الإسلام السياسي الراديكالي ... خطر الداخل
الإسلام السياسي الراديكالي ... خطر الداخل
قدم د. فهمي جدعان في مقاله «تأملات في حال الإسلام اليوم» في العدد 630 - مايو 2011 مقالًا شافيًا للنفس, ومحللًا لواقع مسلمي اليوم, ومعالجًا لمشاكلهم, وأود هنا أن أضع رأيًا على النقاط الثلاث التي أشار إلى وجوب وضعها في الاعتبار عند بحثنا لأي من مسائل واقع الإسلام اليوم. وما أحوجنا لهذا البحث الآن. علينا أولًا أن نقر بأن لا وجود لوصفة جاهزة لحل مشاكلنا لا بالسلفية ولا بالحداثة. وعلينا الاتجاه لواقع الحال مباشرة بالتحليل والنقد (من دون جلد للذات)، مستفيدين من معطيات الحداثة وغير مغفلين رأسمالنا الثقافي، المتمثل في تعاليم الإسلام السمحة ولغتنا العربية وحضارتنا العربية الإسلامية, لدراسة القصورات والاختلالات والتطلعات. ومن ثم وضع الممكنات وجدولتها لما من شأنه تغيير واقع الحال على النحو المطلوب. وهذا يتطلب أن نضع في الاعتبار النقاط الآتية: 1- الوعي شبه السائد في الغرب الحداثي، القائل بنجاح الغرب في القضاء على أعداء الداخل (الكنيسة النظم الفاشية والنازية والاشتراكية) وإنه اليوم يواجه خطر الإسلام ممثلاً في (الهجرة الإرهاب العداء الثقافي والحضاري النشط). وأن الغرب سيتصدى على الدوام لأي تهديد جديد. وهذا يحتم علينا وقف التصعيد (في الفكر أو الممارسة) العدائي تجاه الغرب, لأنه قد ثبت وهذا ما نشهده اليوم عدم قدرتنا على معاداة الغرب. كما أن هذا يؤدي إلى ضياع فعاليتنا في مجهود عدائي مقيت، بدلا من توجيه هذه القدرات والفعاليات لما فيه تحقيق صالحنا وحفظ وجودنا على النحو المطلوب. وهذا عين تعاليم دين الإسلام, ما سيؤدي في النهاية إلى تغيير صورة الإسلام القاتمة في العالم. ثم إننا وبمعنى من المعاني نعيش حضارة الحداثة - وإن في الهامش - ولا نعيش في حضارتنا الخاصة, لماذا نعيش فيها (الحداثة) ونسعى قولا وفعلا ضدها وبالتالي ضد أنفسنا؟ خذ مثلا الفعل العدائي الذي ينفذه تيار الإسلام السياسي الراديكالي في العالم: - أولًا: هي جريمة ضد الإنسانية لأن الحداثة اليوم ليست حضارة الرجل الغربي وحده، بل هي الحضارة السائدة في عالم اليوم وإن كان هو مبتكرها ومدبر أمورها. - ثانيًا: هذا الفعل العدائي تم توجيهه نحو المواطن المحلي وفي مدينة الإسلام الخالصة أكثر بكثير مما توجه نحو الغرب الذي يدعي هذا التيار عداءه. - ثالثًا: ردة الفعل من الغرب تجاه مسلمي اليوم، بل وتجاه الإسلام نفسه بسبب هذا الفعل العدائي ضد الغرب (وهي محدودة من حيث كم الفعل أو التأثير) أسدلت صورة قاتمة عن الإسلام (كدين) وبالتالي قام هذا التيار الإسلامي بعكس المطلوب منه دينيا, من الدعوة للدين الإسلامي وتقديم طابعه الإنساني والسمح, ورسخ الأفكار التي تطرح من قبل الغرب ليس لدى المواطن الغربي فقط بل وفي العالم حول الخوف من الإسلام. - رابعًا: وبالعودة إلى ردة فعل الغرب تجاه مسلمي اليوم, فنلاحظ أنها تمثلت في زيادة تقييدات وتمييزات ضد مسلمي اليوم في الغرب، تمثلت في الحد من الهجرة والتضييق على الممارسة الثقافية الإسلامية (مثل منع ارتداء الحجاب) و(منع بناء المآذن). 