رفائيل وجوليانو رومانو «إيزابيل دي ريكسانس»

رفائيل وجوليانو رومانو «إيزابيل دي ريكسانس»
        

          حتـى العام 1967، كان متحف اللوفر الذي يؤوي هذه اللوحة يقول عنها إنها صورة جوانا ملكة أراغون، وإن رسامها هو جوليانو رومانو أشهر تلامذة رفائيل على الإطلاق وأنجبهم.

          لكن بعض الدراسـات التي انكبت على تحليل هذه اللوحة، وذهبت منذ آنذاك إلى القول إنها بريشة رفائيل وليس تلميذه، فتحت الباب أمام دراسـات أعمق وأشمل، توصلت إلى الاستنتاج أن هذه اللوحة هي بريشتي الأستاذ وتلميذه في وقت واحد، وأكثر من ذلك، أن السـيدة الظاهرة فيها هي إيزابيل دي ريكسانس زوجة نائب ملك نابولي، وليس الملكة الإسبانية.

          رسمت هذه اللوحة في العام 1518م، بناء على طلب من البابا ليون العاشر لتقديمها كهدية دبلوماسية إلى ملك فرنسا فرانسـوا الأول. ومن المعروف أن رفـائيل الذي توفي في العام 1520م، كان صاحب محترَف يضم أكثر من خمسين رسامًا مساعدًا، أقربهم إليه كان رومانو الذي رسمه رفائيل بنفسه في لوحة جمعته إليه. وبسبب كثرة الطلبات التي كانت تنهال على الأسـتاذ، كان يكتفي أحيانًا بوضع التصميم العام للوحة، ويترك تنفيذها لتلاميذه. وفي ما يخص هذه، فقد خلص الخبراء أخيرًا إلى أن معظمها بريشـة جوليانو رومانو، ما عدا الوجه. إذ إن مؤرخ عصر النهضة فازاري كتب بشأنها يقول: «إن رفائيل سافر إلى نابولي لمشاهدة نائبة الملك ورسم وجهها بغية ضبط ملامحها على اللوحة».

          وفي كل الأحوال، وبغض النظر عمن رسم في هذه اللوحة، فإننا أمام واحدة من أجمل الصور الشخصية التي رسمت في عصر النهضة، وأكثرها إحساسًا بالأناقة على كل الصعد.

          فأول مـا يلفتنا في هذه اللوحة هو الثوب المخملي الأحمر الذي يغطي نصف مساحة اللوحة تقريبـًا، وتراسـله القبعة المصنوعة من القماش نفسه والمرصعة ببعض الحلي الذهبية. ومن ثم يأتي التناقض الكبير بين بياض البشرة في الوجه والصدر واليدين مع هذا المحيط الداكن الذي تتشكل منه الخلفية داخل قصر لا ينفتح على الخارج إلا من خلال مطلّ واحد يخترقه عامودان داكنان... أما بطانة القماش المخملي المصنوعة من قماش الساتان الذهبي، فتلعب دورًا مهمًا كمساحات انتقالية ما بين بياض اليدين وقماش القميص الداخلي واللون الأحمر الداكن.

          وأخيرًا، عندما نتطلع إلى الوجه المرسوم وفق رؤية رفائيل للجمال (بغض النظر عمن رسمه)، والتي هي نظرة عصر النهضة إلى ماهية جمال مكوّنات الوجه كما كان بوكاشيو قد وصفها في أدبه، نلاحظ الدقة في كل شيء، في الحاجبين والأنف والفم الصغير والخدين المتوردين فوق بياض الصدر والعنق الطويل، بعبارة أخرى أمام الملامح التي أسماها المؤرخون لاحقًا «مقاييس الجمال الكلاسيكي، التي ستبقى هي نفسها لقرون عدة لاحقة».
----------------------------------
* ناقد تشكيلي من لبنان.

 

عبود طلعت عطية*
  




رفائيل وجيوليانو رومانو، «إيزابيل دي ريكسانس»، (120 × 95 سم )، زيت على خشب في الأصل، نقلت إلى القماش في فرنسا بالعام 1540م - متحف اللوفر، باريس