خليل حاوي (1919 - 1982) ثلاثون سنة على رحيله
خليل حاوي (1919 - 1982) ثلاثون سنة على رحيله
كان ذلك في شهر أكتوبر سنة 7491 يوم جمعتنا الصدفة في الشعبة الثالثة من صف «الفرشمين» Freshman في الجامعة الأمريكية في بيروت الذي كان يضم ثماني شعب، شعبتنا تضم ثلاثين طالبًا، أكثر من نصفهم من الفلسطينيين. وفي تلك السنة الدراسية 1947 - 1948 وقعت نكبة فلسطين، وكان من بين هؤلاء الطلاب الفلسطينيين معنا في الشعبة (طالب منصور)، هذا هو اسمه، أنيق متأنق يأتي إلى الصف مرتديًا جاكيت «الشرك سكن» البيضاء كأنه ذاهب إلى حفلة «كوكتيل» أو إلى عرس! ذات يوم تهامس بعض طلاب الصف بأن هذا الطالب أشعل ورقة العشرة جنيهات، وكانت في ذلك الحين تساوي معاش شهر كامل، ليشعل لفافة إحدى الغانيات «الأرتيستات» في ملهى «الكيت كات» الشهير الكائن في منطقة الزيتونة في بيروت، يومها غضب خليل وثار، وهمّ بصفع ذلك الطالب الطائش، الذي لم يكن يهمّه شيء مما يصيب وطنه من مآس على أيدي الصهاينة. كان خليل يرى في نكبة فلسطين وتشريد شعب عن أرضه، وإحلال شتات شعب آخر مكانه، جريمة ما بعدها جريمة، أغمض العالم أعينه عنها. في تلك السنة أصدر الدكتور قسطنطين زريق كتيّبه «معنى النكبة» الذي طبع طبعتين في سنة واحدة فأسميت أنا جيلنا نحن يومذاك «جيل النكبة» التي أرادوا أن يسمّوها تزويرًا «نكسة»! تلك السنة كانت حاسمة بالنسبة لنا نحن طلاب الجامعة. عشنا جوّ المأساة وشاهدنا اللاجئين يفدون في زوارق صغيرة إلى ميناء بيروت. توقفت الدراسة وحلّ محلها الاعتصام والأناشيد الوطنية والإضرابات والمسيرات والتظاهرات والسخط والاحتجاج، فاللافتات والشعارات تملأ ساحات الجامعة ومدخل «الوست هول». وقد أضرب طلاب القسم الداخلي عن الطعام لكي يذهب ثمنه إلى مساعدة اللاجئين الفلسطينيين. في تلك السنة نظم خليل أول قصيدة له بالفصحى - خليل كان قد بدأ ينظم الزجل أو الشعر العاميّ، منذ أواخر ثلاثينيات القرن العشرين وأخذ ينشره في «الدبور» و«العرائس» وسواها - هي «إله» (**) نشرت في مجلة «العروة» التي كانت تصدرها جمعية العروة الوثقى في الجامعة الأمريكية في عدد أبريل سنة 1948 في المجلد 13 ص 59، وهو يمهّد لها بقول من العهد القديم: «إله غيور يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء» يصوّر فيها إله التوراة العاتي المنتقم نقيض إله المسيحية، إله المحبة والرأفة والصفح والمسامحة والرحمة والغفران و«إله الإسلام الرحمن الرحيم». إذن «التوراة و«إله اليهود» وشعب الله الخاص». بدأ خليل يستعيد ذلك كله في ذاكرته. كان خليل أكبر منا نحن رفاق صفّه بحوالي عشر سنوات لأنه، كما هو معروف، اضطر إلى قطع دراسته التكميلية للعمل في حِرف يدوية شتى امتاز بها أهل الشوير أهمها مهنة «البناء» أو «العمار» بسبب مرض والده البنّاء وعجزه عن العمل لإعالة عائلته. دخل الجامعة شابًا ناضجًا، خبر الحياة وعرف حلوها ومرّها. ولأنه حُرم من الدراسة المنتظمة (النظامية) فاختصر