بين الحلم والواقع: القاهرة التاريخية تجدد نفسها

بين الحلم والواقع: القاهرة التاريخية تجدد نفسها
         القاهرة التاريخية تجدد نفسها 

عدسة: طالب الحسيني

          لم تكن تلك هي المرة الأولى التي أتنقل فيها بقدمي في شارع المعز لدين الله الفاطمي، بين المساجد والأسبلة والتكايا والخنقاوات والبيوت التي تنتمي إلى العصور الفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية وتختلط بما في حاضرنا من أسواق ومتاجر، وبيوت قديمة وجديدة، وباعة يتحركون داخل دكاكينهم، وباعة جائلين بعربات يدفعونها بأيديهم. ولكنها كانت المرة الأولى التي أتجول فيها في هذا الشارع بعد أن قرأت الأوراق والكراسات التي قدمها لي السيد أيمن عبدالمنعم سكرتير وزير الثقافة حول مشروع (القاهرة التاريخية)، فاختلط الواقع الذي أراه بعيني، وأشم روائحه، وأسمع أصواته، بالصور والرسوم والتصميمات التي حلم بها الحالمون بمشروع (القاهرة التاريخية) في وزارة الثقافة، ومن هذا الخليط تسلل إلى ذاكرتي صوت قديم لأغنية عاشت في طفولتي طويلا ولا تزال، تقول كلمات الأغنية وهي من كلمات الشاعر محمد فتحي وعنوانها الكرنك بصوت عبدالوهاب الساحر:

حلم لاح لعين الساهر
وتهادى في خيال عابر
يصل الماضي بيمين الحاضر

          كانت مجلة العربي قد كلفتني عمل استطلاع حول (مشروع القاهرة التاريخية)، ومن المعتاد في استطلاعات العربي حول المدن أو البلاد أو المشروعات أو الظواهر أو القضايا أو المؤتمرات أن تتعامل مع وقائع أو حقائق، تراها بالعين وتسمعها بالأذن تسجل أو تناقش أو ترصد أو تلاحظ، ولكني في هذا الاستطلاع وجدتني لأول مرة أتعامل مع حلم، مع رؤى، مع أفكار وتقديرات وأرقام، وصور، لم يكن قد بدأ في التحقيق من هذا الحلم الكبير سوى ذلك الجزء الذي تم إنجازه من النفق الذي يبدأ من ميدان العتبة ليصل إلى طريق صلاح سالم مرورا بأسفل شارع الأزهر، وسوى تلك البيوت والمساجد الأثرية التي تم ترميمها أو جار ترميمها سواء في حي الأزهر أو في شارع المعز لدين الله. وذلك الترميم جزء من عمل قديم ومستمر وشامل وإن كان يدخل في صميم ذلك الحلم، ولكن الحلم الذي تتحدث عنه الأوراق والكراسات، ويتحدث عنه مسئولو وزارة الثقافة في قدر غير قليل من الحماس والنشوة، والذي تجسده الصور والتصميمات الجميلة لما سوف يكون عليه حال هذه المنطقة حين يتم إنجاز الحلم!

          هذا الحلم كان يثير إلى جوار الافتتان بصورته النهائية العديد من التساؤلات التي كان لا بد أن نبحث عن إجابات عنها  سواء في الأوراق التي نحملها أو في المصادر التي تتحدث عن القاهرة الكبرى أو القاهرة التاريخية أو من خلال الحوار مع المسئولين في وزارة الثقافة.

محاولة للاقتراب من خلال رؤية أثرية

          "القاهرة التاريخية" ماذا تعني التسمية?

          تقول أوراق وزارة الثقافة:القاهرة التاريخية المسجلة لدى اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي موزعه على ثلاث مناطق بالقاهرة:

          1ـ المنطقة الأولى وحدودها باب الفتوح شمالاً ثم مسجد أحمد بن طولون جنوبا، وشارع بورسعيد غربا، وشارع صلاح سالم شرقا.

          2ـ المنطقة الثانية: والمتمثلة في منطقة آثار القلعة.

          3ـ المنطقة الثالثة: المتمثلة في منطقة مصر القديمة ومجمع الكنائس وتحتوي هذه المناطق على 80% من الآثار الإسلامية.

          ولكن الدكتور جاب الله علي جاب الله الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار يقول لنا: لقد تم اختيار المنطقة الأولى من هذه المناطق كنقطة بداية للمشروع، باعتبار أنها تضم أكبر تجمع أثري في بقعة واحدة، فضلا عن وضوح حدودها، وتبلغ مساحتها الإجمالية 4 كم مربع وتضم حوالي 174 أثرا إسلاميا. وحول مغزى اختيار اسم (القاهرة التاريخية) ينصحنا الدكتور جاب الله بألا نتوقف طويلا أمام هذه التسمية فقد تم اختيارها تحوطا لما يمكن أن تسفر عنه عمليات التنقيب عن الآثار في المستقبل من ظهور آثار مسيحية أو يهودية في تلك المنطقة فتصبح تسميتها بالقاهرة الإسلامية غير دقيقة مع أن تسميتها بالقاهرة التاريخية بدوره تنقصه الدقة لأن القاهرة التاريخية تشمل مناطق أخرى كثيرة غير تلك التي تشملها نقطة البداية أو حتى النقاط الثلاث المسجلة لدى اليونسكو.

