ثقافة إلكترونية: سينما الإنترنت.. سينما المستقبل؟

أصبح من الشائع اليوم أن يشاهد ملايين المستخدمين لأجهزة الهواتف المحمولة بتطبيقاتها الجديدة على أجهزة مثل «آيفون» وأجهزة أنظمة «اندرويد» وحتى على الآيباد مشاهد من افلام سينمائية، أو فيلمًا قصيرًا، أو مقاطع من أفلام أو عروض فنية مصورة على أجهزتهم المحمولة، وهي الموجة الثانية من تقنيات استخدام شبكة الإنترنت بكل محتوياتها المدونة والمصورة من أجهزة الحواسب الآلية والمحمولة إلى وسائل عرض جديدة ممثلة في الهواتف أو الآيباد. وسينما الإنترنت في الحقيقة مصطلح جديد يوحي بأنه يخص هذا المجال، لكن ما نود أن نسلط عليه الضوء هنا ليس مجال تلقي الأفلام السينمائية على الأجهزة الجديدة، بل مجال صناعة السينما نفسه. فهل تصلح مثل هذه الوسائط الجديدة في صناعة أفلام سينمائية أو رقمية بالفعل؟

في العام الماضي أعلن ما يعرف باسم «مهرجان سينما الموبايل»، وهو أول مهرجان من نوعه، عن تنظيم مسابقة لاستقبال أفلام قصيرة مصورة بواسطة أجهزة الهاتف المحمول، بشروط فنية دقيقة جدا، وهو ما فتح الباب للسؤال عن مدى تحقيق هذا النوع من الأفلام الشروط الفنية التي يمكن أن تجعلها خاضعة للتصنيف كأفلام سينمائية.

مهرجان سينما الموبايل

هذا المهرجان نظمته الشركة العربية للإنتاج والتوزيع السينمائي في مصر، بالتعاون مع شركة Qualcommتشجيعاً للمواهب الشابة في تقديم رؤيتهم للعالم .. ودعماً لتلك التقنية الجديدة كإحدى وسائل التعبير التي فرضت نفسها في الساحة على مستوى العالم كي تنال نفس المساحة في مصر.

ولكن الجهة المنظمة للمهرجان أوضحت بداية أن هذا النوع من الأفلام لا يمكن أن يكون بديلاً للسينما، ولكنه يمكن أن يكون حافزًا للسينمائيين الشباب من الذين تواجههم صعوبات مادية لتمويل أفلامهم في اختبار مواهبهم وقدراتهم الفنية.

وأوضحت إدارة المهرجان الفلسفة العامة لفكرته بالقول: «ندرك أن الأفلام المصورة على التليفون المحمول ليست - ولن تكون – بديلاً عن السينما، ولكن لا جدال أنها تشكل بوابة هائلة للشباب محبي الفنون البصرية لتقديم أفلامهم، وليتجاوزوا عائق الإمكانات سواء في التصوير أو الصناعة أو حتى في البث من أي مكان في العالم. ففي ماضٍ ليس ببعيد كانت فكرة أنك تستطيع ان تفعل كل هذا بجهاز تليفونك المحمول وأنك تستطيع ان تصنع فيلمك في الشارع، في المنزل، في القطار وأن تبثه للعالم من أي من تلك الأماكن في ذات اللحظة حلماً بعيد المنال لمحبي السينما ولكنه اليوم في متناول أيديهم».

والحقيقة أن هذه الفكرة الجديدة قد تبدو صعبة العرض على شاشات العرض التقليدية في قاعات السينما، خصوصا أن الحد الأقصى المسموح به كزمن عرض لأي فيلم هو 20 دقيقة، وبدون حد أدنى. لكن من المزايا المهمة لهذه التقنية الجديدة هي قدرة أجهزة المحمول التي تتضمن وسائط تصوير رقمية أنها يمكن أن تصور في أماكن قد يكون من الصعب على آلات التصوير العادية الوصول إليها.

بالإضافة إلى أن هذه التقنية بطبيعة الحال يمكنها أن تتجاوز مشكلات التمويل والتكلفة التي تتطلبها الأفلام التقليدية.

في المقابل بالتأكيد هناك صعوبات قد تواجه من يقومون بهذه التجربة، خصوصا أنها في حد ذاتها تجربة تخضع لخصوصية مختلفة عن التصوير التقليدي، لذلك قامت إدارة المهرجان بدعوة العديد من صناع السينما للمشاركة في ورش صناعة الأفلام التى ينظمها المهرجان، حيث سجلوا فيديوهات مختصرة بها نصائح للمخرجين الشباب والمهتمين بالسينما، ومنهم الفنان خالد أبو النجا والمنتج محمد حفظي والمخرج الشاب عمرو سلامة والمونتيرة مني ربيع، وتستمر تلك الورش طوال فترة مهرجان أفلام المحمول، ويتم توجيهها للمشاركين فى المهرجان من صناع الأفلام أو الهواة لمساعدتهم على معرفة كواليس صناعة الفيلم.

