حين انتهت الحرب
العالمية الأولى في العشرينيات من هذا القرن، بإنشاء المنظمة الدولية التي عرفت
باسم عصبة الأمم، كان يسود العالم اعتقاد عبر عنه ودرو ولسون الرئيس الأميركي
الأسبق بأن من شأن عصبة الأمم أن تجعل من تلك الحرب آخر الحروب.
ولعلنا لا نقع في
غواية التعميم إذا قلنا إن أي اتفاق تم توقيعه بين دولتين أو مجموعة دول متحاربة،
في نهاية أي حرب، في كل العصور كان ينطـوي على بذرة رغبة واعتقاد بأن تكـون هذه
الحرب هي آخر الحروب، ومع ذلك وكـما نعـرف جميعا فـإن الحروب كانت تتجـدد كـما
تتجدد تلك الاتفاقيات وإذا كـان لهذا كله من معنى، فهو يشير إلى أن الرغبة في
السلام عميقة عمق الخوف من تجدد الحرب.
رغبة الزعماء
وأحلام الشعوب في سلام دائم من خلال مؤسسة دولية تمثلت من جديـد في إنشاء الأمم
المتحـدة وإعلان ميثاقها سنة 1945، وفي مسـيرتها الطـويلة نسبيا والتي بدأت تشارف
على نصف قرن من الزمان، تعثرت هـذه المؤسسة الدولية في القيام بما أريد لها أن
تقـوم بـه، وفي السنوات الأخـيرة نشطت فعـاليات هـذه المؤسسـة ووجدت بعـض الشعوب
بعض الحلـول لمشكلاتها المعلقة، وعـاد من جديد الحديث عن هذا الدور المتوقع أو عن
التقصير المشاهد في دورها في بعض القضايا الحيوية، والخاصة بعالم يشهد تغيرات شديدة
السرعة والخطورة.
إن مبنى الأمم
المتحدة يبدو من الخارج هادئا، ولكنه ذلك الهدوء الخادع، فإذا اكتفينا بتأمل
العمارات الأربع التي يتكون منها مقرها في قلب مدينة نيويورك، وهي عبارة عن بناء
مستطيل للمؤتمرات ، وقبة قاعة الجمعية العمومية، ومكتبة داج همر شيلد التي تضم
أكثر من ستمائة ألف كتاب .وأخيرا ذلك البرج الذي يتكون من تسعة وثلاثين طابقا والذي
تشغله الأمانة العامة . إذا اكتفينا بتأمل كل هذا ، كان الأمر نموذجا ، ولكن خلف
هذه الواجهة السياسية تحتدم كل صراعات الدول وتناقضاتها.
لقد اتخذت هيئة
الأمم المتحدة قرارات بالغة الأهمية ونفذتها أحيانا، وكانت في معظم الأحوال قرارات
ذات فاعلية ولكن ما يشيع التفكك في كيانها هو المعارضات، والعداوات المستمرة، وحق
الاعتراض الذي استخدمه الاتحاد السوفياتي سابقا وحده 120 مرة، كل هذا يثير
التساؤلات حول فاعلية الدور المنوط بهذه المؤسسة المسماة الأمم المتحدة.
واليوم فإن دور
الأمم المتحدة ودور مجلس الأمن في الحفاظ على السلام في مناطق التوتر العالمية وضع
تحت تساؤل جديد، خاصة بعد نجاح بالغ التأثير في السنوات الأخيرة في مناطق مثل
الخليج العربي والصومال.
والسؤال المطروح
اليوم : هل مجلس الأمن والأمم المتحدة قد قصرا في أداء دورهما المطلوب في مناطق من
العالم في الوقت الذي نجحا فيه في مناطق أخرى. أم أن التوقعات لدور الأمم المتحدة
هي توقعات وآمال تتعدى القدرات والتفويض الذي يمكن أن تحصل عليه مؤسسات الأمم
المتحدة من الدول الفاعلة فيها؟ تلك أسئلة مطروحة، وليس من السهل الإجابة عنها
إجابة مباشرة دون التعرف على محددات عمل مجلس الأمن والأمم المتحدة والمؤسسات
المنبثقة عنها.
