لماذا نعتقد في السحر والسحرة؟

إلى عناية المكرم الدكتور/ سليمان العسكري رئيس تحرير المجلة الحبيبة إلى النفس والقريبة للعقل والكامنة في القلب (مجلة العربي). لك - وللفريق العامل - التحية والتقدير على الجهد المقدر والمبذول حتى يبلغ القمر تمامه فيصير بدرًا تتلقاه أيدينا نحن القراء.

          لقد طالعت في العدد 649 شهر ديسمبر2012م موضوعًا تناول فيه الكاتب قاسم عبده قاسم السحر كظاهرة اجتماعية (السحر.. هل هو ضرورة اجتماعية؟). وقد أثار الموضوع انتباهي، لأنه يدخل ضمن دائرة اهتماماتي التي تهتم ببرنامج الباراسيكولوجي الذي أقوم بتدريسه لطلبة قسم علم النفس.

          لقد شغلت أعمال السحر وما يصاحبها من شعوذة ودجل.. حيزًا كبيرًا ودائرة واسعة في حياة المجتمعات الإنسانية - بلا استثناء -، بحيث لا يخلو مجتمع من المجتمعات منذ القدم من هذه الظاهرة (السحر)، وهذه الظاهرة لا ترتبط بمجتمع بعينه، فهي منتشرة بين المجتمعات المتقدمة والمتخلفة على السواء. ولنا أن نلاحظ ذلك في ما يعتري الكثير من الناس من هوس بقراءة الطالع لمعرفة ما يخبئه المستقبل لهم، ولك أن تلاحظ ذلك في ما ينتشر من قراءة الكف والفنجان وضرب الرمل، كذلك يمكننا مراجعة تلك الأبواب المبثوثة عبر صفحات الصحف اليومية والدوريات ومدى شغف القراء بمطالعتها ومتابعتها، ولا يقف الأمر عند ذلك، بل يتعداه إلى تلك القنوات الفضائية التي غدا شغلها الشاغل هو أن تقدم لمشاهديها عددًا من البرامج التي تتناول الحديث عن كشف المستور وتفسير الأحلام، وغيرها من البرامج، محاولة الترويج لنفسها من خلال ما يمكن أن نطلق عليه العديد من المسميات: كالحيل، الخداع، الغش.. وما إلى ذلك من طرق تتلاعب بعقول الناس، ومن العجيب في الأمر أن أولئك النفر يكذبون أنفسهم، ويؤمنون ويصدقون بالسحر حتى وإن ثبت فشل المدعي (الساحر)، بل ويبحثون له عن العذر (إنه لمن أعجب العجائب).

          أما إذا تساءلنا عن مدى صحة الظاهرة، ولماذا يلجأ الناس إليها؟ فنجد أن هناك بعض الأسباب التي تدفع بالكثير منا للتصديق:

          - الأديان: وذلك من خلال تلك المساحة التي أفردتها للحديث عن السحر والسحرة، وما يقومون به من أعمال تسحر أعين الناس وترهب ضعاف الإيمان (كما جاء في قصة سيدنا موسى - عليه السلام - مع الفرعون).

          - التطلع: لا شك في أن الإنسان - بفطرته وغريزته - شغوف بالتطلع والاطلاع على ما هو مخفي عنه وعما يخبئه له المستقبل لمعرفة وكشف الغيب. وهو ما يعرف عند العلماء بحب البحث عن المجهول، غير أن بعضًا منا قد ضل طريقه فتوجه إلى السحر والسحرة.

          - الفشل: يلجأ الكثيرون منا إلى السحرة والمشعوذين بعد أن يفشلوا وتعجزهم الحيلة في التغلب على مشاكلهم المتنوعة والمختلفة: علاج أمراض مستعصية وقف الطب عاجزًا حيالها، بحث عن شيء مفقود، الزواج والإنجاب عند النساء.. وغيرها من المشكلات الاجتماعية.

          - ضعف الإيمان: ذكرت لنا الأديان الكثير من أجل محاربة هذه الظاهرة، فقد ورد في مسند أحمد بن حنبل ج2/ص 429، (عن أبي هريرة والحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم). كذلك نجد أن القرآن العظيم قد أورد قصة سيدنا سليمان (عليه السلام) حينما طلب إحضار عرش بلقيس للدلالة على تفوق الإنسان على الجن من حيث المقدرة على إحضار العرش:

(قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (النمل: 39-40).

          وعلى الرغم من كل ما أورده الدين الإسلامي من تهديد ووعيد وغيره، وعلى الرغم مما نشهده من تقدم معرفي وتقني مذهل يثير في نفوسنا الدهشة والإعجاب؛ فإننا نرى الكثير من الناس ييممون وجوههم شطر المشتغلين بالشعوذة والدجل من أجل حل ما يواجهونه من مشكلات.

          ولكنني هنا أردد هذا البيت مع شاعر العربية الضخم (المتنبي):

لا أشرئب إلى ما لم يفت طمعًا
                              ولا أبيت على ما فات حسرانا

د. حسن محمد أحمد ود تليب
السودان الجامعة الإسلامية