المرحلة الثانوية بسنة واحدة أمضاها في الكلية الوطنية في الشويفات سنة 1946 - 1947، بعد أن كان قد صغّر سنه خمس سنوات لكي يُقبل في المدرسة كما في هويته. كان مجتهدًا ومتفوّقًا. أراد خليل أن يحقق طموحه وأن يصنع حياته بيديه، وأن يبني مستقبله - وهو معلم بناء - وهو بكر والديه. استطاع أن يتغلب على الفقر والحرمان وأدرك أن بإمكانه أن يفعل ذلك بواسطة العلم. العلم هو القادر على انتشاله من واقعه الزريّ فينال الشهرة واحترام الناس له. في الجامعة انقطع خليل عن رفاقه وتنسّك للدرس والتحضير، فهو يواجه التحدّي مع نفسه، وانصرف إلى إعداد ذاته إعدادًا صحيحًا وجادًا. فالعلم لا يتسع إلى شيء معه كما يقولون. خليل والحزب القومي كان خليل من بين الأوائل الذين انخرطوا في الحزب السوري القومي الاجتماعي - الذي أسسه ابن بلدته الشوير أنطون سعادة -، ولم يكن قد بلغ الثامنة عشرة من عمره. وقد ذكر الذين أرّخوا للحزب أنه كان من المسئولين فيه. وقد أبلغني السيد جبران جريج الذي تولى رئاسة الحزب في ما بعد، أن خليلاً كان مسئولاً عن مديرية الشوير بالحزب في (1938 - 1940). في صباح الثامن من يوليو سنة 1949 أعدم الزعيم أنطوان سعادة. فكان هذا الحدث هو الصدمة الثانية التي أثرت في خليل، بعد هزيمة فلسطين، وهزّه هزّا عنيفًا لم يستطع أن ينساه طيلة حياته. وأصبح يتنازعه تيّاران: فإما أن يثور على هذه الجريمة - جريمة مقتل الزعيم - الذي كان يعلّق عليه آمالاً جسامًا لإنقاذ الأمة والنهوض بها من التخلف والهزائم، وإما السكوت على مضض وعدم التظاهر وإظهار مشاعره والانصراف إلى إكمال دراسته وتحقيق طموحاته، فهذا بالنسبة إليه كان الهدف الأسمى والأشرف الذي لا يقدّم عليه أي هدف آخر. سكت خليل على مضض وحمل الغصّة في وجدانه، وقد شاهد التنكيل بكبار المسئولين في الحزب واعتقال بعضهم وزجّهم في السجون وهرب أو تخفي البعض الآخر. وإن كان نشاط خليل الحزبي قد همد، فإن بركان ثورته لم يحمد فنظم بعض القصائد في «رثاء» الزعيم، ولكنه لم يجرؤ على نشرها في حينه، كما لم يجرؤ على ذكره بالاسم. ففي قصيدته «الذرى البيضاء» التي يقدم لها بهذا الحوار المأخوذ من «الأيدي القذرة» Les Mains Sales لجان بول سارتر Jean Paul Sartre: أولغا (صارخة): اذهب من هنا! اذهب من هنا! (يفتح هوغو الباب برفسة من قدمه). هوغو: (يصرخ): لا، لست قابلا للاسترداد بعد ولا صالحًا للعمل. وهذه الكلمات مفتاح لفهم القصيدة والجو الذي نظّمت فيه سنة 1952. بعد مقتل الزعيم تولى قيادة الحزب جورج عبدالمسيح الذي لم يكن يجد فيه خليل الكفاية المطلوبة للنهوض بالحزب فيصطدم معه عندما استدعي إلى الشام لمناقشته ويخرج حانقًا هائجًا يردد «لست قابلاً للاسترداد»! روى لي وقائع هذا اللقاء العاصف الأستاذ أنعام رعد الذي تولى في ما بعد رئاسة الحزب وكان شاهدًا عليه. وخليل يروي لنا بنفسه نتيجة ذلك وأثره في شعره فيقول: «انتهى الصراع إلى إعلان انفصالي عن الحزب إعلانًا ظلّ محصورًا في