ملف إبداع المرأة العربية: بين السلطة الذكورية وسلطة الاحتلال.. المرأة في المسرح الفلسطيني

 ملف إبداع المرأة العربية: بين السلطة الذكورية وسلطة الاحتلال.. المرأة في المسرح الفلسطيني

درس واقع المرأة الفلسطينية من ميادين علمية متنوعة، سوسيولوجية وأنتروبولوجية وسياسية ونفسية وأدبية وتاريخية، وفي هذه المقالة سأتطرق لموضوعة المرأة، وكيفية معالجتها كقضية في ميدان المسرح من منظورين: نسوي، يسعى للكشف عن خطاب تحررها من السلطة الذكورية، وآخر يسعى للتعرف إلى مساعيها للتحرر من سلطة الاحتلال الصهيوني. وأمهد لهذه الدراسة بمدخل تاريخي يعرفنا بواقع المسرح الفلسطيني وبالعوامل التي أسهمت في دخول المرأة الفلسطينية إلى المسرح.

من العوامل التي أسهمت في ظهور المرأة المسرحية الفلسطينية:

- أولها: «سوسيولوجية برزت بعد تبلور الوعي الاجتماعي لدى الأسر بسبب الانفتاح الثقافي مع دخول السلطة الوطنية الفلسطينية واقتحام وسائل الإعلام البيوت عبر الفضائيات والإنترنت، ثانيها: علمية أدت إلى ظهور مجموعة فتيات درسن الفنون المسرحية وخصوصا في فلسطين 48، إذ باتت مشاركة المرأة في العملية المسرحية: إخراجاً وتمثيلاً وتأليفاً، صادرة عن تخصص ومعرفة عميقة بقضية المرأة الفلسطينية.

إن خلق جو ثقافي وفكري متطور مهد لإسهام المرأة في الظاهرة المسرحية، فبدأت تكتب نصوصا مسرحية، مثل الكاتبة أسمى طوبي التي بلغت أعمالها المسرح في لبنان والأردن، ومن مسرحياتها «نساء وأسرار» التي كتبتها في العام 1926، وفي تلك المرحلة صعدت المرأة الفلسطينية إلى الخشبة المسرحية.

وتلا ذلك قيامها بنشاط مسرحي شمل تأسيس فرق نسائية، مثل: الفر قة التي أسستها سميرة غندور ودربت ممثلاتها في مرحلة الأربعينيات، وكذلك الفريق المسرحي النسائي الذي أسسته قمر خوري النشاشيبي، وكتبت مسرحية «محبة الوطن».

وظهرت في تلك الفترة ممثلات مثل ريما ناصر ترزي وثريا أيوب وأسماء خوري. اللافت إذن أنه في تلك المرحلة كانت المرأة قد مارست العمل المسرحي، ولكن ضمن فرق نسائية.

ولكن ما حدث في فلسطين قطع أوصال العمل الثقافي والمعيشي بعد احتلال الدولة الصهيونية لفلسطين، فبدأ الشعب الفلسطيني يعيش مأساته، وانعكس ذلك على الحياتي والثقافي، لاسيما المسرح، فحاول المسرحيون أن يبقوا على هذه الظاهرة بصعوبة بالغة، ومع ذلك فقد استمرت النساء في الكتابة للمسرح في الخمسينيات والستينيات، فكتبت نجوى فرح مسرحيتي «شهرزاد» و«ملك المجد»، ونشطت ممثلات مثل تيريز خلف وناديا لول، وجزيل أشقر، كما كثر ظهور الفرق المسرحية لوجود البناء المسرحي، ونشط التجوال الداخلي، خصوصا في المناطق الفلسطينية المحتلة في العام 1948.

