بيتنا العربي: في كل بيت عربي .. مبدع صغير

بيتنا العربي: في كل بيت عربي .. مبدع صغير

رئيس التحرير: د. سليمان إبراهيم العسكري

نشجع أن تصبح بيوتنا العربية ملاذًا للإبداع، الذي يبرز مبكرًا لدى أبنائنا وبناتنا، بدلاً من أن يكون المنزل طاردًا لهذا الإبداع.

كما نتمنى أن تكون البيئة الخاصة ببيوتنا العربية حاضنة للموهبة ومحرضة على الابتكار ودافعة لكي يكون فلذات أكبادنا مشاريع مستقبلية للإبداع، تبني غدنا وتطوره.

تشكو الأسرة من أطفالها أكثر مما تحنو عليهم، ويكاد الأبوان يكرران أفضالهما على الأبناء حتى يسأم السمع من تكرار تلك الفضائل، التي يعدها القانون واجبة، وتراها الشرائع السماوية حقًا، وترسخها الأخلاقيات ممارسة ذاتية، لا تستحق أن يعاقب من أجلها الأطفال، أو أن يحرموا - مقابلها - من حقوق أخرى.

هذه ليست دعوة ضد العرفان بالجميل الذي يجب أن ينشأ عليه أطفالنا، ولكنها أمنية بأن يكون جزء من هذا الجميل، وركيزة في تلك الفضائل، دعوة الصغار للمشاركة، بالرأي الذي يستطيعونه، وبالعمل الذي يطيقونه، وبالأفكار التي يحلمون بها.

إن عالم أطفالنا هو عالمنا. ولكن المستقبل لهم بأكثر مما لنا، لذلك علينا أن نفكر معهم، وليس عوضًا عنهم. فلنوقف الممارسة السلطوية التي تحولهم إلى خانعين خاضعين للمن والأذى، ولنوقظ فيهم تلك الروح الوثابة.

هكذا نبني بيتنا العربي في المستقبل القريب والبعيد.

---------------------------------------

  • طب: قلوب النساء في خطر

د. نزار الناصر

في مؤتمر الجمعية الأوربية لأمراض القلب أظهرت عدد من الدراسات أن تشخيص النساء المصابات بمشكلات القلب والشرايين أقل من الرجال. وكذلك فإنهن يخضعن للعلاج بصورة أقل، بالإضافة إلى ذلك، فإن الأدوية والدراسات المتعلقة بأمراض القلب والشرايين أجريت على الرجال فقط، لذلك من غير المؤكد أنها بالفاعلية نفسها على النساء كما الرجال.

والمشكلة تكمن في أن أمراض القلب والشرايين لاتزال مجهولة عند بعض النساء اللواتي يعتبرنها أمراضًا رجالية، بالرغم من أن الأرقام تشير إلى عكس ذلك، فمن بين كل 3 نساء هناك امرأة تتوفى بسبب أمراض القلب والشرايين. فمن الضروري اهتمام المرأة بصحة قلبها لأنها معرّضة للإصابة بأمراض القلب والشرايين ابتداء من سن الأربعين، إذ يرتفع خطر الموت عند النساء بعد أول جلطة قلبية إلى 50% بينما تصل نسبته إلى 30% عند الرجال، فأمراض القلب والشرايين مسئولة عن وفاة 8 ملايين ونصف المليون امرأة في العالم سنويًا. وفي البلدان النامية تفارق الحياة 50% من النساء اللواتي تتجاوز أعمارهن الخمسين سنة، نتيجة لأمراض القلب أو السكتات الدماغية.

ويربط العلماء هذه الزيادة في خطر الإصابة قبيل أو بعد انقطاع الطمث بخمس نقاط:

1- قبل انقطاع الطمث تبدأ مستويات هرمون الأستروجين في الانخفاض ومعها تتزايد العوامل المساعدة في الإصابة بالجلطة القلبية.

2- الانخفاضات المفاجئة في مستويات الأستروجين يمكن أن تؤدي إلى تشنج شرياني، وهذا يفسر تعرض النساء للنوبات القلبية نتيجة تعرض مستويات الأستروجين لتقلبات كبيرة.

3- أما الأعراض عند المرأة فقد تختلف عن الرجل فتكون غير نوعية أو غير وصفية كالإحساس بالتعب والغثيان وصعوبة التنفس، حيث إنه قد يكون من الصعب وضع تشخيص للمرض، ولكن بقراءة تخطيط القلب الكهربائي نستطيع أن نكشف عن بعض العلامات المرضية، بمساعدة بعض الفحوص المكمّلة مثل خمائر الكبد وغيرها. يجب إذن على المرأة أن تستشير الطبيب الإخصائي لتقييم حالة الشرايين عندها قبل انقطاع الطمث وبعده، حتى ولو كانت بصحة جيدة، إضافة إلى مراقبة ضغط الدم والكولسترول الضار LDL والنافع HDL.

وتكمن أهمية الكولسترول النافع HDL عند المرأة في هذه المرحلة من عمرها في أنه كلما ارتفعت نسبته كانت الوقاية من النوبة القلبية أفضل.

4- أظهرت إحدى الدراسات الفرنسية أن نسبة خطر وفاة النساء تحت سن الـ67 والمصابات بجلطة قلبية أعلى بكثير من الرجال في خلال الـ15 يومًا الأولى من الإصابة بالجلطة، في حين تتساوى نسبة الوفاة بين الرجال والنساء بعد سن الـ67.

5- من المؤشرات المهمة المنذرة للإصابة، ارتفاع نسبة الـCRP عالي الحساسية في الدم، وكذلك ارتفاع نسبة الهوموسيستيين في الدم. وهناك عوامل أخرى مثل التوتر العصبي والإجهاد النفسي المستمر والجين الوراثي وقلة الحركة والرياضة والعمر وتلوث البيئة وداء السكري والزيادة في الوزن.

الوقاية

إن أكثر هذه العوامل قابلة للتراجع بالطرق الوقائية التي أصبحت من الأولويات المهمة جدًا، كونها تقي من 90% من خطر الإصابة بالجلطة القلبية، ومن هنا على كل امرأة أن تسعى إلى تغيير نمط الحياة مبكرًا بعد سن الأربعين، من خلال إيقاف التدخين ومعالجة صحيحة لمرض السكري، والسيطرة على ارتفاع ضغط الدم وكولسترول الدم والشحوم الثلاثية، واتباع حمية غذائية تساعد على تخفيف الوزن والقضاء على شحوم البطن المرتبطة ارتباطاً وثيقًا بالإصابة بأمراض القلب والشرايين.

---------------------------------------

  • طب: الكورتيزون: الضرورة.. والضرر

د. محمد مصطفى السمري

هو مركب طبيعي يدور في الدورة الدموية في جسم الإنسان. يعد رابع أشهر دواء بعد الأسبرين والبنسلين والأنسولين تفرزه قشرة الغدة الكظرية التي تقع فوق الكليتين ضمن 29 هرمونًا تقوم بإفرازها. يتحكم في إفرازه هرمون آخر يفرز من الغدة النخامية بالمخ. يمكن تحضيره صناعيًا، ويستعمل عن طريق الفم على هيئة أقراص، أو الحقن على هيئة أمبولات، أو الجلد على هيئة كريمات أو مراهم.

إنه هرمون الكورتيزون، الذي يعد إحدى الدعائم الأساسية لمنظومة الهرمونات داخل جسم الإنسان، والتي تتحكم في العديد من الوظائف الحيوية اللازمة لبقاء الجسم البشري. ينظم الكورتيزون عددًا من التفاعلات الكيميائية داخل الخلايا، ويحسن كفاءة الجسم، ويزيد من قدرته على العمل، ويؤدي الدور الرئيسي في عمليات التمثيل الغذائي للدهون والبروتينات والنشويات. حيث يعمل على رفع نسبة السكر في الدم، ويرشد استخدام الجسم له، ويساعد على تخزين الجليكوجين بالكبد. ويعالج بعض حالات هبوط الضغط، فهو ينشط انقباض القلب ويرفع ضغط الدم. كما أن للكورتيزون دورًا مهمًا في التغلب على مثيرات الحساسية والالتهابات المختلفة ولا يستطيع أحد إنكار دوره العظيم في التصدي لكل ما يلحق بالإنسان من توتر وإجهاد عصبي ونفسي، خاصة في عصرنا الحالي المليء بالأزمات والنزعات العصبية والنفسية.

يفرز الكورتيزون بمعدل 15-25 ملليجرامًا يوميًا، ويكون معدل إفرازه في الصباح ضعف معدله في المساء، ويزداد معدل إفرازه في الدم في أحوال معينة مثل تعرض الإنسان لأي إجهاد أو ضغوط عصبية أو نفسية، أو التعرض للإصابات الحادة، أو الحروق، أو إجراء عملية جراحية، أو الحمى، أو هبوط ضغط الدم، أو نقص السكر في الدم، وتستمر هذه الزيادة مادامت ثمة دواع لهذه الزيادة تبعًا لإفرازات الغدة النخامية التي تنظم وظيفة وإفرازات الغدة الكظرية. وعندما يزيد إفراز الكورتيزون في الدم، فإن إفراز الغدة الكظرية للهرمون المنبه أو المنشط للغدة الكظرية يقل بصورة تلقائية، والعكس صحيح.. وهكذا.

