سيناريوهات حروب المناخ

لا يوجد علم عرفه الإنسان تغيب عنه اليقينيات مثل علم المناخ. فالعلم كله يقوم على ويتعلق بنماذج كمبيوترية وتوقعات. صحيح أنها توقعات علمية، لكنها تبقى توقعات. وأحد أشهر الإشكاليات في علم المناخ هي المقدار الذي سترتفع به درجة حرارة الكوكب نتيجة لانبعاث قدر معين من غازات الاحتباس الحراري. ويحذر علم المناخ من أن تأثيرات التغير المناخي على البشر والطبيعة ستكون فادحة، خاصة على الفقراء. وسيكون لارتفاع درجة الحرارة الكونية بأكثر من درجة عواقب خطيرة على الكوكب، وبالأخص المناطق الهشة إيكولوجيًا فيه مثل الدول الجزرية. لكن هذه العواقب ستكون كابوسية إذا ارتفعت درجة الحرارة الكونية أكثر من درجتين. ومن أهم هذه العواقب: تراجع غلة المحاصيل في البلدان النامية والمتقدمة على السواء؛ وتراجع غلة المحاصيل إلى الثلث في أوربا وروسيا تحديدًا؛ ونزوح واسع النطاق للسكان في شمالي إفريقيا بسبب التصحر؛ وسيعاني نحو 2.8 بليون إنسان من نقص مياه الشرب؛ وسيختفي 97% من الحيد المرجاني؛ كما سيختفي تماماً جليد المحيط المتجمد الشمالي في فصل الصيف.وهو ما من شأنه أن يقود إلى انقراض تام لأنواع كثيرة من الكائنات مثل الدب القطبي والفظ والفقمة؛ كما ستتفشى أمراض مثل الملاريا في إفريقيا وأمريكا الشمالية. والأمر المؤكد أن مثل هذه التطورات ستقود إلى نزاعات وحروب من نوع فريد لم تعرفه البشرية طوال تاريخها: أي «حروب المناخ».

ورغم أن الموضوع كان مادة دسمة للعديد من أفلام وروايات الخيال العلمي، فإن كتبًا قليلة هي التي عالجته بعيدا عن سيناريوهات الإثارة. ومن أهمها كتاب «حروب المناخ» لمؤلفه غوين داير، والصادر عن منشورات Oneworld. وتركز معظم الكتب المتعلقة بحروب المناخ على بعض الجوانب العلمية للقضية، وبعضها يعالج قضايا التخفيف- أي الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري- وقضايا التكيف- أي إجراءات تعديل السلوك البشري أو البنى التحتية للتصدي لعواقب ارتفاع درجة حرارة الأرض على مدى العقود المقبلة. وقد وجدت هذه الموضوعات بالتأكيد صدى لها في كتاب «حروب المناخ»، لكن تركيزه يبقى منصبا على الاستجابات الإنسانية المحتملة- أي الاستجابات السياسية والعسكرية. وبالنظر إلى تاريخ البشرية، فإنه ليس من المستغرب جدا أن يحتل النزاع مكانة بارزة في السيناريوهات التي يرسمها داير في كتابه. ومن بين التطورات اللافتة الأخرى التي توقعها داير:

- انهيار الحكومة المركزية في المكسيك وبناء «ستار حديدي» على الحدود الأمريكية المكسيكية.

- انهيار الحكومة المركزية وحرب أهلية في الصين.

- انهيار الحكومة المركزية في جنوب إيطاليا وشمال أفريقيا، وغيرها من الدول المتوسطية.

- تبادل قصف نووي بين الهند وباكستان.

- تبادل قصف نووي بين إسرائيل وإيران.

وكان داير واضحا في أن سيناريوهاته ليس الغرض منها أن تكون نبوءات في الواقع، بل إنه يشير إلى أنها أحيانا لم تكن متوافقة بعضها بعضًا. فالغرض منها استكشاف وتسليط الضوء على أوجه المشكلة التي تواجهنا- وأن تقدم، باختصار، وعيا جيدا بما يمكن أن يحدث. بل إنه يطرح سيناريو يوضح استجابة دولية فعالة لأزمة المناخ. وتستند سيناريوهات الكتاب إلى بحوث صلبة: إلى حد كبير إلى «تقرير التقييم الرابع للهيئة البينحكومية حول التغير المناخي Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC) الصادر في العام 2007 و«تقرير ستيرن» الصادر في العام 2006. وهي مصادر منطقية، رغم أنها تعرضت لهجمات كثيرة من قبل ناكري التغير المناخي: التقييم الرابع للهيئة البينحكومية حول التغير المناخي AR4 يعد بكل ما في الكلمة من معنى تجميعا لنتائج الآلاف من الأوراق البحثية، بينما يبقى تقرير ستيرن، الذي أعد بتكليف من الحكومة البريطانية، تقييما واسع التأثير لاقتصادات التصدي- وعدم التصدي- لتغير المناخ. والسؤال المهم هو ماذا كانت استنتاجات التقييم الرابع للهيئة البينحكومية حول التغير المناخي، الذي اعتبره داير نقطة انطلاقه؟