رغم مصاعب وأهوال
الحرب العالمية الثانية، إلا أن العالم لم يشف من الحروب وما تجره من ويلات على
البشرية، فقد واجهت الأمم المتحدة منذ عام 1950 ،ما يزيد على المائة حرب صغيرة
وكبيرة في أنحاء العالم المتفرقة، وأصدر مجلس الأمن قرارات تعد بالمئات تدمغ ذلك
الاعتداء أو هذا، دون أن يجد لقراراته الوسائل والطرق للتنفيذ الفعلي على الأرض.
وقد يفاجأ البعض أن الأمم المتحدة لم تتخذ موقفا إيجابيا - باستخدام القوة - لتنفيذ
قرارات مجلس الأمن إلا في حالتين :
الحالة الأولى :
حيال الحرب الكورية، وكان السبب آنذاك أن الاتحاد السوفياتي قاطع جلسات مجلس الأمن
، ولم يستطع استخدام حق "الرفض " فتحولت القرارات تجاه كوريا إلى واقع
عملي.
والحالة الثانية :
في حرب تحرير الكويت التي شهدها العالم منذ سنتين ، وفي الحالة الأخيرة كان هناك
إجماع متفق عليه من الدول الدائمة في مجلس الأمن على اتخاذ مثـل تلك الإجراءات،
بعـد أن تغير المناخ الدولي وضعفت قوة صراع الحرب الباردة.
الحرب
الباردة:
الأمم المتحـدة
ومجلس الأمن كـانـا يقفان عـاجـزين أمام الحروب والصراعات التي تأججت في العالم منذ
إنشاء تلك المؤسسـة وإعلان ميثاقها، وقتل في تلك الحروب والصراعـات التي تتعدى
المائة أكثر من 22 مليون شخص، وكـان ذلك العجـز نـاتجا عن أن تلك الحروب والصراعـات
كـانت تسـانـدها تلك القـوة العظمى أو هـذه، وينسى الراغبون في إعطاء الأمم
المتحـدة دورا أكبر في حفظ السلام في العالم تاريخ مثل هـذا التجمع الدولي، فتاريخ
هذه المؤسسـة كان دائـما يسير على حبل دقيق من التـوازن بين القـوى الكبرى، خـاصة
الولايات المتحدة وما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي، لذلك كانت الفـترة الطويلة فيما
بعد الحرب العظمى الثانية حتى نهاية الثمانينيات الماضية، فترة يشير إليها الكتاب
والمحللـون على أنها فترة "الحرب الباردة" أي أن أيا من تلك الـدول العظمى لم تعلـن
حربا واضحـة ومحددة ضـد الدولـة الأخرى، ولكنها أعلنت حروبا خفية ضـد مصالح بعضهـا
البعض، وقدمت في ذلك وقودا من أبناء الشعوب الأخرى في العالم الثالث.
وعرفت تلك الحروب
على أنها حروب " أيديولـوجيات " تبناها هذا الشعب أو ذاك من شعوب العالم الثالث
حديثة الاستقلال.
وفي مراحل من صراع
الحرب الباردة اضطـرت بعض هذه القوى الكـبرى أن تزج ببعض قواتها العسكرية كـما حدث
للولايات المتحدة في فيتنام، ولـلاتحاد السوفياتي السابق في حـرب أفغانستان، وأما
معظم الحروب الأخرى فقد تم خوضها بالوكالة.
آليات الأمم
المتحـدة لم تكن تعمل أثنـاء الحرب البـاردة بل كـانت مثلجة ومجمـدة حيث كان إصدار
القرارات من مجلس الأمن في قضية معينة، سرعـان ما نجـد طرفا من الأطراف ينفيها أو
يجمدها حـين لا تنسجم مع مصالحه.
