من المكتبة العربية: المعلقات وعيون العصور

من المكتبة العربية: المعلقات وعيون العصور

عرض: محمد سيف الإسلام بوفلاقة*

أهدى الباحث الكويتي الدكتور سليمان الشطي المكتبة العربية مجموعة متميزة من المؤلفات الإبداعية والنقدية، ومن دراساته النقدية نذكر: «الرمز والرمزية في أدب نجيب محفوظ»، «مدخل: القصة القصيرة في الكويت»، «ثلاث قراءات في نقدنا القديم» «الشعر في الكويت»، «المسرح في الكويت».

ومن إسهاماته الإبداعية: «الصوت الخافت، «رجال من الرف العالي»، «أنا الآخر». ويعد الدكتور سليمان الشطي من أبرز الذين أرسوا دعائم النهضة الفكرية، والعلمية في الكويت، كما أسهم في إثراء العديد من المؤسسات الثقافية الكويتية، مثل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ورابطة أدباء الكويت، ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، والمعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، وغيرها من الهيئات الثقافية والعلمية.

وفي كتابه الأخير، الموسوم بـ «المعلقات وعيون العصور»، والصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت سنة2011م، يقدم لنا دراسة شائقة عن المعلقات الجاهلية، حيث يسعى إلى إبراز مجموعة من الرؤى، والدراسات التي قُدمت عن المعلقات عبر العصور، وكما يصف الدكتور سليمان الشطي دراسته فهي «دراسة للدراسات، ونظرة في النظرات للشعر الجاهلي، المعلقات نموذجاً ومجالاً».

ويشير إلى أن دراسته سعت جاهدة إلى الوقوف مطولاً مع شرح القدماء للقصائد السبع، حيث يرى أن جهودهم مساهمة ثمينة، ومهمة، وأساسية للفهم والتحليل، بيد أنها لم تحظ باهتمام كبير، وعناية فائقة بسبب ما يتبادر إلى العقول من أن جهودهم تنضوي تحت لواء نمط واحد محدود القيمة النقدية.

في البدء كانت الشروح

في الفصل الأول من الكتاب، وتحت عنوان «في البدء كانت الشروح»، تطرق إلى شروح القدماء للمعلقات، حيث يذكر أن أقدم نص مشروح هو تلك النسخة الفريدة من شرح أبي سعيد، وأبي جابر، ويرجح الدكتور سليمان الشطي أن هذا الشرح يعود في أصله إلى أبي سعيد الضرير أحمد بن خالد الضرير، وهو أحد ثلاثة اصطحبهم عبدالله بن طاهر حين ولاه المأمون خراسان، وقد كان مؤدباً لأولاده، ويقوم على خزانة الأدب له، وقد أهملت الكثير من المصادر شرحه للمعلقات، ولم يرد ذكره، وذلك يعود إلى أن شرحه لم يكن شرحاً مستقلاً، ونصاً من تأليفه بقدر ما أنه فصل من فصول أماليه، وبخصوص منهج شرحه - وكما يرى المؤلف - فهو لا يخرج عن الخط العام الذي نهجه الشراح العرب من بعده من حيث إثبات المعنى العام مع الإعراب، واللغة، والأحداث التاريخية، وتميزت نسخته بالتوازن، والاختصار في المعلومات، وعدم الميل إلى الإسراف في بسط آراء الآخرين، وهذا ما جعل من شرحه مساهمة ثمينة من مساهمات القرن الثالث.

ولم تكن هذه المساهمة الوحيدة في ذلك القرن، حيث ذكرت المصادر لابن السكيت (توفي حوالي244هـ) شرحاً للقصائد السبع، أما آخر شراح القرن الثالث فهو ابن كيسان (ت:299هـ).

وتميز القرن الرابع بظهور الكثير من الشروح، نظراً لتوافر صورة واضحة للشعر الموثق الذي يسره الرواة، والعلماء، وصناع الدواوين، والمجموعات الشعرية.

