عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

الثقافة طوق نجاتنا

على مدى رحلة «العربي» التي امتدت لأكثر من نصف القرن، منذ صدور عددها الأول مطلع ديسمبر 1958م، كان العهد غير المكتوب الذي قطعته المجلة على نفسها، تجاه قرائها العرب في كل مكان هو الانحياز للثقافة، بكل شمولها، وأطيافها، وبكامل ثرائها المستمد من تنوعها. وبالفعل أثبتت الثقافة أنها الوطن الديمقراطي الأكبر، الذي يتسع للاختلاف ويفسح صدره للخلاف، ولهذا سافرت «العربي» حاملة قلمها وعدستها لتنقل للمواطن العربي من الماء إلى الماء صورًا يراها للمرة الأولى عن أخيه العربي، في كل مكان، نأى عنه أو دنا منه.

هكذا تأتي دعوة رئيس التحرير في حديثه الشهري عن وطن الثقافة، حيث يؤكد أن الاختلاف، والصراع حوله، ليس نبتًا عربيًا إسلاميًا، كما تحاول كثير من القوى في الغرب - خصوصًا - الترويج له والتأكيد عليه، وإنما هو جين أصيل في الجنس البشري على مر الأزمان، فالصراعات التي تجتاحُ العالم؛ صغيرَها وكبيرَها، ودونما استثناء، أساسها الأول هو الاختلاف في الفكر والرأي، والمخالفة في العقيدة والطائفة، والتباين بالأعراق واللغات، واتساع الفجوة بين الهويات التي تحيا تحت سماء الوطن الواحد، لكن ذلك ما هو ظاهر، لأننا نكتشف - بعد طول تأمل - أن هذه الصراعات تشعل جذوتها مصالح اقتصادية وسياسية - داخلية وخارجية - تتخذ من تلك الاختلافات حجة كافية لتحقيق مآربها في السيطرة والتحكم وفرض النفوذ.

وتواصل «العربي» إحياء مفهوم مواطنة الثقافة العربية الأم، لذلك تخصص ملفها لكاتب عروبي من الكويت، آمن بأن الكلمة الحق عابرة للثقافات، وموحدة لها. كما تسافر - باعتبارها ديوان الرحلة المعاصرة إلى أقصى بقاع الوطن العربي بمدينة طنجة، على خطى كتّابها الأشهر، محمد شكري، الطاهر بن جلون، بول بولز، تينسي وليامز وسواهم، الذين جعلوا منها أكثر من مدينة في مكان واحد، يستدعي زائرها التاريخ عبر بنايات يشير معمارها إلى حقب مختلفة، وتداهمه بين آن وآخر هبات من رياح أسطورية تتمتع بها هذه المدينة الرابضة من شاهق الشمال الإفريقي المغربي؛ تطل على العالم، تحرس مضيق جبل طارق، تتأمل العابرين عبر المضيق. ثم تنتقل «العربي» للعالم، ديوانًا لأعلام الثقافة العالمية، تارة بالفن - لتتبع رسامي اللحظات الهاربة في مدن العالم، الذين يرسمون وسط ضجيج المدن لحظات آنسوا إليها فألفتهم، أو المبدعين العرب للسينما الفرنسية، وتارة أخرى بالتاريخ لتقرأ سيرة جنكيزخان، جنبًا إلى جنب مع مؤسسي الحركات الفلسفية العربية.

في مطلع ربيع عربي جديد يسافر قرّاء وقارئات هذا العدد «العربي»، وعلى متن قافلة الفنون والآداب والعلوم، وملحق «البيت العربي»، في رحلة تتجدد كل شهر، مع القراء والقارئات الكرام في وطن اسمه الثقافة.

 

المحرر