سينما البحث عن المجهول محمد رضا

      هي ذلك النوع من سينما الخيال العلمي التي تجمع بين المغامرة والرغبة في اكتشاف كل العوالم المحيطة بنا في الفضاء وتحت البحار وفي باطن الأرض أيضا.

خلال العام الجديد 1994، يقدم المخرج - المنتج ستانلي كوبريك على تحقيق فيلمه الأول لهذا العام 1987، إنه فيلم خيالي - علمي بعنوان AI كان بدأه عام 1991 ثم توقف عنه، وها هو يعود إليه مجددا، كذلك سيشهد العام الجديد عودة جورج لوكاس إلى إنتاج المسلسل السينمائي المعروف STAR WARS الجزء الأول منه وإنتاج الجزأين الآخرين تباعا.

حينما صور المخرج الأمريكي ستانلي كوبريك فيلمه الخيالي - العلمي البديع " 2001: أوديسا الفضاء" عام 1968، لم تكن رحلة نيل آرمسترونغ للقمر قد تمت بعد، كان العالم ما زال مستعدا لأن يرى جديدا يخص الفضاء، جديدا يختلف عن حكايات الوحوش القادمة من الكواكب الأخرى والمخلوقات غريبة التكوين التي تركب الصحون الطائرة وأصبحت هوايتها تدمير مدن الأرض.

كانت "لونا 9" السوفييتية حطت قبل عامين على سطح القمر، تبعتها "سيرفايور 1" الأمريكية. بعد عام أي في 1967، لقي الملاح الفضائي السوفييتي فلاديميرم كوساروف حتفه وهو يعاود دخول فضاء كوكب الأرض بمركبته "سويوز 1" واعتبرت الحادثة خسارة جسيمة، بينما اعتبرها البعض دليلا على أن رحلات الفضاء لن تكون آمنة في يوم من الأيام.

وإذ أطل عام 1968، حطت مركبة الفضاء الأمريكية "سيرفايور 7" بنجاح على سطح القمر، وحملت "أبولو 7" ثلاثة من ملاحي الفضاء الأمريكيين قبل أن تهوي في المحيط الأطلسي ولم يكن حظ "أبولو 8" أفضل إذ سقطت بملاحيها الثلاثة في المحيط الباسيفيكي بعد إطلاق وصف بالناجح، وعلى الهامش تم إطلاق أول محطة ساتالايت فضائية هي INTELSAT 3A وذلك إيذانا بولادة عصر جديد من علم وسائل البث والاتصال.

سينمائيا، خرج "2001: أوديسا الفضاء" في العام ذاته الذي شهدنا فيه ولادة ثلاثة أفلام موسيقية: "أوليفر" المأخوذ عن رواية تشارلز ديكنز، وهو الفيلم الذي نال ثلاث جوائز "أوسكار"، واحدة للفيلم والثانية للمخرج البريطاني كارول ريد، والثالثة لجون غرين مدير الموسيقى، الفيلم الموسيقي الثاني كان "ستار" الذي أخرجه روبرت وايز، بطولة جولي أندروز، أما الثالث فهو "فتاة غريبة" (FUNNY GIRL) الذي أخرجه ويليام وايلي من بطولة باربرة سترايسند.

أوديسا الفضاء وما بعده

"2001: أوديسا الفضاء" كان فيلما غريبا في زمنه، السينما العلمية كأقصى ما تستطيع الوصول إليه على صعيد مزج الفن السينمائي الخالص بالموضوع العلمي والأجواء التقنية البحتة وسط حمى التجارب الفضائية والسباق نحو القمر والكواكب الأخرى بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. كما في ثنايا العديد من الأفلام التي هي إما ترفيهية خالصة أو تنتمي إلى بعض الموجات الفنية الكبيرة التي كانت سائدة آنذاك.

لم يكن لفيلم ستانلي كوبريك سابقة لكن هذا هو الجزء السهل قوله اليوم وبعد 25 سنة على ولادة هذا الفيلم، أما ما هو صعب فهمه فهو أنه ما زال الفيلم الوحيد من نوعه ولونه وتأثيره حتى اليوم. انس "حرب النجوم" و"ستار ترك" وحتى "لقاءات قريبة من النوع الثالث" انس أي فيلم خيالي - علمي/ فضائي، أو غير فضائي، شاهدته خلال السنوات الأخيرة التي قدمت فيها التكنولوجيا أكثر بكثير مما كانت عليه عندما أخرج ستانلي كوبريك ذلك الفيلم الفريد من نوعه.

