطيع إن مُنحت الحرية أن تكون معجزة بحق، لما تضمنه من تفجير الطاقات الإبداعية لدى فئات المجتمع والشباب خاصة، وأساس فكري لأية تنمية مرتقبة أو نهضة مرجوّة.

جميل أحمد الهتار
إب - اليمن

  • أنه الرائع الرابع من آل مستجاب (1938-2005)

          مرت ذكرى رحيله يوم السادس والعشرين من يونيو الماضي، وكعادة النسيان في زحام الحياة المليئة بالضجيج، ضعفت ذاكرتنا عن تذكره، بالرغم مما يبدو لي وللكثيرين أن لنا كلمات عاجزة وحروفًا تائهة، تسعى أن تحمل الامتنان لفيض إبداعه في الكلام والحروف والمعاني، في حكمة واقتدار وحب للبشرية، وهي الرسالة التي يحملها الأديب الصادق من وراء عمله.

          ومحمد مستجاب، كان صاحب رسالة أدب صادقة ولكنها صافية أيضًا، خاصة عندما ترتبط بذلك الإبداع الأصيل المنطلق من الذات الملهمة ليتمرّد على أي مسلمات أو بديهيات، فتبقى قمة اللذة حينها لكل قارئ يشعر بتلك الحالة الخاصة لذاك الرجل، وطريقته وسمة أسلوبه المتفردة، والتي جعلت من فعل الكتابة إبهار ذا ملامح غريبة ومدهشة وغير عادية، هو الأمر الذي أسعدني وأسعد جيلي وأجيالاً أخرى لم تأت بعد، بل وسيظل علامة فارقة ومحيّرة.

          يعجبني في مستجاب، أنه يعرف كيف يثير ذهنك حتى تقتنع وتنبهر وتلتفت إليه وتتأمله وتنجذب فتصبح المتيم والمجنون المولع بكتاباته، فهو يستخدم مفردات اللغة ويتلاعب بها كيفما لا يمكن التوقع، فيصيغ الحلم مع الأسطورة، ويدخل الواقعية في الخيال، فيصل في النهاية لمراده الحكيم، باستخدام الحيوان والشجر والصخر والبشر الصالح والطالح صغيرًا وكبيرًا.

          لن يمكننا - بالطبع - أن نصف حالته الإبداعية، إلا بالرجوع لكتاباته، ومادمنا نتحدث عنه شخصيًا، فهو القائل عن نفسه بطريقته المعتادة الساخرة «ولد ذكر من صلبك، تضيع عينه اليمنى جهلاً واليسرى ثقافة، يهلك أطنانًا من التبغ والورق وأبيات الشعر والشاي ومكعبات الثلج وآيات التكوين والمبادئ والملوك والخفراء والثرثرة والشعارات والوزراء، يكون رءومًا قلقًا جامحًا، جامعًا لصفات الكلاب والعصافير والحنظل والحشرات والأبقار، يداهمكم بقصصه القصيرة، حتى يقضي نحبه مجللاً بآيات الفخار في العراء على قارعة الوطن».

          إنه مستجاب الرائع الذي يصف موهبته قائلاً «مولانا مستجاب، والذي وهبه الله (القلم)، حيث القلم هبة إلهية، أداة الكتابة، وأقرب الأدوات جميعًا إلى قلب مولانا مستجاب، ومع صغر حجم قلم مولانا مستجاب بالنسبة للفأس والسيف والمدفع وكبشة الطبيخ، فإنه هو القادر على إضاءة المسافة بين السماء والأرض، يمتلك قلمًا شرسًا قويًا حزينًا ومراوغًا، يختصر تلك القدرة الهائلة للعقل والقلب والجلباب الذي يرتديه ليصنع به الأعاجيب، وكلما سافر وتجوّل ولعب وضحك وتعارك ونام وقرأ وشاهد انشحن القلم جيدًا لكي تزيد رهافته وبصيرته وخطورته».