وبالنسبة لجهود رجال القرن العشرين، يشير المؤلف إلى أن حصرها صعب نظراً لكثرة ما قيل، وكُتب عن هذه القصائد السبع، وفي هذا العصر تغيرت طبيعة النظرة للشرح والتفسير، غير أن أصحاب الاتجاه الإحيائي للتراث العربي ساروا على النهج القديم، واهتموا بهذه القصائد، وشرحها اختياراً، وتقريباً، وتسهيلاً عن الشروح القديمة، وفي هذا الشأن ينبه المؤلف إلى شرح محمد بدر الدين أبي فراس النعساني الموسوم «نهاية الأرب من شرح معلقات العرب»، وكذلك شرح الشنقيطي الذي أسماه«شرح المعلقات العشر وأخبار شعرائها»، وكتاب «رجال المعلقات العشر» للشيخ مصطفى الغلاييني، وكذا محاولة طلال حرب في كتابه «الوافي بالمعلقات»، وفي ختام رحلته التاريخية توقف وقفة متأملة مع جهد الناقد الجزائري الدكتور عبد الملك مرتاض في كتابه: «المعلقات: مقاربة سيمائية/أنثروبولوجية لنصوصها»، حيث رأى أن دراسته جاءت متوازنة في الطرح، وانطلقت حاملة في ثناياها رؤية مستندة إلى معطيات تراثية صالحة، وثقافة حديثة ثرية.

نظرات تعليمية

في الفصل الثاني من الكتاب صنف الدكتور سليمان الشطي الشروح التعليمية للشعر الجاهلي إلى ثلاثة مناهج رئيسة:

أ - المنهج التعليمي الفني.
ب - المنهج التعليمي اللغوي.
ج - المنهج التعليمي التلفيقي.

ويذهب إلى أن هذه الفروق لا تمثل مناهج ذات رؤية محددة المعالم تقف خلفها فلسفة تعليمية أو نقدية، فهي أبسط من ذلك بكثير، وهي لا تتعدى أن تكون اجتهادات فردية، وفوارق بين شارح وآخر، كما لاحظ أن أصحاب هذه الشروح، ولاسيما منهم أصحاب الاتجاه التعليمي اللغوي، والمنهج التلفيقي يجمع بينهم الاعتماد على الأصول نفسها، ويختلفون من حيث أن أصحاب الاتجاه اللغوي التعليمي أكثر حرية، واجتهاداً فهم يعتمدون على من سبقهم من العلماء، ويعتنون أيما عناية بالاختيار، كما لا يتحرجون من الحذف، وإعادة الصياغة، فيمر الشرح بعملية تصفية كاملة.

في حين أن أصحاب الاتجاه التعليمي التلفيقي يقتصرون على اختيار الشروح التي تخدم غرضهم، ويقومون باختصارها، والتوفيق بينها مع الخضوع التام للمراجع المعتمدة، ووفق ما يرى المؤلف فمن الصعب اعتبارها بمنزلة تأليف، بل إنها في أحسن الأحوال مختارات من شروح سابقة.

أما أصحاب الاتجاه الفني فما يميزهم أنهم أقرب إلى غاية التعليم الفنية، حيث إن النص عندهم هو الأصل الذي يدور حوله الكلام، إذ يسعون إلى توضيح أهم ما فيه بأقرب، وأدق أسلوب، كما يقومون بتجلية أبعاده التاريخية من دون إسراف، فالتوازن سمة من سمات هذا النوع من الشروح التعليمية، فيتجلى الشرح وسيلة مناسبة للفهم، ويقوم بدوره في حالة معقولة، ومقبولة.

بين يدي الثقافة اللغوية

خصص المؤلف الفصل الثالث من الكتاب لدراسة نص المعلقات بين يدي الثقافة اللغوية، ولاريب في أن نظرة أصحاب الثقافة اللغوية للمعلقات جديرة بالبحث، والتنقيب، وهذا ما جعل الدكتور سليمان الشطي يميط عنها اللثام، ويتوقف معها ملياً، إذ أن الشروح العربية القديمة للشعر اعتمدت أساساً على الفهم اللغوي للنص، الذي تظهر أبسط صوره في شرح المفردات وصولاً إلى المستويات العميقة كما تجلى الأمر في نظرية النظم لعبدالقاهر الجرجاني.

