وليم هوغارث.. «فرنسيس شولتز في سريره»

قليلة جدًا في اللوحات الزيتية التي يتمحور موضوعها الرئيسي بشكل واضح حول موعظة أخلاقية معنية. وإن كنا نعرف الكثير من هذه المواضيع في الرسوم واللوحات الحفرية المعدّة للطباعة. ويعتبر الرسام الإنجليزي وليم هوغارث (1697-1764)، رائدًا في تسخير تقنية الرسم بالألوان الزيتيّة، لإلقاء موعظة كان يمكن إلقاؤها برسم بسيط بالحبر الأسود مثلًا، كما هي الحال في صورة «فرنسيس ماثيو شولتز في سريره».

إن ردة الفعل الأولى عند كل من يتطلع إلى هذه اللوحة، هي حكمًا ابتسامة استغراب. فأي جمال يكمن في صورة رجل مستلقٍ في سريره يتقيأ في وعاء وقد استند رأسه إلى كفه وكأنه مصاب بصداع؟ وعندما نمعن التطلع إلى التقنية والجوانب الفنية نجد أنفسنا أمام موهبة ناضجة، ولكن لا عبقرية استثنائية في نبوغها الفني.

فالتركيب العام متوازن بفعل الستائر الثلاث المتدلية من السقف. وأن يتوسط بياض ملابس الرجل وغطاء السرير اللوحة الداكنة نسبيًا ليس ابتكارًا غير مسبوق، والتناغم اللوني ما بين كل هذه العناصر هو تحصيل ما حصل عند كل كبار الرسامين. فأين تكمن أهمية هذه اللوحة إذن؟ هنا، علينا أن نعود إلى شخصية هوغارث وسيرته الفنية.

فقد درس هوغارث في بداية مشواره الفني الحفر للطباعة. وأكثر ما استهواه من مواضيع، كان السافر منها في إطار النقد الاجتماعي والوعظ الأخلاقي. وتماشيًا مع الفلسفة البروتستانتية التي كانت في أوج سيطرتها على الحياة اليومية في إنجلترا آنذاك، قرر أن يستأنف خطابه الاجتماعي بلغة الألوان الزيتية.

فرسم في العام 1731، مجموعة لوحات تحت اسم «مواضيع أخلاقية حديثة»، ودائمًا في إطار ساخر، كون السخرية جزءًا من طباعه الشخصية.

إن الغرابة في رؤية هذه اللوحة تزداد عندما نعلم أن شولتز هذا كان شخصًا مرموقًا ويمت بصلة قربى إلى أمير ويلز، وأن هذه الصورة الشخصية هي على طرف نقيض من الصور الشخصية التجميلية التي سبق لرسامين من أمثال فان ديك أن أنجزوها لحساب الأرستقراطية الإنجليزية.

ولكن استغرابنا يتبدد عندما نعلم أن زوجة شولتز هي التي أوصت الرسام على هذه اللوحة، وأنها أرادتها أن تكون درسًا في وجوب الاعتدال وضد الإسراف (في تناول الطعام والشراب طبعًا). ويقال إن أحد أحفاد شولتز لم يرقه منظر جده يتقيأ، فطلب إلى أحد الرسامين أن يعدّل اللوحة، بحيث يبدو الرجل وكأنه يقرأ. ولكن هذا التعديل أزيل لاحقًا. المهم هو أن هوغارث شق الطريق بفنه هذا أمام العديد من الفنانين الساخرين الذين ظهروا لاحقًا خلال القرن التاسع عشر، مثل الفرنسي هونوريه دومييه، وصولًا إلى تأثيره حتى يومنا هذا على رسامي الكاريكاتير والفن الساخر أينما كان في العالم.
-------------------
* ناقد تشكيلي من لبنان.

 

 

وليم هوغارث: «فرنسيس شولتز في سريره»، زيت على قماش، (1755- 1760م)، (63 × 75 سم)، متحف نورويتش كاستل، المملكة المتحدة