ويمكن لمن يريد أن يتعرف على تفاصيل هذا المهرجان كاملة أن يطالع الرابط الخاص بالمهرجان:

www.cinemobilefilm.com

مسيرة افتراضية فنية

ولا شك أن مثل هذه الخطوة الفنية الجديدة تأتي استكمالا للعديد من الظواهر الافتراضية التي تحققت عبر شبكة الإنترنت خلال السنوات العشر الماضية، والتي بدأت بالمدونات الإلكترونية التي تحولت لاحقا إما إلى شكل من أشكال التدوين الأدبي، أو أصبحت بمنزلة وسيلة للصحافة الشخصية حيث ساعد المدونون في توثيق العديد من الظواهر السياسية والاجتماعية وبثوها على مدوناتهم ولاحقا استخدمتها وسائل الإعلام، لعل أبرزها اللقطات المصورة لكثير من حالات التعذيب التي واجهها المعتقلون في أقسام الشرطة المصرية في عهد مبارك والتي أسهم بثها في تكوين رأي عام عالمي ضد الأجواء التعسفية والأجواء البوليسية ومظاهر عدم احترام حقوق الإنسان في مصر ما أسفر عنه غضب شعبي كبير ظهر في صورة انتفاضة كبيرة أسقطت رأس النظام ممثلا في شخص الرئيس الأسبق حسني مبارك. وبسبب الشعبية الكبيرة لشبكات التواصل الاجتماعية الجديدة وخصوصا الفيس بوك وتويتر كما أصبح معروفا للجميع اليوم، فإن انتشار هذه الوسائط الجديدة قد اتخذ شكلاً غير مسبوق.

كما أن واحدًا من أكثر البرامج الجماهيرية نجاحًا في مصر اليوم هو برنامج «البرنامج» الذي يقدمه الطبيب المصري باسم يوسف الذي يقدم من خلاله نقدًا ساخرًا من أداء الحكومات المصرية وأداء جماعة الإخوان المسلمين. وكان قد بدأ نشاطه عبر تصوير حلقات منتجة بشكل خاص للبث على الإنترنت، ومع النجاح المدوي لهذا البرنامج الافتراضي، تعاقدت معه عدد من الفضائيات المصرية لتقديم برامجه على شاشاتها.

وهذا البرنامج على نحو خاص، وغيره مما ظهر في بدايات الثورة المصرية أثبت أن مثل هذه البرامج الافتراضية يمكن أن يكون لها تأثير ضخم جدا رغم إنتاجها بإمكانات متوسطة أو فقيرة، ولهذا لاتزال هناك إلى اليوم، وعلى اليوتيوب مئات البرامج الشبيهة التي يقوم أصحاب المواهب المختلفة بتصويرها بإمكانات بسيطة وبثها على الشبكة، وهي لقطات مصورة بعضها يأخذ شكلاً احترافيًا باختيار نص محدد ومعد سلفا ويتم تصويره من خلال أداء تمثيلي محترف ويمكن أن يتعرض لعملية المونتاج، والبعض يأخذ شكلاً بسيطًا قد لا يتجاوز مجرد بث رسالة سياسية أو اجتماعية أو خلاف ذلك.

لذلك فإن القائمين على مهرجان سينما الموبايل كانوا منتبهين إلى كل هذه الظواهر حين أوضحوا في دعوتهم لهذا المهرجان أن: «كل من يتابع الفنون البصرية خلال السنوات القليلة الماضية يستطيع أن يدرك بوضوح أن تلك الفنون لم تعد حكراً على من يمتلك إمكانات مادية ضخمة، إذ ساهمت التقنيات الرقمية في منح كل من يرغب في صناعة فيلم او في إنتاج أي عمل مصور ان يصنعه بتكاليف قليلة، وساهمت ثورة الإنترنت في خلق وسيط جديد ينقل هذا العمل للعالم أجمع في دقائق. فمثلما يستطيع المدون ان يكتب مقالاً او قصة قصيرة أو رواية تنتقل للعالم عبر الإنترنت بلا حدود أصبح الراوي البصري باختلاف تصنيفاته، مخرجاً روائياً كان أو تسجيلياً او حتى مصوراً لتقارير معلوماتية أو إخبارية، قادراً على تصوير حدث أو فيلم صغير باستخدام هاتفه المحمول، بل وأحياناً كذلك القيام بعمليات مونتاجه وإضافة الموسيقى له وتحميله على صفحات الإنترنت من تليفونه المحمول مباشرة من أي مكان في العالم».

