المفكرة الثقافية: مهرجان القرين الثقافي قدّم وجبة فكرية موسيقية منوعة

 المفكرة الثقافية: مهرجان القرين الثقافي قدّم وجبة فكرية موسيقية منوعة
        

          على مدى ثلاثة أسابيع متواصلة، استمتع محبو الثقافة والفنون بالفعاليات المنوعة في الغناء والموسيقى والأدب وذلك في مهرجان القرين الثقافي التاسع عشر في الكويت والذي نظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في شهر يناير الماضي.

          استهل المهرجان بحفل الافتتاح الذي كرّم فيه وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود الفائزين بجوائز الدولة التقديرية والتشجيعية، إذ حصل على جائزة الدولة التقديرية لعام 2012 أربعة مبدعين، هم الأديبة ليلى العثمان والأديب عبدالعزيز السريع والملحن غنام الديكان والفنان محمد المنيع، بينما فاز بجائزة الدولة التشجيعية 12 مبدعاً في مجال التمثيل فاز كل من أحلام حسن وفيصل العميري، وحصد جائزة الإخراج المسرحي المخرج علي الحسيني في مجال الفنون التشكيلية الفنان عبدالله الجيران، واقتنص الشاعر إبراهيم الخالدي جائزة الشعر عن ديوانه «ربما كان يشبهني»، ونال جائزة الرواية الكاتب الشاب سعود السنعوسي عن روايته «ساق البامبو».

          وبدوره، حصل د. مرسل العجمي على جائزة الدراسات اللغوية والأدبية والنقدية عن كتابه «السرديات: مقدمة نظرية ومقتربات تطبيقية»، أما د. حسين بوعباس فقد نال جائزة تحقيق التراث العربي عن عمله «مختار تذكرة أبي علي الفارس وتهذيبها لأبي الفتح عثمان بن جني»، وذهبت جائزة الدراسات التاريخية والآثارية لدولة الكويت للباحث باسم الإبراهيم، وفي مجال التربية حصلت على الجائزة د. زينب الجبر، وذهبت جائزة التاريخ والآثار إلى الدكتور عبدالهادي العجمي، وارتأت لجنة التحكيم تكريم د. عبدالله الكندري في مجال الجغرافيا. كما تضمن حفل الافتتاح فقرات تراثية لفرقة الرندي للفنون الشعبية.

ارتدادات الربيع

          وتماشياً مع الأحداث التي تعيشها بعض أقطار الوطن العربي، انتقى القرين الثقافي «ارتدادات الربيع العربي» عنواناً للندوة الرئيسية التي استمرت أعمالها ثلاثة أيام وشارك فيها مجموعة من المفكرين والأكاديميين والكتاب من داخل الكويت وخارجها، وتناول المشاركون في الندوة مجموعة محاور منوعة منها الأسباب التي أدت الى التغير في الواقع العربي، وجذور الربيع العربي، كما سلطوا الضوء على الحراك العربي مستعرضين التجارب المصرية والتونسية واليمنية والسورية والليبية.

منارات ثقافية

          وضمن محور المحاضرات والمنارات الثقافية، قدم المهرجان ست ندوات، هي كالتالي محاضرة عن «أثر الأدب العربي في الشعر الفارسي» للدكتور فيكتور ألكيك، والدكتورة بتول مشكين فام، ومحاضرة «علم الأصوات عند العرب» للدكتور محمد حسان الطيان، وأمسية شعرية نقدية «مقاربة بين شعر الصعاليك وحنشل البوادي المتأخرين» تجمع بين الدراسات النقدية، والقصائد الشعرية حاضر فيها الشاعر سليمان الفليح، منارة ثقافية للفنان التشكيلي الراحل صفوان الأيوبي تحدث فيها الكاتب إبراهيم المليفي والباحث خالد عبدالمغني، وندوة أدبية حاضر فيها أستاذ الأدب العربي المعاصر بجامعة أوتونوما في إسبانيا الدكتور جونزالو فرنادز عن علاقة الأدب العربي بالنتاج الإسباني.

          ومنارة الأديب الراحل عبدالله زكريا الأنصاري تحدث فيها الدكتور عبدالله المهنا والدكتور بدر الخليفة.

          وفي مجال الفنون التشكيلية والصور الفوتوغرافية، نظم القرين خمسة معارض، وركز المعرض الأول على الصور التاريخية لإنشاء المجلس التأسيسي الأول 1961 موثقاً لملامح من التاريخ المضيء للحياة الدستورية في الكويت، مسجلاً عبر عشرين صورة فوتوغرافية شكل الحياة السياسية المحلية آنذاك.

