المكتبات في الكويت: قراءة وتجارة ورسالة: أحمد فضل شبلول

المكتبات في الكويت: قراءة وتجارة ورسالة: أحمد فضل شبلول

يشتهر شارع قتيبة بمحافظة حولي بدولة الكويت بأنه شارع المكتبات، ففيه تقع سبع مكتبتات تتنافس في عرض الكتب الجديدة والمجلات والجرائد المحلية والعربية والأجنبية سواء اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية، إلى جانب عرض الأدوات المكتبية والقرطاسية ولوازم المدارس والهدايا المختلفة.

أصبح شارع المكتبات (أو قتيبة) مزارا وواجهة كويتية ثقافية يتوجه إليه كل من يريد الحصول على كتاب جديد أو عدد جديد من مجلة ثقافية أو فكرية أو أدبية، وليس معنى هذا أنه لا توجد مكتبات أخرى في أماكن أخرى، فالكويت زاخرة بمكتبات البيع والعرض التي يتردد عليها الباحثون والكتَّاب والمثقفون والطلبة.

وفي رحلة إلقاء الضوء على بعض هذه المكتبات الكويتية، نتذكر أن أول مكتبة تجارية هي «مكتبة ابن رويّح» لصاحبها محمد أحمد الرويّح من مواليد 1900 وقيل 1898 وقد توفي عام 1996. وتأسست المكتبة عام 1920 بجانب مسجد السوق القديم، وهي تعد أول مكتبة باعت واستوردت الكتب والأدوات الكتابية أو القرطاسية، وكانت توفرها لأقدم مدرستين نظاميتين في الكويت وهما: المباركية والأحمدية.

ونحن هنا نفرق بين المكتبات التجارية التي تعنينا في هذا الاستطلاع في المقام الأول، والمكتبات العامة التي تنتشر في مناطق الكويت وتشرف عليها جهات حكومية وبعض مكتبات الجمعيات والأنديـــة الثقـــافية، وهي مكـــتبـــات لا تهدف إلى الربح وإنما تقدم الخدمة المكتبية لروادها في مواعيد محددة.

أما مكتبة الكويت الوطنية فهي المكتبة التي تمنح رقم الإيداع لدور النشر الكويتية، ويُناط بها مسئولية جمع وتنظيم وحفظ وتوثيق التراث الوطني والإنتاج الفكري والثقافي في دولة الكويت، وحماية حقوق الملكية الفكرية، وتحضير الفهرس الوطني الذي يضم التراث والمنتجات الفكرية ومقتنيات المكتبات والهيئات والوزارات وغير ذلك من مهام.

وقبل أن نغادر مكتبة الكويت الوطنية نذكر أنها امتداد لأول مكتبة أهلية تأسست عام 1923 تحت اسم «المكتبة الأهلية» بجهد عدد من تجَّار وأدباء الكويت وتلقت مجموعات من مكتبة الجمعية الخيرية الكويتية التي أنشئت في عام 1913. وفي عام 1994 صدر المرسوم السامي رقم 52 بإنشاء «مكتبة الكويت الوطنية» لتكون مكتبة الدولة الرسمية.

من فات قديمه تاه

غير أن للكتب التراثية والقديمة في الكويت هواة يجمعونها ويوفرونها لمن يريد اقتناءها أو استعارتها سواء في الكويت أو في دول الخليج، أو الدول العربية عموما، انطلاقا من مقولة «من فات قديمه تاه»، وأبرز مثال على ذلك «المكتبة التراثية» بقرية يوم البحَّار لصاحبها صالح المسباح.