ولذلك أسباب عديدة تبدأ بحقيقة أن المخرج كوبريك لم يشغل باله بالإجابة عن أسئلة الناس حينها، ولا حتى بمحاولة كشف الألغاز المستعصية حول الفضاء في قصة من صنف المغامرات المتوقعة، عوضا عن ذلك وغيره، أقدم على فتح حوار مع الماضي والمستقبل حول الإيمان ونزعة الإنسان للمعرفة، عند هذه النقطة ينتقل كوبريك وبعد نحو 40 دقيقة من بدء الفيلم من الماضي إلى المستقبل فيلحظه برؤية سينمائية باهرة.

ما سبق ذلك الانتقال مشاهد تقع في باطن التاريخ، قبيلة من الإنسان البدائي تتنازع مع قبيلة أخرى على الماء، عبر حربها تكتشف الموت والسلطة معا، تربح حربا أولى، تدرك قيمة السلاح، تكسب معرفة، فجأة يتجلى أمامها صرح معدني عال قيل في تفسيره الكثير حينها، لكن الأقرب إلى حقيقة مقاصد المخرج هو أن الصرح رمز لتلك المعرفة التي سينشدها الإنسان إلى اليوم وحتى نهاية الغد البعيد.

عند ظهور هذا الصرح تحين لحظة الانتقال إلى المستقبل، ذلك أنه إذا ما كان الماضي شهد حب المعرفة، فإن المستقبل هو ما آل إليه حال الإنسان والعلم معا، والصورة داكنة.

تدور معظم أحداث الفيلم في داخل مركبة تبحر في الفضاء، إنه شاسع ورحب، لكنه بقدر ما يبدو بلا حدود معروفة، يبدو سجنا صغيرا بالنسبة للرجلين اللذين يشتركان في تلك الرحلة "كير دوليا وغاري لوكوود"، وهما ليسا فقط أسيري المحيط الفضائي اللامتناهي بل أسيري الكمبيوتر الضخم الذي يحاول التستر على أخطائه الجسيمة لاحقا، يحاول الملاحان وقد اكتشفا مصدر تلك الأخطاء إصلاح الأعطال التي بدأت تهدد نجاح الرحلة، لكن الكمبيوتر دفاعا عن كبريائه وتنفيذا لسطوته، يحاول التخلص منهما بل وينجح في القضاء على أحدهما عندما يفصله عن المركبة عندما خرج حولها مستطلعا الضرر.

يُفصل الرائد الفضائي ولا يستطيع فعل شيء، يطير في الفضاء المعتم ويموت ضائعا فيه، يده اليمنى مرتفعة كأنما تريد درء الموت، إحدى ساقيه منثنية قليلا كأنما تبحث عن موطئ لها، شاهدت الفيلم سبع مرات وفي كل مرة يستولي عليّ هذا المشهد وأجد نفسي أتساءل إذا ما كان ذلك الملاح ما زال يطير في ذلك الأمد البعيد إلى الآن.

لكن زميله ينتصر على الكمبيوتر في معركة بقاء مروعة تحمل صرخة تحذير من خطر تسلط الكمبيوتر وما يرمز إليه من تكنولوجيا وعلم، على مقادير الإنسان. أن يتبع الإنسان العلم ليتولاه شيء، وأن يتبعه ويبقى تابعا له شيء آخر.

الرد السوفييتي لأفلام الفضاء

بعده بأربعة أعوام والعديد من التجارب العلمية - الفضائية الأخرى، أقدم المخرج السوفييتي الراحل أندريه تاركوفسكي على تقديم فيلمه الخاص بالموضوع وهو "سولاريس"، في حين يميل النقاد الغربيون لاعتبار هذا الفيلم بمثابة رد سوفييتي على 2001 الأمريكي، يبدو لمن يشاهد الفيلم اليوم متمعنا أنه كان بمثابة تأييد للفيلم السابق وليس ردا عليه، ففيه ومن خلال أحداث لا تخلو بدورها من الغرابة، أطلق المخرج الراحل صرخته الخاصة المحذرة من سطوة العلم على مقادير الحياة والطبيعة، لاحقا، عبر أفلام أخرى له، من بينها "المقتفي" (STALKER) و"المرآة" (THE MIRROR) ، يردد تاركوفسكي التحذير حتى ولو أن الفيلمين ليسا من النوع الخيالي - العلمي.

