الأفلام النيجيرية من الاستقلال إلى العالمية «نوليوود» تنافس هوليوود وبوليوود

 الأفلام النيجيرية من الاستقلال إلى العالمية «نوليوود» تنافس هوليوود وبوليوود
        

          قبل أن نتحدث عن الأفلام المستقلة في نيجيريا وكيف صنعت مجدها الفنى ورواجها الجماهيرى وسوقها الدولي، علينا أن نبحث بداية في سر الأرض والشعب الذي أنجز هذا الفن. الحقيقة أن تعرف الجمهور النيجيري على السينما جاء بعد ثماني سنوات تقريبًا من أول عرض سينمائي في العالم، وبالتحديد في عام 1902 من خلال عروض بالبواه وشركاه بمجموعة من الأفلام الصامتة. أقيمت هذه العروض في قاعة جلوفر ميموريال بمدينة لاجوس العاصمة. واللافت للنظر أن هذه العروض شهدت نجاحًا كبيرًا ملحوظًا يفوق إلى حد كبير ما تحقق لدى الكثير من جيرانها. وهو ما أدى إلى تكرار التجربة سريعا وكثيرا من شركات أخرى، بل وبدأ المحتل الإنجليزي يشعر بجدية الأمر وجاذبيته للجمهور النيجيري فأصبحت بريطانيا تهتم بتنظيم هذه العروض والإشراف عليها حتى تسيطر على نوعيتها وطبيعتها.

          هكذا أصبحت الأفلام الوافدة - أيًا كان مصدرها أو الجهة الموزعة لها - تخضع لرقابة صارمة حرصًا على السلام الاجتماعي من منظور استعماري ينشغل بحماية أقلياته وحلفائه ومصالحه في تلك البلاد وخشية من تفشي أفكار بين الشعوب المستعمرة من خلال فن جماهيري تتحقق متابعته بصورة جماعية ويتلاحم خلاله المشاهدون، متطلعين إلى صورة واحدة. ونظرًا للإقبال الشديد الذي حققته عروض السينما وما أصاب الجماهير في مختلف الأنحاء من شغف كبير بها سرعان ما انتقلت عروض السينما من العاصمة ومركزها إلى مختلف الضواحي والمدن. ومن المؤكد أنه نتيجة لافتتان الشعب النيجيرى بالسينما كان لابد من انتشار مركز متقدم للتوزيع والعرض السينمائي، كما قامت الشركة البريطانية بتأسيس مراكز إنتاج لها في مختلف أنحاء نيجيريا.

          ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم إلى معسكر الحلفاء والمحور بدأت الحكومة البريطانية «أحد أقطاب الحلفاء» في استغلال فن السينما وإقبال الجماهير عليه كوسيلة للسيطرة على عقول الجماهير وحشدها وإخضاعها، فأنشأت بريطانيا وحدة سينما المستعمرات، التي كان لابد أن تقوم بدورها في شحن وتوجيه وتعبئة الجماهير لمصلحة التاج البريطاني عبر أفلام تؤكد على رقي البريطانيين وحلفائهم وقوتهم وسلامة موقفهم. فتوالت الأفلام الدعائية التي تؤكد على هذه الأمور ومنها فيلما «الجيش البريطاني» و«قنبلة حارقة».. كما ظهرت الأفلام التي تعبر عن عظمة البريطانيين في مقابل التحقير من شأن أعدائهم.. أو تلك الأفلام التي كانت تنبه لخطر أو شر العدو النازي ووحشيته وما يمكن أن يفعله بالشعوب لو تحقق له الانتصار، أو تلك الأعمال التي تؤكد لهذه الشعوب على ضعفها واحتياجها لقوة المحتل كحماية من دولة عظمى مثل بريطانيا كما يعبر فيلم «الفجر في أودي».

          تم إنشاء وحدة السينما النيجيرية في عام 1949 كجزء من حملة لامركزية الاستعمارية لإنتاج الأفلام. أعيد تنظيم الوحدات الإقليمية في هذه الحملة وفقا للتغييرات الدستورية في نيجيريا عام 1954. وهذه الوحدات المحلية احتاجت إلى إعادة التنظيم تحت عنوان «وحدة السينما النيجيرية»، التي واصلت العمل بشكل وثيق في إطار الاتفاقيات والسلف من وحدة الفيلم المستعمرة. وطوال العقد، عرضت الأفلام التعليمية والطبية على الجماهير المحلية من خلال أسطولها من شاحنات صغيرة في السينما المتنقلة ونشرات الأخبار والأفلام الوثائقية القصيرة وأنتجت لتصور الاحتفالات والإنجازات الاستعمارية إلى الجماهير في الداخل والخارج. وعلى الرغم من الحديث المتكرر للأفرقة، واصل المسئولون المحليون المشروعات الفيلمية الصغيرة حتى عام 1965، حيث تم التعامل معها كإدارة كبيرة ومتكاملة من قبل السلطات النيجيرية.

