عزيزي العربي

حول «علاقة تيمورلنك بالفقهاء»

          ردًا على تعقيب الأستاذ علي المعموري في العدد (648) على مقالي عدد «العربي» 645 تحت عنوان: علاقة تيمورلنك بالفقهاء أقول:

          الشهيد الأول والملك علي بن المؤيد: هو محمد بن مكي الجزيني النباطي العاملي (734-786هـ) المعروف بالشهيد الأول، ويعتبر من كبار فقهاء الشيعة في عصره، ولايزال كتابه «اللمعة الدمشقية»، يدرس إلى اليوم في كل الحوزات الدينية الشيعية.

          وقد وضع الشهيد الأول كتابه اللمعة الدمشقية، بعد أن أرسل إليه ملك السربدارية في خراسان، علي بن المؤيد، وزيره الشيخ شمس الدين الآوي، وهو من كبار أعيان خراسان (أعيان الشيعة)، مع رسالة «مليئة بالإجلال والخضوع طالبًا إليه السفر إلى دولة خراسان». إلا أن الشهيد اعتذر عن تلبية طلب ابن المؤيد، وألف لهم كتاب «اللمعة الدمشقية» ليكون أساسًا في قضاء الدولة وحياتها «مقدمة اللمعة الدمشقية». وينقل أن الشهيد ألف كتابه هذا في سبعة أيام (من كتاب الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الثاني). ولا يعرف بالتحديد سبب رفض الشهيد دعوة ملك خراسان، إلا أن البعض ممن كتب في هذا المجال يعيد ذلك إلى تصوف الدولة السربدارية، وبالتالي مناهضتها للاجتهاد، ومن المعروف أن الشهيد الأول كان من دعاة النيابة العامة للفقيه، (فؤاد إبراهيم، الفقيه والدولة - الفكر السياسي الشيعي). وعلى الرغم من التحول الذي عرفته الدولة السربدارية على يد علي بن المؤيد باتجاه الفقهاء، إلا أنهم كانوا لايزالون بعيدين جدًا عن تقبّل نظرية النيابة العامة (أحمد الكاتب، تطور الفكر السياسي الشيعي)..

          وفي ذلك يقول السيد هاني فحص: «هناك دول شيعية حصلت في التاريخ وتجنب فقهاء الشيعة أن يمنحوها غطاء فقهيًا، وبذلوا لها النصح والإرشاد من بعيد، ومن دون أن يلبوا دعوتها إلى الانخراط فيها كالدولة السربدارية في خراسان.. وكان آخر ملوكها علي بن المؤيد الذي كتب إلى عالم الشيعة في بلاد الشام الشهيد الأول ليكون مرجع الدولة الديني، فرفض وأرسل إليهم كتابًا فقهيًا.. مفضلاً التحالف مع بيدمر والي الشام المملوكي في محاربة المتطرفين والغلاة الشيعة (راجع ثورة اليالوشي) ما يؤكد طريقتنا هي ترجيح الدعوة على السلطة من دون عداء للدولة ومع اشتراط العدل عليها» (جريدة السفير 4 سبتمبر 2012م).

          وبالتالي فإن علي بن المؤيد كان يرغب عبر مكاتبته واتصاله بالشهيد الأول، وحثه على القدوم إلى خراسان، تعزيز سلطته، مستندًا إلى مرجعية دينية، واستيعاب الفقيه ضمن إطار الدولة عبر تفويضه منصب الإفتاء، وكان يمكن للشهيد أن يلبي هذه الدعوة، صحيح أن وضعه لم يكن مستقرًا في دمشق حينها، إلا أنه نقل عنه أثناء تصنيفه لكتابه «اللمعة» قوله: كنت أخاف أن يدخل علي أحد منهم - يقصد علماء الجمهور - فيراه.

          وعلى كل حال فقد حقق ابن المؤيد غايته، فوضع الشهيد الأول كتابه ليكون دستورًا للدولة.

          (يمكن العودة إلى: فؤاد إبراهيم، الفقيه والدولة - مستدركات أعيان الشيعة - وجيه كوثراني، الفقيه والسلطان).