"ا200: أوديسا الفضاء" كان فيلم استكشاف للمجهول ومثله "2010" (1984) الذي حاول أن يكون حدثا موازيا للفيلم السابق، لكنه لم يكن سوى جزء دخيل ينضح بثقل الرغبة في تجاوز حسنات ومضامين الفيلم السابق، كما اتسم بإخفاقه في هذه المهمة، أخرجه بيتر هايمس الذي أحسن إدارة الأحداث كمادة روائية (ويا ليتها كانت معزولة عن الرغبة باللحاق بأحداث فيلم كوبريك)، في تلك الأحداث محاولة العلماء تجنيب الأرض حربا نووية ورغبتهم في فهم كنه ذلك الصرح المعدني الذي تركه كوبريك لغزا محيرا يشابه غموضه غموض الكلمة التي يتفوه بها أورسون ويلز في فيلمه الرائع "المواطن كاين" (1940) وهي "ROSEBUD" وذلك عندما يلفظ أنفاسه الأخيرة.

بيتر هايمس كان أخرج فيلما خياليا علميا من قبل هو "كابريكون ون " (1978) إنما من دون كثير من فضاء، فيه يردد ما ذهب إليه العديد من الناس حول الأرض وهو أن التجارب الفضائية التي يجريها الأمريكيون والروس ليست كلها رحلات عبر الكواكب، وأن الإنسان لم يهبط في الواقع لا على سطح القمر ولا على أي سطح آخر بخلاف سطح بيته، كل ما يتم نقله إلينا من صور وأخبار مفبركة. "كابريكون ون" يتحدث عن رحلة لا تنطلق عن ظهر صحراء فلوريدا رغم أن وكالة "ناسا" تنشر انطلاق المركبة إلى المريخ.

وفيلم هايمس الآخر حول الفضاء هو "خارج الأرض، "OUTLAND) "1981) وفيه يعمد شون كونري لمحاولة فك طلاسم جرائم قتل تقع على ظهر محطة فضائية كبيرة، وتشترك أفلام هايمس الخيالية - العلمية بموقفها الحذر من العلم ولكن من دون العمد إلى إحاطة فنية على النحو الذي عند كوبريك أو تاركوفسكي.

أفلام إثارة لا تخلو من الفكر

لكن البحث في المجهول هو فجوى سلسلة من الأفلام الفضائية المعروفـة بـ "ستار ترك"STAR TREK. الأول منها خرج عام 1979 بعنوان "STAR TREK: THE MONTION PICTURE". والسبب في التحديد السينمائي المتبع بالعنوان هو أن التلفزيون كان المرتع الأول لهذه السلسلة وذلك منذ الستينيات في الحلقات التلفزيونية كان هناك المزج الناجح بين الرحلة الفضائية والجوانب الفكرية المحيرة في أمر العلم والعالم، الفيلم السينمائي الأول الذي أخرجه روبرت وايز وهو تقني مجرب وله أفلام علمية جيدة أخرى حاول السير في هذا الاتجاه لكن الحلقات التالية تخبطت جميعا بين الاتجاهات المختلفة محاولة إبهار المتفرج بالتقنيات والاعتماد على المغامرات غير المعمقة بالكثير من التحاليل الذهنية هذه الحلقات التالية هي "ستار ترك 2: غضب الخان" وأخرجه نيكولاس ماير (1982)، و"ستار ترك 3: البحث عن سبوك" لليونارد نيموي (أحد ممثلي الحلقات في السينما والتلفزيون - 1984)، "ستار ترك 4: الرحلة إلى الوطن" للي بناريتيموي (1986) ثم "ستار ترك 5: العودة الأخيرة) وأخرجه ممثل آخر في تلك الحلقات هو ويليام شاتنر (1988) و"ستار ترك 6: الوطن غير المكتشف" لنيكولاس ماير (1991).

لم يكن الأمر أن الأفلام السينمائية من "ستار ترك" لم تحو أفكارا، بل على العكس كان فيها كم من الأفكار، بينها ما كانت له أبعاد في الميتافيزيقا اليهودية والتفسير الديني للتوراة حيث بداية العالم ومنتهاه مفسر على أنه شأن يهودي معين، لكن المشكلة فيها أنها لم تكن - باستثناء الفيلم الأول - الا تقليد المغامرات بعضها البعض تحاول الاستفادة من موجة جماهيرية أقبلت على هذا النحو من الأفلام بسبب من حلقات سينمائية أخرى، هذه الحلقات هي المعروفة بأفلام "حرب النجوم".