الكورتيزون يعالج 200 مرض

يعد الكورتيزون أهم دواء على الإطلاق لعلاج بعض الأمراض الخاصة كالأزمة الربوية الشديدة مثلاً، وفي أحيان كثيرة يكون الكورتيزون هو الدواء الوحيد المنقذ لحياة المريض. ومنذ تم استخدمه كعلاج لمرضى «الروماتويد» أوائل الأربعينيات من القرن العشرين في أمريكا، وأبحاث العلماء لم تنقطع عن استخدام الكورتيزون كعلاج ضروري وناجح لكثير من الأمراض الخطيرة، محققًا بذلك الشفاء لملايين المرضى من أعتى الأمراض وأشدها شراسة. ويكفي أن نذكر أن الكورتيزون يستخدم الآن في علاج ما لا يقل عن 200 مرض منها أمراض تمثل خطورة بالغة على حياة المريض بها، نذكر هنا أهمها:

  • أمراض قصور الغدة الدرقية: يستخدم الكورتيزون في علاج أمراض قصور الغدة الكظرية، مثل «مرض أديسون»، والذي يحدث نتيجة نقص إفراز هرمون الكورتيزون من الغدة الكظرية، وتتلخص أعراضه في الشعور بالتعب وانخفاض ضغط الدم وانخفاض مستوى سكر الدم مع ظهور بقع على الجلد وانخفاض الوزن.
  • الأمراض الروماتيزمية: خاصة تلك المرتبطة بخلل مناعي، حيث يتغلب الكورتيزون على العديد من هذه الأمراض مثل مرض التهاب المفاصل، والتهاب المفاصل الروماتويدي، والتهاب المفاصل الناتج عن مرض النقرس، والتهاب فقرات العمود الفقري، ومرض الذئبة الحمراء.
  • أمراض الحساسية: مثل الربو الشعبي، وحساسية الأنف، وحساسية العين، وحساسية الجلد، وحساسية الأدوية.. إلخ.
  • الأمراض الجلدية: في معظم الحالات لا تستجيب الأمراض الجلدية لمعظم الأدوية ويكون الكورتيزون هو الدواء الوحيد القادر على التصدي لها، مثل مرض «الفقاعي» القاتل، والتهاب غدد الجلد الدهنية التي لا تستجيب لبعض الأدوية المعتادة، ومرض «الحزاز» ومرض «الصدفية»، والعديد من الأمراض الجلدية المختلفة لدرجة جعلت الكثير من العامة بل والأطباء، يعتقدون أن الكورتيزون هو العلاج الوحيد لكل الأمراض الجلدية.
  • أمراض العيون: خاصة تلك الأمراض التي تسبب التهابات في العين وتعالج بقطرات أو مراهم الكورتيزون مثل حساسية العين أو التهابات القزحية وبعض التهابات الملتحمة.
  • بعض أمراض الجهاز الهضمي والكبد: يفيد الكورتيزون في علاج التهاب القولون المتقيح المزمن. كما يفيد في علاج مرض نخر الكبد تحت الحاد والتهاب الكبد المزمن.
  • بعض أمراض الدم والسرطان: يفيد الكورتيزون في علاج أنيميا انحلال خلايا الدم الحمراء «الأنيميا التحللية»، ومرض نقص الصفائح الدموية، ومرض «الفرفورة»، كما يفيد في علاج سرطان الدم «اللوكيميا»، وسرطان الغدد الليمفاوية «الليمفوما».
  • في عمليات نقل الأعضاء وزرعها: يستخدم الكورتيزون في عمليات نقل الأعضاء وزرعها وذلك بتثبيط مقاومة الجسم المناعية تجاه هذا العضو الغريب الذي تم زرعه، وبالتالي لا يدمّره الجسم أو يرفضه.
  • في الطوارئ والصدمات: من أشهر استخدامات الكورتيزون قاطبة، استخدامه في حالات هبوط الدورة الدموية والصدمات المختلفة، حيث يتم إنقاذ حياة المصاب في الحال.

أضرار الكورتيزون وآثاره الجانبية:

بالرغم من الأهمية القصوى للكورتيزون لوظائف الجسم الحيوية المختلفة اللازمة لبقائه، وبالرغم من ضرورته في علاج العديد من الأمراض التي يقترب عددها من 200 مرض، إلا أن ثمة بعض المخاطر والآثار الجانبية التي تكتنف استعماله، خاصة عندما يكون هذا الاستعمال من دون استشارة الطبيب المختص ولمدة طويلة وبجرعات كبيرة، عادة أكثر من 15 يومًا إلى شهر. وكلما طالت مدة أخذ هذا الدواء ازدادت احتمالات حدوث مضاعفاته وآثاره الجانبية.

وهذه أشهر مضاعفات الكورتيزون وآثاره الجانبية:

  • قرحة المعدة والاثنا عشري.
  • ارتفاع ضغط الدم.
  • عتامة عدسة العين أو «الكتاركت».
  • ارتفاع ضغط العين مما قد يؤدي إلى «الجلوكوما».
  • ارتفاع مستوى السكر في الدم مما قد يؤدي إلى مرض السكر.
  • احتباس الماء والصوديوم بالجسم مما يؤدي إلى زيادة الوزن أو السمنة.
  • اضطراب الدورة الشهرية عند الإناث.
  • الاكتئاب النفسي، والأرق، وتغير المزاج.
  • ضعف العضلات خاصة عضلات الأذرع والسيقان.
  • هشاشة العظام وحدوث نخر بها خاصة عظام العمود الفقري.
  • تأخر أو توقف النمو عند الأطفال.
  • كسور العظام من دون أي أسباب خاصة كسر عنق عظمة الفخذ عند كبار السن.
  • حب الشباب، وغزارة نمو الشعر.
  • سرعة النزف تحت الجلد، وزيادة مدة التئام الجروح.
  • ضعف الجهاز المناعي ومن ثم ضعف مقاومة الجسم للبكتيريا والفطريات والفيروسات وسهولة الإصابة بالعدوى والالتهابات.
  • تنشيط وانتشار العدوى الميكروبية مثلما يحدث في مرض الدرن (السل).

والجدير بالذكر أن الهدف مما تقدم ذكره من كل هذه الأضرار والآثار الجانبية للكورتيزون هو تعريف المريض - بل وغير المريض - بهذه الأضرار لهذا العقار الذي أحدث انقلابًا في عالم الدواء والعلاج. ولكن ليس معنى هذا أن كل مريض يستخدم هذا العقار سيعاني من كل هذه الآثار الجانبية، إلا أن ما نهدف إليه هو تبصير المريض بهذه الأعراض حتى لا يستخدم هذا العقار - بل كل العقاقير - من دون أي إشراف طبي متخصص، ومن ثم يصبح عرضة لكل هذه الآثار الجانبية.

وصايا.. ونصائح

هذه بعض الوصايا والنصائح التي يجب أن يلتزم بها كل مريض يستعمل دواء الكورتيزون خاصة لفترات طويلة:

1) يجب على كل مريض يستعمل الكورتيزون مراعاة تحديد وزنه أسبوعيًا لاكتشاف زيادة الوزن مبكرًا.

2) من الأفضل تحديد نسبة السكر في الدم والبول كلما أمكن ذلك، لتلافي مشاكل مرض السكر الذي قد يصاحب تناول الكورتيزون.

3) فحص دوري بالأشعة لعظام العمود الفقري كل ستة أشهر على الأقل.

4) متابعة ضغط الدم باستمرار لاكتشاف أي زيادة مرضية.

5) يجب أن يكون غذاء المريض غنيًا بعنصر البوتاسيوم والمواد البروتينية وكميات كافية من عنصر الكالسيوم، مع عدم الإفراط في تناول الأملاح.

6) لعل أهم ما يستوجب الاحتياط عند استعمال هذا الدواء عدم التوقف عن تناوله فجأة على الإطلاق، لما لهذا من أضرار بالغة على المريض، حيث يترتب على هذا التوقف الفجائي حدوث قصور في الغدة الكظرية يمثل خطورة على صحة المريض وحياته إذا لم يعالج، فضلاً عن ظهور أعراض سحب الكورتيزون في صورة هبوط حاد في ضغط الدم، وحدوث نشاط حاد وفجائي للمرض الذي يعالج منه المريض، ولذلك فإن المريض الذي يستخدم الكورتيزون لأكثر من شهر يجب عليه التوقف عن تناوله بالتدريج ووفقًا لبرنامج زمني يحدده الطبيب المعالج، وبكل دقة.

محظورات استعمال الكورتيزون:

وأخيرًا ننصح كل مريض بعدم استعمال دواء الكورتيزون إلا لمقتضى طبي وتحت إشراف الطبيب المختص، وثمة بعض الأمراض يجب ألا يستعمل الكورتيزون في علاجها نظرًا للمضاعفات الخطيرة التي يمكن أن تحدث في هذه الحالات، وهذه الأمراض هي:

  • مرض السكر.
  • أمراض القلب، وخاصة مرض فشل القلب الاحتقاني.
  • مرض ارتفاع ضغط الدم.
  • قرحة المعدة والاثنا عشري.
  • الأمراض البكتيرية والفطرية والفيروسية.
  • الأمراض العقلية.
  • الجلوكوما.

---------------------------------------

  • أسرة: في بيتنا شخص مسن

سعاد مصطفى الشارود

يمضي قطار العمر ويصل بنا - شئنا أم أبينا - إلى مرحلة الشيخوخة، وبقدر ما يشعر الإنسان في هذه المرحلة بالنضج وأن لديه فهمًا أشمل وأوضح للحياة بقدر ما يحتاج إلى عناية خاصة تضمن له ممارسة حياته اليومية من دون متاعب.

