العرب والأفارقة أدوار الزنوج في سينما منحازة أحمد رأفت بهجت

كيف تصور السينما الأمريكية العرب والأفارقة؟. مما لا شك فيه أنها تجيد توظيف اللون الأسود على شاشتها حتى يقول ما تريده.. فماذا تفعل مع الشخصية العربية؟

إذا كانت حركة السينما السوداء الجديدة التي ظهرت في الولايات المتحدة مع بداية التسعينيات قد اتخذت في الظاهر شكل الاحتجاج على مساوئ النظم الاجتماعية، فإن الأسباب الحقيقية التي تفسر دوافع هذه الحركة تبدو أعقد من مجرد نواقص في هذه النظم.

وهي ليست أسبابا تتصل بعوامل نفسية بقدر ما تتصل بظروف موضوعية تتعلق بصميم آلية الاهتمامات الإنتاجية داخل السينما الأمريكية، وأيضا الأوربية، حيث السيطرة عل الهيكل أو البناء الاقتصادي مركز، في أيدي أصحاب اتجاهات أيديولوجية لا يمكن تجاهل أهدافها. وهو ما يفرض على الأفلام تحليلات معينة للقضايا الاجتماعية والسياسية، تحتم عدم التناقض مع مصالح المهيمنين على صناعة السينما أو حتى التوازن في تقديم وجهات النظر المخالفة لهم.

وليس من المصادفة أن يواجه المخرج الأسود سبايك لي رائد حركة السينما السوداء الجديدة باتهام المعاداة للسامية لمجرد أنه قدم فيلما عام 1990 بعنوان "ليس هناك أفضل من موسيقى البلوز" حاول فيه أن يرجع معاناة عازف موسيقي زنجي إلى شقيقين من اليهود يملكان ناديا ليليا.. مما جعل الخيار أمام "سبايك لي" إما الانزواء بعيداً عن السينما وكل وسائل الاتصال الحديثة أو العودة إلى الطريق المعروف والمرسوم سلفا !!.

بواتييه. السهم القاتل!!

أوقعت شخصية "سيدني بواتييه" السينمائية الكثيرين في شرك جاذبيتها قبل أن يكتشف الجميع استغلاله كوسيلة لعرقلة النشاطات الإيجابية للزنوج سواء كانت نشاطات اجتماعية أو راديكالية.. بحيث أصبح "بوقا دعائيا" لكل ما هو مزيف لقضية السود. وفي أفضل أحواله كان شخصية استثنائية استطاعت أن تهرب من شرط حياتها البائس عن طريق السلم الاجتماعي- كما قال رفيق الصبان- أو أن تجد ذاتها في ظل توافقها مع الشخصيات والقضايا اليهودية "حافة المدينة"- 1956 "باريس الزرقاء" 1961 "نقطة الانهيار" 1962 وفي الفيلم الأخير يظهر في دور طبيب أسود يعالج سجينا عنصريا شابا ينتمي إلى الحزب النازي الجديد في أمريكا ويتحرق شوقا إلى مزيد من الاضطهاد للزنوج واليهود!!

وفي ظل الإيمان بأن مصير السود داخل المجتمعات البيضاء يرتبط عضوياً بمصير المستعمرات الإفريقية.. كان من الطبيعي أن تتنازل سينما هوليود خلال فترات معينة عن سيدني بواتييه لشركات السينما البريطانية. لاستغلاله في أدوار تحمي في جوهرها الأوضاع الاستعمارية التي كانت قائمة حينئذ، إما بتشويه الحركات الإفريقية التي تهدد السيطرة الفعلية للاستعمار الأبيض.. أو الادعاء بأن التعايش السلمي بين البيض وأبناء البلاد الأصليين أمر واقع وأن التمرد عليه يتخذ صور التمرد الإجرامي وليس الاجتماعي أو السياسي. وفي نطاق هذه الأفكار يظهر بواتييه في دور الشاب الكيني الذي يفقد أفضل أصدقائه من البيض بعد انضمامه إلى حركة الماو ماو في فيلم "أشياء لها قيمة" 1957، ودور السياسي الإفريقي المتعلم المقاوم لمنطق شقيقه في مواجهة الاستعمار بالعنف في "علامة الصقر" 1958 ثم يأتي فيلمه البريطاني "السفن الطويلة" 1964 ليكون أول أفلامه بعد حصوله على جائزة الأوسكار.. وفيه يحقق من خلال دور الحاكم المغربي الأسود"علي منصور" هجوما مزدوجا ضد الشخصية العربية والإفريقية.