الدولة السربدارية:

          السربداريون هم من الأسرات التي حكمت الجزء الشمالي الشرقي من خراسان، ويعود أصل هذه الأسرة إلى العراق، ويعتقد أنهم من نسل شخص يدعى شهاب الدين الذي ينتسب إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب من جهة الأب، وإلى خالد البرمكي من جهة الأم، وقد حكمت هذه الأسرة خراسان نحو خمسة وثلاثين عامًا (فامبري، تاريخ بخارى). ومن المعروف أن هذه الأسرة رفعت راية التشيّع مقابل أهل السنة، واتخذوا من مدينة سبزوار عاصمة لهم، وأقاموا صلات وثيقة مع الدراويش الذين عرفوا بالولاء لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

          والجدير ذكره أن السلطان المغولي أبو سعيد بهادر خان، كان يحمي الدراويش والمتصوّفة ويمنع التعرض لهم. ومع اشتداد الاضطهاد تجاه الشيعة في هرات وخراسان من قبل سلاطين آل كرت: (من ملوك إيران الشرقية ويعتقد أنهم يعودون بالنسب إلى السلطان السلجوقي) تحول العديد من الشيعة إلى موالاة فرقة الدراويش والمتصوّفة، وقد تعرض أحد هؤلاء وهو الشيخ خليفة من مازندران إلى القتل (شنقا)، فانضم أتباعه إلى تلميذه الشيخ حسن الجوري الذي كان يحرّض على المغول. وظهرت فرقة الدراويش الجورية، وتعرض هؤلاء للاضطهاد من قبل ملك خراسان طغا تيمور خان، كما ثار فقهاء نيسابور وطوس، وتعقّبهم أرغون شاه حاكم نيسابور.

          وكان شخص يدعى أمين الدين بن عبدالرزاق (مؤسس السربدارية)، يعمل عند أبي سعيد خان، الذي بعثه إلى كرمان لجمع الأموال من تلك الولاية، إلا أن عبدالرزاق هذا بدد الأموال على مجونه، وخاف من ردة فعل السلطان، إلا أن خبر موت السلطان أفرحه، وانتقل إلى سبزوار فوجد أن إخوته قد قتلوا مبعوث وزير خراسان علاء الدين محمد الذي طلب منهم خمرا وامرأة، فعمد عندها عبدالرزاق إلى الاتفاق مع جماعة من الشبان وقالوا: «إذا كتب لنا الفلاح نكون قد دفعنا ظلم الظالمين، وإلا سنجد رقابنا على أعواد المشانق، فلم نعد نتحمل التعدي والظلم».

          فأطلق عليهم اسم «سربداران» أي المعلقة رؤوسهم على المشانق. وبدأ هؤلاء بنهب القوافل والأموال من الأشخاص الذين عرفوا بالظلم، وقوي شأنهم وازداد عددهم حتى هزموا وزير خراسان علاء الدين محمد وقتلوه سنة 738هـ فارضين سيطرتهم على مدينة سبزوار. (عباس إقبال، تاريخ المغول).

          ويذكر فؤاد إبراهيم في كتابه «الفقيه والدولة»، أنه ومع ضعف الدولة المغولية في إيران، ظهرت جماعات احتجاجية شعبية حملت أسماء مختلفة، حيث أطلق عليهم أهل العراق اسم «الشطار»، والمغرب «الصقورة» والعيارون، وما السربداريون إلا أحد هذه الأسماء، «وسموا بذلك لأن المغول حين دخلوا إيران كانوا يشنقونهم ويعلقونهم مجموعات على المشانق».(117).

          وبالتالي فإن ترداد جملة «وإلا سنجد رقابنا على أعواد المشانق»، من قبل هذه المجموعة، لم يكن عن طريق العبث، أو مجرد إطلاق شعار من دون خلفية، خصوصًا وأن الشيخ خليفة المازندراني نفسه وجد مشنوقا (كما أوردنا)، وهو ما دفع بتلميذه حسن الجوري إلى أن يجوب البلاد محرضًا على المغول (مع التذكير أن حكام المغول ورجالاتهم قد انتشر فيهم الفساد مع ضعف الدولة الإيلخانية) وهو ما مهّد السبيل أيضًا لاندلاع الثورة السربدارية التي تحالفت مع الشيخ حسن الجوري في عهد وجيه الدين مسعود الذي قتل أخاه عبدالرزاق (المؤسس الأول) لينطلقا معًا في بناء الدولة السربدارية.