دوائر الحزب ولم أخرج به إلى صراع مكشوف على صفحات الجرائد والمجلات، وكنت قبل ذلك أعدّ الثقة في قضايا الحزب القومي التي تصطبغ بصبغة فلسفية كما كنت قد تعوّدت أن أعيش محاطًا بالرفاق الذين كانوا يحترمون معرفتي للعقيدة وإخلاصي في العمل لها. انفصال ونهر للرماد ولهذا كان الانفصال موجعًا مفجعًا إلى حد ما وربما بدا أثر ذلك في «نهر الرماد» حيث يغلب التعبير عن التوحد والوحشة ومجابهة الوجود فردًا وحيدًا يفتقد ما عرفه من قبل من مساندة الرفاق له. ثم انتقلت من الشعور بالعدميّة إلى اكتشاف قيم الحضارة العربية من جديد، وأدركت أن الحزب القومي كان على خطأ أساسي عندما دعا إلى وحدة تعمّ الهلال الخصيب باسم سورية والحضارة السورية، وأصبحت أعتقد أن الدعوة إلى مثل هذه الوحدة نفسها يجب أن تكون باسم العروبة لأنها السمة الجوهرية التي يتم بها تراث هذه المنطقة، هذا مع الاعتقاد بإمكان قيام وحدة عربية أشمل. والوحدة كانت مرتبطة بنزعة تقدمية انبعاثية عبّرت عن ذاتها في شعري. وكان الصراع على أشدّه في جبهتين متعارضتين، الأولى: أقودها أنا والدكتور سهيل إدريس في مجلة الآداب، والثانية يقودها يوسف الخال وأدونيس في مجلة «شعر». والغالب على النزعة الثانية تغريب لبنان وفصله عن تراثه العربي. غير أن الصراع قرر تقريرًا مبرمًا رسوخ النزعة العربية في العالم العربي بوجه عام، ورسوخها رسوخًا نسبيًا في نفوس بعض المثقفين اللبنانيين المسيحيين ونفوس المثقفين المسلمين إجمالاً وإجماعًا». من القصائد التي نظمها خليل من وحي مقتل الزعيم دون أن يذكره بالاسم أتوقف عند «الذرى البيضاء» التي أشرت إليها. و«الذرى البيضاء» هي القمم الشامخة في جبل صنين والتي تواجه بلدته «الشوير» وترمز إلى الشموخ والنصاعة، يقول: قاعة تزبِدُ حقدًا وتفوحُ إلى أن يقول: في ضمير الليل مصباحٌ وأشباحٌ ومغدورٌ طريحُ واضحٌ في هذه الأبيات التي استهلّ بها القصيدة والتي ختم بها رفضه لمحاكمة الزعيم أنطون سعادة واتهامه بالخيانة وإعدامه تاركًا للتاريخ أن يحكم على الزعيم. ولكن خليلاً، الذي بقي يحترم أنطون سعادة ويجد فيه شهيدًا دفع حياته ودمه في سبيل مبادئه، خرج من الحزب وابتعد عنه خائبًا. وإن تكن عقيدة الحزب استمرّت حية في وجدانه، وبقيت «الزوبعة» رمز الحزب رمزًا من رموزه الشعرية التي تدل على الثورة والتغيير وطرح كل عَفِن. وهذا الإحباط يظهر في العديد من قصائده المطوّلة وخاصة في قصيدة «لعازر» في العام 1962، التي سنأتي على ذكرها في ما بعد. العروبة المستنيرة وهكذا تحول خليل، بفضل الجو السائد في الجامعة الأمريكية - أي الجو العروبي - إلى العروبة، ولكن العروبة المستنيرة، التي دخلها من نافذة فلسطين ومأساتها، وبدأ ينشر قصائده على صفحات مجلة «الآداب» التي أسسها الدكتور سهيل إدريس سنة 1953. ولكنه لم ينخرط في حزب وبقي حزبًا وحده تنهض مبادئه على الاستقامة وقول الحقيقة ومعرفة الحق والتشدّد مع النفس والخلقية، وهذه صفات معروفة لدى أبناء