كانت قصة "السفن الطويلة" تدور حول الصراع بين رجال الشمال من الفايكنج وبين الحاكم المغربي من أجل الاستحواذ على ناقوس ذهبي بيزنطي مفقود منذ قرون. يسعى إليه الفايكنج لأنه كنز نادر ويعد أغلى شيء في العالم.. بينما يحاول الحاكم المغربي العثور عليه لتأكيد ادعاءه بأنه "كنز الإسلام المصنوع من الذهب الذي سرقه الجيش المسيحي من العرب خلال الحروب الصليبية".. وهو ادعاء ترفضه زوجته أمينة التي ترى أن بحث زوجها عن الناقوس لا يعبر إلا عن شهوته للقوة والجاه.

ينجح رجال المنصور في أسر مجموعة من مقاتلي الفايكنج ومعهم ابنة الملك "جيردا" أثناء بحثهم عن الناقوس الذهبي بالقرب من السواحل العربية. ويتم اقتيادهم إلى سجون المنصور وهم مقيدون بالأغلال وأثناء ذلك يسأل أحدهم قائده رولف (ريتشارد ويد مارك): أين نحن؟ فيجيب رولف: الحضارة! ويحاول الرجل الاستزادة ماذا؟ فيرد القائد: ستفهم ذلك بعد قليل!

وتصبح رسالة الفيلم شرح معنى الحضارة العربية كما يراها صانعو الفيلم. فالمنصور بعد أن يؤدي الصلاة في مسجد المدينة. يأمر رجاله بتعذيب الأسرى من رجال الفايكنج لدفعهم إلى الاعتراف بمكان الناقوس. ويأمر ببيع الأميرة جيردا في سوق العبيد. ويقرر عدم معاشرة زوجته أمينة لأنه أخذ على نفسه عهدا أمام الله بعدم معاشرة النساء حتى يعثر على "ناقوس الإسلام" ثم يقرر الرجوع عن موقفه من الأميرة الشمالية. ويرسل خادمه الخصي الأبكم لاستعادتها من سوق العبيد لتنضم إلى باقي زوجاته اللائي تعلق إحداهن على وجود الأميرة بين مقاتلي الفايكنج من الرجال: "رجال كثيرون وامرأة واحدة بينهم. ونحن عشرون زوجة ورجل واحد".. ولكن هذه المرأة الشمالية الوحيدة تنجح في مقاومة المنصور بشجاعة عندما يطلبها لمخدعه. بينما كانت الزوجة "أمينة" تستسلم لقائد الفايكنج رولف الذي نراه يغادر مخدعها الملكي وهو يقول "لو كان لنا أطفال يا سيدتي. فيالهم من أمراء"!!!.

وتنتهي أحداث الفيلم الذي يحاول سيدني بواتييه أن يتسيدها بوحشيته وقسوته وتناقضاته الأخلاقية والسلوكية النهاية المتوقعة لمثل تلك الوحوش الآدمية. فهو يقتل مع رجاله. بينما ينجح الفايكنج في العثور على الناقوس الذهبي. ولكن الأهم من كل ذلك هو موت الزوجة أمينة، مما يعني أن الغرب لن يكون له نسل في أحشاء امرأة عربية!!.

الفهود السود

وفي أعقاب اغتيال "مارتن لوثر كينج" 1968 وظهور حركات القوة السوداء أصبح على السينما الأمريكية استثمار "سيدني بواتييه" لمهاجمة هذه الحركات رغبة في الحد من انعكاساتها على المجتمع الأمريكي، وعلى المجتمعات العنصرية في إسرائيل وجنوب إفريقيا. خاصة بعد أن ظهرت في إسرائيل منظمة "الفهود السود" التي كانت نتاجا لفعالية العنصرية السلالية في المجتمع الإسرائيلي. وهو ما جعل قادة هذه الحركة يفسرون اختيارهم لاسم المنظمة على أنه تشبه بالفهود السود في الولايات المتحدة لأن اليهود الشرقيين في إسرائيل يشبهون الزنوج في أمريكا (موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية. د. عبدالوهاب المسيري).