مهرجان فيلمي الفرنسي

في فرنسا أيضا نظمت تظاهرة شبيهة لكنها خاصة بالإنترنت من خلال مهرجان «فيلمي الفرنسي» على الإنترنت الذي تنظمه «هيئة النهوض بالسينما الفرنسية» في العالم (يونيفرانس) وأقيم في الفترة بين 17 يناير و17 فبراير، في نسخته الثالثة، وقدم خلالها هذا العام 10 أفلام روائية طويلة و10 أخرى قصيرة.

وقد تشكلت لجنة التحكيم المكلفة بمنح جوائز المهرجان للأفلام الفائزة لهذه الدورة الأخيرة، من ثلاث فئات من الجماهير أو بالأحرى المحكمين الفئة الأولى: تضم عددا من المخرجين اللامعين ويرأسهم ميشيل هزانافيسيوس (الحاصل على جائزة الأوسكار لأفضل مخرج عن فيلمه «الفنان»)، أما الفئة الثانية: فتتكون من مجموعة من الصحفيين من وسائل الإعلام الدولية، والفئة الثالثة من المحكمين هم: مرتادو شبكات التواصل الاجتماعي ورواد شبكة الإنترنت الآخرون القادرون على التصويت لفيلمهم المفضل عبر هذا الرابط.

http://www.myfrenchfilmfestival.com

لكن هذه التظاهرة تهتم في المقام الأول بالترويج للأفلام الفرنسية، وتوسيع أفق مشاهدة هذه الأفلام باستخدام وسيط الشبكة العالمية للمعلومات الإنترنت. خصوصا أن الموقع الخاص بهذا المهرجان يتم ترجمته إلى العديد من اللغات الأخرى غير الفرنسية، إذ يكون بمقدور كل مستخدمي الإنترنت في العالم بأسره مشاهدة المهرجان بفضل الترجمة المتاحة في 12 لغة: من بينها الإنجليزية والألمانية والعربية والإسبانية والصينية.

لكن الفضل، في الحقيقة، لتوسيع رقعة مشاهدة الأفلام المصورة على الإنترنت يعود بلا شك لموقع يوتيوب الشهير www.youtube.com، الذي يقدم عددا لا نهائيا من المواد المتلفزة والمصورة من كل أرجاء العالم وبينها اللقطات المصورة من قبل المستخدمين والعاديين والهواة التي يتم رفعها على هذا الموقع.

مهرجانك السينمائي على يوتيوب

وهناك أيضا مهرجان سينما إنترنت مهم على الموقع يعرف باسم «مهرجانك السينمائي» أو Your Film Festival، وهو مهرجان سينمائي افتراضي، يقام على الموقع يوتيوب الذي يقوم برعايته بالتعاون مع الخطوط الجوية الإماراتية، هو مهرجان السينما الوحيد في العالم الذي يصنع الجمهور العادي أفلامه ويشاهدها ويقيمها. ويقدم الموقع الدعوة للمهتمين إلى التقدم بأفلامهم القصيرة للحصول على فرصة الفوز بجائزة قيمتها نصف مليون دولار لاستخدامها في إنشاء محتوى أصلي على اليوتيوب بمساعدة السير ريدلي سكوت ومايكل فاسبندر وفريق سكوت فري برودكشنز العالمي. وقد بلغ حجم الأعمال المقدمة لهذا المهرجان ما يزيد على 15000 عمل. قام المتخصصون في صناعة السينما لدى مؤسسة سكوت فري باختيار 50 فيلماً فقط من بينها، اعتبرت هي الأفضل من وجهة نظرهم وتم عرضها للتصويت عليها من قبل الجمهور العام. وقام طيران الإمارات بالتكفل بمصاريف انتقال المرشحين العشرة للنهائي، الذين تم اختيارهم من قبل مشاهدي يوتيوب، إلى فينيسيا حيث حضروا تصفية خاصة بـ«مهرجانك السينمائي» على هامش أقدم مهرجانات السينما في العالم.