معنى الأرقام

          إن محاولة تقديم صورة حية للرقم 174 أثرا الموجودة في هذه المنطقة، التي هي منطقة واحدة وهي المنطقة التي يعرفها الناس في القاهرة باسم القاهرة الفاطمية أمر يفوق طاقة هذا الاستطلاع، وقد يكفي لتقريب هذه الصورة للقارئ أن نتوقف قليلا أمام مجموعتين من المجموعات الأثرية النادرة في شارع المعز لدين الله الفاطمي الذي يمثل العمود الفقري لهذه المنطقة، المجموعة الأولى هي مجموعة السلطان قلاوون التي أقيمت بين عامي 1284 م و1285 م، ومكتوب على الباب الرئيسي لهذه المجموعة (أمر بإنشاء هذه القبة الشريفة المعظمة والمدرسة المباركية والبيمارستان مولانا السلطان الأعظم الملك المنصور في الدنيا والدين قلاوون الصالحي).

          وهنا نلاحظ فكرة الجمع في مجموعة واحدة بين المسجد الذي هو مكان للعبادة، والمدرسة التي هي مكان للتعلم والبيمارستان الذي هو مكان للعلاج، هنا لا ينفصل الدين عن الحياة، ولا تبتعد العناية بالروح عن العناية بالعقل والجسد، ويقول المؤرخون إنه في هذا البيمارستان كان يصرف العلاج والغذاء للمرضى، وتصرف لهم الملابس النظيفة فإذا أكل المريض دجاجة كاملة كان هذا علامة على عودة الصحة إلى المريض فيخرج إلى الحياة العادية من جديد.

          أما المجموعة الثانية التي نتوقف أمامها في الشارع نفسه فقد بناها السلطان برقوق بين عامي 1384 م و 1386 م أي بعد حوالي قرن من الزمان فإنها تضم أيضا مدرسة ومسجدا يمثلان نمط البناء في عصر المماليك البرجية (أي التي كانت تسكن الأبراج)، وعلى الباب النحاسي المطعم بالفضة نقرأ أيضا هذا الدعاء لباني المجموعة (أعز الله مولانا السلطان الملك الظاهر برقوق، أعز الله نصره). ثم تتصدر المدخل (تركاية) كان يجلس عليها السلطان برقوق لينظر في مشاكل الناس على طريقة الحكام في ذلك الزمان. ثم نتابع حجرات الطلاب الدارسين بالمدرسة ثم سلالم تؤدي إلى غرف نوم الطلاب، وبجوار الغرف الأرضية نجد مخزنا للطعام، ومطبخا لإعداده للطلاب والمدرسين (العناية بالعقل والجسد مرة أخرى) سقف المدرسة والمسجد كلاهما يرتفع عاليا إلى أكثر من ثمانية أمتار، والسقف مزدان بنقوش عربية مطلية بماء الذهب احتفظت بكامل ألوانها لوجود سقف آخر يعلو السقف الأول، وتحمل هذا السقف العالي أربعة أعمدة صنعت من جيرانيت أسوان القوي اللامع والمحراب مطعم بالفيروز والمرجان والصدف، وحول وفوق كل رواق للدراسة نجد غرف سكن الطلاب، وخانقاه للعبادة (مرة أخرى العناية بالعقل والروح).لا بد أن نكتفي بهذين النموذجين للعمارة وهما لعمارة المسجد والمدرسة والمستشفى إذا كنا نريد لهذا الاستطلاع أن يركز على غاياته الأساسية، إذا كنا نريد أن ننصت قليلا إلى ما يمكن أن تحدثنا به هذه الآثار عن حياة من بنوها وعاشوا فيها، كيف كانوا يتعاملون مع بيئاتهم، مع الحر والبرد والمطر، مع الطين والماء والحجر، مع النبات والطير والشجر، كيف كانوا يتعاملون مع الجار والضيف وعابر السبيل والتاجر العابر والمقيم، مع الصحة والمرض ،مع الموت والحياة، كل هذه أشياء تتحدث عنها تصاميم البيوت والأسبلة والوكالات والخنقاوات، العمارة فن كاشف وساتر، صامت وثرثار، ولكنه يتحدث دائما في صمت جليل، ويكاد صوتها هنا أن يضيع بين أصوات الباعة وأبواق السيارات، بل تكاد هي نفسها  تضيع ـ لولا جهود الترميم ـ مما يجري تحت الأرض من مياه الصرف الصحي، ومما يجري فوق الأرض من أنهار الغبار وعوادم السيارات، ما الذي سوف يفعله (مشروع القاهرة التاريخية) في هذا كله?

          هل من أجل هذا كله? من أجل أن مصر تملك تاريخا قديما وعظيما، وقد شاء تاريخها كما شاءت جغرافيتها، أن يكون فن العمارة واحدا من أعظم فنونها منذ عصور الفراعنة الذين جعلوا من معابدهم وقبورهم وأهراماتهم وتماثيلهم إحدى عجائب الدنيا. ودائما وفي كل العصور التالية الرومانية واليونانية والقبطية والإسلامية العربية، كان فن العمارة هو اللحن المتصل، والمادة الصلبة اللينة التي تتغير أشكالها، ولكن ما تقوله عن أهل هذا الوادي، وعن حيواتهم في مختلف العصور، يبقى هو المفتاح لمعرفة شخصية هذا الشعب القديم المتجدد، والذي هو في النهاية جزء من تاريخ الإنسانية!