ومع ذوبان جليد
الحرب الباردة بـدأت آليات الأمم المتحدة ومجلس الأمن تقوم ببعض عملها في إطار
النظام الذي أصبح يطلق عليه "نظام عالمي جـديـد "، وتصـاعدت حـرارة العمل لحل
المشكـلات، وليس المشكلات الآنية فقط والتي ظهرت فجأة، بل المشكـلات العالقة أيضا
والتي كانت غير قابلة للحل في العقود الماضية.
النظام الجديـد
يرى البعض أنـه جـاء بصيغـة جديـدة لـدور الأمم المتحـدة، وتصاعدت توقعـات البعض أن
الأمم المتحـدة في إطارها الجديد سـوف تأخـذ على عاتقها مسؤوليات أكبر وأدوارا أعظم
في التغلب على صعـوبات متشـابكـة معوقة للسلام والتنمية، ونشط المحللون والكتاب في
تحديد الدور الجديد لـلأمم المتحـدة ومجلس الأمن، وتكـاثرت الكتابـات والدعوات، بل
لقد ساهم في هـذه الكتابـات والدعوة للدور الجديد مجموعة من كبار العاملين في الأمم
المتحـدة على رأسهم الأمين العام الجديد بطرس بطرس غـالي، حيث كتب مقالا مطـولا في
مجلة الشؤون الخارجية الأمير كيه الرصينة يحدد رؤيته لمستقبل عمل الأمم المتحـدة
ومجلس الأمن في إشاعة السـلام والاستقرار الدولي.
وتنتشر اليوم
"القبعـات الزرقـاء"، قبعـات جنود وضباط الأمم المتحدة في بقاع كثيرة في القارات
الأربع، يأتون من حوالي خمس وستين دولة، ويمثلون حوالي 35% من مجمل أعضاء الأمم
المتحدة، ومهمتهم هي الحفاظ على السلام.
ومهمـة الحفاظ على
السلام هي ابتكـار وتطوير غير محدد بدقـة في نصوص ميثاق الأمم المتحـدة، وإنما
طورته الحاجة العملية لمثل هذه المهمات. كانـت مهمة "القبعات الزرقاء " في بـداية
الأمر هي "ضبط" الصراعات فيما بين الدول المتحـاربة والمصالح المتضاربـة، وكانت
هذه الصراعات- كـما أسلفنا- تخاض بالنيابة عن أطراف دولية من وكلاء محليين يعرفون
دورهم أو لا يعرفونه، أو نتيجة لمخلفات نتائج الحرب العالمية الثانية، كـما حدث في
فلسطين .
كانت المهمة في
البداية لمثل هـذه القوات هي ضبط الصراع، وليس حله فقد كـانت صراعات الحرب الباردة
تمنع مجلس الأمن من اتخاذ خطوات أكثر حسما، حتى لو كانـت هذه الخطوات مسموحا بها في
الميثاق نفسه.
ثلاث عشرة عملية
لحفظ السلام فقط خلال ثلاثين سنة قامت بها الأمم المتحدة بين سنتي 1948 و 1978، أو
في عصر الحرب الباردة، خمس من هذه العمليات مازالت قـائمة حتى الآن، وتمتد سنوات
عمر هذه العمليات بين أربع عشرة سنة إلى أربع وأربعين سنـة.
ولعل أقدم هـذه
العمليات لضبط السلام هي العمليات القائمة بين العـرب وإسرائيل، ولكن بعد أن شهدنـا
نهاية الحرب الباردة ازداد الطلب على عمليات حفظ السلام.
حفظ السلام مفهوم
يختلف عن "صناعة السلام "، والمفهوم الأخـير دخل إلى جـدول الأعمال الدولية أخيرا،
وهو أصعب كثيرا من حفظ السـلام فقط، إذ أن الأخـير لا يقوم بتقـديم حل للمشكـلات
بشكل نهائي، في حين أن الأول يفعل ذلك أو من المفترض أن يفعل.