اجتمعت هذه الأسباب لكي تسهم في خلق مسرح عملت فيه المرأة مخرجة وممثلة ومؤلفة، وتناول قضية المرأة وعالجها من منظورين اثنين: المرأة كرمز والمرأة والسلطة الذكورية وسلطة الاحتلال، وطرحت هذه المعالجة المساءلات التالية:

هل تتجه المرأة العاملة في المسرح الفلسطيني إلى معالجة موضوعات إنسانية أخرى تنصرف من خلالها للاهتمام بالشأن العام، والمعلوم أنه كلما اتسعت مساحة الشأن العام تضيق مساحة الشأن الخاص، أو خصوصية واقع المرأة؟ وهل تتجه إلى معالجة قضية المرأة ككيان إنساني له خصوصية ضمن مسرح نسوي، لاسيما أن المرأة قد عوملت في هذا المسرح كرمز وكقضية؟

لمعالجة هذا الموضوع اتخذت نموذجا للبحث المخرجة وكاتبة نص عرضها الفلسطينية إيمان عون، ووجدت أنه لابد من البحث عن أدوات ووسائل عبرت بواسطتها المرأة عن هواجسها، وتعنى بمساءلة الافتراضات النظرية والعملية للرؤية الخاصة بالمخرجة والمؤلفة والممثلة، وتنظر في منطلقاتها التي تستوي هنا في ثلاثة مستويات عبرت عنها عون في مسرحها:

- عون وقضية الشأن العام في مسرح عشتار/ المضطهدين:

شكلت فلسطين والمرأة الفلسطينية حيزاً كبيراً في مسرح إيمان عون المخرجة والممثلة والمؤلفة، وخصصت لهما أعمالها المسرحية من خلال مشاركتها في تأسيس مسرح عشتار الذي بدأ في العام 1991، وفي العام 2004 في شراكة مع المخرج البرازيلي أوجستو بوال منظر مسرح المضطهدين، ليكون مركزاً للتدريب على هذا النوع من المسرح في منطقة الشرق الأوسط. في بحثها عن تجسيد هذه القضايا من خلال المعادل المرئي الأدائي على الخشبة المسرحية، وجدت توافقاً مع مسرح المضطهدين (مسرح المنبر)، كمنبر تعرض عليه أعمالها وتشرك فيه جمهور المسرح، وتعاقدت فكرياً وفنياً مع هذا المسرح الذي أسسه أوغستو بوال، واستخدمت عون هذا النوع المسرحي للتعبير عن هذه الهموم التي توزعت بين قضيتين:

- قضية الشعب الفلسطيني في سياق علاقته مع الاحتلال (معاناة الشعب الفلسطيني) من خلال مسرحية «حكاية سعيد المسعود» (إعداد إسراء كاظم طعمة (2007م).

- نقل معاناة الشعب الفلسطيني إلى العالم من خلال «العشاء الأخير في فلسطين».

فكرة المسرحية، تقدم القضية الفلسطينية بصورة إنسانية، ودون شعارات. وتستفيد المسرحية من محطات «درب الآلام» الأربع عشرة، في محاولة لتسليط الضوء على محطات مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، من بينها النكبة والتهجير في العام 1948، واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية في العام 1967 والجدار العازل وتأثيره على الأطفال وأحلامهم.كما تتكلم عن نضال الشعب الفلسطيني وعلاقته بأرضه من خلال مسرحية «حكايا قرية سيح شيشبا» التي تتحدث عن قرية افتراضية، وعن معاناة المزارعين بسبب الجدار العازل الذي تبنيه إسرائيل في عمق أراضي الضفة والحواجز الإسرائيلية، واستخدام المبيدات الزراعية وجشع السماسرة وهجرة أهل القرية إلى المدينة.

في مسرحية «حلم سبل» التي تتمثل في حلم الطفلة سبل (12 عاماً) في اللعب مع أصدقائها، وأن تصبح فنانة في المستقبل، الأمر الذي يعارضه الأهل، تستحضر المخرجة الخيال في هذا العمل المسرحي عندما تحضر ثلاث جنيات ويسألن الطفلة «سبل» عما تريد لتحقيقه لها، فتختار اللعب مع أصدقائها الذين عزلهم الجدار الذي تقيمه إسرائيل على الأراضي الفلسطينية عنها. فيكون لها ما تريد حيث تهدم الجنيات الجدار وتعود سبل للعب مع أصدقائها، كما تكبر وتصبح فنانة فيقدم الأطفال جميعاً بعض الحركات البهلوانية البسيطة على خشبة المسرح (March المدى الثقافي 2007).