استعمار واستقلال

          يرحل الاستعمار ويأتي الاستقلال في عام 1960 ولكن يظل الفكر الاستبدادي هو السائد والمسيطر عبر حكومات العسكر المتعاقبة أو حتى خلال الحكومة المدنية العابرة، فالدولة تابعة للحكومة وليس العكس، والشعب مازال غائبا عن الساحة لا يشارك في السلطة فعليا. وعلى مستوى السينما مازالت الأفلام التي تصنعها وحدة السينما الفيدرالية تهتم بتجميل الحكومات والحديث عن إنجازاتها وتصفية حساباتها مع الحكم السابق ومنافقة الأسود على حساب الأبيض بديلا لما كان يحدث في ما مضى. فلم تكن الأفلام تعبّر عن البشر وتعكس مشكلاتهم وتطرح واقعهم بقدر ما كانت تتملقهم وتخدعهم وتنظر إلى الماضي الاستعماري بغضب دون أن تنظر إلى الواقع والمستقبل، ودون أن تمتلك الرؤية أو تسعى للتحليق إلى آفاق أبعد من أجل التواصل الحقيقي مع هذه الجماهير التي ظلت أكثر تعلقًا بالفيلم الأمريكي الهوليوودي السائد الأكثر إحكامًا بصريًا وبلاغة درامية أو الهندي البوليوودي بكل ما به من مبالغة، ولكنها محببة، خاصة وهو في الغالب يحلق بهم في عالم من الخيال دون ادعاء أو مواربة.

          ولكن ماذا عن حال الإبداع والثقافة؟ وهل ثمة تغيير تحقق لدى النيجيريين؟ كتب لندساي بايتا عن صورة الثقافة النيجيرية، قائلا «منذ استقلالها عام 1960 اقترنت ثقافتها الوطنية بمظهرين لا تخطئهما العين هما الابتكار والنظرة المحافظة، فالكتاب والرسامون والمثالون قدموا اتجاهات ورؤى بهدف إعادة صورة طبيعية عن الثقافة النيجيرية, من جانب آخر فإن البيروقراطية أو طبقة المحافظين من ذوي النزعة التقليدية وقعوا فريسة التمركز حول الذات، وهو التناقض الذي أحدث صداما أيديولوجيا بين الفريقين، حيث تستند المجموعة الأولى إلى الثانية في التمسك بشدة على النزعات القومية، ونظرا لإفلاس الثانية أيديولوجيا صارت المجموعة الأولى في مواجهة الخطر.

          ويرى الناقد فرانك أوكاديك أن هذا التحليل هو النقطة المهمة التي يركز عليها لندساي، والتي يرى من خلالها أن صانعي السياسة فشلوا في التعاقب مع الحكومات في معرفة احتياجات الأمة الخلاقة في استقلال الضمير الفني على يد فنانيها الشباب كمساهمة إيجابية منهم تعكس تطورها الثقافي، في حين كانت حكومات ما بعد الاستقلال ترى مثل هذه الأعمال سياسيًا لا تعضد النظرة التقليدية للفن والثقافة، وهو ما أدى إلى اضمحلال الحاجة لسياسة ثقافية تدعم القوى الخلاقة من أجل الهوية الثقافية.

          هذا التناقض يوضح باختصار التوجهات الثقافية الحكومية في نيجيريا زمن الاستقلال مهما طرأ عليها من تغييرات وتقلبات، فنظرا لعدم وجود حوافز حقيقية لتبني تطور وسائل إعلام وحركة فنية وطنية كمشروع ثقافي قومي فقد أخذ القطاع الخاص على عاتقه هذه المهمة في السينما والمسرح. وهنا سوف نجد في ما بعد تيارين في صناعة السينما، الأول يضم الأفلام التي تعتمد على الأساطير والفولكلور كما في تراث المسرح المتجول الذي تحول إلى أسلوب سينمائي لا نظير له في أي سينما تجارية أخرى.. وعلى الجانب الآخر هناك تيار يضم أفلاما تشبه في موضوعاتها وأسلوبها نظيرتها من أفلام هوليوود السائدة والتجارية في محاولة لتقليدها، كان في البداية شديد السذاجة ولكنه تطور مع الزمن وتطورت القدرة على الاقتباس لدى الكتاب والاجتهاد في تحقيق لغة سينمائية سليمة مرتكزة على الأصل الأجنبي قدر الإمكان، مع بعض التصرف الذي تفرضه عملية تحويل الموضوع ليناسب الطابع المحلي ويتفق مع البيئة والعادات والتقاليد النيجيرية.

علامة فارقة

          يظل عام 1960 علامة فارقة في حياة النيجيريين من مختلف المناحي. فقد شهد هذا العام أيضا تقديم أول فيلم من قبل صانعي الأفلام النيجيرية مثل علا بالوجون وهوبيرت أوجوندي، ولكن التجربة أحبطت بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج السينمائي وضعف العائد. وبدأ البث التلفزيوني في نيجيريا أيضًا في العام نفسه وتلقى الكثير من الدعم الحكومي في سنواته الأولى. ومنذ منتصف عام 1980 كانت لكل ولاية محطتها الإذاعية الخاصة بها. وبموجب القانون تحدد المحتوى التلفزيوني الأجنبي، لذا قدم المنتجون في لاجوس العروض المسرحية الشعبية في التلفزيون المحلي. وصورت العديد من هذه العروض ووضعت على نطاق صغير في أشرطة غير تجارية.

