أيتام الكويت ترعاهم الأيدي الحنون صادق يلي تصوير: فهد الكوح

لم تكن الصورة الرائعة للتكافل والتراحم التي جسدها أهل الكويت إبان الغزو العراقي الغاشم لبلادنا، منبتة الجذور في تاريخ هذا البلد الخيّر. وإذا كان التجار قد قاموا في هذه الفترة العصبية بتوزيع كل ما لديهم من مواد غذائية ومخزوناتهم على الأهالي دون مقابل، حتى كان الموسرون منهم يقومون بتوزيع الأموال على مواطنيهم ممن مستهم الكارثة، فإن التاريخ يسجل لنا نماذج رائعة للعمل الخيري الكويتي، الذي بدأ بتوجهات ثقافية وانتهى إلى قمة التراحم والتكافل الاجتماعي.

يذكر لنا تاريخ الكويت أن المدارس الحديثة قامت على تبرعات التجار والوجهاء، والمدارس الثلاث الأول بالذات، وهي المدرسة المباركية، والمدرسة الأحمدية، ثم مدرسة السعادة بزغت إلى الوجود من خلال هذه الجهود الذاتية. لقد قام التاجر الكويتي شملان بن علي آل سيف عام 1343 هـ ببناء مدرسة السعادة من ماله الخاص. وخصصها للأيتام من أبناء الكويت حتى يشبوا على حب العلم والمعرفة.

وفي غرة ربيع الأول من عام 1358 هـ الموافق 22/10/1938م- بادرت الكويت بإنشاء جهاز متخصص لرعاية القُصّر تحت اسم "دائرة الأيتام" وتعد هذه المؤسسة الخيرية من أوائل المؤسسات الحكومية التي عرفتها الكويت، وقد كان ذلك أيام حكم المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح أمير الكويت آنذاك، حيث باشرت هذه الدائرة عملها بموظفين اثنين ورئيس هو السيد خالد يوسف المطوع الذي بقي في خدمة هذه الدائرة لمدة طويلة، وكان يتبع أسلوبا إداريا بسيطا يعتمد اعتماداً كليا على الاتصال الشخصي، وقد جاءت فكرة إنشاء دائرة للأيتام- في الكويت من منطلق الحرص على اليتيم والمحافظة على ماله وتنشئته النشأة الصالحة عملا بوصايا الدين الحنيف وتعاليمه.

ومع مرور الوقت كبرت هذه الدائرة فزاد عدد موظفيها مما لفت انتباه المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح. وفي عام 1952 أي بعد اعتلائه سدة الحكم بسنتين أمر أن تكون مرتبات موظفي الدائرة وجميع نفقاتها على حساب الدولة، وقد بلغ عدد العاملين في تلك الفترة نحو 57 موظفاً ومستخدما كما أمر سموه عام 1961 بإعفاء قضايا الأيتام من أية رسوم قضائية على أن تتكفل بها الإدارة. وفي عام 1974 ومع زيادة حجم العمل بالدائرة أصدرت الحكومة الكويتية قانوناً بتغيير مسمى دائرة الأيتام إلى إدارة شؤون القُصّر، حيث قننت المبادئ التي استقر عليها العمل، وأعيد تنظيم الإدارة والمجلس الأعلى لإدارة شؤون القصر والذين يختارون عادة من الرجال المشهود لهم بالتقوى ومحمل الخير إذ يبلغ عددهم تسعة أعضاء برئاسة وزير العدل، والذي يقع على عاتقه رسم الدور الرئيسي في مراجعة الأعمال والتصرفات المالية والعقارية المهمة. فلا تتم إلا بإذنه وبتفويض منه.