تستفيد من فنون متعددة علاوة على التمثيل، من بينها الرقص، والغناء، إلى ذلك لم تتوان عون عن معالجة قضية أساسية وجوهرية في المجتمع الفلسطيني والعربي، هي قضية المرأة التي تطرحها من منظور نسوي يعنى بالمرأة ككائن إنساني، وقد طرحت هذه المرأة في المسرح كرمز، وهذا ما يصب في المسرح بمنظوره الذكوري، فطرحها وفقا لمفهومه عنها، ووفقا لقالب محدد صبها فيه، من هذا المنطلق نحاول تقصي كيفية معالجة عون لهذه القضية وفقا للسياقين التاليين: المرأة كرمز و المرأة كقضية ذات كيان إنساني.

- في مسألة المرأة في المسرح الفلسطيني: قضية رمز.

في أغلب المسرحيات، تستخدم المرأة كرمز إلى الأرض أو إلى الشرف أو إلى الثورة، ومن هذه المسرحيات: تقول إيمان عون وهي صاحبة الفكرة والقائمة بالجهد المسرحيّ: أردت منحها صوتًا أنثويًّا آتيًا من أعماق تكوينها، فجاءت امرأة بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، بضعفها وعنفوانها، بشبقها وحكمتها، بعطائها وألمها. وفي «أنا القدس» رسالة وطنيّة، إنّه عمل يحمل رسالة عربيّة فلسطينيّة، عمل يعيد رواية التّاريخ الحقيقيّ للقدس.. رواية بدأت من عهد يبوس وكنعان، حتّى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، رواية تكشف كلّ الزّيف في تزوير التّاريخ على يد اليهود، وصولاً للكذبة الكبرى الّتي أسموها إسرائيل.

كما أن المرأة تبدو أيضا كرمز في مسرحية «الشهداء يعودون»، محاكمة المرأة عن كل الرموز السياسية الفلسطينية التي تبحث عن ابنها الشهيد، وهي رمز للحركة النسائية التي تتحدى السلطة وتطالب بمصير الشهداء.

- خصوصية المرأة الفلسطينية كقضية نسوية تخضع لسلطتين: الذكورية والاحتلال وانجلت هذه الخصوصية عندما خرج الإبداع النسوي في المسرح ليواجه الثقافة المهيمنة وتجلياتها، وليطرح رؤية جديدة للتعامل. تحمل، في طياتها، لغة الإبداع الذي يعزز الاستقلال ويرفض الامتثال والإذعان ويرسخ الاحتجاج، ويسير وفق نسق التغيير.

وتتسم هذه الرؤية بأنها حداثية متمردة، ومتجاوزة، ومجددة، وتسهم في تكوين هوية المرأة الفنانة، ومفهوم الذات دون الوكالة. وتنبغي الإشارة إلى أن هذه الرؤية الفنية المتجسدة في الأعمال الفنية المسرحية التي تخرجها وتعرضها المرأة، ليس من الضروري أن تكون نسوية féministe، وتتحقق من خلال رؤية خاصة بها كامرأة تطرح شعارات المسرح النسوي، ثم كمبدعة ثانياً فتكون لها رؤيتها التي تميزها عن سواها من المخرجات، وتتميز بها عن الرؤية الذكورية.