يطلق ملخص صانعي السياسة طائفة من التحذيرات بحلول العام 2100 حيث سيتراوح الارتفاع في متوسط درجة حرارة الأرض بين 1.8 درجة وأربع درجات مئوية، والارتفاع في مستوى مياه البحار والمحيطات بين 18 سنتيمترًا و 59 سنتيمترًا. وهذه الأرقام ستعتمد في الغالب على ما يحدث لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، رغم أن هناك عدم يقين إحصائيا إضافيا من مصادر أخرى. (وإذا أخذنا عناصر عدم اليقين هذه في الحسبان، فإن الارتفاع في درجات الحرارة قد يصل في أقل تقدير له إلى 1.1 درجة مئوية، وفي أقصى تقدير إلى 6.4 درجة مئوية). أما معدلات هطول الأمطار فهي أصعب في التوصيف، وفي سيناريو الطريق الأوسط «النمو المرتفع»، ستعاني المكسيك وحوض الكاريبي، وحوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وجنوب إفريقيا وغربي أستراليا جميعا من هبوط خطير في معدلات سقوط الأمطار قد يصل إلى 20 في المائة لمدة ثلاثة أشهر على الأقل من السنة.

ودعم داير البحوث المنشورة بتقارير خاصة أعدها بنفسه: وقد عرف عنه علاقاته مع مسئولين عسكريين وحكوميين في سائر أنحاء العالم، واستخدم هذه العلاقات بفاعلية كبيرة لإعداد كتابه «حروب المناخ». وتمكن من إجراء حوارات مع مسئولين عسكريين وسياسيين وعلميين رفيعي المستوى في جميع أنحاء العالم، واستخدم مقتطفات من هذه المقابلات لإضفاء الإثارة على النص، وتعميق التأثير والرؤية. وعلى سبيل المثال، من بين من حاورهم داير آرتور تشيلينجاروف، نائب رئيس مجلس الدوما الروسي، الذي زرع في العام 2007 علم الاتحاد الروسي في قاع البحر في القطب الشمالي.

لكن بغض النظر عن جودة الحوارات، تمحور كتاب داير حول سبعة سيناريوهات توضيحية، ستجري أحداثها في أوقات متباينة تتراوح بين العام 2019 وأواخر القرن الثاني والعشرين. وكانت بنية الكتاب ذكية، من وجهة النظر الروائية: حيث أطرت السيناريوهات الأكثر مدعاة للقلق الكتاب، بينما اتبعت السيناريوهات الأخرى نموذجًا متماسكًا موضوعيًا وزمنيًا. وقد احتل كل سيناريو فصلاً بمفرده، تلاه فصل آخر يناقش القضايا المطروحة، ويشرح الأساس العلمي، ويعلق على القضايا السياسية أو الاجتماعية المتضمنة.

فما هي النقاط التي يمكن أن نخرج بها من هذه السيناريوهات والمقالات المتعلقة بها؟ يصور السيناريو الأول العالم في العام 2045، حيث ستكون درجة الحرارة أدفأ بنحو 2.8 درجة مئوية مقارنة بمثيلتها في العام 1990، وفيه ستتجاوز انبعاثات الميثان وثاني أكسيد الكربون الناتجة عن ذوبان طبقة الجمد السرمدي (وهي الطبقة الأرضية المتجمدة التي تشكل الأساس الصلب للبنى وكل الهياكل الأخرى) في القارة القطبية الشمالية تماما التخفيضات في الانبعاثات البشرية، وتتجاوز هذه العملية قدرة الإنسان على السيطرة عليها. وسيطغى على هذا العالم، مثله في ذلك مثل عوالم السيناريوهات الأخرى، المجاعات- حيث سيتراجع عدد سكان الأرض عن عددهم الحالي بسبب تفشي المجاعات. وستكون الأسلحة النووية أكثر شيوعا بكثير، حيث ستفعل الأمم الأغنى كل ما في وسعها لتأمين حدودها من اجتياح حشود لاجئي المناخ. ويتوقع أن يصل متوسط درجة الحرارة بحلول نهاية القرن إلى 8-9 درجات أعلى من العام 1990.