          أما المعرض الثاني فكان للفنان العماني موسى عمر مستلهماً محتوى معرضه من قصة النبي يوسف، فينسج مشاهد الحكاية على شكل قميص عبر لغة سردية تجريبية مفعمة بالترميز، مستخدماً مواد لونية مختلفة يسكبها على خامة «الخيش»، ومن البحرين عرضت الفنانة عائشة حافظ في المعرض الثالث قطعا نحتية منوعة مستخدمة تقنيات متطورة في النحت على الحجر، وكتابة بعض النصوص الشعرية على سيقان الشجر، وعرض الباحث فؤاد المقهوي مجموعة من الصور الفوتوغرافية القديمة ضمن المعرض الرابع في القرين، وقبل ختام مهرجان القرين بأربعة أيام افتتح الأمين العام للمجلس الوطني معرض القرين الشامل للفنون التشكيلية.

غناء وعزف

          وحظي عشاق الغناء والموسيقى بأمسيات منوعة مزجت بين الغناء الشرقي والموسيقى الغربية، وانطلقت الفعاليات الغنائية بليلة تكريم الفنانة الراحلة عائشة المرطة أحيتها فرقة الدكتور أحمد باقر، كما شاركت فرق محلية وعربية وعالمية، منها الفرقة الوطنية للموسيقى العربية (الكمنجاتي)، والفرقة الفرنسية سلفان بارو، وفرقة أوكرانية، وفرقة الروك الفلكلورية الإسبانية، وفرقة منير بشير، وفرقة نانتا الكورية، أما حفل الختام فأحيته الفنانة المغربية أمنية.

          إلى ذلك، نظم القرين ثلاثة معارض للكتاب في المجمعات التجارية، وخصص أياما للسينما واستضاف عروضاً مسرحية.

          يذكر أن المهرجان تضمن فعاليات أسبوع الحرف اليدوية التقليدية في إقليم آسيا والباسيفيك، وضم حلقات نقاشية وورش عمل، ومعارض حرفية، وعرض أزياء للملابس التقليدية.

الكويت: لافي الشمري

  • شهادة حية:
    عبدالغفار مكاوي.. فيلسوفاً ومعلماً وأديباً

          ليست هذه بدراسة عن جانب من جوانب إبداع الراحل الكبير عبدالغفار مكاوي، وإنما هي شهادة من تلميذ له تهدف إلى إضاءة جهده الإبداعي، من خلال مواقف ولقطات حية امتدت عبر خمسة وثلاثين عاماً، فضلاً عن أن هذا التلميذ تربطه به قرابة روحية وفكرية ما.

          آخر هذه اللقـــطات الحية منذ شهر تقريـــباً، قبيل وفــــاته ببضعة أسابيع، حيـــث استطعــنا مع بعض الزملاء إقناعه بقبول تكـــريمـــه من قسم الفلسفة بجـــامعـــة القاهرة التي قاطعهـــا منذ زمن طويل، باعتبار أن الجامعات المصرية - ومعه الحق في ذلك - لم يبق منها غالباً إلا اسمها. ولهذا فقد فضل أن يحيا حياة الصمت والعزلة التي طالما أحبها، فارتحل إلى الكويت التي اجتذبت جامعتها نوابغ المفكرين المصريين، ليعمل في صمت ويواصل جهوده الإبداعية في هدوء. كان سعيداً بهذا اللقاء الذي أدرت جلسته الافتتاحية، بحضور أساتذة الفلسفة من جامعة القاهرة وخارجها، فضلاً عن أساتذة الأدب والأدباء من محبيه.

          رجعت الذاكرة بعيداً إلى الوراء، حينما كان يدرس لنا في مرحلة الدراسات العليا (سنة 1977) مقرراً دراسياً بعنوان: «مشكلة فلسفية»، حيث كان يُترك للأستاذ أن يتخير مشكلة فلسفية يدرسها لطلابه، اختار مكاوي أن يدرس لنا مشكلة من أعقد المشكلات الفلسفية، هي: «مشكلة اللحظة»، التي هي مشكلة الزمان ذاته، ذلك الزمان الذي يشتمل على تلك اللحظة التي تنتمي إلى الماضي وكأنها آلت إلى العدم، وتلك التي تنتمي إلى الحاضر، ولكنها سرعان ما تفر من بين أيدينا وتؤول إلى الماضي باستمرار، وتلك التي تنتمي إلى المستقبل وليس لها وجود بعد. فهل معنى ذلك أن الزمان كله بلحظاته الثلاث يكون عدماً؟

