سيكولوجيا عداء الأصولية الصهيونية للإسلام

سيكولوجيا عداء الأصولية الصهيونية للإسلام
        

          السيد الدكتور سليمان إبراهيم العسكري، عام آخر نتمنى أن يكون استمرارًا لنجاحات «العربي».. سيدي الكريم طالعت في عدد يناير - 2013 ، مقالا للأستاذ صلاح سالم، عن أزمة الفيلم المسيء، وبقدر تعلق الأمر بالأديان وخاصة المسيحية، الديانة التي يتقَرب من خلالها الملايين من الملكوت، أكتب لكم هذه الكلمات وأنا أستند إلى حائط رابع أقدس مسجد في العالم الإسلامي، من مسجد الكوفة الجامع الذي اختطه القائد العربي المسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه سنة 14 هـ، سيدي العزيز، مقتضى القاعدة العقلية أن يكون المرء منصفا وهو يتحدث عن الآخر، فالعرب كانت تنصف حتى أعداءها، حتى قال قائلهم:

شهد العدو قبل الصديق بفضله
                              والفضل ما تشهد به الأعداء

          فما بالك والمشهود له صديق، فحري بالكتاب العرب إذن أن يتحروا الإنصاف مع الأصدقاء على أقل التقادير، وما لا يدرك كله، لا يترك جله.

          فالمسيحية وإن كانت ديانة عالمية واسعة الانتشار، إلا أنها ليست على رأي واحد، باعتبار أنها أُسست على مقولات إنسانية، أي قراءة بشرية لما ورد على لسان عيسى بن مريم عليه السلام، وكانت مخرجات هذه القراءة للأناجيل الخمسة، إذا أضفنا لها إنجيل برنابا - المُشكِل عندهم - تنطق بكونها من صياغات تلاميذ الحواريين، وليست كلام الله تعالى كما هي الحال في القرآن الكريم، أي أنها جهد بشري، ونقل غير حرفي لوصايا المسيح عليه السلام، وهكذا أجازوا لأنفسهم - فضلا عن غيرهم - نقد الفكر المسيحي ذي السمة البشرية تأسيسا ومنهجا، وبعبارة أخرى: إن المسيحيين بمختلف كنائسهم لا يعتبرون الكتب الأربعة إلهية من جهة صياغة الألفاظ والعبارات، فأباحت الثقافة الغربية خاصة بعد منتصف القرن السادس عشر الميلادي النقد الجذري للكتاب المقدس، وهم يعلمون أن هذا المنهج من التعاطي مع الدين لايتناسب مع النظرة الإسلامية للقرآن الكريم فضلا عن السنة النبوية، لأنهم يفهمون حقيقة اعتقاد المسلمين بإلهية كتابهم وبعصمة الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، وهذه أساطين الفكر المسيحي تشهد بالمنزلة الرفيعة لكتاب المسلمين ولرسولهم صلى الله عليه وسلم بما يفوق اعتقاد بعض المسلمين بمنزلة ومقامات نبيهم وهاديهم، يقول الشاعر الفرنسي لامارتين في هذا الصدد: «إن حياة مثل حياة محمد صلى الله عليه وسلم وقوة كقوة تأمله وتفكيره وجهاده ووثبته على خرافات أمته وجاهلية شعبه، وشدة بأسه في لقاء ما لقيه من عبدة الأوثان وإعلاء كلمته ورباطة جأشه لتثبيت أركان العقيدة الإسلامية إن ذلك لدليل على أنه لم يكن يضمر خداعا أو يعيش على باطل فهو رسول ومشرِّع وفيلسوف وخطيب وهاد للإنسانية إلى العقل، ومؤسس دين لا فرية فيه ومنشئ عشرين دولة على الأرض وفاتح دولة روحية في السماء، فأي رجل أدرك من العظمة الإنسانية مثلما أدرك.

          بل ذهب بعضهم إلى أبعد من مدح الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم عندما تنكروا للأصولية المسيحية، وانفتحوا على وسطية الإسلام وهدى الاعتدال، وارتضوا البقاء في ظلال الفكر والفن الإسلامي، في تحرر تام من عقدة الخوف من التكفير أو السكوت كبديل عن قول الحق بسبب الانتماء العقائدي أو القومي، التي مازال مفكرونا العرب أو المسلمون يعتبرون ذلك من دواعي الإخلاص للدين وشريعة سيد المرسلين، يقول الكاتب الفرنسي أناتول فرانس: أسوأ يوم في التاريخ هو يوم معركة «بواتييه» عندما تراجع العلم والفن والحضارة العربية أمام بربرة الفرنجة ألا ليت شارل مارتل قطعت يده ولم ينتصر على القائد الإسلامي عبدالرحمن الغافقي.. إن التجنّي على المسيحية من خلال إطلاقات ليس وراءها إلا جدل، غير لائق ودعوى الحرية الفكرية التي ننادي بها كمسلمين، وهنا أسأل كتابنا العرب عمن أنصف الاعتدال المسيحي، مثلما أنصف برناردشو الاعتدال الإسلامي، يقول برناردشو: الإسلام هو دين الديمقراطية وحرية الفكر هو دين العقلاء وليس في ما أعرف من الأديان نظام اجتماعي صالح كالنظام الذي يقوم على القوانين والتعاليم الإسلامية.