ويتضمن المقال التالي عددًا من النصائح والإرشادات المعتمدة على نتائج أبحاث علمية في مجال ما يعرف بعلم «كبار السن» (Gerontology)، وذلك أملًا في مساعدة كل مسن على التمتع والعيش بأمان في تلك المرحلة المهمة من حياته وكذلك مساعدة كل أسرة لديها مسن في بيتها على توفير العناية الكافية له وألا يسبب وجوده معهم أي متاعب أو أحداث غير متوقعة.

ظروف المعيشة المناسبة:

تعتبر الحوادث والإصابات من أهم أسباب الوفاة بين المسنين الأكثر من سبعين عامًا، ومن الطريف أن نعلم أنه من الممكن تجنب الكثير من هذه الحوادث إذا ما تم الاهتمام بمراعاة بعض ظروف المعيشة بالمنزل والتي قد ننظر إليها على أنها أمور ثانوية، ومن هذه الظروف الإضاءة والضوضاء والتهوية ودرجة الحرارة والألوان.

فمن حيث الإضاءة نجد أن استعمال الإضاءة البسيطة المكونة من مصابيح صغيرة أفضل من أنظمة الإضاءة الساطعة والشديدة، ولا تفضل المصابيح الفلورسنتية لأنها تسبب آلامًا في العين، ويراعى تشغيل بعض المصابيح ليلًا لكي تساعد المسن على رؤية المكان عند قيامه ليلًا من النوم. أما عن الضوضاء فلا يتخيل أحد كم المتاعب التي تسببها الضوضاء للمسنين حيث نجد أن الأصوات العالية تساعد في سرعة فقد حاسة السمع عند المسن، كما أن استمرار التعرض لهذه الأصوات العالية يؤدي إلى ظهور بعض الأعراض المرضية مثل زيادة إخراج البول، و زيادة الكاتكولامين Catecholamine في البول والذي يدل على حدوث خلل في بعض وظائف الكلى، كذلك قد تحدث زيادة في ضغط الدم، كما قد تظهر بعض الأعراض النفسية مثل الانعزال عن المجتمع والتوتر كما قد يتطور الأمر إلى بعض الأمراض العقلية، وعلى ذلك فإنه من المهم تجنب مصادر الضوضاء في المنزل مثل الأصوات العالية للتلفاز والمذياع والأجهزة المنزلية والمناقشات الحادة المتكررة بالمنزل.

وتعد درجة الحرارة من العوامل المؤثرة أيضًا على صحة المسن حيث نجد أن أنسب درجة حرارة لغرفة المسن هي 24°م، وعند انخفاض درجة الحرارة عن 21° فإن ذلك يؤدي إلى انخفاض درجة حرارة الجسم بشكل مرضي، كما أن الارتفاع الزائد في درجة حرارة الغرفة يؤدي إلى ارتفاع حرارة الجسم بشكل مرضي والذي قد يؤدي إلى حدوث ضمور في المخ، وتزداد الخطورة في حالة المرضى المسنين المصابين بالسكري أو تصلب الشرايين حيث إن درجة حرارة أجسامهم غالبًا ما تكون مرتفعة نسبيًا نتيجة لإصابتهم بهذه الأمراض.

أهمية الألوان والتهوية

وللألوان بالمنزل دور مؤثر في الحالة النفسية للمسن، فالألوان الدافئة كالأحمر والبرتقالي والأصفر تعطي حالة من النشاط وفتح الشهية للطعام حيث إنها تساعد على سرعة النبض وزيادة ضغط الدم وبالتالي يجب توافرها في غرف الطعام والمعيشة.

التهوية من العوامل المهمة أيضًا حيث يجب المحافظة على التهوية المستمرة للمنزل وتفادي الروائح الكريهة وذلك عن طريق فتح النوافذ في الأوقات المناسبة ولمدد غير طويلة حيث يجب تجنب تيارات الهواء الشديدة في الغرف، ويجب تهوية الأغطية مع المحافظة على نظافتها، ويراعى تجنب استخدام معطرات الجو أو مزيلات الروائح التي تحتوي على مواد كيماوية حيث إنها تؤثر على صحة المسنين.

تنظيم المنزل

هناك بعض الاعتبارات التي يجب مراعاتها في تنظيم المنزل الذي يقيم به المسن بما يساعد على تجنب الكثير من المتاعب والحوادث للمسن، وتتعلق هذه الاعتبارات بالسلم (الدرج)، أغطية الأرضيات، والأثاث، حيث نجد أن السلم أو الدرج يمثل مشكلة المشكلات للشخص المسن فهو يعاني من عدم القدرة على صعوده أو نزوله.

ويعتقد العديد من الناس أن السجاد يعطي الدفء والراحة وأن استخدامه في المنزل يقلل من حوادث السقوط، ولكنه يعتبر مشكلة بالنسبة للمسن الجالس على كرسي متحرك أو يعتمد على «المشاية» حيث إنه يسبب صعوبة في حركة الكرسي أو «المشاية» إلى جانب أنه سريع الاتساخ، وكذلك فهو بيئة مناسبة لوجود الميكروبات ونموها فيه عند وجود رطوبة.

أماكن الخطورة في المنزل:

تعتبر «دورة المياه» و«غرفة المطبخ» من أماكن الخطورة في المنزل بالنسبة للمسنين والتي يجب مراعاة بعض الاعتبارات في تصميمها، حيث يلزم الاهتمام بتوافر الإضاءة الجيدة بدورة المياه، ويجب مراعاة أن تكون صنابير المياه بها سهلة الاستخدام، وتجنب أن يكون مقبض الصنبور دائريًا لأنه يحتاج إلى مزيد من الجهد في الفتح، والصنبور المناسب للمسن هو الصنبور البسيط الذي يكون له قطعة واحدة يتم تحريكها مرة واحدة للفتح ومرة أخرى للقفل، ويجب التمييز بين صنبور الماء الساخن وصنبور الماء البارد بلونين مختلفين، ويجب وضع مساند على الحوائط وخاصة بجوار المرحاض بحيث يمكن للمسن أن يستند إليها أثناء حركته في دورة المياه، ويجب استخدام كرسي للاستحمام يوضع في حوض الاستحمام (بانيو) بحيث يجلس عليه المسن أثناء الاستحمام.

وتعتبر غرفة المطبخ من أخطر الأماكن بالمنزل بالنسبة للمسن لذا يجب توافر عناصر الأمان بها، حيث يفضل استخدام موقد (بوتاجاز) يعمل بالكهرباء بدلًا من الغاز الذي قد يحدث له تسرب، كما يجب التأكد من عدم وجود مواد قابلة للاشتعال بالقرب من الموقد، ويجب توافر مطفأة للحريق مع وجود باب للخروج في حالة حدوث حريق، كذلك يجب التأكد من سلامة الثلاجة وسلامة الغذاء بداخلها وأنه لم يتجاوز مدة صلاحيته للاستهلاك.

هذه بعض الاعتبارات العامة التي يجب الاهتمام بها لمساعدة المسن لتجنب الكثير من المتاعب والمشاكل أثناء ممارسته حياته اليومية في المنزل الذي يقيم به، ويظل هناك عامل آخر لا يقل أهمية عما سبق ذكره ألا وهو ضرورة أن يكون لدى المسن الوعي الكافي بأنه في مرحلة عمرية تفرض عليه أن يكون أكثر حرصًا في ممارسة أنشطة حياته وأن يتجنب مخاطرة القيام ببعض الأعمال التي كان يسهل عليه أداؤها في شبابه ولكن قد تسبب له متاعب وحوادث إذا حاول القيام بها في هرمه، وهذه سنة الحياة.

---------------------------------------

  • تراث: البيت العربي التقليدي ومفهوم الستر

مهى قمر الدين

البيت العربي التقليدي هو البيت القديم الذي سكنه العرب حتى بداية القرن العشرين، تطوّر تصميم هذا البيت عبر الزمن لكنه بقي محافظًا على مفهوم متأصل في الحضارة العربية وهو مفهوم «الستر» حيث إن المرأة لا تكاد ترى رجلاً غريبًا أو تختلط به.

فبقي تصميم البيت العربي التقليدي محافظًا على ذلك المفهوم، سواء من حيث مظهره الخارجي أو تصميمه الداخلي، فالبيوت العربية القديمة ملتصقة ببعضها بعضًا بحيث إن للبيت واجهة واحدة غير ملتصقة بالجيران، إلا إذا كان البيت على تقاطع شارعين. من هذه الواجهة اعتاد أهل الشرق العربي تغليف الفتحات في الطابق الأول وما فوقه بالمشربيات كما في دمشق والعراق.