الهيئة العامة لشؤون القُصّر

واستمرارا لمنهجية التطوير، واستجابة لرغبة دولة الكويت في تقديم الخدمات لأبنائها القُصّر فقد صدر في عام 1983 قانون بإنشاء الهيئة العامة لشؤون القُصّر، فأضفى هذا القانون على الهيئة قدر، أكبر من الاستقلالية كما أعطاها سلطات كبيرة في اتخاذ القرارات، وأضاف هذا القانون لهذه الهيئة اختصاصات جديدة نظراً لانفرادها بطبيعة عمل مميزة، حيث إنها تجمع بين النشاط الاجتماعي متمثلا في رعايتها للقُصّر، والنشاط الاقتصادي ويتمثل في استثمار أموال القُصّر المتوافرة لديها مما جعل منها هيئة مستقلة إدارياً وماليا وذات شخصية اعتبارية وميزانية ملحقة تابعة لوزارة العدل.

وقد حدد القانون الخاص بإنشاء الهيئة اختصاصاتها في عدة نقاط مهمة أهمها:

(أ) الوصاية على القُصّر من الكويتيين الذين لا ولي لهم ولا وصي لهم وعلى الحمل المستكن الذي لا وصي له.

(ب) القوامة على ناقصي الأهلية وفاقديها والغائبين من الكويتيين الذين لم تعين المحكمة قيما لإدارة أعمالهم.

(جـ) الإشراف على تصرفات الأوصياء والقيمين الآخرين إذا عهدت إليها المحكمة بذلك.

(د) إدارة أموال الأثلاث التي يوصى بها على يدها أو التي تعين عليها، كما أوكل القانون للهيئة العامة لشؤون القُصّر دوراً كبيراً حين أسند إليها مهمة استثمار أموال القُصّر وناقصي الأهلية أو فاقديها، وكذلك أموال الأثلاث وغيرها، وفقاً لأحكام الشريعة السمحاء.

وعلى ذلك فقد جاءت اختصاصات الهيئة العامة لشؤون القُصّر تطبيقا عمليا لعناية واهتمام الدين الإسلامي الحنيف والسنة النبوية الشريفة بأمر اليتيم ومثالا رائداً على مستوى المنطقة العربية والإسلامية تميزت بها دولة الكويت كأحد الإنجازات الحضارية المميزة والتي لا يوجد مثيل لها في أي مكان.

رعاية شاملة

عند حدوث حالة وفاة يلزم القانون الكويتي مختاري المناطق المختلفة بالكويت بإبلاغ الهيئة العامة لشؤون القُصّر بحالة الوفاة خلال 24 ساعة، وعندها تقوم الهيئة باستقبال ذوي المتوفين لفتح ملف لكل حالة، يتم فيه استيفاء جميع المعلومات والبيانات المتعلقة بتركة المتوفى. وقد قامت الهيئة بتخصيص مكتب خاص لاستقبال المراجعين، وألحقت به صالة انتظار مجهزة بوسائل الراحة المتاحة، وخصصت له عدداً من الموظفين والموظفات، يتولون استقبال المراجعين والرد على استفساراتهم والعمل على إنجاز معاملاتهم لدى أجهزة الهيئة المختلفة. ثم يتم الإعلان عن الوفاة بالجريدة الرسمية "الكويت اليوم" ومخاطبة كل من له شأن وعلاقة فيما يخص الحقوق والالتزامات المالية تجاه المتوفى، ومن ثم يتم استلام الوثائق والمستندات الخاصة بتركة المتوفى، وحفظ الممتلكات الثمينة التي يخشى عليها التلف أو الضياع، وحين يتم حصر الذمم الدائنة والمدينة تقوم الهيئة باتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة لحفظ حقوق القُصّر في جميع التركات والتراخيص والمحال التجارية والمزارع والسيارات والأموال السائلة إلى غيرها من عناصر التركة، أما فيما يتعلق بالعقارات فتقوم الهيئة بحفظ الوثائق العقارية والقيام بإجراءاتها، كما تقوم الهيئة بمتابعة الإجراءات المتعلقة بطلبات السكن للقُصّر سواء كانت بيوتا حكومية أو قسائم سكنية، وكذلك عقاراتهم المملكة من قبل الدولة، وإعادة تسجيل المستحق منها بأسماء الورثة، فضلا عن القيام بإجراءات إعفاء الورثة من الديون التي تكون مستحقة عليهم تجاه الدولة.