ولم يكن بإمكـان
الأمم المتحدة- أو مجلس الأمن- في إبان سنوات الحرب الباردة أن تفكر في القيام
بعمليات "صناعة السلام"، إذ إن ذلك يتطلب تفاوضا سياسيا وقبولا من الأطراف
المختلفـة.
وحتى عمليات حفظ
السلام تدرجت في القبول والموافقة عليها من الأطراف المعنية، تشكيكا في دوافعها، أو
إيمانا بعدم جدواها. وكان بقاؤها واستمرارها يعتمد على قبول الطرفين المتصارعين
بها، ومن أشهر أحداث الاستغناء عن قوات للأمم المتحـدة ما قام به جمال عبدالناصر
عندما طلب من يوثانت الأمين العام للأمـم المتحدة عشية حـرب 1967 سحب قوات الأمم
المتحدة، في المنطقة الفاصلة بين مصر وإسرائيل، وتم سحبها فورا لأن بقاءها كان
يعتمد على موافقة الأطراف المعنية بالصراع.
وفي عمليات حفظ
السـلام يفوض الضبـاط والجنود القادمون من بلادهم للمساهمة في هذه العمليات، بالحد
الأدنى من استخدام القوة، تحت قيادة الأمين العـام للأمم المتحـدة، كـما يتم تمويل
هـذه العمليات تمويلا دوليا، ولا يمكن أن تستمر عمليات حفظ السلام إلا بتفويض واضح
وعملي من مجلس الأمن وكـذلك بتحديـد فترة زمنية غـالبا ما تجدد إذا دعت
الضرورة.
نهاية الحرب
الباردة شهدت تصاعدا دراميا في الطلب على خدمات قوات حفظ السلام التابعة لـلأمم
المتحدة، فمنذ سنة 1988، كـما يشير الأمن العـام هناك أربع عشرة عمليـة مـازالت تسع
منها قائمة حتى الآن، وفي منتصف عـام 1992 تضاعف عدد القـائمين على حفظ السـلام
أربع مرات، حيث وصل عددهم في نهايـة العـام الماضي إلي حوالي خمسين ألف ضابط
وجندي.
بعض هذه المهمات
وضـع لضبط السلام بين دولتين بينهما صراع غير محلول، وبعضها للمعاونة في دفـع
المفاوضات بين الأطراف المختلفة إلى الأمام، وغالبا ما تكون الأخيرة خلافات داخل
الوطن الواحد عالقة منذ زمن.
بعض هذه العمليات
في دول مثل ناميبيا، أنجولا، كمبوديا، السلفادور، وموزمبيق كانت إما تصفية لآثار
الاستعمار أو بسبب صراعات داخلية وحروب أهلية لا تخلو من أطراف خارجية، رغم أن بعض
هذه الدول دول مستقلة ذات سيادة، بل وممثلة في الأمم المتحدة .
وهناك بعد آخر
يصفه الأمين العام للأمم المتحدة بأنه نتيجة تحلل رباط دول الاتحاد السوفياتي
القديم، هذا الذوبان والتحلل السياسي قاد إلى إثارة صراع ضار بين فئات عديدة عرقية
ودينية في داخل هذه الدول الجديدة المستقلة، أو بين هذه الدول وبعضها.
مثال على ذلك ما
حدث فيما كان يسمى بيوغسلافيا، فقد غدت نقاط الصراع فيما بين التجمعات العرقية
والدينية هناك أكبر مركز تجمع لقوات الأمم المتحدة، بل وشارك في هذه القوات
العسكرية - لأول مرة من دول كبرى وأعضاء دائمة في مجلس الأمن.