أما في المغرب العربي فلم ينتشر استخدام المشربيات كثيرًا إلا أن الشبابيك كانت تغلف أيضًا بالخشب المشغول. وغالبًا ما تكون المشربية مبنية من الخشب وعليها نقوش وزخارف وتكون مبطنة بالزجاج الملوّن وتعتبر أحد عناصر العمارة التقليدية في الدول العربية التي بدأ ظهورها في القرن السادس الهجري «الثالث عشر الميلادي» إبان العصر العباسي واستمر استخدامها حتى أوائل القرن العشرين. وقد سمّيت المشربية بأسماء مختلفة في مناطق عدة، إذ إن تعبير المشربية منتشر في مصر ويقال إن أصله «مشربة» لأن قلة الماء أو المشربة كانت توضع فيه، ويقال أيضًا إن أصل الكلمة تحريف ظاهر لكلمة «مشرفية» أي التي تشرف منها النساء على الطريق، ومن ثم تحوّرت لتصبح «مشربية». وهناك مسمى آخر منتشر في بعض الدول الإسلامية وهو «الروش» وهي كلمة مشتقة من الفارسية وتعني موضع المصباح أو مكانًا يدخل منه النور. وللمشربية وظائف متعددة إذ إنها توفّر الظل داخل المسكن من دون إغلاق كامل للنافذة فتحافظ على حركة الهواء مما يساعد على تخفيف درجة الحرارة في الصيف. كما تفيد المارة أيضًا لأن كونها بارزة عن حائط البيت تساعدهم على الاستظلال بها صيفًا واتقاء المطر شتاء، كما أن المشربية تغطي الجدار المواجه للشارع وتحافظ عليه من الشمس والمطر.

ومن فوائد المشربية أيضًا ضبط الهواء، فعن طريقها يمكن التحكم بسرعته وتدفقه داخل الحيّز الداخلي للمنزل، وذلك باختلاف فراغات المشربية في الأجزاء السفلية والأجزاء العليا حيث نجدها في الأجزاء السفلية من المشربية ومتسعة في الأجزاء العلوية، كما أن الأسطح الكروية لعناصر الخرط تحقق انزلاقًا للهواء عليها، مما يعطي تهوية جيّدة أكثر مما إذا كانت هذه الأسطح مربعة أو مستطيلة، كما أن بروز المشربية عن مستوى الحائط يتيح لها التعرّض لتيارات الهواء الموازية لواجهة المنزل. ومن فوائدها أيضًا ضبط رطوبة تيار الهواء المار من خلالها إلى داخل المنزل أو الحجرة لطبيعة المادة المصنوعة منها وهي الخشب، فهو مادة مسامية طبيعية مكوّنة من ألياف عضوية تمتص الماء وتحتفظ به. هذا من الناحية العملية، أما من الناحية الاجتماعية فمن أهم فوائد المشربية الحفاظ على الخصوصية، إذ من المشربية يستطيع الناظر مراقبة الشارع من دون أن يراه مَن في الشارع أو مَن في المشربية المقابلة وذلك لأسباب مجتمعة عدة، فمن ناحية تكون الإنارة في الخارج خلال النهار أقوى من الداخل. ومن ناحية أخرى وجود الزخارف والنقوش في الخشب يجعل الرؤية من خلاله صعبة لمن يقف على مسافة بعيدة، أضف إلى ذلك أن الزجاج الملوّن نفسه يزيد من تشويش الرؤية لمن في الشارع.

هذا من حيث تصميم البيت الخارجي، أما من حيث تصميمه الداخلي فإنه يراعي الخصوصية، أيضًا، من أكثر من جانب، فبالرغم من أن البيت العربي عالي الجدران من الخارج إلا أنه منفرج القلب من الداخل، يتوسط البيت صحن أو أكثر، ويمكّن هذا الصحن أي داخل إلى البيت الدخول دون رؤية أي غرفة أخرى من غرف المنزل ويعطي البيت حديقة خاصة بعيدة عن أعين الجيران والغرباء، كما يسمح لأهل البيت بالتحرّك بحرية بين الداخل والخارج مع الاحتفاظ بالخصوصية التامة. والصحن عبارة عن ساحة مكشوفة في قلب البيت وهو بأبسط أشكاله يكون مربعًا أو مستطيلاً ويستخدم في أغراض عدة كأن يزرع ببعض الأزهار والشجيرات ليكون حديقة للدار يتوسطها حوض ماء أو نافورة تدعى «البحرة» وربما قمرية.

وتقام معظم أنشطة أهل البيت فيه أو حوله ولا يطل الجيران عليه. وعلى أضلاع هذا الصحن توجد الغرف المخصصة للاستخدامات المختلفة.

أما إذا كان البيت مؤلفًا من طابقين أو أكثر فإن نوافذ غرف الطوابق العليا كانت تغطى بالمشربيات أو بتصاميم أخرى مشابهة تمنع الناظر من رؤية مَن بداخل الغرف. تجدر الإشارة هنا إلى أن عدد الطوابق في البيوت العربية يختلف حسب مواقعها الجغرافية، فمعظمها من طابقين مثل البيوت في مدن سورية والعراق ودول الخليج العربي أو أربعة أو خمسة طوابق كما في مكة المكرمة وبعض مناطق الحجاز أو حتى سبعة طوابق كما في اليمن، أما في المناطق الريفية فتكثر البيوت ذات الطابق الواحد.

ومن أهم الغرف التي تعكس فلسفة «الستر» في البيت العربي غرفة الاستقبال أو ما يسمى بـ«المنزول». يكون مدخل المنزول في مكان خاص بصحن البيت ويمكن الدخول إليه من دون رؤية أي غرفة أخرى من غرف المنزل. وغالبًا ما يكون غير مكشوف على الشارع خصوصًا أنه كثيرًا ما يستخدم في استقبال النساء. كانت أرضيته تفرش بحشيات من القطن يجلس عليها، وعليها مساند محشوّة بالقطن المضغوط أو الملابس القديمة. وفي الغالب كانت تزيّن بزخارف جميلة أو بآيات قرآنية. أما في فصل الشتاء فكان «كانون النار» جزءًا من مكوّناته مما يعطيه دفئًا جميلاً يزيد من خصوصيته ويعطيه جوًا مريحًا.

---------------------------------------

  • تربية: القلق والتوتر النفسي

منى خير

يمثل القلق والتوتر النفسي المرتبة الأولى بين الأمراض المنتشرة في هذا العصر, والقلق نوع من المشاعر الإنسانية الأساسية مثل الفرح والحزن والخوف, وهو الشعور بالتوتر والترقب والإحساس بالخطر وعدم الاطمئنان, والقلق يُحضر الإنسان لمواجهة الحياة اليومية ويجعله مستعدًا بشكل أفضل للابتعاد عن المخاطر وإتقان تصرفاته وأعماله المتنوعة والحياة اليومية تواجهنا بمواقف تتطلب الجهد.

وتكمن المشكلة في زيادة كمية القلق واستمراره لفترات طويلة وهنا يعتبر مرضًا لأنه يعطل الإنسان ويرهقه, ويوصف العصر الحديث الذى نعيش فيه بعصر القلق لأنه يتصف بالتغيرات السريعة والمفاجئة وفيه أزمات اجتماعية واقتصادية متنوعة ففي عام 1977, قامت مؤسسة العلوم الدولية بالولايات المتحدة بدراسة توصلت إلى أن التوتر هو إحدى المشكلات التي تؤثر على حياتنا اليومية، وعلى الإنسان المعاصر أن يتكيف مع المتغيرات المحيطة به.

ويوجد نوعان من القلق: قلق طبيعي: مثل القلق من المجهول, وقلق الطالب أيام الامتحانات وعند ظهور النتيجة, والقلق عند حدوث المقابلات الشخصية المتعلقة بالعمل.

وقلق مرضي: مثل القلق من مرض معين وهذا النوع من القلق يحتاج الذهاب إلى الطبيب.

وهناك مجموعة من الاضطرابات النفسية تسمى اضطرابات القلق (generalized) أو نوبات القلق الحاد (panic disorder) أو الوسواس القهرى (obsessive compulsive disorder) مثل الخوف من الأماكن المفتوحة والخوف من الحيوانات والمرتفعات والأماكن المغلقة والطائرات, هذه الاضطرابات منتشرة ولا تسبب اضطرابًا شديدًا مثل الشك وانفصام الشخصية.

وهناك ما يعرف بالشخصية القلقة التي تخاف من النقد كما أنها حساسة وتبتعد عن أي تجديد وتكون خجولة وهادئة.

اضطراب القلق العام

يعتبر القلق العام منتشرًا وهو يصيب الذكور والإناث بنسب متشابهة ويصاحبه الشعور بالترقب والخوف وانشغال الذهن بأمور متعددة ويصعب السيطرة على هذا الشعور، ومن أعراضه:

  • الإحساس بالتوتر وعدم الراحة.
  • التوتر العضلي.
  • صعوبة في التركيز.
  • صعوبة في النوم.

وهناك نوع آخر من الاضطراب وهو اضطراب الخوف ويكون منتشرًا أكثر بين النساء، ومن أعراضه:

  • صعوبة في التنفس.
  • ألم فى الصدر.
  • الغثيان.
  • ازدياد التعرق.
  • الرجفة.

ونوبات الخوف يمكن أن تتكرر في اليوم أكثر من مرة, والقلق العام أشد من اضطرابات الخوف.

هناك بعض الاضطرابات النفسية المرافقة للقلق مثل الاكتئاب بمختلف أنواعه وتزايد الاضطرابات الجسمية النفسية، ويمكن للقلق أن يتم تعلمه من الآخرين أو من البيئة المحيطة حيث يعلم الآباء والأمهات القلق لأطفالهم, وكذلك تلعب العوامل الاجتماعية والتربوية دورًا مهمًا في ازدياد الشعور بالمخاطر وعدم الأمان من خلال الكوارث والحروب والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية.