          إن من يتحدث بمنهجية «العراك» - التي يطرحها الكاتب - كحل لتكرر الإساءات، لا يمكن أن يستمع لها الآخرون، إن صيرورة كل فكر إنساني إلى منهجين يمثل أحدهما الاعتدال والوسطية، بينما يمثل الثاني الأصولية والتطرف والمغالاة، وهذه الصيرورة كما أنها موجودة في الفكر الإسلامي هي كذلك في الفكر المسيحي، فالتيارات الأصولية والمتطرفة المسيحية وحدها هي المسئولة عن تجذير النزعة الهجومية في وعي المركزية الغربية، وهي المسئولة عن يقظة الوعي القومي اليهودي الذي شكل الأيديولوجية الصهيونية، حتى انتشرت الأيديولوجية الصهيونية والأصولية المسيحية في أوربا وأمريكا، بل وأثرت بشكل كبير في الحالة السياسية والاجتماعية هناك، الأصولية هي ذاتها سواء في الفكر الإسلامي أو المسيحي، فالعودة إلى حرفية الكتاب المقدس والتمسك بتلك الحرفية كسلطة عليا في مقابل الانفتاح على النص بعين الحاجة إلى تنظيم أكثر استجابة لظروف وملابسات ودواعي التطور المطرد لحياة الإنسان واحتياجاته المتجددة والمتداخلة، هذا التقابل لا يعاني منه الفكر المسيحي فقط، بل يرزح تحت نيره المسلمون كذلك. في تاريخ خليفة بن خياط، عن الحارث بن جهمان الجعفي قال: لما كان يوم الجمل أشرعنا الرماح في صدورهم وأشرعوا في صدورنا حتى لو شاء الرجال أن يمشوا على الرماح لفعلوا، قال: وأنا أسمع هؤلاء يقولون لا إله إلا الله والله أكبر وهؤلاء يقولون لا إله إلا الله والله أكبر.

          إن الأصولية المسيحية مخيفة تمامًا كبقية الأصوليات وهي تحرم الناس حب الحياة والفرح بها وتملأ حياتهم بالخوف والترقب والتزمت تمامًا كما في بقية التيارات الأصولية في أي فكر آخر غير المسيحي.

          إن ارتباط الأصولية على تنوعها في الأديان أيديولوجيا بالأصولية الصهيونية، هو الذي أكسبها كل هذه الفاعلية في الوسط الفكري، وهي ذاتها كانت وراء الرسوم الساخرة، والفيلم المسيء، وحرق المصاحف وغيرها مما لا نعلمه، في استلاب رخيص لمواقف مهزوزة ومريضة لأقرانهم في بقية التيارات والأفكار الأخرى.

          وفي النهاية ليس من الإنصاف أن نَسِم جورج سارتون القائل: المسلمون عباقرة الشرق لهم مآثر عظمى على الإنسانية تتمثل في أنهم تولوا كتابة أعظم الدراسات القيمة وأكثرها أصالة وعمقًا.. بالسمات التي نسم بها القس تيري جونز، لا لشيء إلا لكونهما مسيحيين، إن ذلك من الجهل المركَّب لا بالمسيحية فقط، بل وبالاسلام كذلك.

حسين جويد الكندي -العراق

------------------------------------

كَم قَد رَأَيتك وَالظَلامُ مُخَيِّمٌ
                              تَنسَلُّ تَحتَ سدوله الآثامُ
تَشدو عَلى القيثارِ أَنغامَ الأَسى
                              فَتجيبُك الأَوجاعُ وَالآلامُ
اذهب لكوخِك فَالسَلامُ مجسَّمٌ
                              فيهِ وَما ذا الوُجودِ سَلامُ
اذهب إِلَيهِ فَسَوف تَأتي ساعَةٌ
                              فيها تَعُضُّ بنانها الظلّامُ
اسهَر عَلى تَقويضِ أَركانِ الرَيا
                              وَاِترُك عُيونَ الأَغنِياءِ تَنامُ
أَرواحُهُم بِالمالِ تَحلُمُ طالَما
                              قَد أَزعَجتَهُم هذِهِ الأَحلامُ

إلياس أبوشبكة