ما بعد حفظ السلام
لعل أكثر عمليات
الأمم المتحدة ومجلس الأمن إثارة للغضب في شرقنا العربي، هو الموقف الذي يبدو غير
حازم تجاه الصراع الإثني والديني والتطهير العرقي والاقتتال الضاري وقتل المدنيين
في البوسنة والهرسك. وقـد ثارت التساؤلات حـول عجز الأمم المتحـدة ومجلس الأمن عن
اتخاذ أي إجراء حـاسم تجاه هـذه العمليـات الموغلـة في الوحشية. ولعل آليات الأمم
المتحـدة ومجلس الأمن تقف عاجزة حتى عن محاولات ضبط الصراع نفسـه، وليس حفظ السـلام
أو صنـاعة السـلام، وتدنت عمليات الأمم المتحدة في ذلك الجزء المضطرب من العالم إلى
حماية قـوافل الإغاثة الإنسانيـة فقط وتوصيل المؤن الضرورية للمدنين المحاصرين بين
أطراف الصراع، في الـوقت الذي نجحت فيه الأمم المتحـدة ومجلس الأمن نجاحا ملحوظـا
في عمليـة الصومـال، والتي هي أيضا نتيجـة لصراع حـرب أهلية مدمرة بين فئات من
الصوماليين.
وفي الوقت الذي
نجحت فيه نسبيا عملية الصومـال في صناعة السلام وحفظه بعـد ذلك فشلت في البوسنة
والهرسك بعض المحللين يفسرون ذلك نتيجة الطبيعـة السهلة في الصـومال ومحدودية قوة
النار لدى الفئات المتصارعة، والصعوبة الطبيعية في جبال ووديان البوسنة والهرسك،
ونوع السـلاح الذي يملكه المتصارعون هناك من أسلحة برية وجـوية متقدمة نسبيا، و فوق
ذلـك اختلاف المصالح لبعض الأطراف الدولية. إلا أن التساؤل يبقى معلقا يحتاج إلى
إجابات مقنعة أكثر، رغم الجهود السياسية والتفاوضية التي يقوم بها ممثلون عن الأمم
المتحدة من خـلال رجلين كانا في وقت مـا وزيري خارجية للـولايات المتحدة والمملكة
المتحدة.
من الصعوبات التي
تواجهها عمليات الأمم المتحدة في هذا العالم المضطرب أن تكون الصراعات بين دول،
إحداها أو الأخرى غير قادرة على فرض سيطـرتها على أرض الواقـع، أو أن هناك أطرافا
عـديدة في تلك الـدول تتدخل في اتخاذ القرار، لذلك فإن قـوات حفظ السـلام الدولية
عليها أن تتعلم كيف تتعامل مع سلطات عديدة، أو مع رؤساء عشائر أو مليشيات يصعب
الاتصال بهم، أو حتى معرفة شخصياتهم على وجه الدقة في بعض الأوقات.
وفي أماكن أخـرى
تجد هذه القوات نفسها تحت النار من أطراف لا تتقيد بما وقع عليه قادتها، أو أنها
جماعات غير منضبطة.
وتتخوف الأمم
المتحـدة من جهـة أخـرى من عدم انضباط دول مستقلة حديثـا، لها طموحـات إقليمية، أن
تقوم بمحاولات امتلاك أسلحـة مـدمرة أو شبه مدمرة كـالأسلحـة الجرثـومية والأسلحة
الكيماوية، من أجل فرض سيطرتها على إقليم أو دولـة، أو إرهاب من حولها من الـدول
والشعوب.
ففي الوقت الذي
يتم فيه ضبط السلاح الفتاك بكل أشكاله بين الدول الكبرى، والتي كانت تنتجه وتحتفظ
به، تقوم دول أصغر بمحاولات لامتلاك مثل هـذا السلاح ممـا يشكل خطورة على العالم
وعلى دور الأمم المتحدة.
لـذلك فإن مؤسسات
هذا التنظيم الدولي تسعى جاهدة لدفع الـدول إلى توقيع اتفاقيات واضحة لتحـريم
امتلاك مثل هذه الأسلحـة، إلا أن عقبات كبيرة وعـديـدة مازالت في
الطريق.