علاج القلق والتوتر النفسي

هناك عدد من الأساليب المفيدة في علاج القلق النفسي بمختلف أشكاله، ومنها:

  • العلاج الدوائي، وهو مفيد إلا أنه يستمر لعدة أشهر.
  • العلاج النفسي، و يعتمد على عدد من الأساليب السلوكية المفيدة مثل التحكم بالتنفس العميق بدلًا من السريع, وأيضًا من خلال الدعم النفسي والاستقلالية وتحقيق الشخصية وبحث العقد والذكريات المؤلمة من خلال التحليل النفسي للمريض.
  • التدليك والرياضة بمختلف أنواعها والموسيقى وتناول الأعشاب.

ومرض القلق النفسي شائع وله عدة أشكال ويؤدي إلى المعاناة والألم النفسي وعدم الاستمتاع بالحياة اليومية, كما أنه يستهلك طاقة الإنسان النفسية والفكرية الداخلية ويجعله أقل فاعلية وأقل إنتاجًا، ولابد من تضافر الجهود الطبية والتربوية والاجتماعية والإعلامية لدراسة وإيجاد أفضل الطرق العلاجية بما يخدم مجتمعاتنا.

---------------------------------------

  • مساحة ود: بطاقات لأمي في عيدها

حنان بيروتي

منذ مرضك وتدهور حالتك الصحية بتسارع رهيب.. و.. وأنا أحس أني أقف على باب أتهيأ مرغمة لأعبر لدنيا جديدة بلا أمي! ثمة سندٌ ودفءٌ وملاذ أخير، وقلب يغدق حنوه ومحبته دونما مقابل، ثمة مَن تحس بجرحي وتمتص انكساراتي وتملأ زوايا البيت برائحة الدفء وعبير الأمان، ثمة مَن تنتظرني وتتلهف لوقع خطواتي وصوتي ورنة هاتفي هي أمي!.. ماذا الآن غير فراغ موحش وافتقاد موجع?!

يمّه! لكم تشبثتُ بكِ فترة احتضارك المتسارع الرهيب أشبه بقطار مجنون يسرع لحتفه، هل من المعقول أن يتحول عالم أمي إلى ذكرى؟! بتّ أتعلق بالهواء.. بالسماء.. أترجّى قطرة رحمة.. أصلي للرّبّ أن تحنو أنامل المرض المحايدة الباردة عليكِ، العطاء للأمهات، لكنّ لعطائك نكهة التضحية ومذاق الأمومة الخالصة ولمعان الجوهر الصافي..

***

أتذكر نهاراتك الموزّعة بين الغسيل الذي لم يعرف الغسالات الآلية المتطورة وأحواض البحر المتتالية وحبة النيلة الزرقاء والبريموس (السخّان) يعلوه لغلي الأبيض، ورائحة المسك ولمعان اللؤلؤ في الملاءات البيضاء وأنتِ تنشرينها فترفُّ أشبه بيمامة تتهيأ للطيران، وبين الشطف وإصرارك في كل مرة على إزاحة الأثاث وتفقّد الزوايا، وطنجرة الطبخ الكبيرة التي لم تختصري حجمها حتى «يبورك الأكل!» ولحظات المساء التي كنت تستلقين خلالها لوقتٍ قصير أمام التلفاز ولا تعرف عيناك ترفَ الإغفاء الهادئ من أصواتنا وطلباتنا ومشاكسة طفولتنا التي لم تعلمينا تجاوزها بحضورك قطّ.

***

قرب سريرك أخذتُ أصلي بصوت خنقه الخوف، خوف أن تؤلمك دمعة، وقفت وإخوتي حولك نرقب حركاتك وسكناتك، وعندما تباعدتْ المسافة بين أنفاسك هرعتُ لأسطوانة الأكسجين المثبّتة قرب السرير ظننتها نفدت وبدأتُ بهزّها علّها تتمخّض عن قطرات أخيرة، لكنّ وجهك اصطبغ بلونٍ باهت وغاب عنه نبض الحياة وألقها، قرأتُ تفاصيل موتك وعنوان رحيلك، وقد تحولت نظرة عينيك لنظرة باردة خاوية من أي معنى وتعبير إلا الموت، وانسلّت آخر ملامح الحياة.. راقبتك توضعين على حمّالة يجرّها غرباء بحياد وروتين وتدور عجلاتها بأزيز جارح متجهة بك وبوجهك الذي شعّ نورًا وأنفاسك الأخيرة وصمتك الأبدي وقدسية رحيلك الهادئ.. إلى ثلاجة الموتى.

***

في مساء رحيلك، لم يعد العالم كما كان، كان لي نبض دفء ونبع صفاء وملاذ مؤجل وقلب لا تعرف أبوابه الصدّ، غدا العالم رماديًا كالحًا، يبست براعم القلب وذبلت أزاهير الفرح في غصن عمرٍ نما وزكا في حضنك الخصب، لكم كنتُ ثرية بكِ. أحسدني على عمري معك، كان يكفيني نظرة لتمسح عن القلب ضبابية الحزن وتغسل الروح من الوحدة وتضيء شمعة أمان وشموس مؤجلة في وحشة النفس.

***

وقفتُ أمام غرفتك أحس داخلي ببرودة كاوية، وأشرع قلبي قلبه على وحشة شاسعة، أنزل الدرج ببطء وكنت قبل سويعات نهبته مهرولة لاهثة إليكِ، لكم أحسسته طويلًا أشبه بلحظات تتدحرج في جحيم الحياة، امتدت أمامي الثواني جمرات عذاب وعدم تصديق، سكنتْ نفسي وانحبستْ دموعي ولم أستطع أن أبكي، شاركتُ في تجهيز جثمانك لأسلّمه للغياب بصورة لائقة، ولو يا أمي..كم مرة جهّزتني للمدرسة ؟ وتفقدت شعري وأظفاري وساند ويشتي ودفاتري؟ وكم مرة تأملتِ ثوبي الأبيض بفرحة الأمهات.. وغسلتِ عمري بدمعكِ؟.. ولو.

وجدتني أيقن بأنّك تنسلخين عني وبأنّي أنسلخ عنك للمرة الأولى والأخيرة بعد ولادتي، راقبتني أشبه بعصفور كُسر جناحاه والنار تحيط به... وقفت أمام باب المستشفى، كل شيء يسير كالمعتاد، ولحظات الزمن تستمر بالجريان، الشوارع تكتظّ بالناس والخلويات ترنّ بنغماتها والسيارات تزاحم المارة والمحلات مشرعة، ووجه الحارس الذي رضخ لإصراري على الدخول إليكِ وقت أشاء ينظر صامتاً و الدرج .. والممرات الطويلة الموصلة لغرفة (12) والنجوم والهواء كل شيء كما هو.. إلا أنّ الحياة بأكملها تغيّرت عندي.

***

ويا أمي ..

يا زنبقة العمر ودحنونة القلب، أيا غطائي وحضني وملاذي الذي غاب وبتّ أفتقده منذ اللحظة الأولى، كنت أحسب الافتقاد أصعب في بدايته لأكتشف أنّ ألمه وحرقته ووجعه تتصاعد وتتفاقم بمرور الوقت أشبه بجرح مفتوح مستعصٍ على الشفاء.. أخذت برحيلك جزءًا من قلبي وقطعة من روحي، ثمة جزء مني لم يزل يضرع متلهفاً لكِ . أيّتها الحضن المشتهى الذي لا يعرف أشواك الغدر وبرودة الغياب وأسنّة البعد والجفاء..

رحمك الله يا أمي.

---------------------------------------

  • صحة: هل صحيحٌ أن «طعامَ زيْدٍ سمُّ لعمرو»؟
    الطعام: الطيِّبُ، والشَّرسُ، والصَّحيح!

سناء محمود

كل عام تهل علينا إحصائيات وأرقام، قد تناقض علمًيا ما عرفناه في عام سابق. إنها الأبحاث العلمية، تقودنا لالتهام الأسماك أو الامتناع عنها، المواظبة على البيض أو تجنبه، احتساء القهوة أو الاكتفاء بشم رائحتها. ما الحقيقة حول الطعام الطيب، والشرس، والصحيح؟

في مطعم أسماك شهير، تسأل صديقتي، الخبيرة بالتغذية، وهي تتناول قائمة المطعم، إن كان السمك قد جاءوا به من مزرعة، أو هو من الأسماك البحرية.. إلخ. في النهاية تكتفي بتناول شريحة مشوية من صدر الدجاج. رهاب صديقتي من السمك الملوث، هو فوبيا لا تصيبها وحدها، خاصة أننا نعيش في بيئة تزداد تلوثًا، ونتناول غذاء أصبح يعالج كيميائيًا، مما يسبب أمراضًا خطيرة. عناوين الصحف تغير القائمة السوداء المحرمة من عام لآخر، وربما من شهر لآخر، فأين الحقيقة؟

مثالًا، يقول د. فرانك ساكس، أستاذ الوقاية من الأمراض القلبية الوعائية في جامعة هارفارد، إن فول الصويا بصفة عامة جيد جدًا، فأطعمة وجبات الصويا تحتوي على الدهون غير المشبعة وهي مصدر جيد للألياف والفيتامينات وغيرها، وهناك فكرة شائعة حول قدرة فول الصويا على كبح جماح مرض القلب وتخلخل العظام، هذه هي الشائعة التي دحضتها جمعية أمراض القلب الأمريكية، حيث أثبتت أن فول الصويا لا يهزم من الدهون الضارة في الدم سوى بنسبة 3% تقريبا.