          ينبغي ألا ننسى كما تعلم مكاوي من هيدجر، وكما تعلمت أنا التلميذ منهما معًا، أن العدم يدخل في نسيج الوجود (وهذا ما تعلمه أيضًا سارتر من هيدجر): فاللحظة التي لم تعد موجودة وكأنها آلت إلى العدم، تواصل حضورها وتأثيرها في الحاضر، واللحظة المستقبلية تشغلنا في الحاضر ونتطلع إليها. كان مكاوي يمارس دور الأستاذ المعلم، ولكنه كان يمارس في الوقت ذاته دور الفيلسوف، فهو لم يكن يقدم لنا معلومات عن المشكلة التي يدرّسها لنا، وهي مشكلة الزمان، بل كنت أشعر أنه هو نفسه منشغل بالمشكلة، فراح يشغلنا بها أيضًا، راح يتأملها معنا عند القدماء والمحدثين والمعاصرين.

          رجعت الذاكرة مرة أخرى إلى مرحلة تالية في بداية الثمانينيات، حينما قمت بإعداد رسالتي للماجستير تحت إشراف أستاذتي أميرة مطر، بعنوان: «ميتافيزيقا الفن عند شوبنهاور»، ولما كان هو عضوًا في لجنة مناقشة رسالتي، فقد قرأها بعناية وأبدى ملاحظاته عليها مكتوبة لكي أستفيد منها عند طباعتها. وعلى الرغم من هذه الملاحظات، فقد أبدى إعجابه بالرسالة إلى حد أنه ذهب إلى القول حرفيًا: «إن كتاب عبدالرحمن بدوي عن شوبنهاور لا يرقى إلى هذه الدراسة». وأنا لا أذكر هذا القول الموثق على سبيل التباهي، وإنما لأبين تواضع الأستاذ حينما يكون معلمًا بحق، فيقوم بتشجيع تلاميذه، حتى وإن اقتضى ذلك أن يرفعهم أحيانًا، وفي موقف محدد، فوق مَن يعتبرهم أساتذة له شخصيًا. ولا أنسى هنا لهذا الأستاذ العظيم أنه قد نبّهني إلى أخطائي في النحو، بالرغم من اعترافه بجمال أسلوبي، فلجأت منذ ذلك الحين إلى الاعتناء باللغة.

          ولكن شوبنهاور لم يكن مجرد موضع دراسة عابرة للتلميذ ناقشها الأستاذ، بل كان موضوع هم واهتمام مشترك، أجد تجليّاته في روح مكاوي، حتى إنه كان متحمسًا عند بداية هذا القرن، لمراجعة ترجمتي لكتاب شوبنهاور الرئيس «العالم إرادة وتمثلاً»، لولا أن اعتلال صحته في السنوات الأخيرة حال دون ذلك. إن شوبنهاور الذي شغلني، مسّ لديه روح التشاؤم والأسى ورثاء هذا الوجود، وهي روح متأصلة بعمق في فكر مكاوي ووجدانه، وقد عبّرت عن نفســـها في اختياراته للكتابة عن شخصيات فلسفية وأدبية معينة تشيع فيها تلك الروح، بل حتى في كتاباته الإبداعية في مجال الأدب.

          وقد يسيء البعض فهم هذه الروح على أنها روح تشاؤمية عدمية سيكولوجية، ولا يفهمونها باعتبارها تشاؤمًا ميتافيزيقيًا يسعى إلى الاحتفاء بكل ما هو جميل وأصيل في الحياة، في غمار كل ما فيها من قبح وزيف وشر!

          ولاشك في أن الإنتاج الإبداعي لعبدالغفار مكاوي كان غزيرًا. حقًا إن غزارة الإنتــــاج أو قلـــته لا يعــني شيئًا، ولهـــذا نقول إن الإنــــتاج لا قيــــمة له ما لــم يكــــن إبداعـــــيًا: وقد أبدع مكاوي على مستوى الكتابة الفلسفية المحضة، وأبدع على مستوى الترجمة الفلسفية والأدبية، ويكفي هنا فقط أن نذكر ترجمته لكتاب الفيلسوف الصوفي العظيم «شتروفه» بعنوان «فلسفة العلو»، كما أبدع على مستوى النقدالأدبي، ويكفي أن نذكر هنا كتابه عن «ثورة الشعر الحديث»، الذي ألهم النقاد والشعراء، فضلاً عن إبداعه في مجال الأنواع الأدبية ذاتها، من قصة ومسرح.

