استطلاع جراتس.. قالوا عن جراتس

 استطلاع جراتس.. قالوا عن جراتس
        

          حين قمت بزيارة بيت الفنون والأدب Literaturehause في جراتس، أهداني مدير البيت كتابا هو الوحيد المتاح باللغة الإنجليزية، تمت ترجمته عن الألمانية، بعنوان «اقرأ جراتس»، ويضم عددا هائلا من كتابات أشهر كتاب جراتس والنمسا وأوربا عن جراتس في فترات تاريخية مختلفة. بالإضافة إلى عدد من الرسائل التي تبادلها كتاب مروا على أو أقاموا في المدينة، أو رسائل من فلاسفة وكتاب وشعراء مشهورين في النمسا أو من أهل جراتس نفسها. إنه كتاب رائع لأنه يقدم بورتريها مختلفا وشاملا وفريدا لهذه المدينة. وحين تنتهي من قراءته تكتشف أنك اقتربت من جوهر هذه المدينة وسر فتنتها الذي لا يمكن فك شيفرته بسهولة. وقد اخترت عددا من النصوص التي قامت بترجمتها الكاتبة والمترجمة غادة الحلواني، فيما يلي نورد نصها:

  • فرانز نابل - (1883-1974)

محبة

          لكي تعرف المدينة جيدا وتفهم جوهرها، عليك أن تتذكرها قبل الحرب العالمية الأولى حين كانت لاتزال عاصمة «أرض التاج» لمقاطعة ستيريا في مركز النمسا القديمة، وليست خارج التاج البريطاني كما هي الآن، بلدة في نهاية فرع راكد من السكة الحديدية. كانت لاتزال الحياة حينذاك تتدفق عبرها بلا كلل أو تعب لا يجبرها شيء على التوقف أو العودة إلى الوراء. كانت توجد حدود لغوية بالقرب منها حينئذ، لكنها لم تكن - هذه الحدود - الجدران الشاهقة مثلما هي الآن. كانت الحدود مفتوحة، بجيشان طليق يتدفق بحرية من فوقها. وباعتراف الجميع، كانت المدينة يشار إليها مزحا بـ «بنسيونبوليس» ملجأ لالتماس السلام والهدوء لهؤلاء الذين وصلوا إلى حاجز العمر القانوني أو لعلهم تعبوا من خدمة الدولة أو كانوا في الجيش قبل سن التقاعد. وفعليا مع نهاية القرن الثامن عشر يمكن أن نجد كلمات قليلة من الثناء على المدينة في أحد النصوص: «... ومرة أخرى يفقد معظم الناس الذين ينتقلون إلى جراتس الرغبة في التقاط عصاهم التي تساعدهم في المشي ويواصلون تجوالهم». من ناحية أخرى، هذا لا يعني بالضرورة أن المثل القائل عن الحب عن طريق «المعدة» أو أن السمعة الرائجة أنه مع دخل متواضع يمكن أن يعيش المرء مرتاحا، مسئولان عن إغرائهم لإنفاق أمسيات حيواتهم هنا. ربما تلعب، أيضا، تلك الأسباب الأخرى الأكثر نبلا دورا. فمرارا وتكرارا، قد يغوي المرء أن يعقد مقارنة بين جراتس والمرأة المحبة والأمومية في الوقت ذاته. ولعل هذا يقدم إجابة عن السؤال الذي يبحث عن سبب جاذبيتها. إن الجمال بالتأكيد جزء منها، لكن لن يدركه طفيليو الحب أو يميزوه من النظرة الأولى التي تغريه فقط على المداعبة العابرة. فهو الجمال - لا يكشف عن نفسه إلا بعد النظرة الثانية أو الثالثة وفقط للساعين الأجلاء.