وفي إطار هذه الرؤية ظهر سيدني بواتييه في فيلم "الضائع" 1969 إخراج روبرت الان آرثر. وفيه يجسد شخصية ثائر أمريكي أسود مثقف ينتمي إلى جماعة الفهود السود ويؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة. لذلك فهو يسرق ويقتل من أجل الحصول على أموال لمساندة منظمته. ولكنه يواجه بمقاومة من مناهضي هذا الأسلوب وفي مقدمتهم زنوج "الفلاشا" !! (اليهود من أصل حبشي).

واستكمالا لهذا الإطار الواضح بالنسبة لمنفذيه أعادت السينما البريطانية "سيدني بواتييه" إلى استوديوهاتها من أجل المشاركة في بطولة فيلم "مؤامرة ويلبي" 1975 وهو من إخراج الأمريكي رالف نيلسون. وكان مواكبا لمرحلة يتزايد فيها السخط العالمي تجاه التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا. ويركز على دور المهندس الإنجليزي الأبيض جيم كوخ (مايكل كين) في إنقاذ الزنجي تشاك توبلر (سيدني بواتييه) بعد تعرضه لاضطهاد البوليس على أثر الإفراج عنه بعد عشر سنوات قضاها في السجن لاتهامه برئاسة جماعة مناهضة للتفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا.. ورغم أن كوخ كان مجرد صديق لمحامية "تشاك" البيضاء ووجد نفسه في دوامة من مطاردات البوليس في جنوب إفريقيا دون أن يكون له أي علاقة بصراع البيض والملونين، فإن الفيلم يحاول أن يجعله صاحب رسالة إنسانية تقاوم العنصرية. بحيث يتحول أمام المتفرج الغربي إلى بطل يعيش وسط متناقضات صارخة بين الملونين. ومتناقضات تحتمل المناقشة والمجادلة بين البيض!!

إن رالف نيلسون في تصويره لشخصية الثائر الأسود تشاك يتتبع طريقا تقليدياً يسلكه كثير من السينمائيين البيض وينبغي العزف على نغمة خلط الأوراق. فهو يحاول التركيز على صراعات الملونين (السود والسود، والسود والهنود) مما يجعل الصراع الرئيسي بين البيض والملونين يخبو في ظل رؤية اجتماعية صحيحة في جوهرها وهي أن "الصبية والفتيات والأشرار يصنعون ولا يولدون على هذه الحالة".. ومن هنا يصبح تحول فتاة من أصل هندي، تدعى بنسيس من فتاة مطيعة ومتفهمة لما يحدث حولها من صراعات إلى قاتلة لأبناء جلدتها وفي مقدمتهم رئيسها الطبيب الهندي مود جاني الذي يلجأ إليه تشاك وكوخ أثناء هروبهما من البوليس، تحولا ساهم فيه اكتشافها بأن الصراع في مجتمعها ليس في جوهره بين البيض والملونين في مجملهم، ولكنه في الأساس بين البيض والزنوج.

وعندما يعرض نيلسون لوجهة نظر البيض نكتشف أنه يقدم منشوراً لا يدور أساسا حول العنصرية وسلبياتها الإنسانية.. كما أنه لا يبحث عن الحلول لمشكلة عويصة. ولكنه يحاول أن يخلق المبررات لهذه العنصرية خلف ستار الادعاء برفض من يطلق هذه المبررات وهو ضابط البوليس المطارد لشاك وكوخ.