السيناريو الثاني

ويوضح السيناريو الثاني كيف يمكن أن يقود تغير المناخ إلى نزاع دولي من جراء تغير المناخ- وبالمثل، كيف يمكن للنزاع بدوره أن يفاقم من تغير المناخ. وفي العام 2019، ومع ذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي، سستتنازع شعوب القطب الشمالي- التي ستستقطب في «حرب أبرد» بين روسيا وحلف شمال الأطلسي- على موارد الوقود الأحفوري، بينما ستكافح الصين القوية عسكريا للتعامل مع الفوضى الداخلية الناجمة عن الإخفاقات الزراعية الضخمة بسبب الجفاف المستمر. كل هذا سيجعل التعاون الدولي لمكافحة تغير المناخ أمرًا مستحيلاً من الناحية العملية لنحو عشرين عاما حيوية. وليس من الصعب تحقق هذا السيناريو، فبينما كان المؤلف يعد كتابه هذا في العام 2010؛ ضاعفت الحكومة الكندية التأكيد على سيادتها على القطب الشمالي بينما كانت سفن الأبحاث من الولايات المتحدة وكندا وروسيا وألمانيا والصين كلها تعمل في المحيط المتجمد الشمالي. ومن المعروف أن العديد منها ينخرط في رسم خرائط قاع البحر على نحو من شأنه (ويؤمل) أن يدعم المطالب الإقليمية اللاحقة.

السيناريو الثالث

ويركز السيناريو الثالث على الآثار السياسية والاجتماعية لتوقعات النمذجة المناخية بحدوث موجات جفاف خطيرة تقوض مناخ المكسيك وأمريكا الوسطى. وستبدأ عواقب ذلك بإخفاقات شديدة في الزراعة، تؤدي بدورها إلى فشل الحكومة المكسيكية وزيادات كبيرة في محاولات للهجرة إلى الولايات المتحدة. ومع هذه التدفقات سيتم إغلاق الحدود بتحصينات على غرار «الستار الحديدي»، بما في مواقع للمدافع الرشاشة الآلية وألغام مضادة للأفراد. وسيتبع ذلك اضطرابات مدنية في الولايات المتحدة نفسها، حيث سيرد 60 مليون أمريكي من أصول أمريكية لاتينية بمزيج من الصدمة والرعب والغضب على قتل عابري الحدود. والمحصلة هي أقلية كبيرة تعاني من الاغتراب الدائم داخل المجتمع الأمريكي.

السيناريو الرابع

ويبحث السيناريو الرابع الآثار المحتملة من زيادة الجفاف في باكستان وشمالي الهند. وهذا السيناريو هو محدد الموعد إلى حد ما: يبدو أنه يعتمد جزئيا على الخطأ الشهير الذي ارتكبته مجموعة العمل الثانية التي أعدت «تقرير التقييم الرابع للهيئة البينحكومية حول التغير المناخي» وتوقعت بموجبه أن تختفي الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا بحلول العام 2035، بدلا من العام 2350 (حسب التقديرات التي وضعها في العام 1996 عالم الهيدرولوجيا في إم كوتلياكوف).

وبالنسبة لداير، فإن باكستان والهند تتعرضان بشكل متزايد لانعدام الأمن الغذائي- بسبب الإخفاقات الأكثر تواترا المرتبطة بالرياح الموسمية المقترنة بالزيادة المستمرة في تعداد السكان- الذي ستواجهانه في ثلاثينيات القرن الحالي من خلال تراجع حاد في التدفقات الصيفية في منظومة نهر السند. (وتوفر منظومة هذا النهر، التي تحكمها معاهدة رسمية منذ العام 1960، مياه الري التي تنتج «ما لا يقل عن ثلاثة أرباع المواد الغذائية في باكستان»). وقد يؤدي «انقلاب عقداء» في العام 2035 إلى وصول حكومة عسكرية قومية متشددة ويائسة إلى السلطة في باكستان. وستؤدي الأعمال العدائية والشكوك المتزايدة إلى توجيه باكستان لإنذار نووي للهند؛ وإلى توجيه الهند ضربة نووية استباقية لباكستان؛ وربما تؤدي ستة أيام من القصف النووي المتبادل إلى قتل ما يتراوح بين 400 و500 مليون إنسان. وقد تطمس المدن الرئيسية في باكستان وشمالي الهند. وسيموت ملايين آخرون في بنغلاديش وبورما وشمالي تايلاند نتيجة للتسمم الإشعاعي. ومن المفارقات، أن الغبار المتصاعد في الجو سيكون كافيا لتبريد نصف الكرة الشمالي على نحو مؤقت حوالي 1 درجة مئوية. والسؤال هو ما مدى واقعية هذا السيناريو الكابوسي في ضوء ما نعرفه اليوم؟ نحن نعرف الآن أن الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا سوف تبقى موجودة في العام 2035. ولكن ورقة علمية جديدة تحمل عنوان «دور الأنهار الجليدية في تدفق التيار النهري من جبال الهيمالايا في نيبال» (Alford and Armstrong, The Cryosphere Discuss., 4, 469-494, 2010) تخلص إلى أن جريان الأنهار الجليدية يسهم فقط بحوالي 4 في المائة من إجمالي التدفق النهري السنوي لمنظومة نهر الجانج، بينما تأتي الأغلبية العظمى من الأمطار الموسمية. وإذا كانت أرقام مماثلة تنطبق على منظومة نهر السند - وهو ما لم يحسمه معدا الدراسة - فإننا سنعود مجددا إلى منطقة التأثيرات غير اليقينية للاحترار الكوني على الأمطار الموسمية. وقد خلصت الدراسات إلى نتائج متباينة- بما في ذلك الاستنتاج القائل بأن الاحترار يجعل نشاط الرياح الموسمية أكثر صعوبة للتنبؤ بها.