انطلاقا من هذا المفهوم نركز على حالة التناقض التي تعيشها هذه المرأة، أم من خلال مسرح نسائي يثير المساءلةعن خصوصية الرؤية للمخرجة المسرحية في هذه المرحلة، التي غالبا ما يعبر عنها بالهوية الجنسية. ويبرز ذلك عندما تطرح عون إمكان صياغة خطاب المرأة المنتج في مجتمع «بما هو شبكة معقدة من العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تبرز فيها الكيفية التي ينتج فيها الكلام كخطاب ينطوي على الهيمنة والمخاطر من سلطتي: الاحتلال والذكورية. وقد جسدتها عون في نصها وعرضها شفرات ثقافية كالشرف، والصيت السيئ، والاغتصاب، والقتل على خلفية الشرف والزواج المبكر، مثل مسرحية «بدرية» التي تناقش قضيتي الزواج المبكر، أما مسرحية «حكاية منى» وهي طالبة في الرابعة عشرة من عمرها فتكون مثالاً لقضية الزواج المبكر، إضافة إلى قضية القتل دفاعا عن شرف العائلة التاريخي. ولكنها تتمتيز عن قضايا المرأة العربية من أنها تعاني مرتين: مرة لأنها امرأة كما في «نساء تحت الضوء» لمسرح عشتار، ومرة لأنها تعاني من اضطهاد الاحتلال الإسرائيلي وما يمارس عليها وعلى الرجل من معاناة وظلم كما في «عشرون دقيقة» من إخراج الهولندية آنا ميكي لايليس.

انطلاقا من هذه القضايا تتلو عون خطابها عن المرأة على مستويين عبر نوع مسرحي هو مسرح المضطهدين، وهو المسرح الذي توغل في البحث ودراسة حال المهمشين والمضطهدين:كالمرأة والشباب وكلاهما يعاني ضغط واستغلال واضطهاد المحتل الصهيوني، فطرحت قضاياهم من خلال هذا النوع المسرحي الذي يصب في خانة مسرح القضية.

في «نساء تحت الضوء»، (Women Under the Spotlight والنص من فكرة إيمان عون وإنتاج مسرح عشتار 2005، تتابع عون في هذا النص تمرحل حياة المرأة منذ أن ولدتها الأسطورة من ضلع آدم، إلى أن أحبت مع أوفيليا وكليوباترا، وضحت من أجل أخيها مع أنتيجون، وكلهن وقعن في أتون التضحية من أجل الحب أو من أجل الآخر، فالمرأة تمتد إلى الآخر وهذا ما سنتوسع به من خلال التحليل، وتحت هذه العناوين الرئيسة لتيمة النص تأتي العناوين الفرعية التي تحدد وجهة النص في مساره الرؤيوي نحو النسوية، فهي ترفض كينونتها المصنوعة من قبل الآخر، والتعبير عنها بالوكالة. وترفض أن تكون دمية كما صرخت نورا في نص بيت الدمية، وترفض أن يختصر كيانها في شكلها وجمالها، وفي هذا النص تجميع لقصص ذاتية تنطبق على كل النساء عامة.

وعرضت مسرحية «عشرون دقيقة» أوضاع المرأة الفلسطينية أولاً في بيتها، وخضوعها لسلطة الاحتلال المتجسد بمنع التجول خارج البيت، وما كانت تلاقيه من معاملة سيئة من قبل كل من يحيط بها، لأنها هي فقط امرأة، من ضلع الرجل وتدفع ضريبة المجتمع الذكوري.

يجسد هذان النصان موضوعة المرأة، ولكن الأول يجسدها من منظور نسوي، بينما يجسد النص الثاني خضوع المرأة للسلطتين المذكورتين سابقاً.

البناء الفني

يدور النصان حول أبعاد الخطاب المعرفية والجمالية والفنية، التي ربما تؤسس لخصوصية هوية نسوية في النص الدرامي دون صياغة تصورات جوهرية وجامدة عن الآخر / الرجل، وذلك ضمن سياق ثقافي مليء بعمليات استهلاك لذوات تمثيلية subjectivités représentatives.