يذكر المؤلف أن منهج اللغة بمعناه الاصطلاحي، وعلومه، وفهم قوانين اللغة، وتراكيبها، وصلتها بالأداء الفني هو الأساس الذي قام عليه«شرح ابن كيسان»، و«شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات» لابن الأنباري، و«شرح القصائد التسع المشهورات» لابن النحاس.

ويؤكد الدكتور سليمان الشطي أن «هذه الشروح الثلاثة تتبع أسلوباً واحداً في تناول النص مع تميز كل واحد منها بخصائص لصيقة به. ويمثل ابن كيسان المقدمة الطبيعية للشرحين الآخرين، فقد جمع في شرحه خصائصهما في صورة أولية، لتتضح بعد ذلك فيها أحسن تمثيل، بينما تتقارب شخصية ابن الأنباري، وابن النحاس، فكلاهما له اهتمام واضح بالعلوم اللغوية تدريساً وتأليفاً، وكلاهما ارتبط بمدرسة ذات اتجاه لغوي متميز معروف، فابن الأنباري اسم بارز حين تعد أسماء رجال المدرسة الكوفية، ومال ابن النحاس إلى المدرسة البصرية، هذا مع وجود مرونة واضحة عند الاثنين في تناول القضايا اللغوية»، ص:124.

أما ابن الأنباري فهو يختلف معه في طريقة التناول، ويشاركه في عموم الجزئيات، ويتميز عنه كونه أكثر حرصاً على التوازن بين تلك المعارف كلها، إذ يستوي الفهم اللغوي عنده فهماً شاملاً لكل ما يحيط بالكلمة الشعرية، كما أنه يفصل تفصيلاً واضحاً في تقديم كل تلك المعارف، فيقدم الكلمة الشعرية في إطار وسطها اللغوي، والفني، والتاريخي، والاجتماعي، والسياسي، مما يجعل الصورة مكتملة أمام القارئ على الرغم من أن النظرة اللغوية تستهويه أحياناً، إلا أنه لا يفقد نظرته المتسعة للنص، فابن الأنباري كان ممثلاً للمنهج اللغوي العام، بينما يمثل ابن النحاس المنهج اللغوي الخاص.

الزوزني: نظرات فنية

تحت عنوان: «الزوزني: نظرات فنية» ناقش المؤلف في الفصل الرابع من الكتاب باستفاضة، وعمق نظرات الزوزني، وجهوده الفنية المتميزة في دراسة المعلقات، فهذا الفصل كما يقول المؤلف عنه هو دراسة للنظرة الفنية في شرح القصائد السبع عند القدماء من خلال كتاب «شرح القصائد السبع» للقاضي أبي عبدالله الحسين بن أحمد الزوزني.

وينبه المؤلف إلى أن القول إنها فنية لا يعني أنها خرجت عن إطار الفهم اللغوي، فالزوزني لم يكن بعيداً عن هذا الفهم، ولم يكن عصره، أو ثقافته، أو شخصه يسمح له بتجاوز الفهم اللغوي، وما يقصده الدكتور الشطي بالنظرة الفنية هي تلك التي تنظر إلى النص الشعري على أنه فن، وأن شرحه هو الأساس الأول، في حين أن العلوم الأخرى معينة، ومساعدة، حيث ينصرف الشارح إلى بيان القصيدة مستخدماً شتى الوسائل، وبذلك تتوازن المعارف كلها في سبيل تقديم النص الشعري للقارئ تقديماً معقولاً ومفيداً.