          هذا لا يعني أن جراتس لا تتمتع بمواقع شهيرة وقيّمة للزيارة والمشاهدة. إن مَن نظر إلى الأعلى من فوق السلم الشعائري إلى ضريح فرديناند الثاني المعارض الشرس للبروتستانت، سواء تحت سماء صيفية عميقة الزرقة جنوبية أو من خلال الحجاب الفضي لليلة مقمرة في الشتاء لن يستطيع أن ينسى المشهد بسهولة. وهذا ينطبق على منظر البرلمان المحلي أيضا، على الرغم من أن جماله لا يتكشف فورا للمتجول العابر بل للساعي الذي يتقدم عبر البوابة ويقف بعدها أمام صف القناطر الراقص الذي يشكل فندق أركادنوف. وسوف يكون حينئذ سعيدًا بأن يترك العنان لنفسه في طرق المدينة القديمة الباردة والمعتمة، بحوائط بيوتها وأقواس دعاماتها وقصورها الرمادية العتيقة. وكما هو الحال مع البرلمان المحلي تغطي أوراق الشجر التي تملأ الباحة صخوره الرائعة العارية وغير المزخرفة.

          لا يصرخ هذا النوع من الجمال عاليا ليلفت إليه الانتباه وينال الإعجاب، فهو مستكفٍ بنفسه مثل النساء الأرستقراطيات الجذابات.

          فهو يشعر في لاوعيه بأن الخاطب المشتاق يحدس وجوده خلف الواجهة المتواضعة ويعرف كيف يجده. وعلى هذا المنوال القصور الصغيرة التي شيدت في العصور الوسطى وفي الفترة الزمنية لقيام ثورة مارس 1848. وإذ شيدها نبلاء ومواطنون ذوو مكانة عالية تاقوا إلى الرفاهة، فقد أقاموها خارج أبواب المدينة. حاليا، تقف هذه القصور بحفيف أشجارها التي تملأ حدائقها حبيسة جدرانها. ذاك أن السحر الطاغي للمدينة مازال في مشاهدها الطبيعية. فلا تحوطها فقط هذه الوفرة الباذخة، بل تخترق المناظر الطبيعية المدينة وتقسمها إلى مركزها. إنه انتصار وظفر على عرش تلال سكولبرج التي أصبحت رمزها.

  • فريتز فون هيرزمانوفسكي-أورلاندو - (1877-1954)

الكرة المقنعة

          يتصور سريساند مرة أخرى الكلمة: «أجل، أجل، جراتس، أعرف المدينة معرفة جيدة. لا يحدث بها الكثير حاليا. لكن في ما مضى! هل تعرف أن شكسبير أخرج عرض «تاجر البندقية» في جراتس؟ كان عليه أن يفر من فيينا بعد «القياس من أجل القياس» بسبب إهانة نقابة المحامين، كما يعرف كل مثقف. رهاب الأجانب الشهير الذي تتمتع به العواصم ساهم في هذا أيضا. لا عجب. فيينا هي العاصمة الطبيعية للبلقان بل يمكن أن أقول حتى إنها الغدة المنغولية لأوربا».

  • بيتر دانييل ولفكيند - (* 1937)

جراتس

          سواء كان في براغ أو كراكو أو سالزبرغ أو بلجراد أو لندن، في مكان ما في كل هذه المدن؟ توجد قلعة وحوائط مهدمة قليلة وبرج ملكي قديمة. ولكل قلعة من هذه القلاع قصتها. وكل هذه القصص متشابهة: بناء، توسع، حصار، دفاع، تدمير. وتبدو القلاع من الداخل متشابهة جميعا. غرفة عامة رائعة وغرفة تخزين وحوائط وممرات وسرير واسع بأربعة أعمدة ولد عليه البطل أو طعن، وكنيسة صغيرة ومتنزه. وفي كل هذه المدن توجد كنيسة للحجاج ونصب تذكارية قليلة. وفي كل هذه المدن يوجد بيت ما متواضع في مكان ما، حيث ولد فيه شاعر شهير أو رسام أو مؤلف موسيقي. وفي كل هذه المدن توجد شوارع قديمة حالمة، ونصب تذكاري للطاعون الأسود وعدة بنايات جديدة بدرجات مختلفة من القبح. وهكذا بالنسبة لي على الأقل، تذوب كل هذه المدن في مدينة واحدة في نموذج «المدينة الأوربية». كذلك جراتس واحدة من عناصر الإنتاج التسلسلي على سيور التاريخ الذي صنع تبعا للنموذج نفسه. ولإنقاذ شعور الوطنيين المحليين: منتج تسلسلي بمعالم خاصة.