          هل من هذه النقطة وبسببها بدأ حلم مشروع القاهرة التاريخية? أم أن هذا المشروع يتكامل مع رؤية أوسع مدى لمدينة القاهرة الكبرى ودورها الحضاري في التاريخ يحددها وزير الثقافة الفنان فاروق حسني?!

ملامح الرؤية الشاملة

          يقول الفنان فاروق حسني وزير الثقافة:

"العمران هو أحد المعالم الأساسية للحضارة المصرية، ولقد قامت مصر على مدى تاريخها بدور حضاري ثقافي تحاورت من خلاله مع عالمها في كل مراحل هذا التاريخ، وانطلاقا من هذا الدور تشهد القاهرة اليوم صحوة ثقافية تقدم فيها العاصمة على المستوى القومي والوطني خطابها الثقافي من خلال ثلاثة مراكز تتوزع على أرجاء القاهرة الكبرى.

          ـ المركز الأول: يوجد في قلب القاهرة، على أرض الجزيرة متمثلا في (دار الأوبرا المصرية) وتتناثر من حوله مفردات من المراكز الثقافية تشمل متاحف مختار ومحمد محمود خليل وحرمه، ومكتبات القاهرة ومبارك ومجمع الفنون وقصر المانسترلي والهيئة العامة للكتاب ودار الكتب القومية والمتحف المصري القديم والمجلس الأعلى للثقافة.

          ـ المركز الثاني: يوجد في غرب القاهرة حيث تتوجه الدولة إلى إقامة المتحف المصري الجديد كمركز ثقافي حضاري فعال على الحدود الغربية للعاصمة في انسجام تام مع المكان وتاريخه وجذوره مع الأهرام في ترابط حضاري ثقافي.

          ـ وهكذا يجيء مشروع القاهرة التاريخية في الشرق ليكون المركز الثالث الذي يتكامل من خلاله الخطاب الذاتي الثقافي الذي تتحاور فيه القاهرة في صحوتها الثقافية مع مجتمعها وعالمها).

          هل يمكن أن نقفز بالقارئ من تلك الرؤية الشاملة لمدينة القاهرة في إطار الدور الذي يريده لها وزير الثقافة الآن وفي المستقبل لنرى كيف جاءت هذه الرؤية متسقة تماما مع رؤية الدكتور جمال حمدان في كتابه (شخصية مصر دراسة في عبقرية المكان). يقول الدكتور جمال حمدان تحت عنوان تلخيص مصر (القاهرة الحديثة تقع بين قوسين مغلقين من التاريخ القديم الفرعوني غربا، والإسلامي شرقا، فعلى هضبة الأهرام والجيزة بقايا العصر الفرعوني، وإن كانت معلقة كالحفريات، بينما على سفوح المقطم وعند أقدامه تعيش الأحياء الشرقية القديمة تاريخا إسلاميا مكدسا في حين ترقد المدينة الحديثة في القاع المنخفض بين القوسين التاريخيين المرتفعين وهي بهذا كله تختزل تاريخ مصر جميعا).

عود على بدء

          علينا أن نعود الآن وقد ألممنا بالإطار العام الذي يضم مشروع القاهرة التاريخية إلى المحاولة التي بدأناها وهي محاولة الاقتراب من هذا المشروع من خلال رؤية أثرية، يواصل الدكتور جاب الله هذه المرة حديثه في إجابة عن سؤال حول أهداف المشروع وهل هي مقصورة فقط على ترميم الآثار وصيانتها محافظة على قيمتها الأثرية والتاريخية والعلمية، وتهيئتها في شكل لائق لزيارة الراغبين في زيارتها من السياح والأهالي? وكيف يتم ذلك في إطار الظروف والأوضاع التي تحيط بهذه الآثار في شارع المعز لدين الله وفي غيره?

          يقول الدكتور جاب الله: (هذا السؤال كان أول ما واجهنا ونحن نفكر في المشروع! فماذا يعني أن نصلح الأثر ثم نترك عوامل التدمير المحيطة بالأثر تقوم بعملها في تدمير ما تم إصلاحه، مثل عوامل الصرف الصحي، والحرف الضارة المسببة للتلوث البيئي والسمعي والبصري. كل هذه العوامل مرتبطة بعضها بعضا، ثم ما معنى أن أهيئ الأثر للسائح والزائر، وأنسى العلاقة بين الأثر والناس الذين يعيشون حوله? فالأثر لن يحيا حياته المثلى كأثر إلا إذا قام نوع من الحوار والتفاهم والتناغم بينه وبين الناس الذين يعيشون حوله. إن الإصلاح المطلوب في ضوء هذه الرؤية أمر لا تستطيعه وزارة الثقافة وحدها، فكان من الضروري أن تبلور وزارة الثقافة رؤيتها للمشروع آخذة في الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعمرانية المحيطة بالآثار، وما دمنا سنتعامل مع البيئة الاجتماعية والسكانية في المنطقة فلا بد أن نقوم بحصر لكل أنواع الصناعات الموجودة في قلب المنطقة، هناك صناعات جميلة ونظيفة، وتنسجم مع النسيج الحضاري للمنطقة، وتحافظ على خصوصيتها مثل صناعات الصدفجية والحفر والصاغة والنجارين.. وغير ذلك، وهذه يمكن أن تبقى، أما الورش الضارة مثل الألمنيوم والحدادة ومصانع الطرشي، فهذه لا بد من نقلها إلا إذا كان صاحب الحرفة مستعدا لتغييرها.