إيرل جونس.. وعودة للإفريقي المسلم

والواقع أن "سيدني بواتييه" في معظم أدواره لم يكن بالجلف الفظ.. لذا افتقد الإقناع في أداء شخصية مثل شخصية المنصور في "السفن الطويلة" رغم كل محاولاته لتكثيف شحنة الكراهية تجاهها. مما جعل هوليود ترى في "جيمس إيرل جونس" (مواليد 1931)- أعظم ممثل زنجي في برودواي- خير من يجسد هذه النوعية من الشخصيات. يسانده في ذلك موهبة فذة وملامح قاسية وصوت جهوري أخاذ. وبينما كان في قمة تألقه على مسارح برودواي أثناء قيامه بدور الإفريقي في مسرحيتي "عطيل" لشكسبير، "الإمبراطور جونس" ليوجين أونيل. كان التليفزيون الأمريكي يفرض عليه أداء شخصية زعيم همجي لإحدى القبائل الإفريقية في مسلسل عن "طرزان"!!. لقد تفرد إيريل جونس بين أقرانه من النجوم السود القدامى والجدد في أداء الشخصيات الإفريقية ومنها الزعيم المغربي الأسود في "آخر إعادة لبوجست" 1977 والإفريقي في "مدينة الذهب المفقود" 1986 والملك الإفريقي المسلم جعفر في "القادم إلى أمريكا" 1988. وأيضا دور الحاكم الشيطاني ذي الجذور الإفريقية- الفرعونية- الآشورية في فيلم "كونان الهمجي" 1982.. بالإضافة إلى دور الأديب الزنجي ذي الجذور الإفريقية في الجزء الثاني من مسلسل "جذور" 1979.

في "آخر إعادة لبوجست" نراه يجسد شخصية زعيم مغربي أسود يقود المقاومة العربية ضد الفرقة الأجنبية التابعة للاستعمار الفرنسي في معارك شمال إفريقيا عام 1906. وهو زعيم له شهرته بين شعبه. ولكنه في الواقع لم يكن يتصدى لمحاربة الفرقة الأجنبية لخدمة بلاده، وإنما طمعا في المال الذي يحققه من الاتفاق مع القائد الفرنسي الذي يتاجر بأرواح جنود الفرقة الأجنبية من أجل زيادة الخسائر في أرواحهم حتى يتحقق له استمرار الحرب وازدهار تجارته في السلاح مع رفيقه العربي!!.

جوسيت من "السادات" إلى "كانون"

أما لويس جوسيت (مواليد 1936) فيبدو أنه قد شحن عواطفه بصب أكثر شكاياه حدة وأعز معتقداته الإنسانية كزنجي في دوره الذي لا ينسى، دور العبد الإفريقي عازف الكمان في الجزء الأول من مسلسل "جذور" (1976). إذ إنه لم يستمد منذ ظهوره في هذا الدور على الإطلاق الروح المتوهجة التي ربما حاول أن يطفئ بها ذكرى سيئة فرضها عليه دور رجل القبيلة الهمجي في المسلسل التليفزيوني "راعي بقر في إفريقيا" الذي مثله أمام شوك كونرز في منتصف الستينيات.. ورغم ظهور جوسيت بعد مسلسل "جذور" في أدوار لها ثقلها وجاذبيتها، سواء في التليفزيون: دور خادم الرؤساء في "السلالم الخلفية في البيت الأبيض" 1979 أو السينما: دور رجل الحقوق المدنية المطارد من مأمور إحدى المدن الجنوبية في فيلم "رجل يقف وحيدا" 1979 ودور الشاويش فويل في "ضابط وجنتلمان" 1982 الذي فاز عنه بجائزة أوسكار أحسن ممثل مساعد، فإنه لم يطور إلى مدى أبعد شخصية الزنجي في ظل معالجات بيضاء تتصف غالبا بالعطف على الزنوج، إلا أن فيها ترفعا عليهم.

ومن الواضح أن جوسيت ليس من النوع ذي الفضول الذهني، إذ على الرغم من أنه قد عاش في نيويورك فترة شبابه، واستطاع الاحتكاك بالأفكار الراديكالية التي كان يطرحها عليه بعض مدرسيه من أساتذة الجامعة والفنانين المطاردين من الماكارثية، وكان أحدهم المخرج والمنتج المسرحي السابق جوستاف بلوم الذي قدمه إلى برودواي للمرة الأولى عام 1953. فإنه لم يملك أبدا القدرة على التعامل بذكاء مع الأخطبوط الصهيوني الذي حاول استغلاله بعد أن وصل إلى ذروة شهرته بتعاقد طويل الأجل مع المنتج الإسرائيلي مناحم جولان، وخاصة بعد قيامه بدور الرئيس المصري السادات في المسلسل القصير "سادات" الذي تم تصويره في المكسيك عام 1983.