وحاليًا، تعاني باكستان ليس من الرياح الموسمية الضعيفة، لكن من رياح شديدة الكثافة على نحو تسبب في حدوث فيضانات مدمرة. وهو نموذج جوي غير عادي قد يكون ذا صلة بالاحتباس الحراري، ومن المتوقع أيضا زيادة تواتر «ظواهر التهاطل الشديد» في عالم الاحترار- ولكن لا يمكن للمرء أن يكون على يقين حتى الآن. وقد أسفر آخر موسم فيضانات في باكستان عن مقتل 1600 إنسان، وتشريد مليوني باكستاني، بينما وصل عدد المتضررين إلى نحو 14 مليونًا. وربما يذهب أحدهم إلى أن عدم اليقين أفضل من كارثة يقينية، لذلك ربما ينظر لـ«العلم غير المستقر» حول إمدادات المياه في المستقبل باعتباره «أخبارًا جيدة». لكنها بالتأكيد لا تقدم أي سبب للشعور بالرضا لأن تغير المناخ لن يكون ضارا.

حكاية سعيدة

وأطلق داير على السيناريو الخامس اسم «حكاية سعيدة» وفيه يتوقع أن يستقر سعر النفط عند 250 دولارا للبرميل. كما سيحدث تحول إلى «الجيل الثالث» من الوقود الحيوي- أساسا الطحالب التي تتحمل الملوحة و«النباتات الملحية» المروية مباشرة من مياه البحر، الأمر الذي سيؤدي إلى اختراق الوقود الحيوي حاجز الـ 15 في المائة من إجمالي استهلاك الوقود في الولايات المتحدة في العام 2014. وستحذو الصين والهند حذوها بسرعة. وسيمضي الأوربيون قدما في مشروعاتهم الضخمة المتعلقة بالطاقة الشمسية والزراعة في الصحراء، وجزئيا لخلق الهيدروجين لاستخدامه لإنتاج الوقود التخليقي باستخدام ثاني أكسيد الكربون المخزن.

وهناك عدد من الكوارث المتصلة بالمناخ تعمل على تعبئة توافق دولي في الآراء لتحقيق الخيار «صفر-2030» - للوصول إلى صفر انبعاثات في جميع أنحاء العالم بحلول العام 2030. وبحلول العام 2017، سينخفض الطلب على النفط حتى أسرع بكثير من انخفاض العرض، حتى أن سعر النفط قد ينخفض إلى 30 دولارا للبرميل. وبالطبع، سيفقر هذا الدول النفطية، وقد يؤدي إلى اندلاع ثورات في نيجيريا في العام 2017، وإيران في العام 2019.

ولكن على الرغم من أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ستبدأ في الانخفاض، فإن الهدف «صفر-30» لا يمكن تحقيقه في الواقع، وحتى «زيرو-50» هدف يبدو بعيد المنال. وستستمر الكوارث المناخية في الحدوث- العواصف والفيضانات تقتل الملايين، والقطب الشمالي يصبح موسميا خاليا من الجليد. والاحترار الناتج سيؤدي إلى ذوبان الجمد السرمدية، والتي بدورها ستبدأ في إطلاق كميات خطيرة حقا من غازي الميثان وثاني أكسيد الكربون. وسيبدأ التعاون الدولي في الانهيار تحت ثقل الشعور باليأس.