مساعدات مالية متعددة

وبعد أن تتولى الهيئة على تركة المتوفى، يتم صرف معاش شهري مؤقت لحين تسوية مستحقات الورثة من معاشات ومساعدات عن طريق الجهات المختصة بالدولة، وبعد أن يتم تخصيص المعاش التقاعدي أو المساعدة تقوم الهيئة بتحديد القدر الواجب أداؤه لمن تم شمولهم برعايتها وبما يتناسب ومتطلبات الحياة الكريمة، دون تقتير أو إسراف حفاظاً على أموال القُصّر، أما ما يرد للهيئة من دخل لصالح القُصّر مهما كان مصدره كريع العقارات مثلا أو أرباح الشركات المساهمة أو غير ذلك من عناصر التركة، فيتم قيده بحساباتهم لدى الهيئة تمهيداً لاستثماره بمعرفتها كي يضاف إلى أرصدتهم، وليكون رصيداً لهم يستلمونه فور بلوغهم سن الرشد، أما بالنسبة للأسر المحدودة الدخل فإن الهيئة تتولى تقديم العديد من المساعدات النقدية لهم، فمثلا هناك مساعدات الترميم ومساعدات التأثيث، بالإضافة إلى ما يقدم للقُصّر من مساعدات من جهات أخرى كالديوان الأميري أو وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وبعض الشركات المساهمة والبنوك وهي في الواقع كثيرة ولله الحمد في الكويت.

مصاريف متنوعة

وبالإضافة إلى ذلك فإن الهيئة العامة لشؤون القُصّر تحرص على تغطية جميع نفقات ومصاريف الأسر المشمولة برعايتها سواء القادرة منها أو المحدودة الدخل، ولذلك فقد تم تخصيص مجموعة من الباحثات الاجتماعيات يتولين إجراء البحوث الضرورية واللازمة لتحديد النفقات الضرورية لكل حالة بعد أن تقوم الباحثة بزيارة ميدانية للأسرة، يتم على ضوئها تحديد مدى استحقاقها واحتياجاتها ثم إقرار ما يلزم بشأنها، ولذلك تتخذ مثل هذه النفقات أشكالا عدة منها مصاريف كساء أو سفر أو تأثيث أو مصاريف زواج أو علاج أو مصاريف دراسية أو مصاريف طارئة إلى غيرها من مصاريف تدور في هذا المجال.

مظلة اجتماعية

ولا تقتصر رعاية القُصّر على الجوانب المادية فقط بل تمتد هذه الرعاية لتشمل النواحي الاجتماعية لأن هذا الجانب يعد أهم ركائز الهيئة في التعامل مع هذه الشريحة المهمة من شرائح المجتمع الكويتي، فالخدمة الاجتماعية شأنها شأن مختلف مجالات الحياة أصبحت علما قائما بذاته، لحقه النمو السريع نتيجة تعقيدات الحياة العصرية والتطور العلمي، وبذلك فإن دور الهيئة يبدو واضحا في متابعة القُصّر دراسيا حيث تقوم مجموعة من الباحثات بزياراتهم ميدانيا في مدارسهم ومعاهدهم للوقوف على مستواهم الدراسي، وحل ما قد يعترضهم من مشاكل. وكذلك متابعة القُصّر صحيا، وذلك بمتابعة المرضى منهم في المستشفيات ودور الرعاية المختلفة، وتقوم الهيئة كذلك برعاية المحجور عليهم صحيا واجتماعيا وماليا. وتتعاون مع المختصين بالتربية والجهات الحكومية والمؤسسات الاجتماعية لعلاج مظاهر الانحراف والتخلف التي قد تعترض القاصر، وتقدم الهيئة المساعدة الإيجابية لإيجاد عمل لمن يطلبه منهم، والتنسيق مع جهات الاختصاص بشأن تهيئة السكن المناسب للمشمولين برعاية الهيئة، وقد جندت الهيئة فريقا من الباحثات الاجتماعيات وعهدت إليهن القيام بهذه الزيارات الميدانية للوقوف على أحوال المشمولين برعايتها من جميع النواحي المعيشية والاجتماعية والدراسية والصحية، من منطلق شمولية الرعاية والدراسة الكاملة تحقيقا لمبدأ السرية في الأداء والخصوصية في التعامل، لذلك وجب على الهيئة أن تبث الثقة في نفوس الأرامل وتشعرهن بأمانة الإخصائية الاجتماعية على أسرار الأسر مما له شأن كبير في رفع مستوى الخدمة ومضاعفة الإنتاجية، وتسهيل مهمة الباحثة بدرجة كبيرة، ومن هنا تم الأخذ بمبدأ "إخصائية العائلة" وهو أن تقوم الإخصائية بمسئوليتها المهنية كاملة تجاه عدد من الحالات الموكلة إليها منذ فتح الملف وحتى بلوغ آخر قاصر سن الرشد.