تقول اختصاصية التغذية والطبيب النفسي في ميامي، بالولايات المتحدة د. ليزا دورفمان إن القراء، وغالبية العامة، مصدومون من ناحية التغذية خاصة مع وجود الكثير من التنبيهات الغذائية الحمراء (المحرِّمة) والبرتقالية (المحذِّرة). والحقيقة أن بعض الناس من ذوي التركيب الجيني الخاص، أو ممن هم في مرحلة عمرية دون سواها بحاجة إلى توخي الحذر حول استهلاكهم الأطعمة الخطيرة مثل الأسماك، والبن، والبيض، والصويا، صحيح أن مجرد حرمان أنفسنا من فوائدها الصحية كبير، لكنه يحد من احتمالات الاصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان، بل وفقدان البصر. سنتناول في هذه الصفحات مكونين غذائيين يعتبران الأشهر والأهم، وكذلك الأكثر جدلا.

الأسماك: عامل الخوف هو التلوث

يتفق علماء البيئة على أنه يجب عدم التخلي عن السمك، فيقول تيم فيتزجيرالد، وهو باحث بمجال الحفاظ على البيئة وقد نشر تقريرًا عن المأكولات البحريةعنوانه: «كم عدد الوجبات من السمك يمكنني أن آكلها بأمان شهريًا»، خلاصته أن الأسماك أفضل مصدر للبروتين الحيواني، وأنها منخفضة الدهون نسبيًا، كما تقي القلب من دهون أوميجا3. وفي دراسة لصحة الممرضات، أجرتها جامعة هارفارد على أكثر من 80 ألف سيدة، على مدى نحو 3 عقود، يقول فيتزجيرالد: إن الأسماك لدى من يتناولون وجباتها مرتين إلى أربع مرات أسبوعيا قد خفضت خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة 30 %، وخطر السكتة الدماغية بنسبة 27 %.

في المقابل، يأتي تلوث الأسماك أكثر خطرًا، خاصة في المناطق الصناعية، حيث يمكن أن يسبب السمك الملوث بالزئبق تلفًا في المخ، ويأتي التأثير السيئ، ولو بنسبة أقل، من مركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور PCBs)، والملوثات الصناعية التي تسبب السرطان، لذلك فإن الأطفال والنساء في سن الإنجاب، والحوامل أو المرضعات يتعرضون لمخاطر عالية، ويحتاجون إلى تقييد استهلاكهم من الأسماك عالية الزئبق لأن المعادن الثقيلة يمكن أن تتعارض مع نمو المخ الشاب.

وبالمثل، أثبتت دراسات أن التعرض للزئبق، حتى قبل الولادة، يمكن أن يؤدي إلى عجز في اللغة، وعدم الانتباه، وضعف المهارات الحركية، وشلل الذاكرة لدى الأطفال، ولذلك فإن الأطفال الذين تعرضوا لهذه المكونات الملوثة، أثناء عيشهم في الرحم، أصابهم عجز بالمهارات الحركية والذاكرة على حد سواء على المدى القصير.

خلاصة القول إذا كنت

لا تندرج في فئة عالية المخاطر، فإن تناول السمك مرتين في الأسبوع أمر جيد بالنسبة، ولكن لا تأكل السمك نفسه مرتين في الأسبوع الواحد، كما يجب الحد من الأنواع شديدة التلوث (مثل سمك أبو سيف) إلى وجبة في بعض الأحيان. ويحدد جون فريدريك أستاذ علم الأوبئة والتغذية في جامعة هارفارد بكلية الصحة العامة، قائمة الأسماك الأكثر عرضة للتلوث بأنها أسماك القرش، وسمك السيف، والماكريل. ويمكن الحصول على وجبتين في الأسبوع (حوالي 12 أوقية) عن طريق تناول نسبة منخفضة من الزئبق بالمأكولات البحرية مثل الجمبري، والتونة المعلبة الخفيفة، والسلمون.

البيض: عامل الخوف هو نسبة الكولسترول في الدم

الشائع أن البيض ليس ضارا، بل صحي، بفضل نوعية البروتين الجيدة المشبعة بالأحماض الأمينية الأساسية، كالكولين، والتي تؤدي دورا في الوقاية من فقدان الذاكرة، مع الكاروتينات التي تحمي العينين من المياه الزرقاء والضمور البقعي، كما تقول د.ماريا فرنانديز أستاذ علوم التغذية في جامعة كونيتيكت الأمريكية.

في دراسة فرنانديز لعينة من 45 رجلاً وامرأة تتراوح أعمارهم بين الستين وما فوق، أن تناول ما يصل إلى ثلاث بيضات في اليوم لا يزيد من خطر أمراض القلب على الإطلاق، وبعد شهر لم يعان 70 % منهم من أي تغيير يذكر في مستويات الكولسترول، أما باقي العينة (نحو 30 % ) فقد كانت الزيادة بنسبة الكولسترول جيدة.

التحذير الذي يدق ناقوس الخطر يقول إن صفار البيضة الواحدة يجعلنا قريبين من الحد الأقصى للكولسترول يوميا (300 ملليجرام)، رغم أن جمعية القلب الأميركية تقول إنه يجب علينا الانتباه لتجنب أمراض القلب والأوعية الدموية، وأن تناول بيضة يوميا يبقينا بأمان مادمنا نراقب كمية الكولسترول من الأطعمة الأخرى (مثل الجمبري أو الحلويات التي تحتوي على البيض). ويمكن الاكتفاء ببيضة صغيرة (نسبتها 157 ملليجراما من الكولسترول)، أو متوسطة (187 ملليجراما من الكولسترول).

خلاصة القول، إن بيضة واحدة يوميا صحية وضرورية، إلا إذا كان لديك مرض السكري، فقد وجدت دراسة لجامعة هارفارد أن الرجال والنساء المصابين بمرض السكري الذين يتناولون بيضة يوميًا قد تزيد نسبة معاناتهم ما بين مرة ونصف المرة إلى المرتين من خطر الإصابة بأمراض القلب.

---------------------------------------

  • تصميم: من تصميم أزياء الصفوة لأزياء الجنادرية والكشافة السعودي
    يحيى البشري.. رحلة مجتمع نحو الحداثة

هايدي عبد اللطيف

يرتبط اسم مصمم الأزياء السعودي يحيى البشري بكثير من التوصيفات والحكايات، فهو أول مصمم أزياء سعودي تعرض تصاميمه في العديد من عواصم العالم ويشارك في أسابيع الموضة العالمية كباريس وميلانو وموسكو، وهو المصمم الذي ارتدت الأميرة الراحلة ديانا ثوبًا من تصميمه يحمل النقوش التراثية السعودية، ومصمم الأزياء الرسمي للأسرة المالكة السعودية، ومن بين زبائنه ممثلات وأفراد من الطبقة الثرية في المجتمع.

وهو الوحيد الذي نقلت عروضه شبكة الـ«سي.إن.إن» الأمريكية وقدم تلفزيون الـ«بي بي سي» البريطاني فيلمًا وثائقيًا عنه... وهو أيضًا المصمم الوحيد الذي حاول التغيير في شكل الثوب الرجالي الأبيض، الزي التقليدي السعودي (الدشداشة) وأدخل عليه التطريز، وغير في ألوانه مما عرضه للهجوم، ولكنه نجح وأصبح يمتلك معرضًا للأثواب ويعمل أيضًا على التغيير في شكل الشماغ والغترة. يحيى البشري عانى في بداية مسيرته كمصمم للأزياء من تقاليد المجتمع السعودي وتعسف المؤسسة الدينية معه، واليوم يصمم أزياء العديد من الاحتفاليات القومية كمهرجان الجنادرية، كما صمم زي الكشافة السعودية. إن رحلة يحيى البشري التي تمتد لأكثر من عشرين عامًا هي رحلة تطور مجتمع يسير في طريق الحداثة ليواكب الألفية الجديدة مع احتفاظه بتقاليده، وهي السمة المميزة لتصاميم البشري، فهو ليس مصممًا لأزياء من التراث ولكنه يستلهم من التراث.

تصاميم البشري عالمية بلمسة شرقية:

لم يقدم يحيى البشري يومًا تصاميم تراثية، بل كانت فساتينه سواء للسهرات أو للأعراس تحمل الصبغة العالمية بروح شرقية.. ويقول البشري: «تصميمي لا يرتبط بالتراث، فلست مصممًا تراثيًا ولكنني أستلهم من التراث، هذا فقط دوري، إنما تكنيكي عالمي وخطي الذي أقدمه خط عالمي، ولذلك فإن أزيائي موجودة في أماكن عالمية في نيويورك وواشنطن وباريس وهي ليست أزياء تراثية».

ولكن بالرغم من ذلك فظهور لمسة شرقية في تصاميم البشري هو ما جعلها مميزة وجذابة وسط الأزياء العالمية، ويقول: «في العالم الغربي يقدرون أي شيء فيه لمسة مختلفة عنهم، فهم تعودوا على أزيائهم منذ سنين وكل مصمم يكررها بصورة مختلفة إلى أن أصابتهم حالة إفلاس في الأفكار، ولذلك فعندما تأتي بلمسة شرقية تكون مثار إعجاب وتكون شيئًا جديدًا عليهم، وإذا صيغت هذه اللمسة بشكل جيد وعالمي فهي تلاقي حضورًا قويًا».