أولاً: تأسيس أبعاد الخطاب الجمالية والفنية بنائية للنص الدرامي أتبين ذلك من خلال دراسة بناء النص وصيغة الحكي / السرد، حيث اعتمدت عون في نص «نساء تحت الضوء» صيغة درامية ملائمة لامتلاك فضاء التمثيل هي الحكي، فهي تعيد إنتاج الواقع عبر شهادات رمزية وخيالية تراثية، وهو واقع يفضي بنا إلى الكشف عن وعي اللغة النسوية ورموزها وتوقها إلى الحرية. تستمر النساء / بسرد قصصهن من خلال أسلوب الامتداد إلى التاريخ الذي اعتمدته عون في بناء نصها.

ثانيا: التكوين الجسدي والشخصي لشخوص «نساء تحت الضوء»

الجسد محور الصراع الدرامي

شكل هذا الجسد محور الصياغة اللغوية للوقائع والأحداث التي تنطوي على دلالات مضمرة: خوف المرأة من جسدها، واستخدامه كوسيلة للهجوم، وخوفها أيضا من أن يخونها هذا الجسد، كما في هذا الحوار: «أمل: حاسي حالي مخنوقة حاسي حالي بسجن بدي اتحرر من سجني بدي أتحرر من جسدي، أمل: هذا جسمي أنا بديش يكون صورة عن حدا ثاني»

تركز المرأة، كما ظهر في الحوار، على علاقتها مع جسدها ومعاناتها هي. وتتضاعف المأساة في هذه الحالة لدى المرأة، لأنها الأكثر تأثرا وإحباطا من الرجال، أليست هي دائما محكومة بالمحافظة على شكلها وجمالها؟ لذلك تنشد أمل أن تكون: المرأة المثالية من خلال الجسد وهذا ما تقوله أمل، وهي تتمنى أن تكون la femme ideale.

تتناول المسرحية بالحوار هذا المبدأ الأنثوي الذي تعيشه المرأة في مختلف مراحل حياتها, التي تشكل عصارة تجارب وخلاصات من عالمها منذ ولادتها حتى مماتها, وتفتح الباب على قضية الجسد بكل ما تحويه من تساؤلات وعقد وأحاسيس وخوف منه.

الهوية النسوية

ثم تنوعت مستويات الخطاب فيه بلغة مسرحية موحية ومباشرة، عندما انصب هذا الخطاب على الحقائق التي عاشتها النساء ليشير إلى صراع يتأسس على اختلاف الهوية الجنسية. وتظهر الصياغة التجسيدية الواضحة في رؤية عون المحايدة للصراع الدائر بين خصمين بلغ أحدهما ذروته من العنف والانتحار، كما هي حال رازن كليو وناتاي أوفيليا. وفي مسرحية «عشرون دقيقة» تطرقت المسرحية إلى ما يطول المرأة الفلسطينية عندما تتزوج من شاب مطارد وكيف أنها تقع تحت طائلة القتل، فقط لأنها زوجة رجل مطارد من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

- شخصيات نسائية من منظور نسوي: في نص نساء تحت الضوء أفصحت الشخصيات عن ذاتها الأنثوية من خلال حوارات ومونولوجات كان الحظ الأوفر فيها للصيغة السردية، وكذلك الأبنية المساعدة التي تبرز حضور هذه الشخصيات النسائية وتكويناتها الثقافية والزمنية.

كما أعلنت هذه الشخصيات وجود تجارب خاضتها هؤلاء النساء؛ فأنتيجون الأخت تضحي بنفسها من أجل دفن أخيها، متحدية بذلك أمر الملك/ خاله بعدم إقامة طقوس دفنه، وقد قدم ذلك في إطارها البدائي الوظيفي، وليس باعتبارها شخصية متعددة تحمل دلالات متميزة، نوعت عون شخصياتها حسب اختلاف رؤية كل منها ودورها: المرأة النمطية امرأة تابعة للرجل وتمثل النساء الثلاثة من نص «نساء تحت الضوء» وكذلك المرأة في مسرحية «عشرون دقيقة» صورة المرأة الفلسطينية بكل ما يحيطها من معاناة. جسدت الشخصيات المسرحية المعاناة بحذافيرها وبكل صورها الإنسانية الممزقة والمتألمة للمرأة.