استثمار وإنماء

يعد الاستثمار أحد الروافد المهمة لاختصاصات الهيئة فيما يخص أموال المشمولين برعايتها، وهو يبدأ منذ رحيل المتوفى بالحفاظ على أموال أسرته التي ترد للهيئة، سواء المنقولة من ودائع وذهب ومجوهرات، أو غير المنقولة من أرصدة وعقارات وأراض زراعية وأسهم، فتقوم الهيئة باستثمار هذه الأموال بالشكل الأمثل وفقاً لتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف بعيداً عن شبهة الربا وخطر المضاربات.

وبالرغم من أن الهيئة العامة لشؤون القُصّر تعول قطاعاً كبيراً من الأيتام والأرامل، وعملها قائم بالدرجة الأولى على استثمار وإنماء أموال الأيتام فإن من المؤسف حقا أن تمتد يد الغازي العراقي الغاشم إلى جانب من أموال هؤلاء الأيتام والأرامل، فقد امتدت يد جنود الطاغية الحقود فعاثوا فيها فساداً، وقاموا بسرقة ما أمكن سرقته ودمروا ما أمكن تدميره، ومن هنا رأت الهيئة بعد التحرير أن تعيد النظر في سياستها الاستثمارية نظرا لما استجد من ظروف ما بعد الغزو، فقامت بطرح سياسة استثمارية جديدة من خلال التعامل مع بيوت اقتصادية موثوقه يديرها استثماريون كويتيون مشهود لهم بالخبرة والدراية تتولى دراسة الفرص الاستثمارية المتاحة، وتتابع المؤشرات الدولية الاقتصادية، على ضوء مجمل الظروف التي تمر بها المنطقة حاليا ومستجداتها في المستقبل المنظور. علما بأن الهيئة تعمل بكل ما في وسعها على وضع استثمارتها في قنوات مضمونة الربح، وقد أدت هذه السياسة الاستثمارية الجديدة إلى نتائج طيبة في جميع المجالات.

مزايا وخدمات متكاملة

في لقاء مع نائب المدير العام للهيئة العامة لشؤون القُصّر الأستاذ علي محمد العليمي ليوضح ويجيب عن بعض الأسئلة التي تدور في الأذهان عن الهيئة وهمومها بدأنا بسؤاله عن الامتيازات التي يحصل عليها القاصر عندما يضع أمواله في الهيئة، فأجاب قائلا: هناك عدة جوانب تعد من المزايا أو الامتيازات التي تقدمها الهيئة للقاصر، فهناك أولا الخدمات القانونية، وتنحصر في الإعفاء من الرسوم والمصاريف القضائية، وبحث حقوق والتزامات التركة واستيفائها بالطرق الودية، أو عن طريق القضاء، مع تمثيل القُصّر أمام المحاكم وإدارة الخبراء، وكذلك حل المنازعات الإيجارية رضاء أو قضاء دون تحميل القُصّر أية مصاريف.