وفي زيارتنا لهذه المكتبة الصغيرة التي تقع على شاطئ الخليج العربي بالقرب من مبنى مجلس الأمة الكويتي، استقبلنا صالح المسباح متهللا بقدوم مجلة العربي لزيارته والتعرف على محتويات مكتبته التي تجمع إلى جانب الكتب القديمة والتراثية والنادرة، عملات قديمة وصورًا قديمة وميداليات تذكاريه. وعلى الرغم من صغر مساحة المكتبة التي هي أشبه بحجرة صغيرة في بيت قديم، فإنني رأيتها متسعة بمحتوياتها وتنظميها وترتيبها وتنوع كتبها القديمة والمجلدات العتيقة وخاصة ما يتعلق بأحوال الكويت وآدابها وتاريخها ما بين الشعر الفصيح والشعبي والمسرح الكويتي والقصص والدراسات الأدبية والنقدية والفن التشكيلي والأمثال واللهجة الكويتية وتاريخ المرأة والإسلاميات والبحر والغوص والرياضة، مع تخصيص زاوية لمجلة العربي، ثم يأتي اهتمام تال للكتب الخليجية ثم العربية الأخرى.

وأوضح لنا صالح المسباح أنه كثيرا ما يتلقى مكالمات تليفونية من قراء وباحثين وطلاب علم من الكويت ودول الخليج الأخرى يسألونه عن كتاب قديم معين في أحد الفروع التي اشتهرت بها مكتبته التي تضم حوالي 1500 كتاب في هذا الحيز الصغير، والتي تعد امتدادا لمكتبة أخرى ضخمة في منزله يصل قوامها إلى حوالي 30 ألف كتاب و25 ألف مجلة متنوعة.

وأضاف أن مكتبته التراثية صارت عونًا لخدمة البحث العلمي وطلابه وهواة قراءة الكتب القديمة على مستوى الخليج. وأن مقر المكتبة أصبح ملتقى دائما لهؤلاء الباحثين عن العلم والمعرفة والثقافة والجذور التاريخية للكويت ولمنطقة الخليج العربي بصفة عامة.

وأشار إلى أن مكتبته التراثية افتتحت عام 2006 بدعوة من المسئول الإعلامي بوزارة الإعلام أو مراقب قرية يوم البحَّار، سالم أبو قماز لإقامة معرض للكتب التراثية الكويتية في تلك القرية التي تطل على الخليج العربي في موقع متميز.

ولكن قبل هذا التاريخ بسنوات، وهو يعمل على جمع الكتب القديمة والتراثية مع تركيز على كل ما هو كويتي، ويشارك منذ عام 1975 ـ عندما كان طالبًا في المرحلة الثانوية ـ في معارض الكتب ومنها معرض الكتاب الإسلامي، ومعرض الكتاب العربي.

وهو يعرض الكتاب المكرَّر لديه للبيع أو التبادل، خاصة إذا كان تاريخ صدوره قبل السبعينيات من القرن الماضي، كما أنه يتواصل مع أكثر من خمسين شابا في الكويت من هواة جمع الكتب القديمة والتراثية وأيضًا المجلات الثقافية والفنية. وهو يمتلك العدد الأوَّل من معظم المجلات العربية عمومًا، ويصل ما يمتلكه إلى خمسة آلاف عدد أوَّل يتيحها لمن يرغب في الاطلاع أو التصوير.

هيئة عامة للكتاب

وأكد المسباح أنه لا يستهويه ما يسمى بالمكتبة الإلكترونية أو الكتب الإلكترونية المتاحة على شبكة الإنترنت أو الأسطوانات المدمجة أو الوسائط الإلكترونية الأخرى من آي باد أو فلاش ميموري، وذكر أن الأجيال القديمة كانت تذهب إلى المكتبات العامة للقراءة والاستعارة، وأحيانًا لا يجد الزائر للمكتبة كرسيا يجلس عليه من الزحام والإقبال، أو يتم الأمر بالتناوب بين الزائرين. وهذا ما دفع الشعب الكويتي لأن يؤسس مكتبات منزلية، ولكن هذه الظاهرة تتناقص الآن تدريجيًا بسبب كثرة المكتبات التجارية، مع تراجع الرغبة في القراءة أيضًا بسبب التنشئة التربوية الخاطئة، بالإضافة إلى وفرة المجلات والجرائد الخفيفة والقنوات التلفزيونية والفضائيات وأجهزة الكمبيوتر والإنترنت. وضرب مثالاً بأن الناشرين في الماضي كانوا يطبعون عشرة آلاف نسخة من الكتاب الواحد وكان عدد السكان قليلاً، والآن يطبعون ألف نسخة من الكتاب وعدد السكان أكبر، لذا لا بد من وقفة وتشجيع حكومي ودعم للكتاب ومستلزماته، بل نطالب بضرورة إنشاء هيئة حكومية للكتاب مثل الهيئة العامة للكتاب في مصر، تدعم حركة التأليف والنشر وتطبع كتب وأبحاث الكتَّاب والمؤلفين والباحثين والمبدعين، وتجزل لهم العطاء تعويضا عما أنفقوه من وقت وجهد وتأليف وإبداع في جميع المجالات.