الدور الجديد للأمم
المتحدة
لعل بعض المفاهيم
السياسية التي تعودنا عليها في السنوات السابقة بدأت في الضمور، منها "الحيـاد
الإيجابي " و" التعايش السلمي " لنصل إلى مفاهيم أخرى مثل النظام العالمي الجديد،
وصنع، بل فرض السلام في المناطق المتوترة. ولقد تأرجحت آمال العـالم في السنوات
الأربعين الماضية بين الأحلام الوردية والخيبة بـلا حدود حول انتشار السلام في كل
مكان، إلا أن السـلام العالمي يبدو اليـوم أقرب مما كـان في السابق، وذلك يرتب دورا
جديـدا ومهما على الأمم المتحدة وعلى مجلس الأمن. ولم تعـد عمليات حفظ السلام تحتاج
إلى قـوات عسكـريـة فقط، بل أصبحت أيضا تشرك عنـاصر مـدنيـة في خبرات شتى بمثل هـذه
العمليات، خاصة إذا كانت العمليات المنـوطة بالأمم المتحدة تحتاج إلي تحقيق حل
موسـع وعادل وسياسي للمشكلة المطروحة، فقد ثبت في ناميبيا والسلفادور وكمبوديا
وموزمبيق أن القرار السياسي لا بديل عنه لحل الخلافـات المعلقة بين الأطراف، وكذلك
إقناعهم لتنفيذ ما اتفق عليه من قـرارات، ذلك يحتاج إلي برنامج ومعلـومات لشرح دور
الأمم المتحـدة للأطراف المختلفة وتبصير أطراف الصراع وجماهيرها بالإيجابيات التي تقدمها لهم الحلول السلمية المطروحة
والاتفاقات المعقودة لنبذ الصراع وبدء التنمية.
كما أن مشكلات
معينة ناتجة عن الصراعات تحتاج إلى مدنيين للتعامل معها، كمشكلة اللاجئين الذي
لابد من إعادتهم وإعادة إسكانهم، وكذلك الإشراف على الانتخابات ومراقبتها، بل في
كمبوديا كان على أجهزة الأمم المتحدة إن تنظم عملية الانتخابات بجذب الإشراف على
مراقبتها للتأكد من أنها تنفذ حسب الأصول المتبعة.
ومهمة أخرى تضاف
إلى ذلك هي مراقبة مستوى احترام حقوق الإنسان، الذي أصبح شعارا براقا للكثير من
الشعوب، كل هذه المهمات - وبعضها جديد على دور الأمم المتحدة - يجب أن تحققه بحياد
كامل من قبل أشخاص مدنيين لحفظ السلام.
اشتراك المدنيين
مع العسكريين في عمليات حفظ السلام أظهر الحاجة إلى تعاون وثيق بين الأطراف لنجاح
عملياتهم.
وتشتكي أجهزة
الأمم المتحدة إن بعض الدول - والتي هي طرف في عملية من عمليات الأمم المتحدة - لا
توجد لديها جهة معينة واحدة معنية بالأمر ، بل تتعدد الأجهزة المنوط بها المتابعة،
وتتضارب القرارات مما يعطل الهدف النهائي لعملية حفظ السلام.
الأسباب الذاتية
في الظروف
الحالية تمضي فترة من الزمن تقدر بين ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر، بين موعد اتخاذ قرار
في مجلس الأمن للتدخل في عملية حفظ السلام في مكان ما في العالم وبين وجود وانتشار
قوات عسكرية خاصة بالأمم المتحدة على الأرض، وغالبا ما يواجه تطبيق مثل تلك
القرارات اللازمة، وبما أن الأمم المتحدة تواجه عجزا مزمنا في التمويل فإن نشاطها
في هذا الخصوص "حفظ السلام" معرض للتأخير والمماطلة، بل وللتوقف.
ويشتكي الأمين
العام الجديد من بطء في استجابة الدول المختلفة للمطالب الثلاثة في العمليات
الجديدة.