وأما مزايا الخدمات العقارية فتنحصر في القيام بإجراءات الاعتراض على التثمينات الخاصة بنزع الملكية التي تتم على العقارات بهدف الوصول إلى أعلى قيمة لصالح القُصّر، ثم منع الورثة من البيع لحين التأكد من الوضع التنظيمي للعقار، حيث تتم تثمينات الدولة على العقارات بمبالغ مالية أعلى كثيراً من قيمة السوق المحلي، وكذلك القيام بإجراءات التصفية بين الورثة على أسس ومبادئ شرعية، وبأسلوب ودي، ووضع يرضي الجميع، وتمنع وجود أية مشاكل قد تنشأ بين الورثة حفاظا على صلة الرحم، وتقوم الهيئة بصرف مساعدات للترميم وصيانة العقارات السكنية لذوي الدخل المحدود، كما تقوم الهيئة كذلك بمساعدة الأسر المشمولة بالرعاية في الحصول على قروض عقارية مناسبة، وتقوم بالعمل على إعفاء الأسر من تسديد أقساط هذه القروض العقارية التي تمت حال حياة المتوفى.

أما الخدمات المحاسبية التي تعد من المزايا التي تقدم للقصر فيتحدث عنها الأستاذ العليمي قائلاً: إن هذه الخدمات هي حصر عناصر تركات المتوفين بما في ذلك ديون المرحوم لدى الغير، والعمل على تحصيلها ورد الأمانات إلى ذويها، مع سداد ديون التركة بعد التفاوض بشأن التنازل عن قسم منها، وهو مالا يستطيع الوصي من الأفراد القيام به، كما أن هناك حسابات منظمة للفقر والمتوفين تبين أوجه الصرف منذ الوفاة وحتى بلوغ القُصّر سن الرشد، وهو مالا يتوافر للقاصر في حالة كون الوصاية لغير الهيئة.

أما عن الخدمات الاجتماعية والتعليمية ومزاياها فهي عديدة منها متابعة القُصّر الذين يدرسون بالخارج وتحديد المصاريف الخاصة بهم وتحويلها للجهات المعنية، بما يعينهم على التفوق في دراستهم، كذلك الاهتمام بالقُصّر المقيمين بالخارج وتوفير جميع الخدمات المناسبة لهم من معاشات شهرية ومصاريف موسمية، كما أن الهيئة تقوم بمحاولات لضبط وتنظيم مصاريف القُصّر من رصيدهم لدى الهيئة، والحد من تبذير الأموال عن طريق التوعية والإرشاد، وكذلك تتعاون الهيئة مع المؤسسات الحكومية في إيجاد مصدر دخل مناسب للقُصّر الذين ليس لديهم دخل، أو أن دخلهم لا يكفي للحد الأدنى للمعيشة، ثم السعي لدى الجهات المسئولة لتقديم قروض حسنة لزواج القاصر الذي يعمل، وبعد التزامه برد القرض بأقساط شهرية مناسبة، وفقا للقواعد والشروط المعمول بها في الهيئة. ويضيف الأستاذ العليمي نائب المدير العام قائلاً: أما بالنسبة للاستثمار وتنمية أموال القُصّر فقد قامت الهيئة باستثمار أموال القُصّر المودعة لديها ولهذا ساهمت الهيئة في تأسيس العديد من الشركات وهو ما عاد على القُصّر بالربح الوفير، كما تحرص الهيئة على الإشراف على العقارات المستثمرة وإبرام عقود إيجار وتجديدها وتحصيل الأجرة الشهرية، أما عن مزايا الخدمات الإدارية فإن الهيئة تقوم بالتعاون مع الجهات الحكومية باستخراج شهادات الجنسية وجوازات سفر القُصّر وما إلى ذلك من معاملات أخرى متنوعة، كما قامت الهيئة أخيراً بالتعاون مع مكتب الشهيد المنبثق عن الديوان الأميري بإنشاء مكتب الشهيد بالهيئة ملحقاً بمكتب الخدمة والمتابعة، وذلك لمساعدة ذوي الشهداء في إنجاز معاملاتهم، وتلبية احتياجاتهم، وهو ما يضفي على طلباتهم صفة الاستعجال والمرونة ويمنحهم الأولوية في تصريف شؤونهم لدى الهيئة وفاء لشهداء الكويت الأبرار وتكريما لذويهم.