دار العروبة

مكتبة «دار العروبة» لصاحبها الدكتور خالد عبدالكريم الباحث اللغوي وأستاذ اللغة العربية بجامعة الكويت، واجهة ثقافية أخرى في الكويت، تقع في شارع جانبي يتفرع من شارع المكتبات أو شارع قتيبة بحولي، خلف مخفر شرطة النقرة، تأسست عام 1979 من صاحبها الحالي وصديق وقريب له هو الأستاذ والمربي جمعة محمد علي الياسين. وتم اختيار الاسم «دار العروبة» امتدادا لاسم مكتبة العلامة المصري محمود محمد شاكر التي أغلقت في الستينيات، وحبًا في إحياء ذكرى تلك المكتبة التي نشرت عددا من كتب التراث المحقَّقة تحقيقًا جيدًا.

وتضم مكتبة دار العروبة إلى جانب جميع أنواع الكتب، قسمًا خاصًا بكتب الفلسفة وقسمًا آخر لكتب العلوم كالفيزياء والكيمياء والرياضيات وغيرها. ويقول صاحبها «نحن المكتبة الوحيدة في الكويت التي تضم هذه النوعية من الكتب».

ويرى د. خالد عبدالكريم أن الكتب الإلكترونية ومواقع الإنترنت أثرت تأثيرا واضحا على تداول الكتب الورقية، خاصة أن أغلب القراء في بلاد العرب يبحثون عن كتب التسلية، أو ما يمكن أن نسميه الكتب السهلة والخفيفة، لأن قراءتهم غير منهجية، وقد توفرت له المتعة والتسلية من خلال مواقع الإنترنت، فالإنسان يدخل على هذه المواقع وهو جالس في بيته أو مقهاه، فلماذا يتعب نفسه بالذهاب إلى المكتبات للبحث عن كتاب جديد في مجال الكتب الورقية؟

وعن اختلاف طبائع القراء واهتماماتهم في الكويت، يوضح صاحب مكتبة «دار العروبة» أن الجيل السابق كان أكثر ميلا إلى كتب التراث العربي، خاصة كتب اللغة والأدب والتاريخ، أما في الوقت الحالي فالقراء يميلون إلى قراءة الروايات، لأن الهدف من القراءة ـ غالبا ـ هو التسلية، فقلَّ الاهتمام بكتب التراث وخاصة اللغة، بل أصبحت اللغة أمرًا ثانويًا عند غالبية القراء.

ظاهرة الكتاب الأكثر مبيعًا

ويؤكد د. عبدالكريم أن المكتبات في الكويت لا تنماز عن غيرها من المكتبات في الدول الأخرى إلا في شيء واحد، وهو أنك تجد في مكتبات الكويت اهتمامًا ببيع الكتب الخاصة بتاريخ الكويت وتراثها الشعبي أكثر من غيرها من الكتب.

وعن أكثر المواسم بيعا للكتب في الكويت يشير إلى أنه الموسم الذي يتوافق مع تدريس المناهج التعليمية في الجامعات والمعاهد وهو شهر سبتمبر وشهر فبراير من كل عام. أما عن عبارة «أكثر الكتب مبيعًا» فيرى د. خالد عبدالكريم أنها عبارة يستفيد منها الناشرون والموزعون في الترويج للكتاب الجديد، وهي عبارة تسهم في رفع نسبة المبيعات، لأنها تجعل القارئ يميل إلى شراء الكتاب من باب الفضول لمعرفة السبب في إقبال الناس عليه، لأن الناس مع الأسف يقلدون بعضهم بعضا في كل شيء حتى في قراءة الكتب.