د. طارق شمس
النبطية - لبنان

ابتسموا من فضلكم ابتسموا

          هي طريق القلوب وتأتي بمنزلة الرسالة ذات البياض الناصع، نعم قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) . الآية. وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (.. وتبسّمك في وجه أخيك صدقة) .

          الابتسامة سهلة ميسرة فليس علينا سوى الاتصاف والتحلي بها دومًا، ومن ثم نجني الثمرات العديدة لنا نحن المبتسمين وكذلك الفائدة تنعكس بنتائج طيبة ومثمرة حتى على كل من يرانا مبتسمين، نعم فالابتسامة أحد أقوى وأهم السبل التي من خلالها نحقق الأهداف السامية والغايات المنشودة، الابتسامة طريق معبّدة وميسّرة من أجل المضي قدمًا في اكتساب الآخرين واستجلاب ودّهم وحبهم وتقديرهم واحترامهم لنا!، تبقى الابتسامة أحد أبرز أسباب تحقيق النجاحات، نعم، فمثلاً الداعية كي ينجح في بذله للنصيحة وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، عليه أن يتحلى ويتصف دومًا بالابتسامة، وهو في أدائه لواجبه هذا، جميل جدًا أن يحرص على التحلي والاتصاف بالابتسامة. نعم لنسعد نحن ولنسعد معنا الآخرين! وفي رأيي فإن الابتسامة أقوى تأثيرًا وإيجابية من الهدية تسألونني كيف؟ حسنًا سأقول لكم: الهدية في الغالب أن مَن يقدمها تكون له أهداف دنيوية، بعكس الابتسامة التي هدف مَن يتحلى ويتصف بها هو: أن ينال الأجر من الله تعالى: نعم فالمبتسم دائمًا تجده يحظى برضا الناس وبحبهم وبتقديرهم له، وإليكم رأيي الآخر بشأن الابتسامة أنها بمنزلة تذكرة عبور وبطاقة مرور من أجل الوصول إلى قلوب الآخرين وبكل سهولة ويسر، وفائدة أخرى هي أن الابتسامة مفهومة لدى كل الشعوب والبلدان، على الرغم من اختلاف اللغات والعادات والأعراف والتقاليد: إلا أن الابتسامة تظل بمنزلة القاسم المشترك بين كل شعوب العالم فهي مفهومة ومتعارف عليها على الرغم من اختلاف اللغات والعادات والتقاليد.

          في رأيي أن الابتسامة هي أحد أقوى وسائل بث الطمأنينة والارتياح والتفاؤل بالأمل وزرع الثقة في نفوس الآخرين، ولهذا علينا الإكثار من التحلي والاتصاف بالابتسامة خصوصًا في الحالات الآتية:

          - لدى القيام بزيارة المرضى والمقعدين والمعاقين والفقراء والمحتاجين والمساكين والمحرومين والبؤساء.

          - لدى القيام بمهام بذل النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

          - حتى المدرب الرياضي والحكم الرياضي مطالبان بالتحلي وبالاتصاف بالابتسامة وذلك من أجل بث الاطمئنان والارتياح والتفاؤل والثقة في نفوس اللاعبين والحضور لمشاهدة اللقاءات الرياضية أيضًا!

          - الطبيب وخصوصًا في عيادته ولدى استقباله المرضى.

          - في محاولة إنهاء وفض الخلافات ومن أجل تجديد العلاقات بين أفراد المجتمع، فلابد من إبراز الابتسامة في تلك الحالات!

          - حتى في خضم التعاملات في حياتنا اليومية والعملية وفي كل مجالات حياتنا حري بنا أن نحرص على التحلي والاتصاف بالابتسامة: فالموظف مع زملائه ومراجعيه، والمدرس مع طلبته، والتاجر لدى استقباله عملاءه وزبائنه، والأب مع أولاده وزوجته وبناته، ولدى استقبال الضيوف في المنزل أو حتى في المناسبات.

          نعم، الابتسامة، جميلة وجميل من تحلى ومن اتصف بها: ابتسموا من فضلكم ابتسموا.

