معرض العربي

معرض العربي
        

الجوع للفنان سامي محمد

         يقول ديلاكروا : "أن المرء يعمل ليس فقط لينتج الفن، وإنما ليعطي قيمة للزمن".

         وقد سحب نحت الفنان سامي محمد "الجوع" الزمن من جوف النحت، ليوغل به في الزمن غير المستعاد.

         فكم من المنحوتات توترت على الحجر لتصور قهر الجسد؟

         المعادلة الدرامية لاذعة ففي الأزمنة السحيقة كانت كوارث الطبيعة تمثل العامل الأول في تمزيق الجسد. وصارت كوارث الإنسان بعد تقدمه العلمي هي التي تتولى إذلاله .. الفقر، والقهر ، وكوارث الحرب . نحت سامي محمد هذا العمل عام 1970، له مرحلة لاحقة من عام 1973 إلى عام 1977، عن المخاض، والميلاد، والأمومة. من خشب الساج، المرأة تستولد الحياة وكأنه يتساءل: هل أفراح الإياب، تعادل أتراح الذهاب؟

         لن تجد بعد هذا التاريخ أي عام 1977 سامي محمد إلا مشغولا بالجسد المقهور تصويرا ونحتا، رغم عزفه على بعض الأوتار التشكيلية الجانبية خاصة التكوينات الزخرفية لنسيج "السدو" بالتكتيل أو التلوين.

         تأمل تحت "الجوع":

         فراغات الوهم في النحت هي الأساس في بناء بنية اليقين، يقين بأن الظلم استشرى، وكما يقول الشاعر صلاح عبد الصبور : "الفقر هو القهر".

         وتمثال الجوع ليس كتلة. إنه أيضاً فراغات. عينا المرأة غائرتان متوهجتان بالجوع، مذعورتان، تحدقان، تعرفان ما تريد. أنه أمر أقوى وأبعد غورا من الجوع. فراغات الخدود تستكمل انفراجة الفم، فم الأم، وفم الطفل. صراخ لعمق التكوين وبعد الرؤية من الجوف الفراغ، يصدر الصوت الفراغ.

         ولا تستطيع حتى العين الزجاجية أن تتجاهل بقية الكتلة. تبتعد وعندما تصدمها كثرة النتوءات في فراغ مفجوع بحدة الزوايا .. تقترب.

         تستكمل العين رحلة العذاب. فراغات ما بين ذراعي الأم، وذراعي الطفل، فجوات ثلاث تحط الرحال عند فراغ رابع، فبين ساقي الأم تشب ساق الطفل في حركة تعارضية بين ثياب وتحليق.

         أصابع قدم الأم تدب متوترة، تذكر الأرض، وأهل الأرض بأنها مازالت حية. وقدم الطفل تهم واهنة بالعين الراصدة لأقصى درجات العزم، تذكر بأقصى درجات العزلة عند أصابع الطفل تتشبث بزند الكتلة.

         أقصى درجات العزلة بالفقر والقهر.

         هكذا بدأ سامي محمد مرحلة نحتية تصويرية جديدة يسميها مجموعة "المكبلين" ومجموعة "الصناديق" ومجموعة "الاختراق".

         ولعل الملمح المهم أيضاً في نحت الجوع هو انفعال الكيان الرخامي بكامله بدفقه الرفضي. وأغمض عينيك قليلاً في محاولة لتغييب التفاصيل الداخلية، لن تلمح الرفض لمحا في التكوين، ولكن ستشهده فصيحا، صريحا في رسوم المعالم الخارجية.

         عاود بعينك التجريدية قراءة الداخل، لن تلمح خطا مستكينا، أو ظلا ذليلاً، أو نتوءا مهينا. القهر والرقص، ستستمر هذه الثنائية تشغل وجدان الفنان سامي في إنتاجه التالي، ومازالت تشغله.

         وابحث عن وجه الإنسان في مجموعة "المكبلين" أو مجموعة "الصناديق" أو مجموعة "الاختراق"، لن تجده، وإن وجدته فهو مسحوق، أو مكبل ، أو مكتوم. والجسد لا يعرف السكينة، يدفع بكثافات الربائط وأثقال الكتل. يدرك المصير ويرفض التسليم.

         يعلن صامتا :

         الحرية هي الشيء الوحيد الذي ليس لي الحرية في رفضه.

 

محمد المهدي