كان مسلسل "سادات" من أكثر الأعمال تعبيراً عن الموقف المضاد الذي تتخذه الفنون الصهيونية تجاه الشخصية العربية. فالسادات لا يمكن تجاهل دوره تجاه القضايا اليهودية. بداية من زيارته لإسرائيل إلى توقيعه اتفاقية كامب ديفيد... ومع ذلك لم يسلم تاريخه وتاريخ بلده من التشويه رغم الادعاء بأن المسلسل قد أنتج من أجل تمجيده وتخليد ذكراه.

وقد تلقفت شركة "كانون" الإسرائيلية "لويس جوسيت" بعد قيامه بدور السادات لتحوله إلى بوق لدعايتها بعد أن كانت كل الدلائل تؤكد أنه سيصبح أعظم ممثل زنجي خلال تاريخ السينما الأمريكية الطويل.. وكانت البداية في فيلم "النسر الحديدي" 1986 الذي صور منه حتى الآن ثلاثة أجزاء الأول والثاني منها لمهاجمة العرب.

في الفيلمين يلعب جوسيت دور طيار أمريكي يدعى "سنكلير" يشتهر بين زملائه باسم "شيي" بمعنى الثرثار أو المبتهج. وهما صفتان تتحولان إلى جدية وقوة خاصة عندما يقود طائرته الـ إف 16 لقصف الأرض العربية مصدر الابتزاز والإرهاب في العالم.

يساند سنكلير في الفيلم الأول صبيا في السادسة عشرة من عمره لإنقاذ والده الطيار الأمريكي الذي وقع أسيراً في يد العرب. وحكم عليه بالشنق بعد محاكمة صورية اتهم فيها بانتهاك المجال الجوي العربي بغرض. التجسس. ولا يقوم سنكلير بمغامراته لإنقاذ هذا الطيار إلا عندما يكتشف أن القيادة الأمريكية تتقاعس في إنقاذه لأسباب جعلت الموضوع بين الساسة والعرب كلعب الكرة ولكن بطريقة اسمها المفاوضة لصالح الابتزاز العربي.

وفي الفيلم الثاني أصبح سنكلير مسئولا عن متحف الطيران الأمريكي. ولكن خبراته السابقة في الطيران فوق الأراضي العربية جعلته المرشح الوحيد من القيادة الأمريكية لإنجاز عملية جديدة فوق الأراضي العربية تسمى "النجوم السوداء" وهي عملية ضد المواقع النووية في بلد عربي حظيت بموافقة الرئيسين السوفييتي والأمريكي.

ومن المؤسف أن هذا الممثل الموهوب تهاوت أدواره خلال السنوات الأخيرة. وأصبحت بداياته العظيمة مجرد ذكريات لن تتكرر.

مورجان فريمان وخدعة "عظيم"

ربما لو استطاع مورجان فريمان (1935) أن يتخلص من الأدوار الثانوية التي قدمها بمهارة فائقة منذ نهاية السبعينيات. واستغل في تصوير أدوار أطول بنفس المهارة. لكان من المحتمل أن يصبح ممثلا أكثر تأثيرا منذ سنوات طويلة. فهو ممثل قادر بحق على أداء أصعب الأدوار. ومع ذلك لم تسند إليه بطولة كاملة إلا في نهاية الثمانينيات عندما قام بأداء دور لاعب البيسبول الزنجي كريزي جو في فيلم. Lean On Me 1989.

ولولا الضجة المدوية التي أحدثها الإعلام اليهودي حول فيلم "سائق مسزديزي" 1989 وفيه يقوم فريمان بدور سائق زنجي لسيدة يهودية عجوز، لما كان اختياره بعد ذلك للقيام ببطولة عدة أفلام أشهرها "روبن هود: أمير اللصوص" 1991 إخراج كيفن رينولدز وفيه يلعب دور المقاتل المغربي الأسود "عظيم" صديق الفارس الإنجليزي روبن هود.