          وأيضا كان لا بد أن نقوم بحصر آخر للإشغالات الموجودة في الأماكن الأثرية ذاتها، وهذه الإشغالات قد تكون حكومية وقد تكون أهلية أو فردية، هناك أفراد قد استأجروا الأماكن الأثرية من وزارة الأوقاف كمحال للتجارة أو السكن وهناك مساكن فوق الأثر، هؤلاء الناس لهم حياتهم ويذهبون من هذه الأماكن إلى أعمالهم القريبة وكذلك يذهب أولادهم إلى مدارسهم فأين يذهبون?

          لا بد أن أجد لهم مكانا مناسبا، وهذه مشكلات تحتاج إلى وزير الإسكان!

          الخلاصة: كان لا بد أن يكون هناك حصر دقيق وشامل لكل هذه الجوانب فعملنا قاعدة بيانات هائلة في مركز القاهرة التاريخية بالقلعة توضح الملكيات التي تتبع الآثار والملكيات الخاصة، والملكيات التي تتبع الأوقاف، وحين توافرت لدينا الصورة الشاملة والرؤية الدقيقة للمشروع بكل جوانبه قام السيد وزير الثقافة بتقديم هذه الرؤية لأعلى مسئول في الدولة، وكانت المفاجأة السارة أن الرئيس عمل اجتماعا قمنا فيه بشرح القضية بكل أبعادها ثم طلب اجتماعا آخر في الأسبوع التالي حضر فيه رئيس مجلس الوزراء ومحافظ القاهرة ووزير المواصلات ووزير الإسكان ووزير الثقافة، وأمين عام رئاسة الجمهورية وأمين عام المجلس الأعلى للآثار، ونوقشت في هذا الاجتماع كل التصورات لما هو مطلوب لتحقيق هذا المشروع بالصورة المرجوة، وفي هذا الاجتماع تم تشكيل اللجنة العليا الوزارية التي تتكون من وزارة الإسكان ووزارة الأوقاف والمحافظ وجميع الجهات المختصة التي ستشارك في حل هذه المشكلات، وكان من الطبيعي أن توضع كل قواعد البيانات التي تم إعدادها أمام اللجنة العليا الوزارية، وفي ضوء هذه البيانات تم تقسيم العمل بين جميع الجهات المختصة في ضوء تحديد الأهداف العليا للمشروع، حتى لا يحصل تضارب في العمل أو في الاختصاصات، كل جهة تقوم الآن وفي وقت واحد بالعمل المقرر لها.

          على سبيل المثال: محافظة القاهرة تقوم بتخطيط جديد في منشأة ناصر لكي تعد المساكن المطلوبة لمن سيتقرر نقلهم من الأهالي من المناطق الأثرية. وزارة الإسكان قطعت أشواطا في شق النفق أسفل شارع الأزهر.

          محافظة القاهرة قامت بعمل محور جديد للمرور من شارع صلاح سالم إلى شارع كامل صدقي بالفجالة ليربط المرور بكوبري 6 أكتوبر ليخفف ضغط المرور على منطقة الأزهر، كما بدأت العمل في مشروع للصرف الصحي في الجزء الذي يقع في منطقة البداية في المشروع).

          * قلت للدكتور جاب الله: من الواضح في هذا الإطار الذي تفضلت بشرح جوانبه أن المشروع يستهدف تنمية المنطقة ككل، من خلال تنمية السياحة كعنصر فاعل في هذه العملية، فهل تضمنت قواعد البيانات التي قمتم بها دراسات حول أوضاع هؤلاء الناس الذين يعيشون في هذه المناطق الأثرية لمعرفة أوضاعهم الاقتصادية، واحتياجاتهم الثقافية والاجتماعية، لأنهم هم الذين سيتفاعلون مع التطوير المنتظر?

          ـ نعم لدينا حصر بعدد البيوت والشقق والأفراد، كما أن لدينا دراسة قام بها أحد المكاتب الاستشارية حول المهن والورش الموجودة والمحال الموجودة في المنطقة.

          * قلت: لا أقصد هذا يا دكتور، أقصد دراسات تتحسس احتياجات الناس الثقافية والحياتية، كيف سينظرون إلى هذا التطوير الذي تزمعون القيام به? هل هناك جهود لتقديم فكرة التطوير المنتظر للأهالي على الأقل لتوقع ردود أفعالهم?