وبقدر ما اعتمدت فيه حلقات "ستار ترك" على مجموعة من المضامين الخاصة حاولت حلقات "حرب النجوم" الاعتماد على الاستخدام الباهر للتكنولوجيا وما تستطيع توفيره من صنوف وألوان المغامرة السينمائية المثيرة. الأحداث تقع ما بين المركبات والكواكب، لكنها أحداث قريبة من الفانتازيا المتحررة من القيود الفكرية والغاية منها هو تقديم الفيلم الواحد منها كوجبة إبهار سريعة ليس أن ذلك له تأثير حتمي على مستوى العمل التقني لأن المستوي بحد ذاته من أفضل ما في كل جزء من هذه الأفلام وهو يغذي خط عمل واضح المعالم يبغي الإثارة والوصول إلى كل المشاهدين الممكنين وخصوصا الشبان والصغار على حد سواء، هذا الخط تسبب في نجاح كبير لم يحققه أي مسلسل سينمائي آخر.

في ذات الوقت فإن النجاح الجماهيري ليس بالحكم الصحيح على قيمة الفيلم الفنية أو حتى على مقدار نجاح الفيلم في إيصال غاياته الأخرى، الفيلم ذوق عام وتوجه جماهيري يصيب أو يخيب، يقبل عليه الناس أو يتركونه في العراء كأنما لم يكن، والفيلم الخيالي - العلمي يمتاز بوجود العديد من الإمكانات التي تتيح للكاتب والمخرج تمرير رسائل ومضامين وإيحاءات ميتافيزيقية أو ميثالوجية، وذلك يعود إلى أن هناك مساحة كبيرة للحدث وأخرى مساوية للخيال الذي تستطيع أن توظفه لكي يعكس واقعا ما من دون أن يخسر - إذا ما كانت الكتابة صحيحة - شيئا من فانتازيته.

ما في "حرب النجوم" والجزأين التاليين له من أفكار وأبعاد لا ينتمي إلى ما شغل بال الأفلام المذكورة سابقا، فلا الغاية الدفاع عن العلم ولا الهجوم عليه، كذلك ليس من غايات الفيلم الدوران حول إمكان وجود أو عدم وجود مخلوقات أخرى ولا ما هو أصل الإنسان أو أبعاده الفلسفية الخالصة، وإذا ما كان بد من ذكر غايات وأبعاد ذهنية في هذه الثلاثية فسنجدها في محاولة كل فيلم من تلك التي أخرجها أو أنتجها جورج لوكاس تقديم معنى شامل للسلطة والقوة العسكرية وتحبيذهما.

إغناء الحواس

الجامع بين كل ما سبق هو اكتشاف الفضاء والرحلة إلى المجهول التي تغني العين والحواس والفكر بحدود متفاوتة، وتتيح للمرء الذهاب إلى ما لم يصل إليه من قبل، لكن اكتشاف المجهول ليس في العديد من الأفلام الخيالية - العلمية الأخرى، أمرا حكرا على الفضاء، روبرت وايز ("اندروميدا ستراين"، "ستار ترك") كان بدأ اتصاله مع العالم الخارجي بفيلم "اليوم الذي توقفت فيه الأرض عن الحركة، (THE DAY THE EARTH STOOD STILI) عام 1951: قصة سفينة فضائية وصلت إلى الأرض من أحد الكواكب البعيدة طالبة من الناس إحلال السلام وانهاء خطر الحرب النووية وإلا فإن الدمار سيصيب الأرض لكن معظم أهل الأرض يواجهون التحذير بازدراء محاولين إيذاء المخلوقات الفضائية القادمة.

ليس فقط أن الفيلم بدل الصورة الموحشة التي كانت الأفلام الخيالية - العلمية السابقة كونتها عن مخاطر أهالي الكواكب الأخرى وعنفهم الشديد بل هو فيلم سبق بست وعشرين سنة فيلم ستيفن سبيلبرغ "لقاءات قريبة من النوع الثالث" وبست وثلاثين سنة فيلمه الآخر "اي تي - خـارج الأرض" وكلاهما أيضا حاول السعي للمجهول وكشفه ولو من غير السفر إليه في الأجواء البعيدة.

والمحيطات بدورها كانت مصدر إلهام خاص.

ففي عام 1954 شاهدنا رحلة جول فيرن "عشرون ألف فرسخ تحت الماء" في إخراج لريتشارد فليتشر: علماء من بينهم كيرك دوغلاس يقعون في قبضة قبطان مجنون "جيمس ماسون" يعيش تحت سطح الماء.

الفيلم كان مثيرا حينها، لكن السينما تجاوزته مرارا، إحدى المرات هي في "الهوة" (THE ABYSSE) 1989 الذي وصفه النقاد الغربيون أنه "لقاءات قريبة من النوع الثالث" تحت البحر، والوصف غير بعيد تماما عن الصحة، إذ يكتشف علماء معزولون في قعر المحيط بأنهم ليسوا وحيدين في الحياة المتقدمة "أي غير حياة الأسماك وبعض الوحوش البحرية الغريبة"، بل إن هناك كائنات أخرى على قدر كبير من الذكاء والجمال.