          لقد امتزجت الكتابة الفلسفية بالكتابة الأدبية والجمالية في أعمال مكاوي، فتحققت فيها مقولة دريدا: «إن الفلسفة لا مهربَ لها من الجمالي». وكان هذا آخر ما قلته في الاحتفاء به منذ شهر، فما كان منه حينما سمع هذه العبارة سوى أن قال: الله.. نعم! فكأن دريدا كان يعبر عن حال الفلاسفة الحقيقيين من أمثال مكاوي: أولئك الذين تمتزج في كتاباتهم الفلسفة بالأدب والفن. كذلك كان وسيظل مكاوي.

القاهرة: د. سعيد توفيق

  • ذكرى:
    طه حسين.. بين الجامعة المصرية وجامعة القاهرة

          لم يقتصر اهتمام جامعة القاهرة بعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، صاحب أول رسالة لنيل درجة الدكتوراه من الجامعة المصرية في العام 1914، وعميد كلية الآداب بها، ومؤسس قسم الدراسات اليونانية واللاتينية الذي قام بالتدريس فيه، فضلاً عن تدريسه بقسمي التاريخ واللغة العربية، على إطلاق اسمه على قاعة مجلس كلية الآداب، ووضع تمثاله أمام قاعة أحمد لطفي السيد، والاحتفال بمئوية ميلاده من خلال مؤتمر علمي دولي عقدته كلية الآداب في الفترة من 11 إلى 14 نوفمبر 1989 تحت عنوان «طه حسين.. مستقبل الثقافة العربية.. الإنجازات والآفاق الجديدة» بل أصدرت الجامعة في عيدها التسعيني ثلاثة مجلدات حوله، وتعاونت مع الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية في إصدار طبعة جديدة من رسالته لنيل الدكتوراه التي عنوانها «تجديد ذكرى أبي العلاء» بمقدمة للدكتور عبدالله التطاوي، الأستاذ بجامعة القاهرة، ونائب رئيسها الأسبق الذي اختار أن يستعير عنوان رسالة عميد الأدب العربي، فجاءت مقدمته بعنوان «تجديد ذكرى طه حسين» وفيها ذكر التطاوي أن اجتهاد طه حسين في المسائل اللغوية والنقدية والتاريخية يسجل له المزيد من الاحترام على نحو ما أصل له من تقديره للغة القرآن حيث قسم اللغة إلى ثلاثة مستويات: لغة الشعر، لغة النثر، ولغة القرآن.

          ويؤكد التطاوي أن تاريخ طه، ورسالته الرائدة، مع طبيعة السياق المجتمعي بكل تحدياته ومشكلاته إنما يمثل فصلاً من فصول التحول في تاريخ الجامعة المصرية التي شرفت برسالته وعمادته لكلية الآداب، كما شرفت باستقالة أستاذ الجيل تعاطفاً معه، حين رفض قبول الوصاية أو الافتئات على حق مجلس الجامعة في اتخاذ قرار النقل من عدمه، فكانت المنظومة متميزة حين رعاها ونماها، ورسم خططها جيل الرواد بمثل تلك الأصالة التي لم تعرف استعباد الكراسي، ولا هيمنة المناصب بقدر ما عرفته من احترام فكر المؤسسة وتعزيز منازل مجالسها، وتقدير مواقع العلم والعلماء فيها، فكان في صدارة الأساتذة والقدوة، والنماذج الرفعية.

          ويعتبر التطاوي أن اختيار طه حسين لأبي العلاء المعري موضوعاً لرسالته لنيل درجة الدكتوراه بمنزلة تأكيد على صلابته، وقوة إرادته حيث اختار رهين المحابس الثلاثة: محبس العمى، ومحبس الدار، ومحبس النفس في الجسد - على حد تعبير العلائي- فبدا طه حسين قريباً من نظيره منذ أصر على فتح الأبواب الجديدة في فضاءات الإبداع العربي، ومنذ طوع الشعر للفلسفة فحار النقاد في وضعه بين (الشعراء الفلاسفة) أو (الفلاسفة الشعراء)، ثم صاغ دواوينه على مراحل إبداعه موزعة بين (سقط الزند) و(الدرعيات) و(اللزوميات)، ثم أصر على التفرد حتى في أطروحاته النثرية، كما صنع في رؤاه الشعرية التي تجاوز بها كثيراً أصحاب المقامات ليخرج على المجتمع الأدبي برسالة الغفران وباقي رسائله التي لم تصلنا (الهناء - الملائكة)، ويكفي ما تركته الغفران وحدها من أثر عميق في الأدب العالمي، على غرار ما حدث من (الكوميديا الإلهية) لدانتى، أو (الفردوس المفقود) لجون ميلتون.

