الأرقام العربية.. أين الدليل؟!

إن المتابع لمسألة ما يسمى بالأرقام العربية، والأبحاث والمداخلات العديدة التي كتبت عنها، ليعجب من هذه الحماسة الفارغة بدعوى وجود أرقام عربية غير موجودة أصلاً، فمن أين الدليل والحجة والبرهان على وجودها؟ وكأنها مختطفة من قبل الغرب العنجهي الاستبدادي، فعادت من هناك بعد أسرها وغربتها، وآخر هذه المداخلات ما ذكره د.عبدالهادي التازي من المغرب (العدد 644 - يوليو 2012م). في الأصل وبكل تأكيد ومن دون مراوغة، لم يكن لدى العرب أرقام عربية على الإطلاق، وإنما على سبيل المثال كما ورد في كتب التاريخ (الطبري وابن الأثير) يشيرون إلى السنة بقولهم: «ودخلت سنة سبع وخمسين بعد الماية»، أما عملية الحساب فكانوا يستعملون «حساب الجمل»، كما أشار إلى ذلك صاحب معجم «الصحاح».

وأما دخول الأرقام للعربية فقد جاء على يد عالم هندي اسمه «كنكا» في العصر العباسي الأول، وقد تولى دراسة هذه الأرقام ونشرها عالم عربي من آل الفزاري. وأقدم صورة لهذه الأرقام الهندية موجودة في فهرست ابن النديم وهي قريبة من الخط العربي أو أنها رسمت كذلك، أي أنها مكتوبة من اليمين إلى اليسار بعكس الخط اللاتيني الفرنجي الغربي الذي يكتب من الشمال إلى اليمين، وقد نسب المسلمون هذه الأرقام لأهلها، فقالوا «الحساب الهندي» كما نسبوا العلوم والأفكار التي أخذوها لأهلها (فلك ومنطق وفلسفة...) ويدل هذا على إقرار واعتراف علمي وموضوعي سليم.

وقد أجادوا استعمالها والاستفادة منها وأفادوا البشرية جمعاء بها، وأصبحت من أهم ركائز الفكر الإنساني بأجمعه وأضحت وكأنها عربية لأنهم صبغوها بصبغتهم، ثم انتقلت هذه الأرقام مع البابا سلفتر الثاني (945 - 1003) إلى الغرب، وكان هذا قد درس في جامعة قرطبة، وكتبت هذه الأرقام بخط يشاكل ويحاكي وينسجم مع الخط اللاتيني الفرنجي الغربي. أي أنها كتبت من اليسار إلى اليمين وسموها «الأرقام العربية» لأنهم أخذوها من العرب، ومن هنا وقع الوهم بأنها عربية.

أما أن الهند - كما ذكر د.التازي - فقد رفضتها ولكنهم كما هو واضح أخذوا الأرقام الفرنجية من أسيادهم الإنجليز، كما أن لغات الهند وكتاباتها كثيرة، ثم ما علاقتنا بتصرفاتهم؟ وأما أن الصين كما أشار إلى أنها ركلتها، فهذا مدهش أيضا، إذ إن لغات الصين وكتاباتها عديدة وكثيرة الرموز مما لا يعد ولا يحصى، ثم ما الداعي لاتباعهم؟ وأما أن تركيا قد هجرتها، كما أوضح، فإن أتاتورك أراد الخلاص من كل عربي وإسلامي، وفي هذا حجته فاضحة وداحضة.

ثم إن انتشارها في المغرب العربي هو نتيجة للحكم الفرنسي لهذه المناطق، ولا مكابرة على نفي هذه الحقيقة. وقد ساهم في انتشار هذه الأرقام الهجينة (الغربية) في أيامنا هذه الآلات الغربية التي نستعملها في الكتابة, بالإضافة إلى الفضائيات، مع التنويم المغناطيسي الذي نحن هائمون به، ونأكل ونشرب ونعتقد بكل ما يقدم لنا من الغرب وبكل شجاعة ونشامة، وصرنا جزءًا تابعًا لهذه الآلات، نتحرك كما تتحرك، مستولية على تفكيرنا.

فلنعد إلى خطنا العربي الأصيل الجميل ولا نستحي من هذه العودة, وليجرب كل واحد منا أن يكتب عددًا من السطور بالأحرف العربية ثم يضع في داخلها هذه الأرقام (1 - 2 - 3 - 4 - 5 -...), ثم ليجرب العكس ويضع مع هذه السطور العربية الأرقام الفرنجية ( 3 - 2 - 1 ) ويرى كيف أنها مثل الشعيرات السوداء في الثوب الناصع البياض.

ثم نحن أهل اليمين لا أهل الشمال أو اليسار.

ولكاتب هذه السطور بحثان مطولان عن الأرقام والتغريب، نشرا في بعض الصحف والمجلات.

والسلام على من اتبع الهدى وترك الهوى وبخاصة التفاخر بما ليس له.

وإلا فنحن جماعة تسخر من علمها الأمم والجماعات.

شريف يحيى الأمين
بيروت - لبنان