هؤلاء النساء أنفسهن في نص «نساء تحت الضوء» جسدن صورة المرأة الجديدة في الزمن الحالي وليس التاريخي، المرأة الحرة والقوية، والحريصة على صون كرامتها الإنسانية وكيانها الأنطولوجي، والملتحمة بالهم العام (كليوباترا /رازن) وهذه المرأة هي المرأة الناضجة التي تسعى باستمرار إلى إغناء عالمها الداخلي وهي تنظر إلى الرجل نظرة متوازنة.

إن هذا التنوع الذي تعمدته عون في بناء شخصياتها، كل بحسب موقعها، يمكن أن نعزوه إلى «تجنب خطاب التعميم والخبرة العالمية والسعي نحو المطالبة بخصوصية الموقع»، ربما يقودنا ذلك إلى تبين آلية بناء الشخصية الأنثوية التي يعتمد عليها إنتاج نصي «نساء تحت الضوء» و«عشرون دقيقة».

الرؤية الفكرية: بدأت المرأة في نص عون برفض المساومة وقبول التحدي وذلك في قول أمل:

«لأني ولا مرّة خسرت براءتي وما عملت ولا تنازل واحد»، كما يظهر التنافس على قيم المرأة المثالية في حالات الحب الأخوي وحب الرجل الآخر. ثم تبرز علاقة أخرى مع الزمن عندما يتم تبادل الأدوار التاريخية بين النساء، وترسو جميعا على حافة التضحية والقيم التي وضعتها السلطة الذكورية وألزمت المرأة بها والمرأة المخلصة كما تقول: «أمل أنا أعطيت حياتي لهيدا الحب عشان هملت، عشان هيك، عفوا بس مثالية أكثر منك التضحية من أجل الرجل».

الملاحظ أن هذه القضايا التي عانت منها المرأة تاريخيا مازالت تعانيها فاتن وأمل (الأسماء المعاصرة)، كما عانت منها كليوباترا وأوفيليا، فمسيرة المرأة مازالت محفوفة بالمخاطر والصعوبات، هنا تكمن أهمية التسلح بالفكر النسوي سعيا وراء تحرير المرأة من الالتزام بقيم تصب دائما في مصلحة السلطة الذكورية، وهذا ما استنتجناه مما قالته أمل:

«أمل: انتوا مش فاهمين علي, انت كنت بدك تكوني أوفيليا وتتوحدي مع حبيبك وانت حاولت تكوني كليوباترا وتحققي معجزة الحب بس أنا عن جد كل يوم بكون أنتيجون».

ثم أدركت هؤلاء النساء أن التحرر لا يمكن أن يتم دون كسر الطوق المتمثل بحسبة الجسد، ولن يتم لها ذلك إلا بعد مواجهة الامتثال لمشيئة الرجل، وقلب الحالة من ردة فعل لتكون هي مصدر الفعل، هي المقرر لمصيرها وهي المعبرة عن ذاتها، وقد أفلحت عون بالتعبير عن مكنونات الذات النسوية، التي تسعى لأن تكون امرأة إنسانا محكوماً بالفكر والسلوك وليس بالنوع الجنسي.

حرية المرأة الفلسطينية في ظل الاحتلال: في نص «عشرون دقيقة».

إلى ذلك أضاف نص «عشرون دقيقة» مسألة مهمة جدا تتعلق بالمرأة الفلسطينية وهي التي تختص بها وحدها دون سائر النساء العربيات، نظرا لخضوعها في مجتمع يختلف وغالبا ما يناقض مجتمعها، فتعيش صراعات كبيرة ناتجة عن سببين، وخاصة هذه المرأة التي عاشت منذ 1948 في المجتمع الإسرائيلي، حيث تختلف ممارسة الحرية بين المرأة العربية واليهودية.