ويعترف صاحب مكتبة «دار العروبة» أن إقبال المقيمين العرب على شراء الكتب من مكتبات الكويت قليل جدًا، لأنهم يفضلون الشراء من بلدانهم تجنبًا لتكاليف الشحن أو لرخص الأسعار في بلادهم. وفي مقابل ذلك توجد مجموعة من الرواد الدائمين للمكتبة يزورونها للاطلاع على كل جديد، وبعضهم يتصل بالمكتبة عن طريق الهاتف بشكل يومي لمعرفة ما يصل من إصدارات جديدة، وهنالك بعض الشخصيات العامة والمشهورة تزور المكتبة بين الحين والآخر من أمثال أ. إبراهيم الشطي ود. سليمان الشطي وأ. حمد الحمد ود. سالم عباس خدادة، ود. الشاعرة نـــجمــــة إدريس وأ. عادل عبدالمغني وأ. خالد الشايجي وغيرهم من المهتمين بالثقافة من الأكاديميين والأدباء من أبناء الكويت.

ويشدّد د. عبدالكريم على أن دور النشر ومكتبات بيع الكتب في الكويت تحتاج إلى رعاية من الدولة، ويقول: «مع الأسف نجد أن الدولة ترعى وتدعم ماديا كل شيء (حتى العلف) ويأتي الكتاب في آخر الاهتمامات».

مكتبة الربيعان

ونترك شارع قتيبة بمكتباته المتعددة والمتنوعة، ونتجه إلى شارع ابن خلدون المتقاطع مع شارع قتيبة، لنلتقي الأستاذ يحيى الربيعان صاحب المكتبة الشهيرة «مكتبة الربيعان» التي تأسست عام 1978 وتعاونت مع معظم المكتبات في العالم العربي في صورة تبادل الكتب والنشر المشترك والتوزيع، وكان لها فــــروع في الكويت وخارجها (وحاليًا لا يوجد لها فروع).

ويرى الربيعان أن شبكة الإنترنت والكتاب الإلكتروني خطوة متقدمة جدا، والمكتبات التي تتجاهل هذه الخطوة لا تعيش عصرها. وأن هناك فرقا بين قراء الأجيال الماضية وقراء هذه الأيام، فقراء الماضي كانوا أكثر ثقافة وأكثر اهتمامًا بالكتاب واقتناء الكتب، وأكثر شغفًا بالقراءة، وكان الكتاب الورقي بلا منافس، وكان التلفزيون والسينما يعملان لمصلحة الكتاب، أما الآن فالتلفزيون والسينما يصرفان الشباب أو القارئ عمومًا عن الكتاب.

وعن مدى اختلاف المكتبات بين الماضي والحاضر يقول الربيعان: المكتبات القديمة كانت أوسع وكانت أنشط، أوسع في المكان وفي نوعية الكتب وفي عرضها وإنتاجها، أما الآن فقد ضاقت المكتبات بالكتب وتراجع هذا الاتساع، لأن الكتاب ما عاد سلعة مطلوبة مع الأسف، وعزوف الناس عن القراءة هو السبب الرئيسي والكبير في تراجع دور المكتبات عما كان سائدًا في العقود السابقة، لذا قلَّ عدد المكتبات في الكويت كثيرا عن العدد الذي من المفروض أن تكون عليه دولة مثل الكويت.

ويرى أن معرض الكويت الدولي للكتاب تراجع تراجعًا كليًا، وظهرت معارض كتب عربية أخرى حديثا أكثر تنظيمًا وأكثر اهتماما بالكتاب وعرضه.

الكتاب السياسي هو الأكثر مبيعا الآن

وعن عبارة «أكثر الكتب مبيعًـا» يرى الربيعان أنها عبارة لها مصداقية، فوارد أن هناك كتابا يباع أكثر من غيره، وهو يؤكد أن الكتاب السياسي الجيد هو الكتاب الأكثر مبيعًـا الآن، خاصة إذا تناول قضية ساخنة من قضايا الساعة.