          في الوقت الذي انشغلت فيه وحدة صناعة السينما بالأفلام التسجيلية ذات الطابع الحكومي الرسمي الذي لا يجذب أحدًا، كان الموزعون يعملون بنشاط في جلب الأفلام الأمريكية والأوربية والهندية التي كان الجمهور في حالة من التعطش لها والإقبال عليها بصورة كبيرة. وكانت الثقافة الغربية الوافدة عبر السينما لا تجد معادلا وطنيا لها لا في المستوى الفني ولا الدرامي ولا كمنتج متقدم محكم الصنع يعتمد على آليات متطورة ورءوس أموال ضخمة. بدأ أول إنتاج للسينما النيجيرية في ستينيات القرن الماضي على أيدي صناع أفلام، مثل علا بالوجون وهوبيرت أوجوندي كما سبق أن ذكرنا. ولم يظهر أول فيلم روائي نيجيري إلا في مطلع السبعينيات بعنوان «حصاد كونجي» عن مسرحية للكاتب والشاعر وول سونيكا الحائز جائزة نوبل. ولكن الفيلم وبالرغم من إنتاجه محليًا إلا أن الكثيرين من صنّاعه كانوا من الأجانب وعلى رأسهم المخرج الأمريكي أوسي ديفيز وإن كان من أصول إفريقية. ولكن ما أضفى طابعًا محليًا وقوميًا وقيمة للعمل أن سونيكا كتب السيناريو بنفسه كما شارك في التمثيل، ولكن الفيلم على الرغم من هذا لم يحقق النجاح المنشود.

          وينازع فيلم «حصاد كونجي» في السباق كأول عمل سينمائى روائي طويل محلي فيلمًا نيجيريًا آخر عرض في العام نفسه (1970) بعنوان «ابن من إفريقيا» وحققه مخرجه سيجون أولاسولا أول مدير للتلفزيون الوطني النيجيري بالتعاون مع مجموعة من الموزعين اللبنانيين.

          بعد فترة قصيرة ومع الانتعاش الاقتصادي على أثر ارتفاع أسعار البترول بدأت السينما تنتعش نوعا ما على أيدي بعض المخرجين الذين تدربوا في وحدة سينما المستعمرات ولم تكن الفرص متاحة لهم في ظل الظرف الاقتصادي الصعب.. وإلى جانب هؤلاء توجه نجوم المسرح وفرقهم للعمل بالسينما تمامًا كما حدث في بدايات السينما في كل بلاد العالم. ولكن توافر التمويل لا يمكن أن يستمر بقوة مع عدم الرواج وضعف الإيرادات التي أدت على الفور إلى تراجع رءوس الأموال وإحجامها عن تمويل مشروع غير مربح. فكان توجه الجمهور مازال قويا نحو السينما الأجنبية التي رآها أكثر إحكامًا وإقناعًا وتأثيرًا وجاذبية من الأفلام التي ينتجها مواطنوه دون أن تملك القدرة على إسعاده أو إقناعه.

          لا شك في أن الاقتصاد هو أساس التنمية في صناعة الفيلم. ولكن عندما تدخلت الدولة لاتخاذ قوانين في هذا الشأن بإصدار المرسوم التأصيلي في عام 1972، للسماح ظاهريًا للنيجيريين بشكل فعال بالسيطرة على الصناعة، أعاق هذا الهدف تأهب النيجيريين لمواجهة التحدي.

          ومنذ تم استيراد معظم الأفلام التي تعرض في البلاد من مصادر مختلفة، والمناطق الوحيدة التي كان يمكن أن يسيطر عليها النيجيريون لتوزيع وعرض الأفلام. كانت هذه المناطق بحزم في أيدي الهنود واللبنانيين الذين تمكنوا من الإبقاء على ملكية القاعات ودور العرض وتوزيع الأفلام. حتى الآن، فإنه من المشكوك فيه ما إذا كان النيجيريون يتحكمون في أكثر من عشر هذه الأسلحة الحاسمة لصناعة الفيلم.

مؤسسة السينما

          في نهاية السبعينيات وبالتحديد في عام 1979 تأسست مؤسسة السينما النيجيرية بهدف تدريب الفنانين الوطنيين ومساعدة السينمائيين في التسويق وتوفير البنية الأساسية لصناعة السينما. ولكن ليس بالنوايا ولا الدعوات الطيبة تتحقق الأهداف، فلم تحقق المؤسسة شيئًا تقريبًا بل جاء ظهورها في توقيت حرج وسيئ جدًا بالنسبة للسينما وربما كل الصناعات. وارتبط هذا بقرار اقتصادي في منتهى الخطورة وكانت له تبعاته المؤثرة جدًا، وهو تخفيض سعر العملة النيجيرية، الذي كان له أثره السيئ في صعوبة الاستيراد بأسعار أصبحت باهظة الثمن ولسلع أساسية في الصناعة مثل الفيلم الخام مثلا.. كما أصبحت عمليات المونتاج والطباعة التي تجرى بالخارج فوق طاقة أي منتج.