الفكرة هنا ليست بعيدة عن مجمل أفكار سينمائية سابقة ليس "لقاءات قريبة.." سوى واحد منها، جرب على سبيل المثال قلب أعماق المحيط إلى أعماق الفضاء لتجد أن الخيط القصصي واحد حيث كثيرا ما ذهبت أفلام الفضاء للتأكيد على وجود حياة أخرى متقدمة هناك.

هذه الفكرة هي واحدة من الأفكار الكثيرة التي تنأى بها سينما الخيال - العلمي، لجانب البحث في مسألة العلم والإنسان والفلسفة الوجودية على نحو أو آخر، هناك علاقة الإنسان بالمجهول والخوف منه، هذا الخوف قد يكون الإنسان محقا فيه كما في معظم الأفلام التي تتحدث عن الفضاء خصوصا تلك التي تروي زيارات غير مستحبة من أهل الكواكب الأخرى إلى الأرض، لكن هناك نوعا آخر من تلك الأفلام التي تصم الإنسان بالخوف مما يجهل طالبة منه السعي لمعرفة المزيد عن الكائنات كلها والسعي للتواصل معها، كما بينت أفلام "اليوم الذي وقفت فيه الأرض" و"لقاءات قريبة من النوع الثالث" و"آي تي" وغيرها.

غرابة الفكرة في فيلمي ستيفن سبيلبرغ المذكورين هنا هي التي منحت العملين نجاحا لا يمكن إنكاره، كذلك لا يمكن تجاهل البعد الساعي لتعزيز الحل السلمي حين الحديث عن إمكان اللقاء بالكائنات الأخرى وهو حل خافت هوليوود من الفشل في تقديمه كثيرا لأن الناس تريد أن تخاف وأن تشمئز وأن تشعر بالخطر.

السينما تغير موقفها

الحالة هنا ليست بعيدة عن كيفية معاملة هوليوود للهنود الحمر فهم غالبا ما كانوا قبائل متوحشة، سفاكة دماء ومخيفة، لاحقا عندما ازداد الوعي الاجتماعي تجرأت السينما الأمريكية وحققت تلك الأفلام التي تظهر تعاطفا مع السكان الأوائل للبلاد.

هذا لا يعني أن كل أفلام الغرب الأمريكي من الخمسينيات إلى اليوم تغيرت لصالح الرغبة في التواصل مع الهندي الأحمر وتاريخه وثقافته، كذلك لا يعني أن كل أفلام الخيال العلمي صارت داعية سلام وتواصل مع الكائنات والمخلوقات الفضائية "حتى في ركنها النظري" ذلك أنه ما زال - وعلى الرغم من نجاح فيلمي سبيلبرغ - من الأكثر إثارة تخويف المشاهدين من مغبة ما يجهلون على طمأنتهم، وجيمس كاميرون صاحب " الهوة" أخرج "غرباء" (ALIENS) عام 1986: حكاية رحلة فضائية تحط على كوكب موحش لتدمير وحش رهيب كان قد فتك بطاقم رحلة سابقة.

الفيلم هو الجزء الثاني من "غريب" الذي أخرجه ريدلي سكوت عام 1979، وهناك جزء ثالث قام بإخراجه دافيد فينشر عام 1992، الجزء الأول قدم لنا الفكرة والوحش الكامن الذي يستطيع تغيير شكله تباعا، الثالث عاد إلى الوحش الذي لم يستطع لا السلاح ولا العلم القضاء عليه والذي كان نتيجته أن الإنسان مضى إلى حيث لم يكن يجب أن يذهب.

سلسلة "غريب" هو الرد على مرح "حرب النجوم" وفلسفات "ستار ترك" إنه الصورة الموحشة للعلم والمستقبل معا، الصورة التي توصل إلى نسيجها فيلم ستانلي كوبريك من دون عنف أو تنازلات، وإذا ما شاهدت هذا الفيلم الرائع اليوم، فستجد أن فيه رسالة تسبق كل ما تلاها من مضامين ورسائل الأفلام العلمية - الخيالية اللاحقة وأن إنجازه الفني ما زال بصرف النظر عن تعدد المدارس وتقدم وسائل الإبهار التقنية المستخدمة في فن المؤثرات البصرية اليوم، هو الأفضل منها جميعا.

 

محمد رضا