السيناريو السادس

ويدرس السيناريو السادس الصراعات السياسية والأيديولوجية المحتملة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الحالي. وكما تأتي مشكلة المناخ في صدارة السياسة الدولية، فإن التصدي لها قد يولد صراعات جديدة. وركز ورثة «اليمين» في مطلع القرن الحادي والعشرين على التوسع في الطاقة النووية وعلى نشر برامج الهندسة المناخية التي تهدف إلى كسب الوقت لخفض مستويات ثاني أكسيد الكربون. ويبقى «اليسار» يتجرع المرارة لأن الحلول التي اقترحت طويلا قد تأجلت حتى وقت متأخر جدا، وهو غير راضٍ عن الاعتماد على الطاقة النووية، وتساوره شكوك عميقة في جدوى الهندسة المناخية. وقد تساعد أعمال إرهابية بيئية متفرقة من قبل أعداد صغيرة من المتطرفين على شل الغرب؛ فـ«أغلبية العالم» ستتخذ إجراءات وحيدة الجانب، وليس كما هو الحال في السيناريو الخامس. وبحلول العام 2040، ستنخفض درجة حرارة الكوكب بنحو 1 درجة مئوية.

ثم ستحدث كوارث عشوائية، في شكل ثوران بركان بحيرة توبا الإندونيسية العملاق. (الغريب، أن داير يسميه «جبل توبا» وربما كان يلمح إلى أن المخروط البركاني سيتطاير في الهواء بفعل الثوران المطروح في السيناريو). وسيقذف هذا البركان بكمية رماد تعادل ثلاثة أضعاف كمية الرماد التي انبعثت من ثوران جبل تامبورا في العام 1815، وهو ما قد يؤدي إلى خفض درجة حرارة الكوكب بنحو 3 درجات مئوية في «سنة جديدة بلا صيف». وستخفق المحاصيل الجديدة في كل مكان في عالم يعاني بالفعل من انعدام الأمن الغذائي، وبما سيموت ما يتراوح بين 300 و400 مليون إنسان بسبب الجوع، وقد تسقط دول عديدة؛ وستحصد «الحرب الأهلية، والهجرات الجماعية والإبادة الجماعية» المزيد من الأرواح مجددا في السنوات الخمس التالية. وستعود درجة الحرارة إلى «الطبيعي الجديد» الدافئ جدا، وسنصل إلى نقاط ذروة مناخية جديدة، وكذلك ستفقد الهندسة المناخية المزيد من مصداقيتها. ويبدو أنه ليس هناك مخرج للإنسانية للافتكاك من هذه الأزمة التي خلقتها بيديها.

السيناريو السابع

وعلى نفس قدر سوء السيناريو السادس، لم يتوقع السيناريو السابع الكارثة الإنسانية النهائية - أي الانقراض التام. وقد اعتبر داير أن هذه الإمكانية هي السيناريو السابع- رغم أنه لم يكتب بوضوح سيناريو فعليا؛ بل إنه كتب أن مثل هذا السيناريو: «سيكون ميلودراميًا جدًا، وكابوسيًا جدًا». غير أنه وصف بعبارات عامة كيف يمكن أن يحدث هذا الانقراض، آخذين في الاعتبار المعرفة العلمية الحالية. ولتلخيص هذا علميا، يبدو أن الأمر قد حدث عدة مرات في الماضي- في الغالب بين 490 مليون و 93 مليون سنة حيث ظهرت المحيطات وأخذت تنفث كميات هائلة من غازات سامة مثل كبريتيد الهيدروجين الأمر الذي أفضى إلى حدوث موجات انقراض متباينة الحجم في البر والبحر. وسيرتبط بأحداث من هذا النوع ارتفاعات كبيرة في درجة حرارة الأرض وتركيزات عالية من ثاني أكسيد الكربون. وتجدر الإشارة هنا إلى أن موجات الانقراض الناتجة عن نقص الأوكسجين هي أمر حديث نسبيًا، ووقعت قبل حوالي 55 مليون سنة وقتلت معظم الأنواع البحرية: وقد ارتبطت بمستويات من ثاني أكسيد الكربون قدرت بنحو 800 جزء في المليون. ومن المحتمل أن نصل إلى مثل هذه المستويات بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين.

 

 



سيكون لارتفاع درجة الحرارة الكونية بأكثر من درجة عواقب خطيرة على الكوكب، وبالأخص المناطق الهشة إيكولوجيًا فيه



غلاف الكتاب



إذا أخذنا عناصر عدم اليقين في الحسبان، فإن الارتفاع في درجات الحرارة قد يصل في أقل تقدير له إلى 1.1 درجة مئوية، وفي أقصى تقدير إلى 6.4 درجة مئوية