          ولأن الحاجة هي أم الابتكار ولأن الأبواب كادت تغلق تمامًا أمام إنتاج أفلام السينما بالسلولويد لم يجد الفنانون متنفسا لهم إلا في صناعة الفيديو التي بدأت تنتشر تلبية لاحتياجات شعب يريد أن يرى واقعه على الشاشة، وتلبية لحركة فنية لشباب نشأوا على حب جارف لفن الفيلم وتولدت لديهم الرغبة والطاقة والمواهب لتحقيقه، دون أن يجدوا متنفسا لإشباع هوايتهم، وشهدت صناعة الفيديو حالة من التألق والكثافة بفضل الإنتاج الخاص لكبار النجوم أمثال أماكا إيجوي وزيب إيجورا وغيرهما. ولكن سرعان ما ظهرت المعيقات الإدارية والتنظيمية لتطيح بتجربة الإنتاج الحر المستقل في مصلحة الإنتاج الحكود مي الرسمي. وكان المتنفس الجديد المواكب لتلك المرحلة هو أشرطة الفيديو وأساليب توزيعها التي بدأت تنتشر بقوة كسوق مواز للعروض التلفزيونية بل وأكثر انتشارًا وحرية وتواصلًا مع جمهور مل القيود والبرامج والدراما الموجهة.

          ولتزايد الجماهير الذواقة للفن والعاشقة للحرية بمعناها الحقيقي وبكل أشكالها فقد شهدت صناعة وأسواق وتوزيع الفيديو حالة من الانتعاش، لتصبح الصناعة الفنية الأولى في نيجيريا وبدأت في استقطاب مشاهير الموسيقيين وأعمال فناني المسرح والسينما والقنوات التلفزيونية. وبدأ تبشير السينمائيين بالفيديو كبديل للسينما. وجاء فيلم «سوسو ميجي لادي أجيبوي» كأول فيلم نيجيري روائي طويل بتقنية الفيديو في عام 1988 والذي حقق نجاحًا كبيرًا. ولم يكتف بتسويق الفيلم عبر توزيع الفيديو، بل شهد عروضًا عامة جماهيرية حظيت بإقبال واسع، لتتوالى الأفلام والعروض وليتأكد للجميع أن أفلام الفيديو بميزانياتها القليلة هي البديل للفيلم السينمائي المكلف، والذي لا يقدر على إنتاجه الأفراد إلا بمساندة الدولة أو التمويل المؤسسي من الداخل أو الخارج دون وعد حقيقي بإيرادات تغطي التكلفة.

          يقول المخرج النيجيري، لانسلوت إيماسوين إن إفلام نوليوود صممت خصيصًا لمواكبة ومعايشة واقع المشاهدين سواء في نيجيريا أو على مستوى القارة ككل. وأضاف: الناس تتعلق بنوليوود لارتباطاتها بالواقعية المباشرة، وتزداد الإثارة حول إنتاجنا، لأنهم يعايشون واقع الفيلم من ألم وإثارة، فالأحداث هي حقيقة بالنسبة لهم. وأوضح صانع الأفلام النيجيري المرموق، الملقب باسم الحاكم، أن القضايا التي تتطرق إليها نوليوود واقعية ما يجعل أفراد الجمهور يشعرون بالإثارة كونهم جزءًا من القصة محور الفيلم، وعلى خلاف ما تنتجه نظيرتها الأمريكية التي يتعامل معها المشاهد النيجيري باعتبارها محض خيال، والتي أصبحت لا تحقق رواجًا كبيرًا إلا إذا كانت تنتمي لهذا النوع، مثل أفلام باتمان والرجل العنكبوت وغيرها من الأفلام ذات الطابع المغرق في الخيال والفانتازيا.

          ويضيف: «بالنسبة لنا في إفريقيا نستمتع بالأفلام الأمريكية، فعندما نشاهد أفلام الرجل العنكبوت أو الوطواط وما شابهها، فالأمر بالنسبة لنا مجرد تسلية، لأننا ندرك تمامًا أنه ليس واقعيًا أن يتمكن الرجل من الطيران هناك وهناك.. الأمر لا يرتبط أو يتعلق بنا كأفراد».

          وقد نمت السينما في نيجيريا بسرعة مذهلة منذ عام 1990 وحتى 2000 لتصبح في ما بعد مفاجأة من النوع النادر، وتصبح طبقا لإحصائيات دقيقة ثاني أكبر صناعة سينما في العالم من حيث عدد الأفلام المنتجة سنويًا، ووضعها هذا الترتيب قبل الولايات المتحدة وبعد صناعة السينما في الهند، وفقا لما ذكرته هالة غوراني وجيف كارونجا سالفا في الـ CNN. وتستثمر نيجيريا حوالي 250 مليون دولار أمريكي في صناعة السينما، لتنتج نحو 200 عمل في سوق الفيديو كل شهر. وتعد صناعة السينما في نيجيريا الأكبر في إفريقيا من حيث قيمة وعدد الأفلام المنتجة في السنة. وبالرغم من أن صناعة السينما في نيجيريا بدأت منذ 1960، إلا أن تكنولوجيا التصوير الرقمي والمونتاج (الديجيتال) حفزت صناعة الأفلام في البلاد وحققت لها زخما وكثافة نادرة، في ظاهرة مثيرة للدهشة من بلد تاريخها السينمائي يعتبر حديثًا جدًا بالنسبة لبلاد أخرى كثيرة لا تحقق ربع هذا الرقم.

سينما وفيديو

          في نيجيريا توارى الإنتاج السينمائي وانحسمت المعركة سريعًا لمصلحة الفيديو بفضل الفارق الرهيب بين ميزانيات تتطلبها أشرطة السلولويد تقدر بمئات الآلاف واحتياجات لوجيستية ومراحل إنتاجية وعمليات نقل وتوزيع تستلزم إمكانات كبيرة لا توازيها على الإطلاق سرعة وبساطة التنفيذ وغياب مشكلات الخام وسهولة النقل والعرض التي تتيحها تقنية الفيديو.