كما يؤكد الدكتور سليمان الشطي على أن النظر إلى مصادر الزوزني يختلف عن مثيلها بالنسبة إلى ابن الأنباري، وابن النحاس، إذ أنهما كانا قريبي العهد بالرواية الشفوية، وعاصرا مرحلة التدوين الأولى النشطة، في حين أن الزوزني لم تكن أمامه إلا نصوص القصائد مع الشروح المكتوبة التي رافقتها، وفي تعامله مع الشروح كان أكثر تحرراً، واجتهاداً من الذين عاصروه، أو سبقوه، كما برز الزوزني شارحاً متمكناً ذا نفس شفافة، وتمكن تحت ظلال المنهج القديم من تقديم تلك اللمسة الطيبة لشرح متوازن الأركان، بحيث تجلت النظرة الفنية للنص التي تحتكم إلى ذوق قادر على تلمس جوانب المعنى في البيت الشعري، كما تطرق المؤلف إلى خصائص شرح الزوزني، وأوجزها في الحس الفني في الشرح، والحس الفني في شرح المفردات، والحس الفني في شرح المعنى. وخلص في ختام هذا الفصل إلى أن شرح الزوزني حقق «توازناً معقولاً بين المعارف اللغوية والتاريخية التي وقف عندها الشراح الآخرون، وبين الحاجة إلى فهم الجانب الفني في القصيدة بإدراك حدود الألفاظ، ودلالة المعنى والصور الفنية» ص:233.

نظرات نقدية تراثية

انتقل المؤلف في الفصل الخامس من الكتاب للحديث عن النظرات النقدية التراثية للمعلقات، وفي البدء نبه إلى عدم الانسياق وراء خدعة التصور الأولي الذي قد يوصل إلى المبالغة، كما نوه باحتفال النقد القديم بالمعلقات، وكثرة إيراد النقاد القدامى للأبيات المختارة منها، وذلك لاستخراج بعض المعاني المتميزة، أو تأكيد نظرات مختارة.

وقد كانت النظرات الأولى للمعلقات تنهض على أساس محاولة الفهم الأولي لنصوص تلك القصائد، أي محاولة تفسير النصوص، أو ما يسمى أوليات النقد التفسيري، ومحاولة فك مغاليق النص الأدبي، وذلك ابتداءً من الفهم الحرفي المباشر وصولاً إلى النظرة الأشمل، والإدراك العميق، ثم تجيء بعد ذلك المراحل اللاحقة التي تستخرج الأحكام، والقيم الفنية، وتعقد مقارنات مفيدة، وقد قدم الدكتور سليمان الشطي مجموعة من الأمثلة التي توضح هذا النوع من الملاحظات التفسيرية.

وبالنسبة للنظرة الاجتماعية لفهم الأدب، فقد تجلت بعض أسسها عند ابن طباطبا العلوي من خلال كتاب «عيار الشعر» ذلك أن الشعر يكون عسيراً على الفهم إذا لم نُحط ببيئته، وطبيعة مجتمعه، وتقاليده، وسننه، ولاريب في أن تفسير الشعر من خلال الاستناد إلى المادة التاريخية يقدم أطراً متسعة «تساعد المتلقي في فك مغاليق النص، وتضع المصطلح في حدوده التاريخية والاجتماعية».

وفي هذا الفصل توقف المؤلف مطولاً مع الباقلاني، ونظراته لمعلقة امرئ القيس، حيث رأى أن الباقلاني جاء متفرداً في منهجه، وطريقته، وقد نظر نظرة نقدية شبه متكاملة في معلقة امرئ القيس، ولم يكن دارس أدب، بل كان مفكراً عقائدياً، يعكس طبيعة فكر عصره، وأشار إلى أن ملاحظات الباقلاني تركزت على ستة وثلاثين بيتاً من المعلقة، وانصبت على الثنائي الأساسي في كل عمل فني، المعنى واللفظ وقضايا الشكل الفني، وتوقف مع الوحدة الفنية، وسار على مستويين: «الأول الوحدة داخل البيت الشعري، والثاني: تناسب البيت مع غيره من الأبيات».

وختم الدكتور سليمان الشطي هذا الفصل بملاحظة مهمة عن جهود الباقلاني، حيث رأى فيها «محصلة متميزة للطريقة النقدية العربية القديمة، القائمة آنذاك، فقد كانت تعتمد على دراسة الوحدة الأساسية في البناء الشعري من كلمة وصورة، وتنظر في مكونات البيت الواحد وعلائقه، بجانب الاهتمام بالملاحظة اللغوية، والسبك اللغوي، وصحة المعنى وشرفه». ص: 285.