ويحكي لنا يحيى الربيعان قصة تصفية مكتبته ثم إعادتها إلى الحياة مرة أخرى، فمع عزوف الناس عن القراءة وتراجع توزيع الكتاب تأثرت المكتبة وأصبحنا غير قادرين على النشر والتوزيع، فعملية إصدار كتاب عملية مكلفة جدا، ولذلك أعلنا تصفية المكتبة عام 2006، ولكن هذا القرار لم يرض شخصيات علمية وثقافية كثيرة وشخصيات في مراكز مرموقة بالدولة، واستنكروا هذا الإغلاق، وفي مقدمتهم كان صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي أمر بدعم المكتبة واستمرارها وعدم إغلاقها لأنها تمثل واجهة ثقافية للكويت. ويؤكد الربيــــعان أن المكتبة تعيش حاليا على حس صاحب السمو أمير البلاد.

ونسأل صاحب مكتبة الربيعان: هل هناك مكتبات أخرى تعاني أو مـــهددة بالإغــلاق؟ فأجاب بأن كل مكتبات الـــكويت تعاني وأصحــــابها يمرون بالأزمة نفسها، وآخرهم مكتبة «قرطاس» التي أغلقت أبوابها منذ أسابيع قليلة.

مطلوب اتحاد للناشرين بالكويت

ويقترح الربيعان إنشاء اتحاد ناشرين بالكويت، يحميهم من التحديات الموجودة أمام صناعة الكتاب حاليا، ويجب أن تدعم الحكومة سوق الكتاب مثلما تدعم سوق البطاطين وسوق الحمَام، ويؤكد أنه طلب هذا كثيرا ولكن لا توجد استجابة.

ونسأل الربيعان: بعد كل هذه المعاناة؛ هل أنت متفائل بمسقبل الكتاب في الكويت؟ ويجيب بأنه متفائل جدًا لأن الكتاب مهما كان لا غنى عنه، حتى في ظل وجود الإنترنت وما يعرف بالكتاب الإلكتروني، لا غنى عن وجود الكتاب الورقي، فالشعوب المتقدمة مازالوا يقرأون الكتاب في القطارات والطائرات والسيارات وعلى الشواطئ وفي الحدائق.

ويؤكد أن الكتاب لا يزال هو الفارس وسيد وسائل المعرفة، لأن متعة القراءة لا تتحقق مع الوسائط الثقافية الأخرى من خلال الكمبيوتر مثلاً، فأنت تستطيع أن تكتب على هوامش الكتاب وتدون أفكارك على صفحاته وتحاوره وتصطحبه إلى أي مكان ليلاً ونهارًا، وأنت جالس وأنت مضطجع، ولا يحتاج لإجراءات تشغيل وكهرباء مثلما هو الحال مع الكمبيوتر على سبيل المثال.

وقبل أن نغادر مكتبة الربيعان يؤكد لنا صاحبها أنه يوجد تداخل في التخصص ما بين المكتبات التي تبيع الكتب ومكتبات القرطاسية، ويجب تحديد تخصص كل مكتبة إن كانت مكتبة لنشر الكتاب وتوزيعه وبيعه، أم مكتبة قرطاسية تبيع الأدوات المكتبية والمدرسية والهدايا فقط، فهناك مكتبات قرطاسية محسوبة على المكتبات الثقافية، وهناك مكتبات تجمع بين هذا وذاك مثل مكتبة العجيري، مع أن الحكومة الكويتية فصلت بين هذين النوعين من المكتبات وحددت نشاط كل مكتبة، وهذا لا يطبق الآن، خاصة أن المكتبات التي سبق أن مارست نشاطها قبل هذا القرار لا تزال تجمع بين النشاطين القرطاسية والكتب.

اعتذارات

بعد خروجنا من «مكتبة الربيعان» عدنا إلى شارع قتيبة، وتوجهنا إلى «مكتبة العجيري» وحاولنا مقابلة أحد المسئولين عنها، فأحالنا موظف إلى آخر، وطلب منا أحد الموظفين الاتصال بمدير المكتبة في مواعيد حددها لنا، فاتصلنا بالسيد / علي.. أكثر من مرة، وفي المرة الأخيرة اعتذر عن المشاركة في استطلاع «العربي» عن مكتبات الكويت. وليس مكتبة «العجيري» فقط هي التي اعتذرت عن المشاركة، ولكن فوجئنا بمكتبات أخرى ترفض المشاركة رفضًا قاطعًا، وكان أغلبها يهتم ببيع القرطاسية والأدوات المدرسية.