          ـ معك حق، الحصر الكمي للبيوت والأفراد شيء ودراسات الاحتياجات الثقافية شيء آخر، لا بد أن نعرف عدد الحاصلين على  الشهادات بدرجاتها وعدد العاطلين وعدد دارسي الآثار. المفروض طبعا أن نتعرف على حاجات هؤلاء السكان، وأن يشتركوا معنا في اقتراح ما يرونه مناسبا لخدمة هذه الاحتياجات. ثم قال كمن تذكر شيئا: هل تعرف? اليوم اتصلت بي سيدة اسمها نوال محمد حسن مصرية عاشت في أمريكا، وعندها مركز لدراسة الحضارة المصرية، وطلبت أن تقابلني لتتحدث معي في هذا الموضوع بالذات قالت: أريد أن أعرف كيف ستتعاملون مع هؤلاء الناس

          *  سألته للآثار استخدامات متعددة عدا كونها مزارات يقصدها الزائر أو السائح للفرجة أو التأمل أو الدراسة فهل لديكم خطط لاستخدامات هذه الآثار بما يناسب كل أثر، وبما يساعد على تنمية المنطقة?

          ـ طبعا كان لا بد أن نفكر فيما يسميه الأجانب الاستخدام المناسب، نحن لا ننفق الملايين على هذه الآثار لكي نضعها فقط في صالة للعرض، هناك طبعا المردود المادي الذي نحصل عليه من رسوم الزيارة، بالنسبة للآثار الإسلامية، المساجد بعد ترميمها يعاد استخدامها كمساجد، الكنائس تعود كنائس، الأثر يحيا بالاستخدام المناسب ويموت بالإهمال، خذ هذا المثال (بيت السحيمي) أخذنا منحة 3 ملايين دولار لترميمه من صندوق التنمية الكويتي، واستفدنا من المبلغ في أشياء كثيرة، رممنا أيضا بعض البيوت الإسلامية المجاورة لبيت السحيمي مثل بيت الخرزي وأصلحنا الصرف الصحي بالمنطقة كلها، وأخلينا بعض المحال المجاورة الضاغطة على الأثر، وقمنا بتبليط الشارع بأسلوب يناسب عصر المباني، وقمنا بدهان واجهات البيوت المجاورة بلون واحد يعطي هذه المجموعة طابعا خاصا، إذا جاء بعض أهل الحي وطلبوا أن نستخدم جزءا من المبنى كمشغل لتعليم بعض الفتيات في المنطقة صناعة التريكو فما المانع? إنني بهذا أخلق علاقة صداقة بين الناس والأثر، المهم أن يكون الاستخدام مناسبا، لو طلبوا أن أعمل البيت مدرسة أرفض لأن المدرسة سوف تحتاج دورة مياه وملاعب مما يؤثر على البيت سلبا.

          * العالم يرى أن مصر متحف عالمي كبير، فيه آثار من جميع العصور، لماذا لم يصبح لدينا مدرسة أو مدارس في فن ترميم الآثار? ولماذا نحتاج  في هذا المجال دائما إلى الخبرة الأجنبية?

          ـ لدينا في كلية الآثار قسم قديم لتخريج مختصين لصيانة وترميم الآثار بدرجة الليسانس ويأخذ طلابه من خريجي الثانوية العامة، وعندنا لتخريج عمالة وسطى في الترميم مدرسة في مدينة نصر وبها قسم داخلي والمدرسة تابعة لوزارة التربية.

          في الأسبوع القادم سوف نضع حجر الأساس لإقامة معهد للترميم في مدينة فاقوس، فنحن منتبهون إلى ضرورة إعداد أجيال جديدة لهذه المهنة، وعندنا الآن مركز اسمه مركز هندسة الآثار والبيئة موجود في جامعة القاهرة، وخريج هذا المركز يدرس الموقع المطلوب ترميمه من الناحية الهندسية ويحدد للمرمم الأسلوب المناسب في الترميم، فعملية الترميم تحتاج إلى كيميائي أو معماري للمساعدة في تقدير حالة المبنى وبالتالي في تحديد أفضل الطرق للترميم.

          أما الخبرة الأجنبية فسوف تبقى الحاجة إليها دائما لماذا? لأن كم العمل هائل جدا، ثم عندما تأتي الحكومة الإسبانية مثلا وتقول لي: سوف أرسل لك مرممين عددهم كذا ومواصفاتهم كذا، وسأدفع لك مبلغ كذا يرمم لك سبيل وكتاب قايتباي في شارع الصليبية، ماذا أقول لهم? هل أرفض?إنهم يقدمون لي الخبرة + الفلوس + التكنولوجيا المتقدمة التي لا توجد عندي فكيف أرفض هذا?