أحدث وسائل التكنولوجيا

لقد قامت الهيئة العامة لشؤون القُصّر بتطبيق أحدث طرق الأداء والإدارة الحديثة بما يتناسب مع حجم مسئولياتها تجاه القُصّر وذويهم، فقد وضعت استراتيجية شاملة للحاسب الآلي لمدة خمس سنوات بغية الوصول إلى مستوى خدمي أمثل يحقق الكفاءة لموظفي الهيئة، ويكفل الراحة لمراجعيها، فقد طورت نظاماً جديداً لمعاشات القُصّر المشمولين بالرعاية، حيث تقوم الهيئة باستخراج معاملات البنك آليا، بالإضافة إلى البيانات والكشوفات المتعلقة بمعاشاتهم في الحال، وتجري الآن دراسات لتخزين واسترجاع الوثائق إليكترونيا وسوف يتم تنفيذه مع مطلع العام القادم، وتسعى الهيئة إلى تحديث أجهزتها العاملة، فهي حريصة على الارتقاء بالمستوى الوظيفي والإشرافي من خلال تطوير خطط تدريبية شاملة وذلك عن طريق عقد دورات تدريبية منتظمة للعاملين بالهيئة وتحديث وتحسين مستوى الأداء، ورفع معدلات الإنجاز لما فيه راحة جمهورها الكبير.

هنات وسلبيات صغيرة

ومع أن الهيئة العامة لشؤون القُصّر تقوم بكل هذه الأعمال الجليلة فإن هدفها ينحصر بالدرجة الأولى في إسعاد هذه الفئة التي شاء الله أن تحرم من عائلها وهي لا تبتغي من هذه الأعمال التي تؤديها إلا رضا الله، وإسعاد هذه الفئة التي ينادي ديننا الحنيف برعايتها وإسعادها.

وفي لقاءات مع بعض المترددين على الهيئة أو من يطلق عليهم القيم أو المفوض، أوضحوا لنا جوانب بعض الهنات والسلبيات التي يواجهونها عند ترددهم على الهيئة لإنجاز بعض الأعمال المتعلقة بالقُصّر. يقول الأستاذ على سالم الدقباسي : لا شك أن الهيئة العامة لشؤون القُصّر وهي هيئة حكومية تلعب دوراً رائداً في الاهتمام بآلاف القُصّر المشمولين تحت رعايتها ولا شك أن وجود هيئة بهذا الحجم هو تأكيد لحرص الدولة على رعاية هذه الفئة التي شاء الله أن تبتلى بفقد راعيها، والواقع أن للهيئة الكثير الكثير من الإيجابيات، إلا أن هناك بعض السلبيات أو بعض الهنات الصغيرة، وإنني حين أنتقد فليس هدفي هو النقد في حد ذاته، بل إن هدفي هو التوجيه البناء وحتى تصل خدمات هذه الهيئة إلى ما تبتغيه من إسعاد لآلاف القُصّر ورسم البسمة على وجوه هؤلاء الأيتام، وهذه المشاكل أغلبها مشاكل إدارية كما أعتقد، فهناك مشاكل البيروقراطية والمركزية، فالهيئة كأي هيئة حكومية تعاني من هذه المشكلة، وإنني أنادي باللا مركزية في إدارة الهيئة إذ يؤدي ذلك إلى حل مشاكل البيروقراطية فيها، فمثلا استخراج ورقة لأحد القُصّر يحتاج إلى وقت طويل إلى آخر توقيع في السلم الوظيفي للهيئة، ويضيف الأستاذ الدقباسي قائلاً: وهناك قضية أخرى فإنني كأحد المتعاملين مع الهيئة لا أملك أية بيانات عن نشاط الهيئة وخاصة في الجانب الاستثماري فالجانب الإعلامي مقتول في الهيئة، فالإعلام لا يمثله إلا قسم صغير للعلاقات العامة فمن المفترض أن تقوم إدارة الهيئة بتوضيح أعمال الهيئة عن طريق نشرات أو كتيبات تكون في متناول أيدي الناس.