وهذا ما تؤكده الممثلة فاتن خوري التي جسدت دور أمل في نص «نساء تحت الضوء» بقولها:

«إن المرأة الفلسطينية هي أكثر النساء العربيات مساواة مع الرجل، الرجل الفلسطيني والمرأة الفلسطينية يعيشان نفس الاحتلال بكل أنواعه، ولكن هناك مقايسة مختلفة بالنسبة إلى المرأة الفلسطينية وعلاقتها بحالة التحرر، فهي تعيش حالتين مجتمعيتين مختلفتين: المجتمع العربي الفلسطيني بتقاليده وعاداته، والمجتمع الإسرائيلي / الغربي، لذلك هي تعيش هوية مزدوجة.

هذه الهوية ذات المضمونين: النسوي والوطني، وعندما تعي الحقيقة تبدأ رحلتها في نشر الوعي والهوية لأبنائها، وترفض قناع الحرية التي يفرضها العدو كنعمة عليها. وهذا ما نقع عليه في مسرحية «عشرون دقيقة» للمخرجة الهولندية، وهي تجسد الصراع بين الفضاء النسوي والفضاء العام الخاص بالمرأة الفلسطينية «عشرون دقيقة».

الخاتمة

تناولت عون اضطهاد المرأة وهو في تزايد مطرد، والمجتمع الفلسطيني الذي كان في السبعينيات والثمانينيات أكثر جرأة في المطالبة بمساواة المرأة بالرجل وإبراز دورها التحرري ومكتسباتها السياسية والاجتماعية، الذي «يحاول اليوم فقط إزاحة نير الاضطهاد المتعاظم عليها»، بحيث تتشابه قضية المرأة الفلسطينية من منظور جندري مع المرأة العربية، إذ إن هناك أعمالا مسرحية تتكلم عن المرأة وقضاياها، وتدعو إلى التغيير الذي يجب أن يأتي من الداخل، وليس مجرد شعارات. ولكنها تختلف عنها ببعض السمات التي تؤشر إلى خصوصية المرأة الفلسطينية كما ورد سابقاً بخصوص الهوية المزدوجة والعلاقة مع سلطة الاحتلال.

في نصوص عرضها أعادت عون إنتاج التصورات الثقافية والقيمية الأخلاقية عن علاقة الذات بالآخر (الرجل). وكتابتها أصبحت مجازا في عالم متغير، أي رحلة تلعب فيها دوراً إيجابياً مشاركا، لتعبر عما هو كائن وما تود أن يكون، لذلك نرى في نصوصها ولادة صراعات وجدانية، ودعوة إلى تجاوز ثنائية خطاب الرجل السائد الذي يجد تبريره في النظام الاجتماعي المسيطر، وثنائية «خطاب الذات المستلبة والمستغلة والمستضعفة على المستويين الخاص والعام»:

فعلى المستوى الخاص يأتي الحل من خلال نضال المرأة نفسها وليس من ضمن حل عام لمشكلات المجتمع كافة. هذا ما طرحته أمل وخصت به المرأة وأبرزته عون خلال شخصية أمل، وأما العام فقد برز عندما دعت عون للمرأة إلى تجاوزه بإدخالها في صميم الصراعات القائمة عن طريق وعي المراة بحريتها وبقلب الأدوار والحالات من ردة فعل إلى فعل مشاركة المرأة. وكذلك صراع دائر بين المرأة والسلطة الذكورية وسلطة الاستيطان، فتصير هي الضحية لهما، بحيث تنتهي امرأة «عشرون دقيقة» المرأة الزوجة، التي عانت من جبروت وذل زوجها العاشق لأخرى وجبروت وذل منع التجول الإسرائيلي الذي لم يكن أقل فظاعة من معاملة زوجها.
-------------------------------
* أكاديمية من لبنان.

 

وطفاء حمادي*