محاولة للاقتراب من خلال رؤية معمارية وعمرانية

          قبل أن نلتقي الدكتور المهندس طارق والي مستشار السيد وزير الثقافة (لمشروع القاهرة التاريخية) والذي يضع لهذا المشروع عنوانا لافتا هو (الهجرة المعاكسة) قد يكون من المناسب أن نقدم للقارئ بإيجاز شديد لمحة عن أسلوب الهجرة الطبيعية الذي تطورت من خلاله مدينة القاهرة حتى وصلت إلى وضعها الراهن:

          نشأت مدينة القاهرة التاريخية منذ القرن السابع الميلادي 20 هـ ـ 641 م في الفسطاط وهي المدينة التي أسسها عمرو بن العاص، ثم تطورت المدينة مع تطور الحاكمين الذين أنشأ كل واحد منهم عاصمته الخاصة به، فكانت (العسكر) التي بناها أبو عون وصالح 133 هـ - 750 م وهما من قواد الدولة العباسية التي أنهت الحكم الأموي في القاهرة، وكانت مدينة العسكر تقع في شمال الفسطاط، ثم حين قدم إلى مصر أحمد بن طولون 254هـ هـ ـ 868 م وهو قائد قوي من القادة الأتراك الذين استعانت بهم الدولة العباسية، فإنه بنى عاصمة جديدة شمال العاصمة السابقة أسماها القطائع، فكانت ثالثة العواصم الإسلامية وهي أيضا تقع في اتجاه الشمال بالنسبة للفسطاط والعسكر.

          ثم أرسل المعز لدين الله الفاطمي، رابع الخلفاء الفاطميين قائده جوهر الصقلي ليفتح مصـر 358 هـ ـ 968 م لينشئ القاهرة المعزية (الفاطمية) لتصبح قلب العالم الإسلامي آنذاك، ولتقع أيضا في شمال العواصم السابقة.

          هنا سوف نلاحظ أن مدينة القاهرة تتطور في نموها من الجنوب إلى الشمال يحكمها في هذا التطور قانون جغرافي وقانون اجتماعي، فقد كان النيل في غرب القاهرة وموقع الصحراء وجبل المقطم في شرقها هو الذي يحدد اتجاه النمو من الجنوب إلى الشمال. وإذا كانت النخبة الحاكمة ـ بطبقتها الاجتماعية الأرستقراطية هي التي تبدأ رحلة الهجرة شمالا فإن بقية الطبقات من التجار والحرفيين كانت تتبعها في حركتها وفق قانون اجتماعي آخر فالنخبة لا تعيش في فراغ وعبر مئات السنين كان لنهر النيل قانونه الجغرافي الذي يخضع له، فقد كان اتجاه الفيضان ينحر وفوق قواعد الجغرافيا في الشاطئ الغربي لينبعج النهر جهة الغرب بينما يلقي الفيضان بطميه السنوي الكثيف جهة الشرق مما يخلق مساحات جديدة من الأرض تبدأ في شكل برك ومستنقعات ثم يقوم الأهالي بردمها واستصلاحها لتصبح أرضا صالحة للبناء وللإعمار وللحياة، وهكذا بدأت المدينة في القرن التاسع عشر تسلك سبيلاً آخر للتطور والنمو إلى جهة الغرب هذه المرة ثم تعبر النيل في اتجاه الزمالك والروضة والدقي والمهندسين والمعادي ومصر الجديدة، ودائما تكون النخبة السياسية والاجتماعية في المقدمة ثم تتبعها بقية الطبقات الاجتماعية.

          كان لا بد من هذه المقدمة لكي نفهم. ماذا يعنيه مصطلح (الهجرة المعاكسة الثقافية كنسق عمراني لتطوير قلب القاهرة التاريخية).

          يقول الدكتور طارق والي:

          الهجرة المعاكسة كمدخل رئيسي لتنمية وتطوير القاهرة التاريخية، ليست بالضرورة هجرة سكانية لطبقة اجتماعية معينة، ولكنها توطين لفعاليات ثقافية ترتبط بالإرث الحضاري للمجتمع من جهة، كما أنها تعبر عن ثقافة هذا المجتمع وتلبي في الوقت ذاته احتياجاته الفكرية والثقافية المعاصرة وتطلعاته المستقبلية في إطار الخطاب الثقافي الشامل والقومي للعاصمة ككل من جهة أخرى ثم يتابع موضحا:

          الهجرة المعاكسة لتوطين هذه الفعاليات الثقافية تبدأ باستحياء الطاقة الكامنة في المكان والبشر من الأنشطة الثقافية الموجودة بالفعل في المنطقة، وهي بشكل عام تنقسم إلى قسمين:

           أولا: أنشطة دائمة تعمل طوال العام، منها على سبيل المثال:

          ـ المراكز المتحفية التراثية والفنية مثل المركز الموجود في وكالة الغوري.

          ـ المراكز البحثية والدراسية والمكتبات وقصور الثقافة.

          ـ المراكز المتخصصة للفنون الشعبية مثل منزل جمال الدين الذهبي.

          ـ المراكز الحرفية الشعبية والإنتاجية الموجودة في المنطقة.

          ـ المراكز التجارية المتخصصة والنوعية.

          ثانيا: الأنشطة الثقافية الموسمية والاحتفالية، منها على سبيل المثال:

          ـ الاحتفالات الدينية مثل الموالد، والمناسبات الدينية الموسمية.

          ـ المهرجانات المحلية والإقليمية والدولية المتخصصة حول التراث والفنون عامة والفنون الشعبية خاصة التي تقام بين وقت وآخر.

          ـ ورش العمل الفنية والحرفية المرتبطة بتراث المنطقة.

          ـ المؤتمرات المتخصصة والندوات العلمية والفنية.