          في نيجيريا أدت التكلفة الباهظة للأفلام المنتجة والاعتبارات الاقتصادية الأخرى بالمنتجين إلى اللجوء لأفلام الفيديو. وقد تسببت هذه الطفرة بانخفاض عام في الجودة والمنافسة الشديدة لتعزيز جاذبيتها التجارية. على الرغم من الصلاحيات المسندة إليها بموجب النظام الأساسي، فإن هيئة الرقابة «تبدو غير قادرة على وقف تيار كهذا بطريقة قد تعزز بشكل فعال تراث البلد الثقافي الغني».

          والتغيرات في المجتمع البشري تعكس ديناميكية الثقافة. وهذه الديناميكية هي المسئولة عن التحولات في الأنماط الثابتة المرتبطة بثقافات معينة، والطابع المتعدد لمعظم الثقافات، إن لم يكن كلها، وإلى حد كبير فكل المجتمعات توسع من نطاق التأثير في مثل هذه الثقافات.

          ولكن بالتأكيد لم يكن ممكنا إدراج ما يقدم على أشرطة الفيديو يمكن إدراجه في قائمة الفن المنشود أو حتى الفن بأبسط معانيه. فمغازلة السوق وإرضاء المشاهد كانا يتطلبان أمورًا كثيرة بالتأكيد صعبت المهمة على فنانين حقيقيين، ولكنها جعلت الأمر سهلا بالنسبة لهواة ومبتدئين جدد ربما أمكنهم أن يعرفوا الطريق إلى الجمهور سريعا قبل حتى أن يدركوا المعنى الحقيقي للفن. وربما كانت هذه الهوّة هي التي أدت إلى ظهور جيل من خريجي مدرسة الفيديو، منهم جيد كوسوكو وإيبايو سلامي لتحقيق إنتاج أفلام على أشرطة الفيديو بالمعنى الفني للفيلم.

          بالعودة للسينما نعرف أنه في عام 1992 أمر أحد كبار التجار بجلب شحنة كبيرة من أشرطة الفيديو الفارغة من تايوان. وشهد العام نفسه ظهور الفيلم الذي تصدّر شباك التذاكر «العيش في عبودية» في نوليوود، وهو من نوعية أفلام الرعب للمخرج «كريس أوبي رابو» وبعد الفيلم الأول الذي حقق نجاحًا باهرًا، واعتُبر قفزة في صناعة السينما في نوليوود. ويعد تصدر الإيرادات في شباك التذاكر لفيلم «العيش في عبودية» في صالات العرض التي يملكها كينيث ننيبو في شرق مدينة أونيتشا بمنزلة تمهيد الطريق لنوليوود كما هي معروفة اليوم.

          تقول القصة إن تلك الطفرة كانت لأن كينيث ننيبو كان يزيد عدد الأشرطة المستوردة التي استخدمها وكذلك نسخ الفيلم التي يقوم بتوزيعها على دور العرض. إذن فقد أدرك أحدهم أن السوق في حاجة للمزيد وبدأ يعمل في هذا الاتجاه، حيث كان السوق موجودا بالفعل ولم يكن في حاجة إلا لمنتج واع قادر على صناعة فيلم قادر على جذب الجماهير، ولكن لم يكن قد ظهر بعد المنتج المدرك لذلك. وكان النجاح الكبير لهذا الفيلم حافزا مهمًا للآخرين لإنتاج أفلام أخرى كما دفع الكثيرين لإنتاج أشرطة الفيديو المنزلية، وذلك من خلال رجال الأعمال والروابط العرقية من الإيبو وسيطرتهم على التوزيع في المدن الرئيسية في جميع أنحاء نيجيريا، وقد بدأت أشرطة الفيديو المنزلية في الوصول إلى الناس في جميع أنحاء البلاد.

          ويحكي فيلم «العيش في عبودية» قصة رجل ينضم إلى جماعة عبادات سرية، يقتل زوجته في واحدة من الطقوس الخاصة بالجماعة، ثم يكسب ثروة هائلة كمكافأة إلى أن يطارده شبح زوجته المقتولة، ولا شك في أن ارتباط هذا الفيلم بطقوس وعادات محلية قد أضفى مصداقية كبيرة على فيلم إثارة ومطاردات بالدرجة الأولى، فاستطاع أن يحظى بمصداقية لدى المشاهد بنفس القدرة التي أمكنه بها تحقيق الإثارة لديه. كان هذا الفيلم هو الضربة وهو المثال الذي احتذى به الكثيرون، وأدركوا أنه من خلال الارتباط بالمجتمع وعبر القدرة على التشويق بإحكام الصنعة يتحقق النجاح. وكان استخدام الإنجليزية كلغة ناطقة للسينما النيجيرية بدلًا من اللغة المحلية عاملًا مؤثرًا في عملية التسويق من خلال الملصقات والإعلانات التلفزيونية.