الكتاب التربوي هو الأكثر مبيعًا في الكويت

على الرغم من تأكيد الأستاذ يحيى الربيعان أن الكتاب السياسي هو الأكثر مبيعا الآن، إلا أن ماهر نبيل عكَّام صاحب مكتبة «دار البيان» يؤكد أن الكتاب التربوي هو الأكثر مبيعا لديه. وهو يرى أن الناس تميل إلى الكتب التربوية مثل كتب عبدالكريم بكار عن المراهقة والأسرة وتربية الأولاد، وهذه النوعية من الكتب تشتريها الأسرة أو البيت العربي، وهي الأكثر تداولا لدى مكتبته، كما أن هناك كتبا للشيخ عبدالله علوان مثل «تربية الأولاد في الإسلام»، و«منهج التربية النبوية للطفل» هي الأكثر طلبًا عليها من بعض الأسر.

ويقول عن الكتب الإلكترونية إن هناك تأثيرا لها بلا شك، ولكن يبقى الكتاب الورقي دائما هو الكتاب الأساسي، فالعلم الصحيح لا يؤخذ إلا من الكتاب.

ونشير إلى مبادرة وزير التربية والتعليم العالي بالكويت الأستاذ أحمد المليفي بخصوص توزيع «فلاش ميموري» على جميع الطلبة والتلاميذ في مدارس الكويت، محمَّل عليه المقررات الدراسية والمواد التعليمية الخاصة بهم، تخفيفا عليهم من حمل الكتب الدراسية في حقائبهم التقليدية، مما يعني تحويل الكتاب التعليمي إلى كتاب إلكتروني. وهو ما لا ينفي وجوده وفائدته صاحب مكتبة «دار البيان» مؤكدًا أن التراجع بالنسبة للكتاب التقليدي موجود، ولكنه يؤكد من جهة أخرى أن الكتاب الورقي لن يتم الاستغناء عنه مها كانت الوسائل والأدوات والوسائط الأخرى، معللاً أن من أسباب تراجع الكتاب اعتماد الناس على سرعة تخزين المعلومات واسترجاعها وتدفقها، وفي هذه الحالة يلجأون إلى الوسائل الحديثة.

الكتاب هو الطريق الحقيقي إلى العلم

ولكنه يؤكد أن الكتاب هو الطريق الحقيقي إلى العلم والتركيز في جوهره وحقائقه وحفظه والاستفادة منه، ولا بد من الاعتماد على الكتاب في هذه الحالة، ويضرب مثلا بحفظ القرآن الكريم الذي لا بد من الجلوس فيه إلى المصحف الورقي، وكذلك إعداد الرسائل العلمية من ماجستير ودكتوراه على سبيل المثال.

وعن تغير أذاوق القراء وعاداتهم وطـــــبائعــــهم في الكويت بين الماضي والحاضر يؤكد ماهر نبيل عكام أنه يعيش مع عالم الكتاب منذ أكثر من أربعين عامًا، وقد لاحظ خلال هذه السنوات تغيرًا كبيرًا وبونًا شاسعًا، وقال: إنه لا يوجد حاليا اهتمام كبير بالكتب التراثية أو أمهات الكتب والمراجع الأساسية مثلما كان الحال في الأجيال القديمة، ومعظم القراء يلجأون الآن إلى الكتب الخفيفة والروايات المسلية، والجيل الحالي يريد المعلومة السريعة الخفيفة والجاهزة والكتيبات الصغيرة.

ونسأله: هل مكتبتكم تواكب أذواق الجيل الحالي وتوفر لهم تلك الكتب الخفيفة والمسلية؟ ويجيب بأن «مكتبة دار البيان» لها رسالة .. فلا ننشر أو نعرض لأي كتاب دون أن يكون مفيدًا للناس وللقارئ، فالكتاب يُعرض على لجنة ويراجع مرة ومرتين قبل نشره أو عرضه وطرحه للبيع في المكتبة. وأن المكتبة لا تتبنى عرض الكتاب السطحي أو البسيط أو السريع.