          وسوف يمضي تحقيق فكرة الهجرة المعاكسة لتوطين تلك الفاعليات الثقافية على مستويين متوازيين:

          أولاً: التخطيط الشامل للمنطقة ومحاورها، والتي تبدأ من باب الفتوح في سور القاهرة الشمالي وتمتد جنوباً حتى مدرسة السلطان حسن وجامع أحمد بن طولون ويشمل هذا المشروع خدمات البنية الأساسية كلها والمشروعات العمرانية الشاملة لتنمية هذا المحور وما يتفرع عنه في برامج مرحلية تسير على أسس وخطط على التوازي والتوالي حسب البرنامج التنظيمي والزمني المعتمد.

          ثانياً: اختيار نقطة بداية عند التقاء شارع المعز لدين الله الفاطمي بمنطقة حرم الجامع الأزهر ومجاله ويضم مجموعة الغوري ومسجد أبوالذهب ومنزل جمال الدين الذهبي، وبيت زينب خاتون، وبيت الهراوي.

          وتضم نقطة البداية أربعة مراكز تراثية هي النواة لتوطين الفعاليات الثقافية الحالية المتاحة أو المستقبلية المقترحة وهذه المراكز هي:

          1ـ الجامع الأزهر والمشهد الحسيني ومسجد أبو الذهب.

          2ـ مجموعة الغوري (المسجد والقبة والوكالة).

          3ـ بيت زينب خاتون، وبيت الهراوي ومدرسة العيني.

          4ـ جامع الفكهاني ومنزل جمال الدين الذهبي.

          في ضوء هذا التحديد يتشكل مشروع البداية من خلال تطوير وتنمية المراكز الحضارية والتراثية الأربعة على النحو التالي:

          1ـ المركز الحضاري للجامع الأزهر كمؤسسة دينية وحضارية تضم إليها مبنى مشيخة الأزهر الحالي لإعادة استعماله كمكتبة ومركز ثقافي ومتحف يعرض من خلاله تاريخ الأزهر الشريف والقاهرة التاريخية عامة ومن المخطط له أن يتقدم هذا المركز متتالية من ثلاثة فراغات متدرجة ومتوالدة من بعضها البعض تبدأ من  وكالة الغوري، ومسجد أبو الذهب فالساحة الرئيسية في مواجهة مدخل الجامع الأزهر والمشهد الحسيني.

          وتخصص تلك الساحات بأنشطتها وفاعليتها للحركة الإنسانية والمشاة، وتحول الحركة الآلية (السيارات) إلى الطابق الذي سيتم إنشاؤه تحت الأرض، مع استغلال جميع المساحات المتاحة في هذا الطابق كمناطق انتظار سيارات عامة للمشروع وللمنطقة، ومن المتوقع أن تسع من 600 إلى 800 سيارة مع تحديد مداخل ومخارج لها من شارع الأزهر نفسه قبل وبعد حدود مشروع نقطة البداية ومن هنا تتحقق الإمكانية في إعادة التواصل لشارع المعز لدين الله الفاطمي الذي كان يقطعه شارع الأزهر ليعود كشريان محوري في المنطقة تنفصل فيه الحركة الآلية عن حركة المشاة في هذه المنطقة.

          2ـ المركز الحضاري لمجموعة الغوري (الوكالة والقبة والمسجد) وهو يضم الآن أحد الأنشطة الثقافية الدائمة للفنون الشعبية والتراثية وتأتي الأهمية الخاصة لهذا المركز لأنه يشكل نقطة البداية التي يتواصل عندها شارع المعز لدين الله الفاطمي، وتعتمد الحلول المعمارية هنا على إعادة صياغة النسيج المعماري حول المجموعة واستحداث فراغات معمارية جديدة مكملة لطبيعة ونوعية الأنشطة الحادثة أو الممكنة الحدوث من خلال مسرح مكشوف يتوسط الساحة بين الوكالة والقبة والساحة الخارجية في مواجهة الوكالة ومسجد أبو الذهب.

          3ـ المركز الحضاري لبيت زينب خاتون وبيت الهراوي وهو يمثل الآن  مركز الإبداع الفني ـ أحد الأنشطة الثقافية الدائمة، وتتجه الحلول المعمارية والعمرانية إلى توسيع النطاق الحالي للمركز القائم من خلال وقف (الست وسيلة) المجاور لبيت الهراوي ومدرسة وتكية العيني، مع تطوير الساحة الخارجية المفتوحة للأنشطة الخارجية مع استحداث مبنى جديد في جهة الشرق يكتمل به ومن خلاله البناء الحلقي حول الفراغ وهو يضم قاعة متعددة الاستعمالات، وحائطا وممرا تفتح عليه مجموعة من المحال المتخصصة، ويرتفع فوق هذا الممر على طابقين عدد من وحدات الإقامة المؤقتة لرواد وضيوف المركز أو المنطقة.

          4ـ المركز الحضاري لمنزل جمال الدين الذهبي للموسيقى العربية مع توفير مكتبة موسيقية متخصصة، ومركز للمعلومات، وقاعة للاستماع، ويتجه الحل المعماري إلى استحداث فراغ مفتوح يسمح تصميمه بتنظيم الاحتفاليات الملائمة لأنشطة المركز وبرامجه، وفي علاقة تكاملية مع برامج وأنشطة المركز الحضاري لمجموعة الغوري للفنون الشعبية.