          ويتعجب الدكتور طه حسين في مقدمة الطبعة الأولى من اختياره لأبي العلاء المعري ليكون موضوعاً لرسالته فيقول: «لست أدري لم حبب إليّ البحث عن هذا الرجل؟ ولم كلفت به الكلف كله؟ ومع أن كتبه قد ضاع أكثرها. فقد خُيل إليّ أني استطيع أن أجد في ما بقي منها ما يشفي الغليل.

          وقد سمعت الناس يتحدثون عن «اللزوميات» فلا يتفقون فيها على رأي، وسمعتهم يصفون أبا العلاء بالإسلام مرة وبالكفر مرة.

          ورأيت الفرنج قد عنوا بالرجل عناية تامة. فترجموا لزومياته شعراً إلى الألمانية، وترجموا «رسالة الغفران» وغيرها من رسائله إلى الانجليزية. وتخيروا من اللزوميات والرسائل مختارات نقلوها إلى الفرنسية. وأكثروا من القول في فلسفته ونبوغه. ورأيت بيني وبين الرجل تشابهاً في هذه الآفة المحتومة. لحقت كلينا في أول صباه، فأثرت في حياته أثراً غير قليل».

          ويقول عن سبب نشرها في كتاب: «إني لا أعرف قبل اليوم كتاباً ظهر على هذا النحو من البحث. وربما لا أغلو إن قلت: إني لا أعرف كتاباً في الآداب العربية قد وضعه صاحبه على قاعدة معروفة وخطة مرسومة من القواعد والخطط التي يتخذها علماء أوربا أساساً لما يكتبون في تاريخ الآداب. فأما أنا فقد وضعت لهذا الكتاب خطة، وتشددت في اتباع هذه الخطة فلم أهملها، ولم أشذ عن أصل من أصولها، حتى كاد الكتاب يكون نوعاً من المنطق أو هو بالفعل منطق تاريخي أدبي. ليس فيه حكم إلا وهو يستند إلى مصدر. ولا نتيجة إلا وهي تعتمد على مقدمة قد بذلت الجهد في استقصاء حظها من الصحة».

          ويعترف الدكتور طه حسين في مقدمة الطبعة الثانية أن الكتاب به ألوان من القصور، فيقول: «لم أكد أعود من أوربا سنة 1919 حتى حدث أن الطبعة الأولى من هذا الكتاب قد نفدت، وأن كثيراً من الناس يرغب فيه، وأن من الخير أن أعيد لهم نشره. وكنت أود لو أجبت إلى ذلك، ولكني جعلت أرجئ هذا من وقت إلى اخر رغبة في أن أعيد النظر في الكتاب فأغير وأبدل، لأني كنت ومازلت أعتقد أن فيه فصولاً وأقساماً تحتاج إلى التغيير، لا لأني رجعت عن رأي فيها، بل لأن هذا الرأي موجز مختصر يحتاج إلى شيء كثير من البسط والتفصيل.. وأعلم أن ناساً قرأوا هذا الكتاب فدفعوا أو اندفعوا إلى نقده بغير علم، مخلصين وغير مخلصين، ولقد كنت أود لو وجدت فيما كتبوا شيئاً يستحق أن يسطر ويناقش، ولكني آسف الأسف كله لأني لم أجد فيما كتبوه إلا شتماً وسباً، وإلا طرقا في الفهم معوجة، ومناهج في التفكير عتيقة، ورأيت تقديراً لنفسي وللقراء ألا أضيع الوقت في العناية بذلك ومناقشته».

          ويضيف: «إذا فأنا أعيد نشر هذا الكتاب في سنة 1922 على صورته الأولى في سنة 1914 لا مغيراً ولا مبدلاً؟. وأنا أرجو أن أوفق إلى تكميله. ولو أني ضمنت مواتاة الزمان لوعدت القراء بألا يمضي عليهم زمن طويل حتى يكون بين أيديهم كتاب جديد فيه درس مفصل لرسالة الغفران، ولكن التوفيق بيد الله يمن به على من يشاء».