  • ماكس برود - (1884- 1968)
    جراتس مثل زيورخ - (سبتمبر 1911)

          المدينة الصغيرة (زيورخ) أكثر أناقة من براغ، أنفقت البنوك كثيرا على تجهيزها، كل شيء من الرخام الأزرق. الانطباع هو عن مدينة مزدهرة وجميلة بسكان غير مميزين يتدافعون بتزامن كما يبدو بين البنايات الجميلة. لن يرغب أي أحد أن يصدق أنهم خلقوا هذه الأشياء الجميلة. تبدو جراتس شبيهة بها.

  • جوستاف شرينر - (1793- 1872)

عن الشخصية

          بالمناسبة، شخصية مواطن جراتس العادي تتمتع بمعالم محددة تدل على الخليط مع العناصر السلافية. العمل ببطء، التصرف بعمد، يعادي كل الأشياء الأجنبية وليس ودودا. فقط حين يكون شيء ما كاملا وتاما يكسب ببطء قبوله. لا يستطيع أن ينسب لنفسه صفة الود، فهو يقرر أن يحييك بصعوبة إلا إذا كنت سوف تؤثر في مصيره. لا تشيع صفة النظافة في الطبقات السفلى.

  • يورغ - مارتن فيلنوار - (* 1957)

جيوجرافيتي

          وكما تأتي جراتس دائما قيل لينز وويلز وجولز

          وإنس وجورك وفاك
          وهول ورست وريد
          وليخ وزيل ويبس
          وفيز وفين
          مدينة الحروف الأربعة الأجمل
          في الكلام

  • جوزيف فريهر فون هامر- بورغستال - (1774-1856)

المرجل السحري

          جراتس المرجل السحري! من ذلك الذي خلقك منطقة ساحرة؟.. جراتس المضفرة بكثافة ببساتين الورد ومروج المياه تعويذة متلألأة.

  • بيرند شميدت - (* 1947)

على نحو ما، المطر حقيقي مختلف

          حين تمطر في جراتس فهي تشبه بالتأكيد حين تمطر في فيينا ودنكرك ونيو أورليانز، كما هي في هامبورج ولندن وماربورج في لاهن. لكن في جراتس ليس الأمر مماثلاً على نحو ما.

          فربما يمكن أن تقول المثل من زاوية نظر المدن الأخرى. لكن يوجد شيء واحد مؤكد؛ ففي جراتس المطر أكثر إزعاجا من فيينا ودنكرك ونيو أورليانز وفي هامبرج وفي لندن وفي ماربورج في لاهن.

          المطر مزعج في جراتس لأننا في جراتس تحت المطر.

          لا يزعجنا المطر لو أنه يسقط في فيينا أو دنكيرك أو نيو أورليانز أو في هامبرج أو لندن أو ماربورج في لاهن. فقط، يجب ألا يسقط في جراتس. باستثناء حين يصدف أن نكون في فيينا أو دنكرك أو نيو أورليانز أو في هامبورج أو لندن أو ماربورج في لاهن بينما تمطر في جراتس. هكذا نحن أهل جراتس.

  • أنجيلا كروس - (* 1950)

جراتس

          أتمنى ألا أسمح لنفسي بالشطط فأحكم على جراتس. غدت جراتس موطني بعد عام من سقوط الستار الحديدي. كان يجب أن تصبح جراتس كل شيء تخيلته في العالم خلف العالم في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات. وكانت كذلك بالطبع.

  • بيتر روسجر - (1843- 1918)

المدينة الكبيرة

          يرتفع سعر الطعام ببطء لأن جراتس تحاول أن تضفي على نفسها هيئة المدينة الكبيرة وهو أمر بصراحة متناهية غير لائق تماما.