          وهكذا يتركب المخطط العام لنقطة البداية من أربعة مشروعات معمارية بالإضافة إلى تنمية وتطوير المسارين داخل المنطقة، وبين المراكز الحضارية بها وهما:

          ـ المسار الأول: شارع محمد عبده وامتداد شارع الأزهر الذي يربط بين مجموعة الغوري والأزهر وبيت زينب خاتون.

          ـ المسار الثاني: شارع الدرديري الذي يربط بين منزل جمال الدين الذهبي وبيت زينب خاتون مرورا بالساحة الرئيسية في قلب المشروع يشكل بذلك هذا المسار المحور الاجتماعي السكني ببعديه الحضاري والثقافي بما يحمله من مرونة تصميمية تتناسب مع الفعاليات الموسمية الممكنة من جهة، وتفاعل الإنسان مستوطن المنطقة.

          * قلت للدكتور طارق والي:  كل هذه الفعاليات الثقافية هي تقريبا موجودة بالفعل فهل توجد تصورات جديدة إضافية لتنشيط هذه الفعاليات وتطويرها?

          ـ هذه الفعاليات وجدت في هذه المراكز بعد ترميمها ولكن مشروع القاهرة التاريخية يتضمن كما هو موجود في التصميمات والخطط الجديدة توسعات وإنشاءات جديدة، وطبعا حين يكتمل تطوير نقطة البداية فإن هذا التطوير سوف يفتح الباب واسعا لتطوير البرامج الثقافية الموجودة الآن بشكل كبير لتلبي احتياجات الزائرين الجدد سواء من السياح أو الأهالي، وجميع الفنانين وكل من يعنيهم الأمر سوف يكونون مدعوين لتقديم اقتراحاتهم بهذا الشأن والدعوة نفسها سوف يسهم فيها كل من يعنيهم الأمر في وزارة الثقافة.

الهجرة المعاكسة من خلال رؤية أثرية

          يقول الدكتور جاب الله علي جاب الله موضحاً رؤيته لفكرة الهجرة المعاكسة:(عندما قمنا بعمل حصر للناس في هذه المنطقة، اكتشفنا أن المنطقة في وضعها الراهن أصبحت طاردة للسكان، أقصد لنوع من السكان، فالغالب من أهالي المنطقة القدامى يعملون بالتجارة، والناجحون منهم في العادة يتجهون لشراء شقق أو عمائر في المهندسين أو في الدقي، والذين يبقون في المنطقة هم أصحاب المستويات المتدنية من الحرفيين، وحين يأتي مشروع القاهرة التاريخية ليخفف من الزحام ويزيل  التكدس والتلوث، ويعيد للمنطقة طابعها الأثري الجمالي، فيتم تبليط شارع المعز لدين الله بطراز البلاط الذي كان يستخدم في العصر الفاطمي، ويضاء بمصابيح الغاز، وتتوزع في المنطقة المراكز الثقافية بطاقة جديدة ومتجددة وتقام مجموعة من الفنادق على مستويات متعددة، وأماكن للترفيه البريء والنظيف.كما يتم دعم الحرف الجديدة والقديمة المناسبة والصديقة للبيئة، كل هذا سوف يكون من العناصر الجاذبة للفئات المستفيدة من هذه الحرف، ولفئات مثقفة قد لا يكونون من الأغنياء، ولكنهم قادرون على تذوق ما في المنطقة من جمال، فضلاً عن أفواج من السياح نتوقع أن تتضاعف أعدادهم مما يؤدي إلى رواج اقتصادي كبير سوف تصل فوائده بالدرجة الأولى إلى أهالي المنطقة وهنا ندعو أصحاب رءوس الأموال ـ ومنهم من قام بالفعل بحجز مجموعات من المباني، لبناء فنادق أو مطاعم أو استراحات، بحيث يصبح قلب القاهرة التاريخية مثل قلب المدن الكبرى في أوربا، حيث يصبح في قلب المدينة مناطق مشاة يستمتع بها الناس بالجلوس فيها مثل الشانزيليزيه في باريس وسالسبورج في النمسا، هنا تتحقق الهجرة المعاكسة للزائرين والمترددين والسائحين، وأنت حينما تخرج من شارع الأزهر مغادرا القاهرة الفاطمية فإلى أين تصل لو اتجهت غرباً، سوف تجد نفسك خارجاً من القاهرة الفاطمية بعبقها التاريخي إلى القاهرة الحديثة الإسماعيلية تقطع المسافة بين القرون في دقائق، لتجد نفسك في حدائق الأزبكية، متصلا بقـهوة متـاتيا التي يمكن أن تعاد إليها الحياة، متـصلاً بمنطقة المسارح، في منطقة ذات سماء مفتوحة تطل على عصور متواصلة فأي جمال يمكن أن يعيشه الزائر أو السائح وهو يتنقل بين العصور في أماكن ذات ملامح تاريخية واضحة وجميلة ورائقة!

 

 

أبوالمعاطي أبوالنجا