صناعة مزدهرة

          ومن هنا تفجرت في نوليوود صناعة مزدهرة لفتت نظر وسائل الإعلام الأجنبية، وهي صناعة يسوق لها الآن في جميع أنحاء إفريقيا وبقية العالم. ومنذ ذلك الحين، تم إنتاج الآلاف من الأفلام وانطلقت السينما النيجيرية إلى العالمية، بدءًا بالفيلم الكوميدي أوسوفيا في لندن الذي كتبه وأخرجه كينجسلي أوجرو وقام ببطولته الممثل الكوميدي المشهور نيكيم أواه، وتدور أحداثه في إطار كوميدي حول أوسوفيا الشاب القروي الذي يسافر من نيجيريا إلى لندن ليأخذ نصيبه من الميراث الذي تركه له أحد أقاربه بعد وفاته. وهكذا تصاعدت صناعة الأفلام النيجيرية بسرعة شديدة منذ مطلع التسعينيات وصولًا إلى الألفية الثالثة، لتصبح ثاني أكبر صناعة سينمائية في العالم وفق الإحصائيات التي وردت في موقع ويكيبيديا، وأصبحت معروفة باسم «نوليوود» بإجمالي إنتاج سنوي يصل إلى 2000 فيلم، بينما بلغ عدد العاملين في الصناعة 300 ألف شخص وما يقرب من 200 «فيديو منزلي» شهريًا. وتقديرًا لهذه السينما خصصت مهرجانات دولية عديدة قسمًا خاصًا بالسينما الإفريقية مثل مهرجان قادش، جنوب إسبانيا، وخُصص مهرجان خاص كامل بالسينما الإفريقية مثل مهرجان com/الأقصر، الذي انعقدت دورته الأولى في مارس 2012. وهكذا تعد صناعة السينما النيجيرية الآن هى الأكبر على مستوى القارة الإفريقية، من حيث عدد الأفلام المنتجة سنويًا.

          بالنظر إلى أساليب التوزيع سنجد هناك نظاما كان لابد أن ينشأ ليتوافق مع هذا الإنتاج الغزير. فمراكز التوزيع الأولى في نيجيريا هي «سوق Idumota» وموقعها في جزيرة لاغوس، ومركز «51 أويكا الطريق» في أونيتشا في ولاية أنامبرا. والأفلام النيجيرية تحقق إيرادات جيدة مقارنة مع أفلام هوليوود في نيجيريا والعديد من البلدان الإفريقية الأخرى، بالإضافة إلى أن نحو 300 منتج للأفلام يضخون إنتاجهم في معدل مذهل يتراوح بين 1000 و2000 فيلم في السنة. والأفلام تنسخ مباشرة إلى أقراص دي في دي وعلى سي دي. ويتم تسليم ثلاثين فيلما جديدا إلى المحلات التجارية والأكشاك في السوق النيجيرية كل أسبوع، حيث يبلغ متوسط بيع الأفلام حوالي 50000 نسخة، ويمكن أن يصل العدد إلى بيع مئات الآلاف من النسخ بسعر بيع دولارين لكل منها، ما يجعلها في متناول معظم النيجيريين، وتوفر عوائد مذهلة للمنتجين.

          ويتم إنتاج معظم الأفلام من قبل شركات مستقلة ورجال الأعمال، ومع ذلك، فإن العائد المباشر الأكبر للأفلام في نيجيريا يكون في سوق الفيديو. وتتراوح تكاليف إنتاج الفيلم في المتوسط بين 17000 و 23000 دولار أمريكي، على شرائط فيديو في أسبوع واحد فقط، وتبيع ما يصل إلى 150000 - 200000 من العملة المحلية في يوم واحد. ومع هذا النوع من العائد (الدخل)، يدخل المزيد والمزيد (من المستثمرين) في الأعمال التجارية السينمائية هناك. وحسب معظم التقارير، فإن رءوس الأموال في الصناعة في نوليوود تبلغ نحو 500 مليون دولار، وهي في ازدياد مستمر.

          والغريب أن تأتي كل الظروف لمصلحة نوليوود بما في ذلك أعمال القرصنة التي تؤثر سلبيا على الصناعة في أنحاء العالم. وإذا كانت لعنة القرصنة تطارد منتجي الأفلام في نوليوود فإنها بشكل آخر تشكل نعمة، فعصابات القراصنة ربما تفتح مصدرين لنوليوود، الأول هو أنهم يعرفون كيفية عبور الحدود الصعبة وتوزيع السلع عبر قارة متباينة حيث مساحات شاسعة من الأراضي لا يمكن الوصول إليها. والثانية في بعض الأحيان في تجارة السلاح بوضعه في الأكياس الفارغة مع الأفلام عند العودة من تسليم السلاح. وتستخدم الأفلام في كثير من الأحيان لرشوة الحراس الذين يشعرون بالملل عند الحدود النائية. وأنشأ القراصنة سوقًا عموميًا في إفريقيا.. والحقيقة أن ضياع بعض الحقوق عبر القرصنة لا يدانيه المكاسب التي تتحقق لصناعة تتزايد سمعتها ويتزايد الطلب عليها من سرعة وقوة انتشارها وهي لا تتوقف عن الضخ ولا يستطيع أي قراصنة مهما كانت كفاءتهم ملاحقة إنتاجها ولكنها تقتات فقط على جانب منه ككائن طفيلي صغير يعيش على جانب صغير من إنجاز كائن خرافي ضخم.