الجبل، وخاصة أبناء الشوير، وهو كان معتدًا بذلك كله. لذلك لا يمكن فهم شعر خليل حاوي إلا إذا فهمنا شخصيته، لأن شعره قد اندمج بشخصه. في الجامعة الأمريكية في بيروت، كان همّه الأول أن ينهل العلم من ينابيعه ويغرف المعرفة عن نفر من أساتذتها عربًا وأجانب، كان مأخوذًا خاصة بأستاذ الأدب الإنجليزي وأستاذي الفلسفة خشادوريان وسكوت. سنوات بين الغزالي وابن رشد في سنة 1951 نال شهادة الـB.A. بامتياز. وفي سنة 1955 نال شهادة الـM.A، وكان موضوع أطروحته «العقل والإيمان بين الغزالي وابن رشد». ومما لا شك فيه أن السنوات التي أمضاها خليل في الجامعة الأمريكية طالبًا ومدرّسًا وأستاذًا كانت من أغنى سني حياته - وعلى الرغم من ذلك فإنه كان يقول إن الجامعة الأمريكية لن تشكّل أكثر من إشارة هامشية في حياته - لا يوازيها سوى السنوات الثلاث التي أمضاها في كمبريدج من سنة 1956 - 1959 حيث درس على المستشرق A.J. Arberry (1905 - 1969) ونال شهادة الدكتوراه، وكانت أطروحته عن جبران خليل جبران. في كمبريدج غرف خليل من الينابيع الثقافية والفكرية والأدبية والفنية، ما جعل تجربته الشعرية أكثر نضوجًا وعمقًا وغنى وأوسع مدى، يضاف إلى ذلك حنينه إلى أهله ووطنه وبلدته الشوير، وهذا الحنين باد في بعض قصائد «نهر الرماد» (1957) في «حب وجلجلة» و«المجوس في أوربا» و«عودة إلى سدوم» و«الجسر»، كما في قصيدة «الناي والريح في صومعة كمبريدج» من مجموعته الثانية «الناي والريح» (1961). كان خليل يشكو من الصقيع والضباب والدخان الأسود الذي تنفثه مداخن المصانع ويحنّ إلى الشمس والدفء وزرقة السماء وصفاء الماء وأشجار الصنوبر برءوسها الشامخة التي تظلل رءوس الهضاب، وإلى الثلج الذي يكلل رأس صنين حارس الشوير الأمين والواقف أبدًا قبالها، والبحر الأزرق حيث كان خليل يتمشى على «الكورنيش» في رأس بيروت. ثم يعود حاملاً شهادة الدكتوراه ليتابع التدريس في الجامعة الأمريكية حيث أمضى أكثر من نصف عمره. دخلها سنة 1947 طالبًا وبقي فيها مدرّسًا وأستاذًا حتى وفاته. وغالبًا ما كان يحلو له أن يتمشى بين حدائقها يستعيض بها عن الشوير التي لم يكن يوازيها في نفسه شيء. كنت أسير معه أحيانًا في حرمها وكان يتحدث عن شتى المواضيع عن الشعر والفكر والفلسفة والأوضاع السياسية، وفي سنواته الأخيرة عن الواقع الأليم الذي يتخبّط فيه لبنان، يعرض يشرح ويحلل ثم يثور ثم يهدأ. لم تكن ثورته ناجمة عن سخرية أو شماتة، بل هي نتيجة لخيبة آماله وانهيار أحلامه. كنا نجلس على مقعد من المقاعد الخشبية الخضراء الموزعة في كل ناحية أو منعطف ثم نتابع السير - كان خليل يحبّ المشي لأنه كان يهوى الصيد - ونمتّع أعيننا بالزهور المغروسة في حدائق الجامعة، غرستها يد الإنسان. بيد أن خليل كان يفضل عليها الزهور البرية في الجبل التي زرعتها يد الطبيعة. كانت هذه الزهور تنقله إلى الشوير. فهو مشدود دومًا إليها، فكثيرًا ما كان يركب السيارة ليكحّل عينيه بخضرة صنوبرها الشامخ الرافع