إلى أن نلتقي

 إلى أن نلتقي
        

وماذا لو كان الأفغاني إيرانيًا أو شيعيًا؟

          نشرت «العربي» في العدد 646 (سبتمبر 2012، ص84 - 91) بحثًا مهمًا للكاتب اللبناني جهاد فاضل عن هوية جمال الدين الأفغاني حيث استعرض الجدال الذي دار لسنوات عديدة في القرن السابق حول ما إذا كان السيد جمال الدين الأفغاني أفعانيًا أو إيرانيًا كما يقول البعض. فهناك رأي يقبل بما قاله السيد جمال الدين عن نفسه وهو يشدد على أنه أفغاني المولد والهوية الجنسية الوطنية بينما كان آخرون يشيرون إلى أنه كان في الواقع إيرانيًا متخفيًا بهوية أفغانية.

          وقد أشار الأستاذ فاضل إلى أن أشرس معارك الرأي التي دارت حول هذا الأمر كانت المعركة بين الكاتب المصري الراحل الدكتور لويس عوض الذي حاول إثبات أن الأفغاني ليس فقط إيرانيًا وشيعيًا وإنما هو زنديق وملحد وباحث عن المال بالطرق الملتوية وجاسوس وباطني إلى ما هنالك من الصفات السيئة بينما دافع د. محمد عمارة عن الأفغاني معتبرًا إياه، كما ذكر الإمام محمد عبده، أفغاني النسب وعلى المذهب السني الذي تدين به الغالبية العظمى من الشعب الأفغاني.

          وليس يعنيني هنا بالإضافة مجددًا إلى هذا النقاش حول هوية الأفغاني الجنسية أو المذهبية، بل محاولة تحويل المسألة برمتها وجهة أخرى من خلال السؤال: لنفترض جدلاً أن السيد جمال الدين كان إيرانيًا فعلاً بالجنسية وشيعيًا بالمذهب، ما كان قصده ونيته عندما قدم نفسه بهوية مختلفة عندما جاء إلى مصر وإلى بلاد السلطنة العثمانية؟ ونحن نؤمن «إنما الأعمال بالنيات». هل كانت نية الأفغاني كما قال د.لويس عوض الاحتيال على مسلمي هذه الأقطار الذين كانوا في أغلبيتهم يدينون بالمذهب السني أم أنه كان يريد تقديم نفسه إليهم على أنه واحد منهم لا يفصله عنهم فاصل مذهبي أو جنسي - وطني وهم الذين يدينون في غالبيتهم للمذهب السني ويتركز انتماؤهم بعد الانتماء الإسلامي الأكبر إما إلى الأمة العربية أو الأمة التركية. وهو قد فعل ذلك في سبيل غاية اجتماعية وسياسية عليا؟ لقد كان يريد أن يقول، من خلال تغيير كنيته، ألا تكون هناك حواجز بينه وبين المسلمين السنة الذين جاء ليدعوهم دعوة صريحة إلى فكر وعمل وطني وديني معين. لقد كانت غايته الاجتماعية «الإصلاح» من خلال تفعيل «الاجتهاد الديني» لجعل الشريعة موافقة للعصر بينما غايته السياسية محاربة الاستعمار الغربي وخاصة البريطاني الذي كان قد استولى على الهند، درة تاج الإمبراطورية البريطانية، ومصر البلد العربي والإسلامي الأهم الواقع بين آسيا وإفريقيا. أضف إلى ذلك أن المبدأ الذي سار عليه السيد جمال الدين كان مبدأ توحيد جهود الشعوب الشرقية والإسلامية أيًا كات مذاهبها ودياناتها وجنسياتها الوطنية لمحاولة التخلص من المستعمر الغربي. وإذا عدنا إلى مجلة «العروة الوثقى» التي أصدرها مع الشيخ الإمام محمد عبده في باريس في ثمانينيات القرن التاسع عشر نجد أنه يشدد على الوحدة الإسلامية بين الذين يتبعون المذاهب الإسلامية كافة، وعلى الوحدة الوطنية بين المسلمين وغير المسلمين في بلاد الشرق لأنهم إخوة في الوطن عليهم العمل معًا في سبيل الاستقلال.

          إذن، كان الأفغاني يعمل لأهداف ثلاثة محددة هي الوحدة والإصلاح والتحرر من الاستعمار. فهل كانت هذه الأهداف أهداف رجل جاسوس وانتهازي أم أهداف مصلح ديني ووطني استقلالي متحمس في سبيل الشرق والشرقيين والإسلام والمسلمين؟ لعلنا لا نحتاج إلى جواب على السؤال.
-------------------------------
* مؤرخ من لبنان.

 

 

محمود حداد