التراث النيجيري

          وعلى المستوى الفني والإبداعي كان استلهام تراث الشفاهية النيجيري والنهل من روائع الأدب والاعتماد على اللغات المحلية وسيلة للتعبير وللوصول إلى قلوب وعقول الجماهير التي كان الفن النيجيري يعني لها التعبير عنها وعن واقعها وعن تراثها وليس مجرد وسيلة لتقليد ضعيف وماسخ لفن الغرب بإمكانات أضعف بكثير مما هو متاح لفناني السينما الأوربية والأمريكية. قد تشكل اللغة المحلية صعوبة في البداية في الانتشار بين مختلف الجماهير ولكن الفيلم ينجح دائما في التواصل بلغته الخاصة، وهو ما تحقق مثلا مع فيلم «الحياة في عبودية» الذي نجح في البداية بين الجماهير الناطقة بلغته الإيبو ثم أمكنه أن يحقق انتشارًا ورواجا في محتلف القطاعات.

          ومع غزارة الأفلام واتساع أسواقها بدأت تتناول كل الموضوعات الاجتماعية والمشكلات الاقتصادية والسياسية بجرأة ووضوح. وأوغلت الأفلام في التعبير عن العادات والتقاليد القديمة منتقدة لها وساعية لتطوير المجتمع وتنويره، فأدانت القتل الطقسي وأشكال قهر المرأة في مجتمعات الريف القبلية، وأدانت عصابات تجارة الأعضاء وغيرها من الظواهر التي كان المشاهد النيجيري يعيشها ويعانيها ولا يجد من يعبر عنها. وتوازت هذه الأعمال الواقعية مع الأفلام الرومانسية والكوميدية وغيرها من الأنواع التي تحقق حضورا قويا للفن وتمنح المشاهد وجبات متكاملة وتمنح الفنان فرصا للتعبير وتوظيف مختلف العناصر الفنية ليكتشف ذاته ويضبط أدواته ويتعرف على ذوق جمهوره وإحساسه من خلال التلقي والاستجابة ورواج الأفلام كمؤشر واضح للتواصل مع المتلقي والتعرف على ما يلقى قبوله وحماسه وما يرفضه وينصرف عنه ولا يتلاقى مع ذوقه.

          البحث عن إحصاء أو تعداد دقيق في قنوات الأفلام بالشبكة العنقودية عن الأفلام نيجيرية قد ينتهي بك إلى ما لا نهاية. فتكاد تكون هذه الأفلام بلا حصر وهي لا تتوقف عن الضخ بصورة يومية بلا أدنى مبالغة. فالمؤكد أن إنتاج الأفلام في نيجيريا يتدفق يوميا بما لا يقل عن ثلاثة أفلام وهو معدل رهيب. ولكن الأمر الذي لا شك فيه أن إطلاق صفة أفلام على كل ما نراه من إنتاجها هو أمر به قدر كبير من التجاوز، بل إنه ربما هناك أيضا ما يمكن اعتباره تجاوزا للقوانين الفضفاضة لبرامج السيت كوم أو الاستاند أب الكوميدية أو التراجيدية أو حتى البرامج شبه الدرامية.

          وتنبع هذه الغزارة بالتأكيد من أن البيوت تحولت إلى مصانع لإنتاج الأفلام وأصبح بإمكان أي مواطن أن يصنع فيلمه بنفسه كما يطهو وجبته. وفي ظل هذه الغزارة والتنوع وتطور وسائل الاتصال الحديثة أصبح بإمكان البعض أن يستسيغوا وجبات أو أفلام البعض فيمنحونهم الدعم الكافي للاستمرار ماديا أو حتى معنويا. أصبحت الكاميرات في أيدي الجميع تقريبًا بعد أن أصبحت ضمن مكونات الهاتف المحمول. وأدرك الكثيرون سهولة التعامل مع الكاميرات الرقمية. وأصبح البعض يتعامل معها كحافظة لذاكرته وذكرياته.

          وهكذا أصبحت الكاميرا تقوم بالدور نفسه الذي قام به القلم والورقة ثم المطبعة ثم جهاز الكمبيوتر لوقت طويل كوسائط يمكن من خلالها تدوين رسالة غرامية أو شكوى حكومية أو مقال أو قصة أو قصيدة أو حتى مذكرة شخصية.. كما أمكن استخدامها في محاولات متعثرة أو ناضجة للإبداع بمفاهيم مخلوطة أو صحيحة للعملية الفنية «يقولون إن التكنولوجيا ديمقراطية، وإن نشرها في السينما سيسمح لكثير من الناس بالعمل باستخدام هذا الوسيط السهل الجديد. لكن لا تستطيع الديمقراطية التي أفرزتها التكنولوجيا أن تخلق موهبة إلا إذا كانت موجودة بالأساس داخل الفرد» ميكي ماكلستر».

          في هذا الإطار ومع اختلاط المفاهيم وامتلاء أشرطة الفيديو بكم لا يحصى من المادة المصورة يتزايد يوما بعد يوم، أصبح من العسير التمييز بين ما هو شخصي وانطباعي ونفعي وبين ما هو فني وأصيل وسينمائي.. بل إن بعض المؤسسات بالفعل بدأت بإقامة مهرجانات لأفلام الموبايل القصيرة جدا.. والآن قد نختلف حول قيمة فيلم أو آخر أو حول انتماء عمل ما للفن أو اللافن. ولكن المؤكد أن هناك لغة بدأت تتشكل من خلال الصورة وأن هناك جماهير غفيرة أصبحت تستخدمها وتستوعبها.