وفي فيلمي "سائق مسز ديزي" و "روبن هود" يظهر فريمان في إطار علاقة حميمة ومتطورة ليس بين أسود وأبيض فحسب ولكن بين شخصين مختلفي الديانة.. وهو الأمر الذي جعل بعض النقاد العرب والجمهور على السواء لا يستوعبون مغزى فيلم "روبن هود" حيث أظهروا حماسهم تجاه شخصية "عظيم" باعتبارها أول شخصية عربية تكسوها ملامح إيجابية مفتقدة في العديد من الأفلام الغربية. وبطبيعة أشكال تدخل الحذف الرقابي لبعض المشاهد والجمل الحوارية في جعل الشخصية تلتقي في بعض تصرفاتهم مع هذا الانطباع النقدي والجماهيري.

والواقع أن المغربي الأسود "عظيم" لا يبدو في فيلم "روبن هو" كمجرد شخصية أخرى من شخصيات المغاربة السود التي قدمت من خلال "سيدني بواتييه" و"جيمس ايرل جونس" بما تحمل من جشع وقسوة وأنانية. إنه في هذا الفيلم كان اليد اليمنى للفارس الإنجليزي أمير لوكسلى فور هروبهما معا من السجون الإسلامية في القدس، ثم رحيلهما إلى الشواطئ الإنجليزية حيث كان الملك ريتشارد قلب الأسد يتغيب في إحدى الحملات الصليبية في الشرق.. ويمسك الأمير جون بزمام الأمور ويحكم الشعب بقسوة وتعسف وينشر الفساد في أرجاء إنجلترا يسانده بعض المرتزقة ورجال الكنيسة رمز السلطة الدينية. وعندما يعود أمير لوكسلى ومعه صديقه العربي "عظيم" يكتشف استيلاء الأمير جون على ممتلكاته بعد أن قتل والده العجوز. مما يدفعه إلى مقاومة رجال الأمير ويتحول إلى خارج على القانون يطلق عليه "روبن هود" ونراه يناشد أقرانه من الخارجين أيضا على القانون أن يهبوا لمقاومة الأمير جون. وحين يعود الملك ريتشارد ينضوي روبن هود وزملاؤه تحت لوائه.

إن الفيلم يبدأ بمشهد محذوف رقابيا في النسخة التي عرضت في مصر ويصور مآذن في مدينة المفروض أنها القدس تحت الحكم الإسلامي. يصاحبه صوت الأذان "لا إله إلا الله" لننتقل منه مباشرة إلى داخل سجن في إحدى القلاع الإسلامية لنسمع صراخا وكلمات بالعربية لحراس غلاظ يقطعون أيدي ضحاياهم من المساجين العرب والإنجليز. وعندما يهرب لاكسلي ومعه عظيم من هذا المكان البشع. لم يكن المتفرج في حاجة إلى معرفة الأسباب التي أدت إلى سجن الإنجليزي الغازي داخل السجون الإسلامية. ولكن يصبح المطروح: ما هي الأسباب التي أدت إلى سجن "عظيم" العربي المسلم.. وتأتي الإجابة لتؤكد عنصرية الإسلام في التعامل مع السود.. فمجرد وقوع عظيم في غرام امرأة عربية بيضاء كان أمرا يستدعي العقاب بل والموت.

ولقد أتيحت للمخرج في استعراضه للأحداث داخل إنجلترا أن يقدم بانوراما تحمل كل عناصر المبالغة من أجل وصم الدين المسيحي بالفساد وأيضا بالعنصرية للدرجة التي جعلته يقدم مشهدا بشعا للأمير جون وهو يحاول هتك عرض أميرة إنجليزية أمام مذبح الكنيسة أثناء تلاوة القسيس لطقوس زواجه منها بهدف أن يترك وريثا له قبل أن يقتله رجال روبن هود !!.