المعلقات ونظرات العصر الحديث

في الفصلين الأخيرين من الكتاب توقف المؤلف مع نظرات العصر الحديث للمعلقات، حيث ركز في الفصل السادس على اتجاهين سادا عند دارسي مرحلة الإحياء، هما: الشروح التعليمية، والنظرات الذوقية.

فأصحاب المنهج التقليدي اتجهوا إلى التراث العربي، وسعوا إلى تقديمه إلى العصر الحديث بحلته القديمة، وبعضهم أدخل - ضمن منهجه التعليمي - شذرات من النظرات الحديثة، وقد تطورت شروحهم، واكتسبت ملامح جديدة، عندما تطورت مناهج دراسة الأدب، وهذا ما عبر عنه المؤلف بقوله «ولكن جهود الشارحين تطورت، واكتسبت ملامح جديدة حينما نشطت دراسات الأدب، وتطورت مناهجه، فدخل الشارحون إلى دنيا القصائد السبع والشعر الجاهلي بوجه عام حاملين معهم تراثاً ضخماً من الدراسات والتعليقات والمناقشات التي أثرت الجو الأدبي، ومدت ساحله إلى آفاق عريضة، وعميقة المدى، فلم تعد محاولات للم شتات الآراء القديمة، والتمسك بها بقدر ما أصبحت محاولة للدخول إلى هذه القصائد بالمنظار الجديد الذي لونته هذه الدراسات، وليس من الضرورة أن تكون هذه الدراسات مخالفة لما جاء عند القدماء، فقد تكون حاملة نفس وجهة النظر، ولكنها في طريقة التناول أكثر نفاذاً إلى جوهر القصائد، وأقدر على اكتشاف ما في هذا القديم من جواهر مع محاولة الدفاع عنه، وإبراز إيجابياته» ص:296.

ومن الدراسات التي نوه بها المؤلف نظراً لاهتمامها بالمنهج التعليمي في شرح المعلقات مع الاستفادة من تطور الدراسات الحديثة دراسة الدكتور بدوي طبانة المعنونة بـ «معلقات العرب:دراسة نقدية تاريخية»، كما ركز على الدكتور طه حسين بصفته نموذجاً للنظرات الذوقية، فهو أحد أبرز الدارسين العرب المعاصرين الذين مثلوها، ولاسيما حينما شرح الشعر الجاهلي، ويصف منهجه بأنه «يمثل ناقداً ذوقياً يعتد بالمنهج العلمي في تحقيق النص، وتوثيقه لغوياً وتاريخياً، وهو في الوقت نفسه دارس أُحكمت ثقافته العريضة فجسد ثقافة عصره، واهتمامات جيله الجديدة، مع ما ترسب في أعماقه من آثار المنهج القديم، ليستوي هذا كله في نفس متذوقة تتموج مع النص تموج إحساس تأثيري مستجيب للنص، ولكن مع وعي من أن يزل الذوق في قاع التقليد، أو يسلم بالفهم السائد إلا عن اقتناع» ص:307.

في الفصل الأخير من الكتاب ذكر المؤلف أن أصحاب المذهب الجمالي الذين يعنون بالشعر على اعتبار أنه تركيب لغوي يحفه التفكير الأسطوري، يعتبرون من أكثر الناس اقتراباً من الشعر الجاهلي، والقصائد السبع بوجه أخص، حيث إنه منحهم فرصة نادرة للتطبيق، ويرى أن الناقد الدكتور مصطفى ناصف يعد أهم ممثل لهذا الاتجاه في مجال دراسات النصوص القديمة، ولاسيما منها القصائد السبع، وقد ظهرت جهوده في كتابين أساسيين هما «دراسة الأدب العربي»، و«قراءة ثانية لشعرنا القديم».

كما نوه المؤلف بجهود الدكتور كمال أبو ديب التي ظهرت في دراسته الممتازة الموسومة بـ «الرؤى المقنعة»، وأشار إلى أن دراسته هي أبرز وأشهر الدراسات التي اتجهت إلى اختيار المنهج البنيوي لدراسة هذا الشعر، فهي تعد محاولة جديرة بالمناقشة نظراً لما فيها من جهد متميز.
-----------------------------
* كاتب من الجزائر.

 

تأليف: د. سليمان الشطي