رءوسه في السماء، والذي أخذ عنه خليل شموخه وعنفوانه. على دروب الشوير كان يطيب له أن يخلو مع نفسه وأن يتأمل الطبيعة والكون. يقف على رابية من الروابي أو هضبة من الهضاب عند «المطل» أو على حافة «الشير»، أو عند نبع من الينابيع المتدفقة. تلك الطبيعة الخلابة كانت بمنزلة معين يمده بالنشاط والحيوية كما يمده بالوحي والإلهام. في الربيع تنهض الطبيعة وتلبس حلّتها الخضراء ويدفق الخصب وتدبّ الحياة وتنبعث وتتجدد. أما الإنسان فهو يشيخ وينحلّ ويموت! هذا ما كان يقلق خليلا فيقف عاجزًا عن إدراك سرّه. أحب البحر وكره السباحة في بيروت، ما كان يحلو له الجو إلا عندما كان يسير على شاطئ البحر مع بعض أصفيائه من الأصدقاء أو الطلاب. خليل يشبه البحر، - عنه أخذ عمقه واضطرابه ومزاجيته، سرعان ما يغضب وينفعل ويثور، ولكنه ما يلبث أن يهدأ ويستكين. كان يحب البحر ويكره السباحة. كان خليل صريحًا حدّ الوقاحة، لا يعرف المجاملة والتزلّف. ولم يكن متكبّرًا على الرغم من أنه كان معتدًا بنفسه ومعجبًا بشعره كل الإعجاب لا يطيق أن يسمع فيه أيّ نقد أو تجريح، أو أن يؤخذ عليه فيه أي مأخذ. كان خليل يردد باستمرار هجاء المتنبي للأمة العربية الذي لم يحتج إلا إلى شطر من بيت حيث يقول: «يا أمة ضحكت من جهلها الأم» والبيت هو: أغاية الدين أن تحفوا شواربكم وكان يُعجَبْ ببيت المتنبي الذي يصف فيه الخيل في الحرب، حيث يقول مخاطبًا سيف الدولة: إذا زلقت مشيتها ببطونها كان ناقمًا على بعض الأدباء والشعراء والنقّاد، ونقمته ليست صادرة عن حِقد أو حسد بل بسبب مواقفهم النفعية المتذبذبة. كان يرى في ذلك تدنيسًا للأدب وللشعر ولمكانة الأديب والشاعر الذي هو في نظره ضمير الأمة. والشاعر الكبير هو الذي يحمل همّ البشر. يريد إنقاذ البشرية بواسطة الشعر! في كلمة عنوانها «عند سرير السيّاب» نشرها في مجلة الآداب بعد وفاة الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب (1926 - 1964) بشهرين يقول هذا الكلام الذي كان ينطبق عليه: «لقد وعى أزمات الإنسان في عصره وبيئته وعي تجربة ورؤية وثقافة معتدلة لم تصبه بعسر الهضم فتقتل فيه عامل الفطرة، عامل الاتصال بالينابيع والحقائق الأولية، وهذا الاتصال يمدّ الشاعر بمعيار أصيل للفصل بين الحي والمتحجّر من عناصر الحضارة، ويوليه ثقة المصلح في الثورة على تعقيداتها المفتعلة. وكان في الجمع بين الفطرة والثقافة يعبّر عن تراث عريق ونزعة أصيلة في النفس العربية». لم يمدح خليل حاوي في شعره ملكًا أو رئيسًا أو زعيمًا طلبًا لجاه أو لنيل حظوة أو وسام أو تكريم، ولم يمدح ثريًا يدّعي الشعر لنيل جائزته أو عطاياه، كل ذلك لم يكن يعني له شيئًا! بمناسبة مرور ثلاثين سنة على رحيله شئت في هذه المناسبة أن أتذكر رفيقي وصديقي وزميلي الشاعر الدكتور خليل حاوي الذي رافقته خمسًا وثلاثين سنة وألقي بعض الضوء على حياته وشعره. --------------------------------- أيُّها الظُلمُ وَالخَنا وَالغُرورُ إلياس أبوشبكة
|