أما على الجانب الآخر جانب "عظيم" وممارساته فالفيلم يجسد أمامنا عدة مشاهد لها دلالاتها لعل أهمها مشهد استمرار "عظيم" في الصلاة بينما يقاتل روبن هود بمفرده ستة رجال من أنصار الأمير جون.. وهو الأمر الذي يستفزه ويدفعه إلى القول "ألا تستطيع الخروج من هذه الصلوات والواجبات الدينية وأنا أقاتل ستة أفراد؟ " وتتكرر سلبية "عظيم" كلما التحم "روبن هود" في معارك ضارية. بحيث لا نراه إلا عندما يصبح "روبن هود" على وشك الانتصار، أو أنه انتصر بالفعل.

ديترل واشنطون الوريث الأكثر وعيا!!

من المؤكد أن كفة الممثل ديترل واشنطون (مواليد 1954) هي الآن الراجحة في السينما الأمريكية.. وهو ممثل مثقف تنقل من دراسة الطب إلى الصحافة وانتهى به المطاف على مسارح خارج برودواي ليقدم خلال السبعينيات دور الزعيم الزنجي المسلم مالكولم إكس في مسرحية بنفس الاسم. وهو نفس الدور الذي لعبه في آخر أفلامه من إخراج المخرج الزنجي سبايك لي.

والتجارب التي يهمنا التوقف أمامها في مجال عرض دور ديترل بالنسبة للأدوار الإفريقية أو العربية تتمثل في فيلمي "صرخة الحرية" 1987 إخراج الإنجليزي ريتشارد اتينبرو و "مالكولم إكس" إخراج سبايك لي.

يصور الفيلم الأول شخصية الزعيم الإفريقي الشاب "ستيفن بيكو" الذي قتلته السلطات العنصرية داخل أحد سجونها بعد أن قامت بضربه وتعذيبه في عام 1977، ودور الصحفي الأبيض دونالد وودز في كشف الممارسات البيضاء ضد بيكو والتي أدت إلى قتله.

والفيلم حاول التركيز على قصة وودز وهروبه من جنوب إفريقيا بحيث تحولت شخصية بيكو في الفيلم إلى شخصية هامشية وهو الأمر الذي دفع اتينبرو إلى القول: "اتهمني اليمين بأنني قدمت فيلما شيوعيا. واتهمني اليسار بأنني رويت قصة رجل أبيض بدلا من سرد قصة "بيكو" وفي تصوري أن مسئولية إخراج فيلم عن رجل أسود من جنوب إفريقيا لا تقع على عاتق الرجل الأبيض مهما كان ليبراليا.. على السود كتابة القصة وتمثيلها وإخراجها".

والواقع أن كلمات أتينبرو هي الالتفاف الأكثر ذكاء حول قضية محسومة منذ زمن طويل وهي أن السينمائي الأبيض لن يتنازل عن قضايا الأبيض مهما كانت دوافعه ومعتقداته السياسية. وعموما فلقد تحققت رغبته في فيلم ديترل "مالكولم إكس" فهو من تأليف الروائي الزنجي الراحل إليكس هيلي وتمثيل وإخراج مجموعة متميزة من الزنوج، ومع ذلك فهل سيترك البيض هؤلاء الزنوج يعبرون بصراحة وجرأة عما يريدون. إن الفيلم لم يعرض بعد ورغم ذلك فإن توقع الإلمام بطبيعة حياة "مالكولم إكس" دون تحريفها أمر صعب، بل قد يكون مستحيلا، إلا إذا أمكن أن يكون لهؤلاء السود نوع من التوحد سواء توحد الإيمان بفكرة أو توحد المواجهة لكل من يحاول تشويه هذا الفكر.

إن الإلمام بعناصر بذاتها في حياة مالكولم من الممكن أن تكون منطلقا للتلاعب وتصوير حياته باعتبارها صراعا بين المسلمين.. وهذا مطروح بعد أن أصبح مالكولم الآن ملهما للكثير من المناضلين السود الذين راحوا يتعاملون مع أفكاره المعادية للعنصرية. ولكن يتجاهلون بشكل عام دور الإسلام في بلورة واستلهام هذه الأفكار.

وأخيراً ليعذرني القارئ.. ربما أكون قد حطمت له بعض النماذج التي أعجب بها من قبل في عشرات الأفلام الشهيرة.. ولكن في معركتنا من أجل الفهم.. علينا أن نتقبل مرارة الواقع.

 

أحمد رأفت بهجت