أفلام الفيديو بديل للنشرات

          على الجانب الآخر يلعب الفيلم النيجيري التسجيلي والوثائقي دورا أكثر قيمة وأهمية. فتعزز صناعة الفيلم في نيجيريا أيضًا بعمق كيف يسعى الأفارقة إلى معرفة حقيقة ما يدور في قارتهم بعيدًا عما تبثه لهم القنوات الإخبارية الحكومية من برامج وأخبار وتحقيقات كاذبة. فالأفلام النيجيرية مستمدة من العديد من آراء الناس الحقيقية عن البلدان المجاورة عن حياتهم وأوضاعهم وحكامهم عكس الصورة المزيفة التي تعكسها البرامج الرسمية. ولكن هذه الأفلام من قوة انتشارها وسرعة تواصلها عبر الشبكة العنقودية وقنوات الأفلام أمكنها أن تكون مادة لبرامج رسمية حكومية لبعض القنوات تمدهم بالمعلومات. وأكثر من مرة قد تسمع المراسل وبخاصة الأفارقة يقولون إنهم يرجعون إليها، بل إنهم يجدونها أكثر صدقا من القنوات الأوربية والأمريكية التي تتعامل مع ما يحدث لديهم من أحداث وحوادث بعين السائح أو الغريب الذي لا يرى سوى قشور خارجية على السطح لا تعكس ما يدور في العمق بأي قدر. فعلى مدى عقود شكا العديد من الأفارقة من أن وسائل الإعلام الغربية كانت تشوه قارتهم، ولا ترى فيهم سوى مجتمعات كارثية تركز على ما يدور فيها فقط من مصائب مثل حرب الفساد والمرض والمجاعة. ولكن نوليوود أصبحت لديهم تعبر عن رؤية الفيلم المضاد لذلك الذي يتعامل مع هذه الشعوب بعين إنسانية قريبة من نبضهم وإحساسهم وفهمهم للأمور وطبيعة حياتهم المليئة بكل ما هو عادي وغريب ومحزن ومبهج وبسيط ومعقد كأي بشر في أي مكان في العالم لهم طباعهم الخاصة وعاداتهم وتقاليدهم التي لا تحيلهم إلى كائنات مثيرة للدهشة أو الشفقة بقدر ما يمثلون جوانب جديدة ومختلفة في التنوع الخلاق للنوع البشري. وهكذا صارت «نوليوود هي صوت إفريقيا، في مقابلة على CNN»، كما تقول لانسلوت إيدو، وهي واحدة من أشهر المخرجين في نيجيريا.

          والأفلام الإفريقية أصبحت أكثر ميلا إلى المغامرة والجرأة ومواجهة الموضوعات أو القضايا المسكوت عنها أو الشخصيات المثيرة للجدل. فيلم «في مكان ما في إفريقيا»، يقدم سيرة حياة والرسوم البيانية للتغيرات التي واكبت صعود وسقوط الدكتاتور العسكري عيدي أمين وتشارلز تايلور واباشا ساني، الذين حكموا على التوالي أوغندا، ليبيريا، ونيجيريا.

          هناك فيلم آخر بعنوان «يجب على الرئيس ألا يموت»، يصور رئيس الدولة الذي يواجه الاغتيال، وهو أمر شائع في إفريقيا لايزال حتى الآن ونادرا ما تتناوله وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة. فالعنف السياسي لايزال موضوعا محرما في كثير من البلدان. أما في نوليوود فتتم معالجة ذلك مع الحماس والذوق بعناية.

          وقد يخشى الأفارقة الآخرون من تسلل الثقافية النيجيرية لبلدانهم. ولكن بالطبع ليست نوليوود هي المعبرة عن الصورة الاستعمارية في العصر الحديث. فهي صناعة مستقلة تماما عن أي دولة أو مؤسسات، وبالتالي فهي بعيدة عن أي نزعة توجيهية أو تخطيط مركزي. بل إنها لا تعبر عن أي تنظيم بقدر ما تعبر عن الفكر المستقل لصناعها في أغلب الأحوال. فيقوم على صناعة الأفلام النيجيرية أفراد لا يحصلون على أموال الحكومة. وتوزع من قبل الشركات الصغيرة الذين يسعون للتغلب على الحواجز الرسمية التي تصنعها الدول أمام تجارتهم. ويتم شراء أعمالهم من قبل المستهلكين بمحض إرادتهم واختيارهم الحماسي جدًا. كما يقول إرفينج كريستول المعلق المحافظ الأمريكي الذي توفي في عام 2009 عن سر النجاح الدولي لهوليوود: «إنه حدث لأن العالم يريد أن يحدث».
--------------------------------------
* ناقد سينمائي من مصر.

 

وليد سيف*    




جوزيف بنيامين وتينا مبا ومحمود علي بالجون في مؤتمر صحفي لفيلمهم «رقصني تانجو»









لقطة من فيلم مبادلة الهاتف





لقطة من فيلم الزواج المبكر





أوموتولا إيكي





النجمة جنفييف نناجي





النجمة جنفييف نناجي





ستيفاني أوكريك





كيت هينشو





ستيفاني أوكريك قبل عرض أحد أفلامها





الممثل والمخرج الشاب كونلي أفوليان













جنفييف نناجي بعد حصولها على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان إفريقيا السينمائي





لقطة من فيلم مبادلة الحقائق





لقطة من فيلم مرساة الطفل