          لقد وُلد محمد مستجاب في عام 1938 في مركز ديروط وهو ضمن مراكز محافظة أسيوط بوسط صعيد مصر، وتوقف دراسيًا عند شهادة الثانوي ليلتحق بالعمل في مشروع بناء السد العالي في الستينيات والمقام في أسوان أقصى جنوب مصر، ولم يفارقه حينها نهم الثقافة والقراءة والرقي الأدبي اللذين حرّكاه بعد بناء السد للالتحاق بمعهد الفنون الجميلة بالجيزة، ولكن طرائق التدريس لم ترق لنفسه المبدعة فهجرها، وسافر للعراق، وعاد لمصر ليعمل في مكان هو الأليق به، وهو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، والذي استمر فيه حتى سن المعاش عام 1998م.

          أما بدايته مع عالم الكتابة الأدبية فكان عبر نشر أول قصة قصيرة في مجلة الهلال بعنوان «الوصية الحادية عشرة» وذلك في أغسطس 1969، فجذبت إليه الأنظار بقوة، واستمرت رحلته الإبداعية وإنتاجه القصصي البديع، فضلاً عن مقالاته الأدبية الساخرة بالصحف، بالإضافة لرواياته، التي بدأها بروايته الأولى «من التاريخ السري لنعمان عبدالحافظ» عام 1983 وحصل عنها على جائزة الدولة التشجيعية عام 1984م بل وترجمت إلى أكثر من لغة، تلتها مجموعته القصصية الأولى «ديروط الشريف» 1984م، ثم «القصص الأخرى» 1995م، و«قيام وانهيار آل مستجاب» 1999م والتي طبعت ثلاث مرات إبهارًا للقرّاء، ثم «الحزن يميل للممازحة» 1998م والتي أيضًا طبعت مرارًا وتكرارًا، وكذلك «بعض الونس»، و«زهر الفول»، و«أبو رجل مسلوخة»، و«الحزينة تفرح»، ثم «إنه الرابع من آل مستجاب» 2002م، و«نبش الغراب1، 2»، و«اللهو الخفي» أبريل 2005م أي قبل وفاته بشهرين حيث رحيله يونيو 2005م بعد متاعبه الصحية، وبعد رحيله منح جائزة الدولة التقديرية عن جدارة واستحقاق وإن كان متأخرًا.

          وبالرغم من رحيل الفارس، مازال يفتننا إبحاره بطريقته الساخرة النادرة مستخدمًا اسمه وعائلته دومًا خلالها بجرأة يحسد عليها في التهكم من أحوال البشر، فيقول حينًا «من لم يمت بالسيف مات بغيره أما الرابع من آل مستجاب فقد عاش بالسيف دون غيره»، وتكاد تكون جميع قصص مستجاب كذلك في رسالتها البليغة، حتى وإن حمل عنوانها غير ذلك، فقصته مثلاً (أبو رجل مسلوخة) يصف ذلك العنوان قائلاً «في فوهة بندقية تتجه نحو أناس أمنين عابرين، وفي التصرف الذميم لمدير منهمك في امتصاص نقود الفقراء، وقصيدة شعر رديئة تحتل مكانًا طيبًا في جريدة واسعة الانتشار والتوقيع أبورجل مسلوخة».

          يبدو ما سبق هو المعروف عن مستجاب، أما حقائق نفسه الساحرة فتحتاج إلى كتب وكتابات، فله من المغامرات والمواقف الجميلة الكثير والكثير، فأديبنا الراقي كان صادق الفعل مثلما صدق الكتابة، فلم يعرف عنه المداهنة أو التلون الذي اشتهر به بعض الأدباء، فكان ناقدًا للسلطة والفساد، وجريئًا في الحق، وهو ما أدى لحجب أضواء الإعلام الحكومي عنه كثيرًا ومرارًا، بالرغم من تحفه الإبداعية المتكررة، وقدراته ومؤهلاته التي تؤهله للريادة والإبهار دائمًا، ولكن هكذا كانت الظروف، كما أن تلك كانت نفس مستجاب العفيفة الزاهدة في ذهب المعز ولا يهاب سيفه.