وبالإضافة إلى ذلك هناك غياب للمعلومات في الهيئة فنادر من يعرف أن هناك هيئة مختصة بالأيتام إلا من يتعرض لهذا الموقف، فالمجتمع الكويتي لا يعرف ما تقدمه الهيئة من خدمات وامتيازات للقُصّر، وهذا راجع في الأساس إلى سلبية الجهاز الإعلامي في الهيئة.

وهناك قضية أخرى مهمة وهي قضية استثمار أموال القصر من قبل الهيئة إذ تغيب المعلومات عن هذا الجانب، والهيئة لا تعطي أية معلومات عن كيفية استثمار أموال القُصّر، والأجدر بالهيئة أن توضح للناس طرق استثمار هذه الأموال والمشاريع التي تقوم بها الهيئة لتنمية أموال القصر، حتى يكون القيم على علم بهذه الطرق.

أما السيد هادي سيف ناصر فيتناول جانباً آخر من هذه السلبيات قائلاً: إن الهيئة لا تسأل عن القاصر وماذا يريد، والقيم هو الذي يأخذ المبالغ التي تصرفها الهيئة، وربما يقوم القيم بصرف هذه الأموال على نفسه، وبعض الأحيان يكون القيم غير أمين علي الأموال التي يأخذها من الهيئة، ولذلك يجب على الهيئة أن تسأل القاصر كيف يعيش، وما هي حياته وهل هو مرتاح وهل يقوم القيم بتلبية طلباته أم لا؟

مشاكل الترميم

السيد يوسف مندي خليفة يقول: لا شك أن طريقة إنجاز الأعمال في الهيئة قد تحسنت عما كانت عليه في الأعوام السابقة، فقد كانت الإجراءات تتأخر حيث قد تمر على المعاملة أكثر من أسبوعين لحين إنجازها، أما الآن فإن أي معاملة تنجز بسرعة قياسية، ويضيف الأستاذ يوسف مندي قائلا: إن أهم مشكلة تواجه القيم هي مشكلة التأخير في تسلم الأموال المخصصة لترميم بيوت وعمارات القصر، فالتأخير قد يصل إلى أكثر من شهرين، وهي فترة طويلة، أما المبالغ التي تعطيها الهيئة لعمليات الترميم فهي أقل من المبلغ الذي يستحقه هذا الترميم، ولذلك فيجب على الموكل أن يدفع البقية من جيبه الخاص، كما أن المبالغ المخصصة في العادة لا تدفع مرة واحدة وإنما تقسط، والواقع أن مشكلة الترميم من المشاكل الصعبة التي يواجهها الموكل، فلو أعطت الهيئة جانبا من اهتمامها لهذه المشكلة كان ذلك أجدى.

أما السيدة أم إبراهيم العجمي فتقول: إن هناك الكثير من الإيجابيات التي تقدمها الهيئة، فطلباتنا تتم في أسرع وقت، ولكن المشكلة في الحصول على المبالغ الكافية للترميم فالإجراءات بطيئة بالنسبة لنزول الكشافين وإبرام العقود بين الموكل والهيئة والمقاول وتأخذ وقتا طويلا، كما أن طريقة استقطاع المبلغ المخصص للترميم من الرصيد وإجراء الخدمة يستغرق وقتا طويلا، كما يحتاج إلى مراجعة الهيئة عدة مرات، وبذلك تطول الإجراءات، علما بأن هناك بعض الخدمات التي يجب أن تنجز بسرعة مثل المياه في البيوت أو توقف المجاري وانكسارها وكذلك التمديدات الكهربائية أو تعطل أجهزة التكييف، أما باقي الأقسام فإنها تنجز أعمالها بالسرعة الطبيعية.

 

صادق يلي