شعاع من التاريخ

شعاع من التاريخ
        

عبدالله السالم .. "أبو الاستقلال"

          ليس أوقع لمن يمسك بقلم التاريخ أن يكون في قلب الحدث .. وقد كان من حسن طالع صاحب هذا القلم أن يشهد بعض وقائع تاريخ "أبي الاستقلال" في الكويت الشيخ عبدالله السالم الصباح، وأن يعايش عن قرب مدى تطور البلاد في عهده ثم من خلال حكم سلفيه الشيخ صباح السالم والشيخ جابر الأحمد الصباح طوال أكثر من عشرين عاماً. وكان من حظ صاحب هذا القلم أن تكون زيارته الأولى للكويت عضوا في وفد مصر إلى مؤتمر الأدباء العرب الذين قرروا أن يعقد في الكويت عام 1962 ردا على الجرأة الغاشمة لقاسم العراق وادعائه أن للعراق حقاً تاريخياً في الكويت باعتبارها إحدى محافظات بلاده، تماما كما فعلها بعد ذلك بثلاثين عاما صدام حسين. وإذا كان صدام قد جرؤ أن يدخل بقواته غازيا الكويت، فإن عبدالكريم قاسم حينما فعل ذلك في يوليو 1961 بنفس الادعاء أفشلته مصر والسعودية وبريطانيا وأعلن عبدالناصر أن أي تحرك من هذا النوع سيواجه بضربات عسكرية من القوات المصرية التي وقفت على أهبة الاستعداد ومن ورائها الشعب في انتظار كلمة شيخ الكويت الذي تصدى صامدا للمحاولة بكل قوة وحزم.

          وخلال انعقاد المؤتمر شرف أعضاؤه بتلبية دعوة الشيخ عبدالله السالم لتناول الغداء في قصر السيف. وكانت الدعوة بعد أن فوجئ أعضاء المؤتمر في اليوم الأول لاجتماعاته بهجوم شنه الشاعر العراقي مهدي الجواهري على مصر ورئيسها عبدالناصر. وكان الشيخ عبدالله قد عرف من بعض أعضاء الوفد المصري ومنهم كامل الشناوي وعبدالرحمن الشرقاوي وإسماعيل الحبروك في لقاء عاجل معه في نفس اليوم بما حدث. وحياهم لعدم ردهم على الجواهري بما يستحق، إذ كانت توجيهات عبدالناصر للوفد ألا يستدرجوا لأي استفزاز يمكن أن يؤدي إلى فشل المؤتمر وإحراج الكويت.

          وخلال مأدبة الغداء شرف الأدباء العرب وبخاصة الوفد المصري بتكريم خاص من الأمير الذي كان يناولهم بيديه على الطريقة الخليجية قطع شواء الخراف التي تتوسط المائدة الرئيسية . وكانت كلماته التي حيا فيها الوفد المصري تؤكد ما يحمله من حب وتقدير.

في عهد الاستقلال

          كان الجميع يعرفون ما سبق ذلك من أحداث. ففي عهد الأمير عبدالله السالم ألغيت معاهدة الحماية البريطانية واستبدلت بها معاهدة تعاون وصداقة في يونيو 1961. وشهد ذلك العام تحرك الكويت كدولة مستقلة ذات سيادة على الصعيد العالمي. وبدأت تحتل مركزها بين صفوف الأمم ذات الكلمة المسموعة في المحافل الدولية.

          واستكملت الكويت استقلالها بالمعاهدة التي نصت على أن حكومة الكويت تتحمل وحدها جميع مسئوليات تسيير شؤون الكويت الداخلية والخارجية.

          يقول التاريخ بهذه المناسبة إن الشيخ عبدالله السالم قد أعد لدور الحاكم قبل أن يتولى الحكم. وقد عمل مع ابن عمه الشيخ أحمد الجابر طوال فترة حكمه على رعاية شؤون الكويت الإدارية والمالية.

          وكان الشيخ أحمد الجابر يعتمد على حصافة رأي عبدالله اعتمادا كبيرا في أكثر من مناسبة. وعندما شكل المجلس الاستشاري عام 1939 كان يتألف من الشيخ عبدالله السالم رئيسا وأربعة أعضاء من آل الصباح وتسعة من أعيان البلاد. وقد كان عبدالله شاهدا لموقف فريد حينما أراد المعتمد البريطاني التدخل في الشؤون الداخلية فأوقفه الشيخ أحمد الجابر عند حده وذكره بأن أمور الكويت الداخلية كما قررها جده مبارك لم تكن من شؤون الإنجليز كما هو محدد في معاهدة 1899 فهي من اختصاص الكويت وحدها.

          ولم تكن رعاية الشؤون المالية والإدارية وحدها هي كل ما كلفه به الشيخ أحمد الجابر فقد تولى أيضاً العناية بالشؤون البلدية والكهرباء وتحلية مياه الشرب. وقد كان لاكتشاف النفط في فبراير 1938 أهمية سياسية وانتعاش في الوضع الاقتصادي. ومن ذلك التاريخ بدأ وجه الكويت في التغير السريع إذ سرعان ما استغل الشيخ أحمد الجابر هذه الثروة في بناء نهضة البلاد التعليمية والصحية والتي استكملها من بعده الشيخ عبدالله السالم عندما تولى الحكم عام 1950.

التطور الاجتماعي والدستوري

          كانت سياسة الشيخ عبدالله السالم وخطته فيما يتعلق بحكم الدولة تتجه أولا إلى العناية الزائدة بالتقدم العمراني والاهتمام بالفرد الكويتي وتنشئته وتثقيفه، ومن هنا كانت النهضة التعليمية والصحية والعلاج المجاني للجميع. ومع تضاعف أموال النفط مدت الكويت يد العون لمن شاء من جيرانها.

          كما بدأ الاستغلال الأمثل لمصفاة التكرير في الكويت بمدينة الأحمدي بجهود مضاعفة شارك فيها الشيخ جابر الأحمد (الأمير الحالي) والذي كان يتولى دائرة المالية ومحافظة الأحمدي. وتوالت الجهود في عهد الشيخ عبدالله السالم طوال فترة حكمه بين 1950 و 1965 حيث تم تشغيل معمل تقطير مياه البحر وأول محطة لتكرير المياه وإنشاء محطة التجارب الزراعية وتأسيس شركة البترول الوطنية الكويتية وتأسيس ميناء الشويخ. وفي 20 يوليو 1961 انضمت الكويت إلى جامعة الدول العربية وصدرت القوانين والتشريعات المنظمة لمختلف مرافق الحياة. وفي نوفمبر من نفس العام صدر قانون إنشاء الصندوق الدولي للتنمية الزراعية ثم الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية. وفي 11 نوفمبر 1962 صدر دستور الكويت وافتتح مجلس الأمة في يناير 1963 وكانت مصلحة شعب الكويت هي هدف الحكومة دائما تسعى إليه بمختلف وسائل الإعلام في جميع الشؤون العمرانية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وفي كلام بالغ الوضوح جاءت كلمة الأمير عبدالله السالم : "ستسمر الكويت دائما بإذن الله في طريقها الذي خطته لنفسها، دولة عربية تتضامن مع شقيقاتها في كل ما يعود بالخير على الأمة العربية. دولة مستقلة تؤيد حق كل بلد في نيل حريته واستقلاله، دولة محبة للسلام تؤيد كل من يسعى إليه متمسكة في كل ذلك بميثاق الأمم المتحدة.

 

سليمان مظهر