          ويبقى سؤال.. إذا كانت حرب أكتوبر 1973 قد حالت دون احتفاء مصر برحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في يوم 28 أكتوبر 1973، فهل تحول تداعيات ثورة 25 يناير دون إحيائها الذكرى الأربعين لرحيله التي تحل هذا العام؟.

القاهرة: مصطفى عبدالله

  • إصدارات:
    روايتان تشيلية وباكستانية في ترجمة عربية

          أصدرت دار بلومزبري - مؤسسة قطر للنشر، ثلاث روايات جديدة، اثنتان منها مترجمتان عن الأدب العالمي، والثالثة لروائي مصري شاب، ضمن جهودها المتواصلة لإثراء المكتبة العربية بالإصدارات التي حققت شهرة وانتشاراً عالميين.

          وتحمل الرواية الأولى عنوان «رواية الأفلام» للكاتب التشيلي إيرنان ريبيرا لتيلير، وهو واحد من أهم كتّاب أمريكا اللاتينية اليوم، ونال العديد من الجوائز المرموقة، ومن أبرزها الجائزة القومية للكتاب في تشيلي لعامي 1994 و1996، ووسام الجمهورية الفرنسية بدرجة فارس في الآداب والفنون، تقديراً لجهوده في سبيل النهضة الأدبية ونشرها في العالم.

          وتدور الرواية، التي نقلها إلى العربية المترجم الشهير صالح علماني، حول ماريا مارغريتا وهي فتاة يافعة من إحدى القرى الصغيرة بتشيلي اشتهرت بقدرتها العجيبة على إعادة سرد قصص الأفلام ببراعة. فكلما عُرِض فيلم جديد في سينما القرية، جمع السكان لها النقود لكي تشاهده، أيا كان نوعه، سواءً كان هذا الفيلم أحدث أفلام مارلين مونرو، أو غاري كوبر، أو حتى كان فيلماً غنائياً من المكسيك، فتشاهده الفتاة، ثم تعود بدورها لتحكيه لهم بطريقتها الجذابة. ومن خلال هذه الرواية المشوّقة، يسرد لنا إيرنان ريبيرا لتيلير بأسلوبه السحري الرقيق والمؤثر قصة يسترجع فيها ذكريات دور السينما في أوج مجدها بأمريكا اللاتينية.

          وقد وصفت صحيفة «كلارين» الأرجنتينية الرواية بأنها «أكثر الروايات التشيلية الحديثة تميزاً»، واعتبرت صحيفة «إل موندو» الإسبانية مؤلفها «أحد أكثر الأقلام إبداعاً في عالم الأدب الروائي بأمريكا اللاتينية»، فيما كتبت مجلة «لو ماجازين ليتيرير» الفرنسية «للمرة الأولى، وبعد أعوام عدة من التوقف، يبرز في أدب أمريكا اللاتينية عمل جديد يتميز بالأصالة». كما تحوّلت هذه الرواية في أواخر عام 2011 إلى فيلم سينمائي.

          أما الرواية الثانية التي أصدرت دار بلومزبري - مؤسسة قطر للنشر، ترجمتها العربية أخيراً، فهي «الظلال المحترقة»، للروائية الباكستانية كاملة شمسي، الفائزة بجائزتي رئيس الوزراء للأدب العام 1999 و«Patras Bokhari» العام 2004، واللتين تمنحهما أكاديمية باكستان للأدب.

          تتحدث الرواية التي وصفتها صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية بأنها «قصة هائلة شاملة عن الخسارة والاغتراب»، عن مأساة هيروشيما ونجازاكي، التي لازمت وجدان العالم المعاصر، شرقية وغربية، على السواء، كعلامة على ما وصل إليه الإنسان المعاصر، من توحش وشراسة وطغيان، وفقاً لمصالح وأهداف القوى العالمية الجديدة، حيث تبدأ أحداثها من مدينة ناجازاكي، يوم التاسع من أغسطس 1945، عندما تخطو هيروكو تاناكا، بطلة الرواية، نحو شرفتها مرتدية ثوبها التقليدي الذي يحمل رسماً لثلاثة طيور. إنها في الحادية والعشرين من عمرها، وعلى وشك الزواج من كونراد فايس. وفي ثانية واحدة يتحوّل العالم إلى لون أبيض لامع. وبعد الانفجار الذي محا كل ما قد عرفته هيروكو في حياتها، لم يتبقَّ لها سوى حروق على ظهرها على شكل طائر، كتذكار لا ينمحي عن العالم الذي فقدته. وبعد سنتين تسافر هيروكو إلى مدينة دلهي في الهند لتقابل عائلة كونراد، بحثاً عن بداية جديدة، فتقع في حب أحد الموظفين العاملين في شركات العائلة. وبمرور السنين تحل منازل جديدة محل القديمة، والحروب القديمة تأخذ مكانها صراعات جديدة. ولكن ظلال التاريخ، الشخصية والسياسية، لاتزال تخيّم فوق العالم المتشابك للعائلات المختلفة، بينما تنتقل الأحداث من باكستان إلى نيويورك، ثم إلى أفغانستان في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر 2001.