حرية التداول والنشر في الكويت

وعن المشكلات التي قد تصادف مكتبته وكيفية حلها، أكد صاحب «دار البيان» أن مكتبته موجودة في سوق الكتاب الكويتي منذ أربعين عاما ولا توجد لديه أي مشكلة عرض أو نشر أو بيع لأي كتاب ما، لافتًا إلى أن مكتبات الكويت تتميز عن مكتبات دول أخرى بأن لديها حرية تداول وحرية نشر وحرية عرض تتزايد سنة بعد أخرى. ولكنه أشار إلى وجود روتين وبطء في التعامل مع الجهات الحكومية المسئولة عن الكتاب، منبها إلى أن المشكلات قد تأتي من الكتب التي تتعارض مع قيم وأخلاقيات المجتمع، وهذه النوعية لا يتعاملون معها في «دار البيان»، مؤكدًا أن الحرية التي تتمتع بها الكويت لا يوجد مثيلها في معظم الدول العربية، ويتضح ذلك في خلال الصحافة الكويتية وأثناء الحوار السياسي، فالكويت سبَّاقة في موضوع الحريات كما يلمس الجميع.

ونسأل عكَّام عن تأثير معارض الكتب في الكويت على حركة البيع في المكتبات؟ فجيب بأن المعارض - ومنها معرض الكويت الدولي للكتاب - ظاهرة ممتازة، ومعرض الكويت في حد ذاته موسم ثقافي متميز يسهم في توزيع الكتاب، فبدلاً من أن يتجه القارئ إلى مكتبة ما لشراء كتاب ما، يتجه إلى المعرض لشراء هذا الكتاب وغيره حيث يجد كثرة من الكتب والعارضين من معظم الدول العربية والأجنبية، فالمعرض إذن يسهم في الترويج للكتاب، ويعرض عناوين متنوعة، ويعد عيدا للكتاب، ومع ذلك يرى صاحب «دار البيان» أن المكتبة يظل لها روادها الذين يترددون عليها معظم أيام السنة، ويعتقد أن المكتبات في الكويت كثيرة وتغطي معظم احتياجات القراء وطلاب العلم والثقافة، وأن النسبة والتناسب بين عدد المكتبات وعدد السكان معقولة، ومن خلال مجلة العربي يطالب بدعم الدولة للكتاب والمكتبات حتى تستطيع أن تستمر في تأدية رسالتها التنويرية على النحو المطلوب.

بلاتينيوم بوك ومشروع الجليس

إلى جانب المكتبات التي زرناها، سواء ذكرت في هذا الاستطلاع، أو لم تذكر، لاحظنا وجود مشاريع مكتبات غير تقليدية ودور نشر أخرى أكثر شبابًا وطموحًا، ووجدنا مشاريع قراءة وكتابة شبابية تؤكد أن شباب الكويت بخير، وأنهم يتثقفون على طريقتهم، وربما يحتاج الأمر إلى وقفة أخرى لـ «العربي» مع هؤلاء الشباب، ولكن على الأقل نذكر من هذه المشاريع «بلاتينيوم بوك» وهي شركة كويتية تركز على شريحة الشباب وتستهدفهم في معظم إصداراتها ويمثلها الأديب الشاب أحمد الفضلي، ومشروع «الجليس» وهو مشروع غير ربحي يديره مجموعة من الشباب الكويتي الذي يحب الثقافة ويؤمن بأن مسئولية إحياء الثقافة ليست مقتصرة فقط على مؤسسات الدولة، ولكن للشباب دورًا أساسيًا في إحياء الثقافة في المجتمع، وتنظم المشروع شركة «إنجاز للنشر والتوزيع» وقد استوحى اسمه من بيت المتنبي الشهير:

أعزُّ مكانٍ في الدُّنَا سرجُ سابح
وخيرُ جليسٍ في الأنامِ كتابُ

 

 

أحمد فضل شبلول