2- ضرورة ربط أي بحث لمسائل واقعنا نحن مسلمي اليوم بمعطيات الحداثة. والداعي لهذا القول أننا نعيش في محيط حضارة الحداثة وسيكون لكل فعل من قبلنا إنفاذ في متعلق به أو رد فعل منه, ولذا علينا أن نكيف فعلنا لما من شأنه تحقيق المطلوب دون صدام أو تعارض مع معطيات الحداثة وكذا مستفيدون من نتاجاتها لتحقيق مطلبنا. ولنأخذ مثلا البحث في نظام الحكم (في إسلام اليوم) سيضطرنا هذا للبحث في مفاهيم ومسائل حداثية مثل «الديمقراطية» و«الحقوق السياسية» من تكوين الأحزاب وتنظيم المظاهرات والاحتجاجات والانتخابات..إلخ. خذ أيضًا مسألة التعليم. صحيح أن مجمل الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تأمر، بل وتوجب العلم, لكن هذه النصوص قد عانت من عدم البحث والتفصيل على واقع الحال, ما أدى إلى تبني النموذج الغربي في التعليم. ولنأخذ أيضًا مسألة حقوق الإنسان. صحيح أن مقاصد الشريعة الخمسة (الحفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال) أجملت على نحو يمثل الصورة العليا التي تم وضعها لحقوق الإنسان في أي حضارة, لكن هذا الفهم الإجمالي وعدم إسقاطه على الواقع الاجتماعي والسياسي وتفصيله على نواحي مناشطنا إصابة بالإبهام وعدم التطبيق في الواقع, مما اضطر كثيرًا للمطالبة بتمثل حقوق الإنسان كما نادت بها حضارة الحداثة لأنها شهدت تفصيلا ومن ثم تطبيقًا على الواقع. ونصل إلى المسألة الأكثر حرجًا, القوانين, ما الذي دفعنا لتبني وإنفاذ قوانين الأجنبي (خاصة الفرنسي) في ديار الإسلام وهو الدين الذي مثل أكبر مخزون للقوانين والتشريعات, وصاحب التجربة التاريخية الرائدة في العدالة. وإذا أردنا أن نضع منظومة قوانيننا الخاصة فسيتحتم علينا دراسة القوانين الغربية وواقع أحوالنا ثم صياغة هذه المنظومة من وحي تعاليم الإسلام. وهكذا نرى أننا إذا لم نتعامل مع الحداثة فإنها تفرض نفسها، لاغية ليس فقط جوانب في ثقافتنا، بل وحتى في نواح من ديننا (وهو ما يحصل من تطبيق قوانينها وتشريعاتها في ديار الإسلام). 3- سيطرة منهج قياس الغائب على الشاهد على معظم أطروحات الفكر العربي الإسلامي في معالجة أحوالنا ووقائع أمورنا. بالرغم من بزوغ تيار جديد يدعو لمقاربة «النص» الديني والواقع. وما هذا الاستنجاد منا بـ«غائب السلف» لحل «شاهدنا» إلا نوع من اللاعقل والهروب. والانجرار وراء الوجدانيات من دون تدبر. وعلينا أن نقف ضد التيار (من بني جنسنا) الذين يجدون مصلحتهم الخاصة في تصوير التوجه نحو الفهم للنصوص الإسلامية على أنه خروج على الدين ويصور الدين على أنه أقوال السلف. ولكن هذا لا يعني بالطبع أن ينطلق (الإنسان العادي) نحو دراسة وتأويل النصوص الدينية ومقاربتها للواقع. فهذا سيؤدي إلى ما هو أخطر من الجمود الذي نحن عليه الآن. كما أود التعليق على دعوة الدكتور فهمي جدعان بخصوص التوجه نحو العالم الخارجي وخاصة الغربي بفعاليات علمية وثقافية وإعلامية وحضارية لإعادة تشكيل صورة الإسلام وتبديد مشروعية «الأقلية التحريفية المتصلبة» في الكشف عن الوجه الحضاري الأخلاقي الإنساني للإسلام. لأتساءل عن قدرتنا على التوجه بهذه الفعاليات نحو العالم وخاصة الغربي، في حين أن هذا التيار لا يزال يدعو في مجتمعاتنا على الغرب بالويل والثبور ويحمله عظائم الأمور. أحمد محمد شملان - اليمن