          وقد اختيرت هذه الرواية الملحمية ضمن القائمة القصيرة لجائزة أوراناج Orange الأدبية العام 2009، وبيع منها أكثر من 22 مليون نسخة في نحو 55 لغة.

          وتندرج الرواية الثالثة التي تحمل عنوان «صانع الظلام»، للروائي تامر إبراهيم ضمن روايات الرعب، وهي تدور حول يوسف الصحفي الذي يعمل في قسم الحوادث بإحدى المجلات، ويكلّفه مدير التحرير، ذات يوم، بإجراء حوار صحفي مع أستاذ جامعي حُكم عليه بالإعدام لقتله ابنه بطريقة بشعة. وبدلاً من أن يحصل يوسف على إجابات عن أسئلته، يجد نفسه قد سقط في لعبة شريرة لا تحمل له إلا الأسرار والمفاجآت والأهوال التي تفوق أسوأ كوابيسه، فيحارب بلا أمل وبلا هوادة، وليس بحثاً عن الحقيقة، بل نجاة بحياته!

          وتامر إبراهيم، روائي مصري شاب، من مواليد الكويت العام 1980، وبدأ في نشر أعماله منذ العام 2000، وبعد تخرّجه في كلية طب عين شمس العام 2003، تفرغ تماماً للكتابة لتصدر له سلاسل عدة مثل «أوراق مجهول» و«عالم آخر» و«ميجا» و«فيروس». كما اشترك في كتابة مسلسلات تلفزيونية وإذاعية عدة، وله ثلاثة أفلام قيد التنفيذ هي «على جثتي» و«سبع ليالي» و«شوكولاته بيضا».

          يذكر أن دار بلومزبري - مؤسسة قطر للنشر، تأسست في الدوحة العام 2008، وهي مملوكة لمؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع وتديرها دار بلومزبري البريطانية الشهيرة. وتسعى الدار إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، وهي: نشر الكتب والروايات القيّمة والمتميزة بكل من اللغتين العربية والإنجليزية للكبار والصغار، وتشجيع حب القراءة وتنمية مهارات الكتابة، وتطوير مهارات النشر والارتقاء بها في المجتمع القطري من خلال توفير التدريب المهني المتخصص بصفة دورية في قطر وفي مقر بلومزبري في المملكة المتحدة.

دبي: حسام فتحي أبوجبارة

  • حفل:
    ثلاثون عاماً على رحيل خليل حاوي

          للشعر العربي الحديث، أو لشعر التفعيلة، كما يُسمّى أحياناً، روّاده في كل بلد عربي. وكان الشاعر الراحل خليل حاوي أحد رواد هذا الشعر في لبنان، مثله مثل بدر شاكر السياب ونازك الملائكة في العراق وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي في مصر. وحول خليل حاوي أقامت دار نلسن ومجلة الحركة الشعرية حفلاً في «دار الندوة» في بيروت، وكانت المناسبة مرور ثلاثين عاماً على رحيل الشاعر الكبير الذي وضع حدّاً لحياته عقب غزو الإسرائيليين للبنان في العام 1982. وفي هذا الحفل تحدث باحثون ومثقفون، منهم طلاب قدامى للشاعر كان يلقي عليهم محاضرات في الأدب والنقد في الجامعتين اللبنانية والأمريكية، أجمعوا على الإشادة بخليل حاوي شاعراً كبيراً وأكاديمياً لامعاً، كان في الأثر الذي تركه واحداً من النخبة التي لم يكن الأدب عندها معزولاً عن الواقع، كما لم يكن معزولا أيضاً عن هموم الفكر والفلسفة والتنوير. وهذا ما يلمسه القارئ بوضوح عند قراءة أعماله الشعرية وفي طليعتها «الناي والريح»، و«البحّار والدرويش».