لذا فهو يرى أن مصممي الأزياء في العالم العربي لا يجب أن ينقلوا التراث كما هو وألا يتغربوا بشكل كامل، بل يجب أن يضعوا لمساتهم ويطوروها كما فعل اليابانيون عندما أتوا إلى الغرب بتراث بلدانهم، وكانت النتيجة أنهم أصبحوا مصممين عالميين مشهورين وأصبحت أزياؤهم تباع في العالم كله.

وقد هوجم البشري في بدايات عمله بتصميم الأزياء في بداية التسعينيات، وقيل إن تصاميمه غير محتشمة وكان هذا الاتهام ضمن حملة هجوم كبيرة تعرض لها البشري على أكثر من صعيد.. ولكنه لم ييأس واستكمل مشواره وظلت أزياؤه تباع في السعودية وترتديها نساء سعوديات في سهرات نسائية خاصة وليس في الشارع بالطبع، وكان هذا هو رد البشري على الهجوم، حيث أكد أنه مادام يخاطب موضة عالمية فلا يمكن أن يدخل في تصميم نمط معين، وأزياؤه تقدم في باريس حيث لا يمكن تقديم شيء معاكس للخطوط العالمية.

عقبات البداية تنتهي بحصول البشري على دعم الملك عبدالله:

أما معاناته في المجتمع السعودي فبدأت معه منذ بداية رحلته، حيث كان من النادر جدًا في نهاية الثمانينيات أن يتخذ شاب تصميم الأزياء مستقبلًا مهنيًا له. ولكن البشري قبل التحدي وهو يعلم أنه سيكون من الصعب جدًا شق طريقه في المجال الذي اختاره في بلد لا يقبل فيه المجتمع ولا المؤسسة الدينية تصميم الأزياء كفن.

وواجه البشري عقبات أخرى، مثل عدم وجود عارضات أزياء بالمملكة وصعوبة تنظيم عروض للأزياء هناك، لكنه بعد أن حقق نجاحًا أصبح بمنزلة الشخص الذي مهد الطريق للشبان السعوديين الذين يطمحون إلى أن يكونوا مصممي أزياء.

وقطع والده الذي شعر بالصدمة وخيبة الأمل لاختيار ابنه هذه المهنة، علاقته به في بادئ الأمر آملًا أن يتحوّل إلى مسار مهني تقليدي، ولم يعترف بعمله إلا بعد لقاء البشري بالملك عبدالله بن عبد العزيز والحصول على دعمه.

ولذا تحمل البشري في بدايته أعباء دراسة تصميم الأزياء في إيطاليا وفرنسا لمدة سنتين ونصف السنة، بما في ذلك فترة من الوقت أمضاها في دار أزياء «جان لوي شيرير»، وذلك من خلال تأليف القصائد وبيعها فهو شاعرموهوب، والكتابة لصحيفة محلية حيث كان حلمه أن يكون صحافيًا.

وعاد البشري إلى المملكة العربية السعودية عام 1990 وافتتح متجرًا صغيرًا في شارع هادئ في جدة، حيث هوجم كثيرًا. كذلك، حُجِزَت مجلات الأزياء التي اشتراها أو مزِّقت في جمارك المطار، ودمرت الدمى التي تستعمل عادة لعرض الثياب في الواجهات والتي حاول استيرادها بسبب الحظر الديني على التماثيل. إلا أن هذا الوضع تغير كما يقول يحيى البشري، مشيرا إلى أنه يصمم أزياء مهرجان الجنادرية منذ عام 1997، وأصبحت مجسمات الأزياء في كل مكان.

وكان دعم الملك عبد الله بن عبد العزيز عوضًا له عما لاقاه في بدايات عمله، عندما حصل على فرصته الذهبية عام 1997 للقاء الملك، فقد أراد الملك عبدالله رؤية تصاميمه، وبدأ البشري يستعد لذلك. في بحثه عن أزياء الرجال العرب، اكتشف أنه في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، كان الملك عبد العزيز بن سعود، وهو مؤسس المملكة ووالد الملك عبد الله، يرتدي عباءات طويلة مزينة بدقة ومخصصة للمناسبات الرسمية. وعرض أمام الملك عبدالله الكتاب الذي يتضمن صورًا للعباءات التي كان والده يرتديها، وفسرت له أن اللون الأبيض الذي يرتديه السعوديون الآن لم يكن جزءًا من التقاليد، بل كان شيئًا جديدًا بالنسبة إلى المجتمع، يعود إلى ثلاثة أو أربعة عقود فقط. والسبب برأيه هو أنه في ستينيات القرن الماضي، أدت الثروة النفطية الجديدة في المملكة إلى نشوء دولة أكثر حداثة، وإلى نمط حياة أقل قساوة، فأصبحت الأثواب البيضاء، التي تعكس الحرارة، أكثر عملية وسهولة في التنظيف.

ويروي البشري أنه شرح للملك أن أزياءه مستوحاة من الفن العربي والإسلامي، لاسيما الرسوم الهندسية للمنازل في منطقتي وسط نجد وجنوب عسير، ومن الشعريات التي توضع على النوافذ والأبواب في المنطقة الغربية من الحجاز. يقول إن الملك طلب منه أن يصمم عباءات تشبه تلك التي ارتداها والده وأثوابًا بأقمشة زاهية، كما كلفه بتصميم أزياء مهرجان الجنادرية عام 1997 والذي تضمن حوالي ألف عباءة ارتداها الفنانون بتصميمات وألوان مختلفة.

واليوم يملك البشري متجرًا راقيًا في جدة، حيث يقيم، يتألف من طابقين يضمان أزياء للرجال والنساء، ومتجرًا آخر في الرياض، العاصمة، وصالة عرض في باريس. أما زبائنه فهم من نخبة المجتمع الراقي في السعودية، من بينهم العاهل السعودي الملك عبد الله وأفراد آخرون، رجالًا ونساء، من العائلة المالكة.

البشري يقدم لوحات فنية في تصاميمه:

في عام 1990 كلف البشري بتصميم فستان للأميرة الراحلة ديانا، وهي كانت اللحظة التي غيرت حياته واختصرت له مسافات طويلة. وعندها عاد إلى قريته في المنطقة الجنوبية بالسعودية وأخذ منها نقوش الجدران وصنع منها زيًا معاصرًا أعجبت به ديانا، فحددت 15 دقيقة لمقابلته. وهكذا استمر البشري يقدم لوحات فنية في تصميماته مصحوبة أحيانًا بالشعر الذي يكتبه.

ففي أحدث عروضه والذي أقيم العام الماضي بعد غياب عامين قدم البشري مجموعته العالمية الجديدة التي عكف فيها على إنجاز حلم مختلف، حيث قدم عرضه الذي حمل عنوان «الخيل والإنسان» في قالب مسرحي ليصبح علامة فارقة في مشواره مع الموضة.

عرض البشري تصاميمه أولاً في ولاية كنتاكي الأمريكية في مايو 2010 ضمن معرض «هدية من الصحراء»، الذي أقامته المملكة العربية السعودية بهدف تمكين المواطن الأمريكي من الاطلاع على واقع الحياة للإنسان السعودي عبر العصور، وعلاقة المواطن بالحصان العربي. وقدم البشري من خلاله سبع لوحات من الجمال والخيال تحكي التفاصيل التي جمعت الإنسان بالخيل منذ بدء الخليقة والمعرفة حتى اليوم، احتوى العرض على 60 قطعة مناصفة بين أزياء المرأة والرجل، قدم فيها البشري التاريخ ورؤيته الفنية في عرض أزياء غير مألوف. وقد انتقل البشري بهذا العرض ليقدمه خلال الصيف في عاصمة الموضة باريس وحقق نجاحًا كبيرًا وكتبت عنه الصحف العالمية.

نجاح عالمي آخر مع الأزياء الرجالية:

وبعد النجاح العالمي الذي حققه البشري منذ بداياته في تصميم أزياء المرأة، اتجه البشري لتصميم أزياء الرجال. وترتكز أعماله الخاصة بالرجال على تطوير أفكار لأزياء الرجال في منطقة الخليج، فكان لديه اهتمام بتطوير التراث الخليجي أكثر من أي شيء بشكل يمكن أن يغير النمطية الجامدة في ملابسهم. وحاول أن يدخل إضافات تجميلية ونجح حتى وصل إلى أن يصمم لكثير من المشاهير سواء من الملوك أو الأمراء، مثل الأمير تشارلز، ولي عهد بريطانيا.

وفي صيف 2007 عرض البشري مجموعته الجديدة للأزياء الرجالية لأول مرة ضمن أسبوع الموضة للأزياء الرجالية في عاصمة الموضة باريس إلى جانب 47 مصممًا عالميًا، قدم خلاله 55 زيًا ساحرًا وكانت كلها غنية بالألوان والأفكار الجديدة المبتكرة، حصدت جميعها إعجاب الحاضرين، كما اعتبرت الصحافة العالمية عرض البشري مختلفًا عن عروض الآخرين بجرأته وألوانه وإدخاله الروح العربية للمرة الأولى في الموضة الرجالية العالمية.

وقد كان لافتًا تألق الشماغ حيث أضافه البشري بطريقة جميلة ومتزنة إلى بعض القطع، وقد أثار إعجاب الحاضرين إلى أقصى حد.