فضل بن فهد الفضل
القصيم - السعودية

الاستشراق والتجسس

          تهنئة من القلب لمجلة «العربي» ولرائدها الدكتور سليمان إبراهيم العسكري بمناسبة عامها الجديد، قرأت في عدد يناير 2013، دراسة حول دور موظفي وزارات الخارجية الأوربية في البلاد العربية، وجال في خاطري التعليق بهذه الأسطر: في تقديري أن التاريخ الاستعماري الأوربي في البلاد العربية يحفل بنماذج شبيهة بنموذج «باديا»، الجاسوس الذي أشارت إليه الدراسة، والذي سخر قدراته الذاتية والعلمية في سبيل إنجاح تمدد الإمبراطورية الإسبانية جنوبًا نحو أراضي المغرب العربي، وكذلك فعل أقرانه من جنسيات أوربية أخرى خلال فترة إرسالهم بمهام وصفات متعددة في بواكير المرحلة التي عُرفت فيما بعد بـ«الاحتلال الاستيطاني الأوربي»، والتي كان هدفها الأساس احتلال الأراضي الخاضعة للسلطنة العثمانية التي بدا عليها في ذلك الوقت الضعف.

          كان طابع هذه الإرساليات إنسانيًا في منطقة غاية في القدسية لمسيحيي ويهود أوربا والعالم، بما يضمن لوزارات الخارجية في تلك الدول رسم ملامح واضحة عن نمط العيش والتنظيمات الاجتماعية والسياسية في المنطقة العربية والشرق الأوسط منه بصورة خاصة، تمهيدًا للعب دور آخر في ظل ظروف أكثر ملاءمة مع طبيعة المرحلة التاريخية في ذلك الوقت، فتكررت نسخ «باديا» في عالمنا العربي، بصورة لم يسبق لها مثيل، تحت شعار الاستكشافات الجغرافية أو الإرساليات التبشيرية أو الإنسانية تارة أو استكشاف المواقع الآثارية تارة أخرى.

          المهم في الموضوع أن التقارير أو الملاحظات التي كان يدوّنها أولئك النفر من وكلاء السياسة الأوربية، كانت تعتبر بالإضافة إلى أهميتها السياسية، مراجع علمية لعدد كبير من دارسي التراث الشرقي، تم الاعتماد عليها كحقائق موضوعية في كثير من الدراسات الاستشراقية، مما أوقع تلك الدراسات في خطأ منهجي واضح بسبب اختلاف المنطلقات والأسس بين علم الاستشراق والأيديولوجيات الحاكمة للعمل السياسي الغربي، ففي الوقت الذي يفترض فيه أن تركز مدوّنات الجواسيس على بيان المعلومات التي يمكن الاستفادة منها في معرفة نوع السياسة المتخذة من قبل وزارات الخارجية الأوريبة، في التعاطي مع الأنظمة السياسية الحاكمة، وفي مقدمتها الإمبراطورية العثمانية، كان مفترضًا أيضًا أن تنتهج دراسات المستشرقين منهجا تهتم فيه بمخرجات الثقافة العربية الإسلامية وأثرها في تكوين الوعي الاجتماعي، إلا أن ذلك الاستقلال المفترض لم يحدث، فتم تسخير الوعي الاستعماري في بناء المنظومة المعرفية الأوربية للتراث الشرقي، فأصبحت تلك الدراسات مصدر تشويش بدل أن تكون طريقًا لمعرفة الآخر. وبمرور الوقت أصبح التركيز مشدودًا على الزاوية الاستعمارية في العمل الاستشراقي، فالمستشرق إما مأجور حقيقة أو «عضو شرف» في قائمة الدس والتلفيق، كنموذج «باديا» مثلا، حيث يشعر بضرورة الانتصار لدولته أو مصالح دينه أو قومه أو لأي شعار من الشعارات الأخرى، على أن الأجر المبذول للتبشير الاستعماري بالأصولية المسيحية، ليس بالقليل ولا الضئيل، بل هو مما يعد بملايين يسيل لها لعاب كثير من المفكرين وتشترى بها عقول عدد من الباحثين، ومن ثم لم تصلح كتب المستشرقين لإعطاء الباحث، أو حتى القارئ الأوربي العادي، صورة واضحة سليمة عن التاريخ الإسلامي، أو المجتمع العربي.

حسين جويد الكندي
باحث وأكاديمي - العراق