          أدار الندوة سليمان بختي الذي قال إن الحسّ المعماري في مهنة خليل حاوي الأولى (وهي أنه بدأ حياته يمارس مهنة البناء) طبع التيارات الرومانسية والرمزية في شعره المحمّل بالأصداء، والأبعاد الصراعية، كما أن في قصائده وحدة موضوعية فيها حسّ عالٍ بالمواجهة بين أمته وأعدائها، نازعاً إلى صورة البطل القومي ومازجاً الشعر بالفلسفة.

          وتحدث الدكتور ميشال جحا عن سيرة حاوي الذاتية والقومية في آنٍ، وعن بداياته في الحزب القومي السوري قبل أن يغادره فيما بعد إلى فكر آخر ومنحى آخر يتمثل في إيمانه بالانبعاث الحضاري العربي وفجيعته في زمانه الأخير بما وصلت إليه الأمة العربية، وكانت محطته الأخيرة العدوان الإسرائيلي على لبنان، وكان وضعه حدّاً لحياته بعد هذا العدوان بمنزلة احتجاج صارخ على التخاذل العام الذي وصلت إليه الأمة.

          أما محمود شريح فرأى أن خليل حاوي كان كانطياً يتحدث في شعره بالاستعارة. وكان يقول لتلامذته في العام 1979: «ليس أسهل من مخادعة الذات للذات». لم يرضخ حاوي لأحد، ولم يهادن ولم يساوم وكان يشاهد رفاق طريقه يقعون الواحد تلو الآخر في فخاخ الطائفية وسائر صور التخلف، في حين ظل هو فتى بريئاً متوتراً يمارس مهنة «المعمرجي» في الشعرية على الدوام.

          وأشار قيصر عفيف إلى أن انهيارات حاوي الشخصية في سنواته الأخيرة توازت وتفاعلت مع انهيار أمته. لذا التفت إلى الشعر ليجد فيه العزاء. كان يسعى إلى تحقيق معادلة الشعر والخلق،لأن الشاعر يبدع ويؤسس بشعره زمن اللغة.

          واستذكر كثيرون في الندوة التكريمية لذكرى الشاعر الكبير الراحل آراء حاوي النقدية والفلسفية وقد جُمع قسم منها في كتب مطبوعة، كما استعادوا سيرة شعرية مشرّفة كانت عبارة عن دعوة حارة لتجديد الروح العربية والحضارة العربية في آن. كان حاوي، برأي هؤلاء، ابناً باراً للعروبة الحضارية، التي طالما تغنّى بها ودعا إليها سواء في محاضراته الأكاديمية، أو في مقالاته التي كان ينشرها في المجلات الأدبية والثقافية، وقبل كل شيء في شعره الممتلئ بمضامين تحضّ على إحياء وانبعاث الأصالة والتجدّد في الأمة. وبذلك يختلف خليل حاوي عن شعراء ومثقفين كثيرين في تلك الفترة كانوا على صلة وثيقة بمنظمات ثقافية أو سياسية خارجية مشبوهة مثل «منطمة حرية الثقافة العالمية» وسواها من منظمات الاستخبارات الدولية التي كانت تصدر أو تموّل مجلات وحركات ثقافية في هذه المدينة العربية أو تلك.

          وفي النقد الأدبي بالذات بدا حاوي ناقداً له بوصلة سوية في النظرة إلى النقد والأدب، معتبراً أن للنقد وظيفة تتجاوز المتعارف عليه، فهي غير منكفئة عن الفلسفة والفكر الفلسفي أولاً وأخيراً. وقد ظل إلى النهاية منحازاً إلى قضايا أمته العربية، في حين تخاذل الكثيرون من المثقفين الذين كانت تجمعه بهم في زمن ما قبل الحرب روابط ثقافية ووطنية شتى، فإذا به يجد نفسه وحيداً مع مبادئه وقيمه، في حين تهاوى سواه في لجّة الأمراض والسلبيات التي تعاني منها مجتمعاتنا.

بيروت: جهاد فاضل 

 





ليلى العثمان مكرمة في مهرجان القرين الثقافي من معالي وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود





الفرقة الكورية





منارة صفوان الأيوبي





الفرقة الإسبانية





الفائزون بجائزة التشكيل





فرقة منير بشير





مسرح





د. عبدالغفار مكاوي





 





 





 





 





د. طه حسين





د. عبدالله التطاوي





 





 





 





الشاعر الراحل خليل حاوي