وبالرغم من هذه الرحلة الطويلة والنجاح الكبير مازال البشري لديه الكثير ليقدمه لعالم الأزياء في السعودية والوطن العربي وطموحاته لا تنتهي حيث يحلم بأن يفتتح مدرسة لتعليم تصميم الأزياء خاصة به، وطالب رجال الأعمال بتبني فكرته ودعمها ماليًا.

---------------------------------------

  • ديكور: 7 نصائح لتصميم غرف الأطفال

إقبال محمد فريد

يختلف اختيار تصميم غرف الأطفال بين مرحلة عمرية وأخرى. ويتوقف اختيار المصمم، سواء الأمهات، أو الآباء أو المصممون المحترفون لقطع الأثاث، ونوعية الأرضيات ومساحات التخزين على عدة عوامل، ويبقى التحدي الأكبر هو أن غرف الأطفال تختلف عن غرف نوم الكبار، لأنها ليست فقط مكانًا للنوم وإنما أيضا مكان للاستكشاف واللعب والنمو.

1- السلامة أولًا:

يجب ألا أن يظل شعار «السلامة أولًا» حبرًا على الورق، لأن دواعي السلامة هي التحدي الأول للتصميم، ومن ثم يجب تجنب الزوايا الحادة، والخامات الزجاجية، والارتفاعات غير المؤمنة.

2- التخطيط لجميع الأعمار:

يجب أن تواكب تصميمات الغرف بشكل عملي تغيرات نمو الطفل، من حيث حجم الأثاث والديكور، بمخططات لا خلاف عليها. ولذلك يمكن أيضًا إشراك الصغار في تخطيط المساحة المخصصة لهم بالبيت أو الشقة، واختيار المفروشات والتشطيبات ما سيعكس الأذواق الخاصة بأطفالكم. هذا يوفر كثيرًا من عناء تبديل الألوان وقطع الأثاث غير المرغوب فيها لاحقًا.

في سن المراهقة، ستكون هناك حاجة لمكتب كبير وإضاءة جيدة وخزانة للكتب، وطاولة لجهاز كمبيوتر، وخزانة ملابس كافية.

3- مساحة لشخص إضافي:

بعد توفير مساحة للنوم وتغيير الحفاضات (للصغار جدًا)، ومساحة للعب، وأخرى للدراسة، يجب توفير مساحة إضافية، للأم التي تراجع دروس الأطفال، أو الأب الذي يحكي لهم قصصًا قبل النوم، أو جليسة الأطفال التي تقضي مع الأطفال وقتًا، بحيث لا تشغل مساحة مخصصة للطفل.

4- معالجة الأرضيات:

لتجنب التلوث وعدم الانزلاق، يجب أن تعالج الأرضيات بشكل دائم، بغسلها وتجفيفها، وتعريضها للشمس، لتدفئتها، مع توفير مساحة مريحة بالأرضيات للطفل الذي يتعلم الزحف أو يتدرب على المشي، أو الأطفال الأكبر الذين يستخدمون الأرضية لبناء المكعبات، وتشغيل القطارات.

5- غطاء النوافذ:

يراعى توفير ستائر دائمة مانعة للشمس على النوافذ الكبيرة والصغيرة، فهي ضرورية لحجب الشمس عند الضرورة وخاصة في ساعات النوم الطويلة بالنهار.

6- تشجيع الاكتشاف والمرح:

للتخطيط لمرحلة ما قبل المدرسة، حيث تمثل غرفة الأطفال مساحة آمنة للعب، يجب مراعاة توفير مساحات للاستكشاف والتسلق والقفز. المرح مع الاكتشاف يأتيان باستخدام الألوان الجريئة والصريحة تمامًا. ويقل اللعب الخطر باستخدام أثاث مناسب لطول الطفل. ويمكن استخدام صور شخصيات كرتونية أو ملصقات بطلات وأبطال الحكايات، ولكن بخامات يمكن الاستغناء عنها لاحقًا من أجل أبطال جدد في مرحلة عمرية لاحقة.

7- مساحات التخزين:

إذا كانت أدراجا، يسهل فتحها وغلقها دون أن تسبب أذى، فملابس الطفل تحتاج إلى مساحة تخزين غالبًا ما تكون بالأسرة لأنها تظل مطوية، وليست مثل ملابس الكبار التي يفضل أن تكون معلقة على الشماعات. توفير مساحة تخزين إضافية للألعاب، وكثير من ممتلكات الأطفال البلاستيكية والورقية والنسيجية، إما في أدراج أو على هيئة صناديق ملونة.

---------------------------------------

  • العمارة غداً: أبراج مارلين مونرو

أشرف أبو اليزيد

يرتكز تاريخ العمارة وهندستها على شغل الفراغ. المساحتان الأفقية والعمودية هما الملعب الذي تتحرك فيه كرة الخيال الهندسي لتحرز هدفها بإنشاء معلم معماري، اعتيادي أو فذ. وقد شغف الإنسان بمناطحة السحاب، فشيد الأهرامات، على اختلاف ارتفاعاتها وهيئاتها، وأعلى الباجودات في الشرق الأقصى، معابد وسكنى، وأقام الأبراج مائلها وشاهقها، بأكثر من خامة وشكل، حتى أصبحت الأبراج علامات على المدن والدول.

وحين مُنح نعمة الإيمان طالت المآذن في المساجد، وعلت الأجراس في أبراج الكنائس. لكن البشر بعد أن استبد بهم جنون العظمة على الأرض، تفننوا -يتبعهم المهندسون الغاوون - في بناء ناطحات السحاب، وتاريخ تلك الناطحات أشهر من أن يُكرر، حتى بات بناء البرج أمرًا عاديا، فما عاد السؤال عن طوله قدر ما أصبح التساؤل عن شكله وتقنيته.

وإذا كنا في العدد السابق من «البيت العربي» قد تحدثنا عن برج سكني دوار يناطح السحاب تستضيفه مدينة دبي، فهنا نتناول صيغة جديدة، تأتي من الشرق الأقصى، وهي تجربة نجحت في التفوق على منافساتها في سوق التصميمات الهندسية، ففاز صاحبها المعماري الصيني يان سونغ ما، ونفذ نسختها الأولى، فبيعت في لمح البصر وحداتها السكنية مما دعا أصحاب المشروع إلى بناء توأم مجاور لها، وليمثلا الاثنان معًا، ما عرف على المستوى الشعبي للناظر إليهما ببرجي مارلين مونرو، نظرًا للهيئة «الجسدية» الرشيقة لقوام المبنى الملفوف الذي يحاكي لوهلة ثياب الممثلة الأمريكية الشقراء، ولن أحدثكم عن سعر شقة عليا تشرف على الفضاء المحيط، حيث يقام البرجان في مدينة تورونتو الكندية، فقد بيعت بمبلغ 3.2 مليون دولار، وهو سعر زهيد إذا عرفنا أنها تطل بدرجة 180 على بحيرة بديعة، وأن خيولاً عربية منحوتة للفنان التشيلي فرانشيسكو جازيتوا تستقبل القاطنين عند بوابة برج مارلين مونرو، أو مشروع ميسيساجوا، وهو الاسم الرسمي للبناء.

بعد إعلان مسابقة التصميم الحضري في 28 نوفمبر 2006، وإعلان فوز المشروع في 28 مارس 2007، ولأربع سنوات بعدها، أخذ البناء يتصاعد، ليصل إلى 56 طابقًا، بيعت بين عشية وضحاها، ودفع هذا النجاح إلى تدشين البرج الثاني بارتفاع 50 طابقًا، بشرفات زجاجية وأربعة مواقف للسيارات، كما يمكن للمشتري أن يضع اللمسات الأخيرة، كبصمة شخصية لمساحة 3401 قدم مربعة، في تصميم يجمع غرفة نوم رئيسية فسيحة، وغرفتي نوم للضيوف والأطفال، ومكتبة، وصالة طعام، ومرافق، والأهم غرفة جاليري تمثل مسرحًا منزليًا.

تتبعتُ أعمال المصمم الصيني يان سونغ ما، في بكين، حيث يؤسس شركته «MAD» وهي حروف إذا كانت تعني بالإنجليزية كلمة «مجنون»، فهي تشير أيضا إلى إبداع مغاير لشاب معماري، وهو ما لا يقف عند حدود أبراج مارلين مونرو، بل يصل إلى متحف أوردوس، الذي يظهر للرائي مثل موجة رملية في صحراء جوبي الصينية الشهيرة التي قطعتها قوافل طريق الحرير قديمًا، وها هي الموجات الرملية تصل أوربا لاتحمل الشاي والتوابل والحرير، ولكنها تحمل فكرة التواصل الإنساني بين الثقافات، وهو ما جعل المتحف أيقونة مميزة، ليس فقط بتصميمه، ولكن بقيمته العملية، حيث تحمي الألواح المحيطة به مقتنيات المتحف من قسوة البيئة المحيطة شتاء، وتتناغم - في الوقت نفسه - مع البنايات المحيطة، ليصبح مثل كهف أو ملجأ أمين لثقافة خالدة، دون أن يحرم العاملون فيه من بيئة داخلية بها حديقة وفضاءات مريحة مضيئة كافية. سأكتفي بالحديث لتتأملوا معي الصور، التي تقدم درسًا في بلاغة البساطة، وهي البلاغة التي نفتقدها الآن، ونتمناها في العمارة غدًا.