تعقيب: عالمية الأدب محمد حمد الصويغ

 منذ أن حصل أديبنا العربي الكبير نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب ونحن نتحدث عن عالمية الأدب وكيف يمكن أن تغزو آدابنا العربية أمصار العالم كما تغزو ديارنا آداب الشرق والغرب. ولا شك أن حصول أديب عربي على هذه الجائزة الدولية الكبرى يعد نصرا وانتصارا للأدب العربي، بيد أنني رغم ذلك أود أن أطرح السؤال التالي:

- لماذا حجبت الجائزة عن العرب طوال السنوات الماضية؟

أنا لا أريد الخوض في إجابات قد تخرج عن صلب الموضوع، غير أنني لست مع أولئك الظانين ظن السوء بأن مؤسسة نوبل كانت منحازة إلى أدباء أوربا الغربية دون سواهم من الأدباء والمفكرين في العالم، أو أن فوز أديبنا الكبير بهذه الجائزة له مغزى سياسي.

لقد نال الرجل الجائزة لأنه يستحقها بالفعل ولأنه صور في رواياته الواقع المصري عبر مراحل التاريخ، ولأنه في الوقت ذاته عالج الشجون الإنسانية التي يعيشها البشر داخل مصر وخارجها عن طريق تحريك أبطال رواياته تحريكا مثل واقع الإنسان بأفراحه وأتراحه في كل مكان.

وإزاء ذلك أقول إن (عالمية الأدب) تنطلق أولا من الاستغراق في المحلية كما فعل أديبنا الكبير لاسيما في رواياته الشهيرة: (الثلاثية والكرنك والحرافيش والسمان والخريف) وسواها من الروايات، ثم تنطلق من ناحية أخرى في "المعالجة الروائية" إن صح التعبير، هذه المعالجة التي استطاع بها أديبنا الكبير أن ينفذ بها من محيطه الضيق إلى محيطات أرحب لأنه خاطب من خلالها "الإنسان" في كل مكان.

إن "عالمية الأدب" في جوهرها لا يمكن أن تعني التقليد، وهذا خطأ فادح وقع فيه ثلة من الأدباء العرب المحدثين حينما حاولوا تقليد الآداب الغربية بطقوسها ومناخاتها وحتى بأساليبها اللفظية فابتعدوا بهذا النهج الخاطئ عن "العالمية" في وقت ظنوا فيه أنهم يقتربون منها.

إن "الاستغراق" في المحلية إلى الأذقان هو العالمية بعينها أو هو الانتشار بعينه، وهذا ما فعله أساطين الرواية في الغرب، ويقف على رأسهم- كما أرى- همنجواي وهيجو وديكنز في الغرب، كما يقف معهم الآن من الشرق أديبنا العملاق نجيب محفوظ.

وبالمقابل فإن الابتعاد عن "المحلية" كما فعل ويفعل بعض كتابنا العرب فوّت عليهم فرصة الانتشار وجعلهم يعيشون داخل أجوائهم وحدودهم، وأكاد أشبه أعمالهم بمحاولة "المشي" على طريقة الآخرين بخطوات تختلف تماما عن خطواتهم المعهودة، فما استطاعوا الوصول إلى الانتشار كما يجب أن يكون عليه الوصول، وما استطاعوا أيضا إثبات وجودهم على ساحتهم المحلية، لأن أعمالهم "لا تنتمي" إليها حينما اقترنت بمحاولة تقليد الآخرين.

ولذلك ركنت إلى القول بأن من الأسباب الجوهرية التي أدت إلى فوز أديبنا العربي الكبير نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب هو استغراقه في المحلية إلى درجة أن "المجتمع المصري" تمثل في رواياته المتعددة بشكل واضح لا لبس فيه ولا غموض، عبر ما مر به من حقب سياسية وإرهاصات اجتماعية وأزمات متعددة دفعت كاتبنا إلى "تصويرها" خير تصوير فجاءت متماثلة مع الواقع ومستمدة من جذوره، فلا غرو أن أضحى هذا التصوير الدقيق للمجتمع المصري "علامة فارقة" من أهم العلامات التي تميز روايات كاتبنا الكبير عن غيره من الروايات العربية.

أما "المعالجات الإنسانية" فهي سبب آخر من أهم الأسباب التي أدت إلى فوز كاتبنا بتلك الجائزة الدولية الرفيعة ولعلها من أهم الأسباب التي أدت ومازالت تؤدي إلى انتشار الأعمال الفكرية بين دول هذه الأرض بغض النظر عن انتماء صاحبها إلى دولة معينة أو لغة معينة أو مواقف فكرية معينة.

وهذه "المعالجات" يكاد القارئ يتلمسها بوضوح تام من خلال الروايات التي كتبها نجيب محفوظ وترجمت قبل حصوله على جائزة نوبل، وبعد حصوله عليها إلى عدة لغات عالمية حية. ولعل هذه "المعالجات" تكون أكثر وضوحا في روايتيه الشهيرتين: (السمان والخريف والحرافيش) وسواهما من رواياته العملاقة.

لقد تجسدت هذه "المعالجات" مع عامل "المحلية" ليشكلا معا أهم العوامل التي أدت إلى تحقيق غرضين مهمين في حياة أديبنا الكبير، أولهما حصوله على جائزة نوبل، وثانيهما وهذا هو الأهم- في رأيي- ما تمتعت به رواياته من انتشار دولي كاسح.

 

محمد حمد الصويغ

أعلى الصفحة |