  • هانز كورن - (1906- 1985)

هذا ما كان مقصودا منذ البداية

          ميز صورة هذه المدينة التحفة الفنية: قاعة المدينة والجمال الساحر للقلعة القديمة والتناقض المثير بين الكاتدرائية القوطية والضريح بطابعه الجنوبي، كذلك البيوت العديدة والقصور ومن أجل المكانة الاجتماعية يجتمع النبلاء والمواطنون هنا في هذه المقاطعة في هذه المدينة التي شيدت من أجل هدف جاد. قدم الزمن والإيطاليون مرة أخرى النماذج لهم، من البندقية. وبالإضافة إلى أطفال المقاطعة، وظف السلاف من ستيريا وكراين في البيوت. وبالمثل، نجد خليطا واقعيا. ففي «قائمة الموظفين» في الصناعة النامية أثناء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر توجد أسماء ألمانية لأبناء المزارعين إلى جانب أبناء آخرين من سلوفانيا وإيطاليا. يعتبر هؤلاء السلاف والإيطاليون شهودًا على أصلها ونموها ويعكسون وظيفة هذه المدينة العاصمة للنمسا الداخلية Inner Austria. كان الهدف من حجمها ألا يخدم فقط مقاطعتها الصغيرة، بل منطقة تمتد إلى البحر وأن يصبح وحدة مدمجة. ما كان اعتقد الناس هنا في هذه المدينة مـــــا أنجـــزوه وما ضحــــوا به وما تحــــمـــلــــوه - وطبيعيا ما كسبوه - بطريقة متواضعة من كل هذا، يمتد على المنطقة الأكبر التي تمتد من داشتين إلى أدرياتيك، حيث خضع الألمان في ستيريا وكارنثيا إلى جانب السلاف حول كران والإيطاليين بالقرب من جورتس واكيلا إلى سلطة وصي شرعي واحد.

          إنه يمتد إلى المنطقة الموحدة التي عرفت عبر التاريخ باسم النمسا الداخلية، ولكنها لم تختف من التاريخ باعتبارها وحدة الثقافة والتقاليد. هذه الحدود من الشعوب العظيمة التي شكلت الغرب واللاتين والألمان والسلاف عاشت معا طويلا في مهمة جليلة، وفي صراع ثقافي، وفي تبادل اقتصادي تحت إدارة قانونية وسياسية.

          في القرون التي تغير خلالها مفهوم الفترة الانتقالية وبدا من زاوية سطحية أنه ذات من القرن السادس عشر إلى القرن السابع عشر، انفتحت طرق عديدة من التعاون الاقتصادي. في الوقت ذاته تأكدت روابط لانهائية من الصداقة الشخصية خلال علاقات الدم، وتجددت باستمرار بحيث استمرت في التأثير حتى وقتنا الحاضر. كانت هذه الفترة فريدة. إذا عرفنا هذه المساحة اليوم - وخاصة اليوم - باعتبارها مساحة للمسئولية، فهي ليست مسألة تذكر أو حفاظ على التقليد الفولكلوري. لم تعد تتمتع هذه المنطقة بالامتيازات الآن، بل بالأحرى تحمل على عاتقها مسئولية مشتركة. كل شخص يعتبر أن الرغبة في السلام بين الأمم أكثر من مجرد شعار يمكن ويجب أن يقبل هذه المسئولية. إنها المهمة الأخلاقية الأولى التي يسعى جيلنا إليها بكل الحب الممكن والطاقة، راسما خبرته عن هذا القرن. أين كان يمكن أن يبدأوا هذا مبكرا عن هذا، حيث حطام سوء فهم الأجيال وأخطائها يحتاجان إلى إزالتهما من الطريق؟

  • فولتر فون دير فوجلفيد - (1170-1230)

          ويلكم أيها الأغنياء!
          أخبروني من سين إلى مور
          من بو إلى تراف أنني أستطيع عبرهم مثل:
          معظمهم لا يبالي كيف يمتلك
          فإذن يجب أن أمتلك مثلهم، فوداعا أيتها المشاعر الرائعة
          الملكية دائما ممتعة، لكن التقدير يأتي قبلها
          لكن الملكية هذه الأيام عالية التقدير جدا
          بحيث يمكن أن تجلس مع ملك
          مع كل لوردات المجلس الملكي
          ويلكم أيها الأغنياء! من مصير الإمبراطورية الرومانية.

----------------------------------------------
* بعض الصور المتضمنة في الموضوع حصلنا عليها من مؤسسة Graz Tourismus في جراتس.

 

ترجمة: غادة الحلواني