ولعلنا نتذكر أن
ميثاق الأمم المتحدة لم يوضع فقط، كي تقوم هذه المؤسسة بحفظ السلام في العمليات
التي بتنا نعرفها، وإنما الهدف الرئيسي هو المساعدة على إشاعة التنمية الدولية
ومساعدة الدول الأكثر فقرا على مواجهة صعوباتها، حيث يقدر أن هناك بليون شخص في
العالم يعيشون على دخل أقل من دولار واحد في اليوم، عدا أن هناك مئات الآلاف من
الأطفال الذين يموتون سنويا من أمراض بالاستطاعة الشفاء منها بأبخس
الأثمان.
هذا العبء
المركب- وهو التنميـة الاقتصاديـة وحفظ السلام- يضغط على المصـادر القليلة للأمم
المتحدة، في الـوقـت الذي يعـاني فيـه العـالم من ركـود قـاس يشبهـه البعض
بـالـركـود العظيم في نهاية العشرينيات من هذا القرن، والذي قاد وقتها للحرب
العالمية الثانية.
ومع الموارد
القليلة المتوافرة لدى الـدول الغنية للمساعـدات الفنية والاقتصـاديـة، فإن هـذه
الدول تضـع اشتراطات سيـاسيـة لمثل هذه المعونات، أقلها تطبيق معايـير غـربيـة في
التنظيم السياسي والقـوانين المحلية، وبدون تحقيقها لا تتوافر هذه
المعونات.
لذلك فـإننا نجد
أصـواتا من العـالم الثالث، تطـالب بإعادة صيـاغة تلك الشروط المتعلقة بالإعانات
والمساعدات، كي تكون أكثر تفهما لواقع الدول المحتاجة. ولعل صوتا مثل صوت سوهارتو-
وهو رئيس مجموعة دول عـدم الانحياز في الفترة الحالية- يعـد معبرا عن مثل هذه
المطـالب حيث قـال مـا معنـاه: على الـدول الغنيـة ألا تـربط شروط معـوناتها بما
تسميه حقوق الإنسـان، لأن مقاييسهـا في تلك الحقوق ليست بالضرورة مطابقة
لمقاييسنا.
وعلى جـانب آخر
لابـد من إدانـة السياسات عـديمـة الجدوى بل المضرة، التي يـمارسها بعض الـزعماء
السياسيين في العالم الثالث،، والتي تقود إلى تدهور في أوضاع بلادهم، كـما فعل
زعماء الحرب في الصومال، حيث عرضوا بلادهم لمجاعة بسبب ضيق أفقهم وأنانيتهم
المطلقة.
ومنهج
"الصـوملة" مرشح أن يحدث في أماكن أخرى من العالم الثالث المنكوب دون أن يستطيع أحد
مد يـد العون إليـه، بل أصبح هناك خطـر من "صوملة" مناطق جديدة في أفـريقيا وأميركا
اللاتيـنية وآسيا.
هل هو عالم
جديد؟
التساؤل حول
استمرار دور الأمم المتحـدة ومجلس الأمن في لعب دور إيجابي في إشاعة السلام وصنـع
السلام في العـالم تساؤل مشروع، فإن آليـات الأمم المتحـدة ومجلس الأمن لا يمكـن أن
تستمـر بهذا التناغم. حيث تختلف المصـالح الدولية- خاصة للأعضـاء الدائمين- بين
فترة تاريخيـة وأخرى، لـذلك من المؤكـد أن العقلاء في العـالم لا يستطيعون أن
يركنوا إلى استمرار دور الشرطي، ولكن العقـلاء أيضا هم من يستطيعون أن يحددوا من
الآن البدائل الكفيلـة بفرض سـلام عادل ومستمر، تلتفت الشعوب بعـده إلى التنمية
الاقتصـادية، الهدف الأسمى لبقاء الإنسان على هذه الأرض.