سكوت فري

تأسست سكوت فري برودكشنز في 1995، وهي شركة الإنتاج السينمائي والتلفزيوني للمخرجيْن السينمائيين المشهورين الأخوين ريدلي وتوني سكوت. وطرحت سكوت فري فيلمز أخيراً فيلمي Robin HoodوUnstoppableبالإضافة إلى الأفلام التي نالت استحسان النقاد CracksوWelcome to the RileysوCyrusلصالح فوكس سيرشلايت وحديثاً جداً الفيلم المدعوم من يوتيوب Life in a Day. الفيلم التالي لسكوت فري هو الملحمة الخيالية Prometheusللمخرج ريدلي سكوت وبطولة نومي رابيس ومايكل فاسبيندر وتشارليز ثيرون الذي عرضته فوكس في يونيو 2012، وفيلم The Greyللمخرج جو كارناهان وبطولة ليام نيسون الذي عرضته في يناير 2012. كما انتهت هذه الشركة تواً من إنتاج فيلم Stokerوهو الظهور الأول باللغة الإنجليزية للمخرج بارك شان ووك (مخرج Old Boy) لفوكس سيرشلايت وبطولة نيكول كيدمان وميا واسيكواسكا وماثيو جود، وتعمل حالياً على إنتاج فيلم (The East) مع المخرج زال باتمانجليتش وبطولة بريت مارلنج وألكسندر سكارسجارد وإيلين بيج، أيضاً لصالح فوكس سيرشلايت.

وتنتج سكوت فري تليفيجن الدراما التلفزيونية The Good Wife، التي رُشحت لجائزة إيمي وجائزة جولدن جلوب والفائزة بجائزة بيبودي، لشبكة سي بي إس، وهي الآن في عامها الثالث. والعمل القادم هذا العام هو دراما مدتها 8 ساعات مقتبسة من رواية World Without Endالأكثر مبيعاً دولياً للمؤلف كين فوليت، بطولة سينثيا نيكسون وبن تشابلن وميراندا ريتشاردسون، بالإضافة إلى Coma، وهي دراما مدتها 4 ساعات مقتبسة من رواية المؤلف روبين كوك وبطولة جينا ديفيس وجيمس وودز وريتشارد درايفوس وإيلين بريستين والتي بثت في يوم الشهداء 2012 على شبكة أيه أند إي التلفزيونية، كما أنتجت سكوت فري المسلسل القصير الذي رُشح لجائزة إيمي وجائزة جولدن جلوب The Pillars of the Earthلقناة ستارز، والدراما الناجحة Numbersالتي استمرت 6 مواسم على شاشة سي بي إس. وتعمل سكوت فري، بمكتبيها في لوس أنجلوس ولندن، بشكل وثيق مع شركة آر إس أيه فيلمز، وهي واحدة من أكبر وأنجح دُور الإنتاج التجاري في العالم. من جهة أخرى تمنح يوتيوب فرصة إقامة مواقع خاصة بمخرجين للأفلام القصيرة التي تبث على الإنترنت لعدد من المخرجين الموهوبين في الإخراج السينمائي القصير، وهناك عدد كبير من هذه المواقع من بينها مثلا موقع خاص لقناة خاصة بالمخرج الأمريكي ذي الأصول الآسيوية (فريدي وونغ)الذي يختص بتصوير أفلام الآكشن ويقدمها في قالب كوميدي. وهذا هو عنوان الموقع الإلكتروني لأفلام هذا المخرج :

http://www.youtube.com/user/freddiew

وهناك عدد آخر من المواقع منها ما يخص مخرجين عربًا مثل المخرج السعودي بدر الحمد:

http://www.youtube.com/user/CreativeCinema

إضافة إلى موقع لمخرج أمريكي شاب هو بونشر الذي يقدم افلاما مميزة على موقعه الخاص على يوتيوب

http://www.youtube.com/user/pwnisher

إن سينما الإنترنت في الحقيقة تفتح آفاقًا جديدة جدا في عالم الإنترنت عبر اكتشاف مواهب جديدة من جهة، وإبراز طاقات فنية يمكنها التغلب على العديد من المعوقات الخاصة بالكلفة. وتسهم في المزيد من انتشار الفن السابع في العالم كوسيلة تأثير فنية وثقافية بالغة القوة في عالم لايزال يحتاج الى المزيد من الثقافة والفنون.

إمكانيات إضافية تجعل الهاتف المحمول أشبه بآلة عرض سينمائي

موقع يوتيوب أصبح رائداً في تشجيع تقنيات السينما الافتراضية

الهواتف المحمولة تدخل عالم السينما.. فهل تنجح؟

سينما الإنترنت.. سينما المستقبل؟


أفكار جديدة ومختلفة تتيحها تقنيات عرض الهواتف المحمولة