          وفيما يرويه لي أصدقائنا الكثيرون عنه، ومنها رواية صديقنا الإعلامي محمد يحيى عندما كان طالبًا بقسم الإعلام في كلية الآداب جامعة أسيوط إذ أقيم مؤتمر لدور الإعلام في قضايا الصعيد في عام 2002م، وبينما عرف عن مستجاب تلبيته لحضور المؤتمرات والندوات في أقاصي الصعيد، بالرغم من قسوة السفر وعدم وجود عائد مادي من ذلك، فيقول صديقي كيف أن مستجاب فاجأ الجميع أثناء المؤتمر بصرخة حق قوية وباهرة وعلى خلاف الهدوء الساكن فعلهم، ناقدًا الصمت عن تشويه الدراما لصورة الصعيدي وتحيزها في نقل جانب مظلم على حساب الحقيقة، فأيده الأكاديميون والخبراء، وعرفوا مدى قدرته على التحليل والنقد في ذكره الأدلة الدامغة على اختلاق الإعلام وعمده التزوير، وهو الأمر الذي ينطوي على نفس الأديب الخبير المتذوق لكل الفنون والحريص على تأملها المعرفي.

          ويقول لي صديقي المخرج أسامة عبدالرءوف في إقليم وسط وجنوب الصعيد الثقافي، عن لقائه مستجاب بينما كان شابًا صغيرًا يؤدي بعض الأدوار المسرحية، فإذا به يرى رجلاً ضخمًا مرتديًا الجلباب الصعيدي، يجلس بين صفوف المشاهدين، وينتظر بعد نهاية العرض وانصراف الجميع، فينتقد أخطاء زملائه ويشرح لهم الإبداع التمثيلي والحركة المسرحية، فيثير بعض حمية الشباب اعتقادًا أنه فلاح، ويقابلهم بكلمات حكيمة «هو احنا في مندرة أبوك»، وعندما غضبوا أوضح لهم المقصد بالدعابة الجميلة والاحتضان، ليفاجأ مصادفة بعد زمن أنه الأديب الكبير المشهور، بينما لم يوضح ذلك طوال المناقشات وأثناء حضوره ومجادلته حتى لم يسع لتغيير فكرتهم عن كونه فلاحًا صعيديًا كونه يفتخر بذلك، ويحرص على التحدث بالمثال القديم والكلمة الحكيمة البارعة، ومن حينها وكانت الفتنة لهم جميعًا بهذا المبدع الذكي والفطن لكل حركة وأي فعل، فضلاً عن طريقته الباهرة في الكلام والإقناع، مما جعلهم يحرصون على تتبع أعماله الرائعة، ليزداد إعجابهم ومحبتهم لعازف اللغة ومبدعها الكبير في فنون القصة والرواية والمقال الأدبي، فمن قابل مستجاب لن ينسى طريقة كلامه وثقته ورجولة موقفه، وحكمته وفروسية قلمه. رحل عنا مستجاب، وترك لنا قيمه وأحلامه وحروفه للتقاليد القاسية والادّعاءات والأكاذيب التي ترفضها نفسه البسيطة المحررة حتى في غلاف الغرب، فالجلباب كان زيّه المفضل، لقد رحل وللآن لم تف هيئة الكتاب بجمع أعماله، والكثير من كتاباته المتناثرة بالصحف وقصصه هنا وهناك.

          وأخيرًا، فمستجاب ليس فقط إبداعًا للكلمة وفارسًا للقيم، لكنه أيضًا رسالة حب ووفاء نادرة في حب الوطن ودرس بالغ في الإحساس والشعور بهذا الوطن، ويبقى لنا في النهاية تراث مستجاب، والجميل أيضًا مواصلة نجله عالم الإبداع بشكل باهر ولافت للنظر إنه القادم بقوة محمد محمد مستجاب.

أحمد مصطفى علي - مصر

 

 

  
  




 





 





 





 





 





محمد مستجاب