معرض العربي: جوزف مالورد وليم تيرنر «مطر وبخار وسرعة»

معرض العربي: جوزف مالورد وليم تيرنر «مطر وبخار وسرعة»

تيرنر رسّام بريطاني، تصنَّف أعماله عادةً تحت راية المدرسة الرومنطيقيّة التي ظهرت في القرن التاسع عشر، وقد أوردنا اسمه الطويل كاملًا في العنوان كي لا يلتبس مع اسم رسام آخر أقل شهرة ويدعى أيضًا وليم تيرنر كان معاصرًا له.

وُلد تيرنر عام 1775م، في كوفنت غاردن، لندن. وظهرت موهبته قبل أن يبلغ العقد الثاني من عمره. غير أن أعماله وهو فتى تبدو وكأنها أشبه بدراسات وتمارين على رسم الأبعاد الثلاثة. وبعد أن درس الرسم بتقطع في أماكن كثيرة في بريطانيا، سافر في العام 1802م إلى باريس ليدرس في متحف اللوفر، ويعتبر هذا التاريخ بداية حياته الفنية الاحترافيّة.

جال تيرنر كثيرًا في أوربا طولًا وعرضًا، وزار البندقية أكثر من مرة، كما زار الجزر البريطانية النائية بحثًا عن مشاهد طبيعيّة بحريّة وعاصفة. وتأثر لبعض الوقت برسّامي المناظر الطبيعية الهولنديين في القرن الأسبق. ولكن ذروة نضوجه واستقلاله الفني كانت في أربعينيّات القرن التاسع عشر. ومن أشهر أعماله آنذاك اللوحة التي نحن بصددها الآن وتحمل العنوان الطويل: «مطر وبخار وسرعة سكة الحديد الغربيّة الكبرى»، والتي تعود إلى العام 1844م.

خلال أسفاره، كان تيرنر يتذمر من متاعب التنقل وصعوبة المواصلات، وله كتابات في هذا الشأن. ولذا، ما أن سمع بالاختراع الجديد المسمى «سكة حديد وقطار»، حتى سارع إلى التوقف أمامه، ورسمه بلغة شكليّة مبتكرة وجديدة تمامًا.

أول ما نتوقف أمامه في هذه اللوحة، هو قلة العناصر التي تتألف منها: خطان داكنان وعريضان يمثلان سكة الحديد، وبقعة داكنة صغيرة تمثل القطار، وجسر فوق نهر إلى أقصى اليسار. ولكننا عندما نمعن التأمل جيدًا نلحظ أن سكة الحديد تمر بدورها فوق جسر، وبقربها (في وسط اللوحة تمامًا) ينتصب شبح شخص (يشبه الشيطان) يمتد من الأسفل حتى ما فوق سكة الحديد.

جماليًا، تبدو الألوان الزاهية التي ينصهر فيها كل شيء وكأنها إعلان من الرسام أن سمو الطبيعة لا يقتصر على المشاهد الطبيعية النقيّة، بل يمكنه أن يتجلّى أيضًا في حضور الصناعة الحديثة. ولكن الرسّام يحذر.. فالخطّان الداكنان بفعل الزيوت والشحوم الصادرة عن الآلة الجديدة، والدخان المنبعث منها، قد يشكلان تهديدًا لنقاء المحيط... أو ليس هذا ما يقوله وجود هذا الشبح الغامض في منتصف اللوحة؟

إن هذه النظرة إلى الطبيعة التي تجمع الاعتراف بإمكانية المواءمة بين جمالها التقليدي وما كان قد بدأ العالم يشهده آنذاك من صناعات حديثة، والقلق مما تحمله هذه الصناعات، هي أهم ما يميّز أعمال تيرنر وخاصة هذه اللوحة، عن أعمال الانطباعيين الفرنسيين الذين ظهروا بعد ذلك بثلاثة عقود، واقتصر اهتمامهم على تلاعب الضوء واللون في المكان الواحد.

فعلى الرغم من أن التقنية (استخدام الفرشاة واللون في هذه اللوحة) هي انطباعية، وربما أكثر نضوجًا مما ظهر لاحقًا عند مونيه مثلًا، تصنف أعمال تورنر الزيتيّة والمائيّة وحتى الطباعيّة (وهي كثيرة) كمقدمة للانطباعية، لأن تيرنر كان انطباعيًا ذا خطاب اجتماعي وتاريخي، خطاب متقدِّم جدًا على عصره.
------------------------
* ناقد تشكيلي من لبنان.

 

عبود طلعت عطية*