التلفزيونات العربية تقتحم الفضاء عمرو خفاجي

  أصبحت التلفزيونات العربية تسكن الفضاء. لم تعد تكتفي بالقنوات المحلية أو بالانتشار في محيط ضيق ولكنها تحاول أن تكسر الحدود وتصل إلى كل العقول. كل دولة تحاول أن تنشئ لها قناة فضائية بل أصبحت هناك دول لها أكثر من قناة. فما هو السر في هذه "الصرعة" الجديدة؟ هل هي محاولة لكسر الهيمنة التي يمارسها الغرب على الإعلام أم أنها محاولة لتأكيد سيادة الدول وهيبتها؟ وما هي الرسالة الإعلامية التي تقدمها كل هذه القنوات؟ تحاول "العربي" الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال هذا الاستطلاع الذي شمل ثلاثا من هذه القنوات الفضائية وهي القناة الفضائية المصرية ومحطة تلفزيون الشرق الأوسط أوmbcالتي تبث إرسالها من لندن والبث الفضائي الذي يقوم به التلفزيون الكويتي. يشترك فيه من لندن والكويت الزميل ماضي الخميس ومن القاهرة الزميل عمرو خفاجي.

كانت الشكوى المريرة دائما، في عالمنا العربي من أن الإعلام يسير في اتجاه واحد، من الشمال إلى الجنوب، وتحولت الشكوى إلى خوف من الهيمنة الإعلامية الغربية على مقدرات الإعلام العربي، بشكل عام، مع دخول عصر الفضاء، والخوف كان يتمثل في رفض الدخول إلى عصر الفضاء إجمالا لأنه سيمنح الغرب الهيمنة على الإعلام، وبالتالي انشغل المثقفون بقضايا الحفاظ على الهوية والموروث وكيفية مواجهة الخطر القادم من الفضاء، وسط مقولات من نوع "التلفزيون أخطر من أن يترك للتلفزيونيين" أو اننا في عصر "الإدارة الإعلامية للسياسة" والأخطر من ذلك هو وصف "التلفزيونات" الفضائية بأنها أداة استراتيجية للقوى السياسية أو حسب تعبير وزير الخارجية البريطاني دوجلاس هيرد بأن الإعلام الفضائي هو مشروع "مارشال الفكري" على غرار "مارشال الاقتصادي".

والحقيقة كما يجمع المثقفون والإعلاميون أن عصر الفضاء فرض نفسه بلا مقدمات وسط تدفق إعلامي مطلوب السيطرة عليه واكتشاف أن الوارد للمنطقة العربية ليس بحجم المتبادل بين العرب.

من هنا اكتشف القائمون على الإعلام في كل بلد عربي أهمية الوجود في الفضاء، والتواصل مع العرب والغرب والتواصل مع الأشقاء، ومواجهة الادعاءات والتشويش الغربي سواء للقضايا العربية أو الإسلامية وربما كان التلفزيون الفضائي، هو الضربة الوقائية الإعلامية التي نجح العرب في سرعة تنفيذها.

الكويت والبث الفضائي

كانت البداية في الكويت وكان يجب أن نبدأ بها لأنها الدولة الوحيدة في العصر الحديث التي خاضت ما يمكن أن يعرف "بأول حرب إعلامية في التاريخ" حيث جرت كل وقائع الغزو والاحتلال والتحرير تحت عدسات التلفزيون ووسط حشد إعلامي كبير، ولأنها الدولة التي تعرضت لمحاولـة المحو من خريطة العالم ونشطت أجهزة إعلام النظام العراقي في إذاعة أنها جزء من دولتهم بل ودأبت على تزوير الخرائط والوقائع التاريخية ومازالت الحقوق الكويتية التي اعترف بها العالم كله لا يعترف بها النظام العراقي.

من هنا كانت أهمية الحضور الإعلامي لا في الساحة المحلية فقط ولكن في الساحة العربية والعالمية أيضا.

كان لقاؤنا مع وكيل وزارة الإعلام الكـويتي المساعد لشئون التلفزيون رضا الفيلي الذي قال للعربي: "إن لدى تلفزيون الكويت قناة في القمر الصناعي العربي، وبالتالي فإن هذه القناة يصل إرسالها إلى نفس المنطقة التي يغطيها هذا القمر بامتداد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج بالإضافة إلى جنوب شرق آسيا ومناطق متقدمة فى إفريقيا وجنوب أوربا.

ويقوم التلفزيون الكويتي ببث إرسال القناة الأولى وكذلك القناة الرابعة التي أمر وزير الإعلام الشيخ سعود ناصر الصباح بإنشائها أخيرأ كي تواصل إرسال التلفزيون على مدار الأربع وعشرين ساعة وقد أثبتت الرسائل والفاكسات التى وردت للتلفزيون من السعوديـة ومنطقة الخليج ان لـدى القناة الفضائية مشاهدين بشكل مكثف.

وهذه التجربة الكويتية في البث الفضائي قد سبقتها تجارب أخرى في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودبي وعمان والمغرب، وكل هذه الدول تستغل بث القمر الصناعي في توصيل إرسالها إلى أكبر رقعة ممكنة، لأن هذا الأمر يوفر أموالا طائلة بدلا من إنشاء محطة تلفزيون أرضية أو محطات تقوية.

ويمكن أن تكلفنا إقامة مثل هذه المحطات من مليونين إلى ثلاثة ملايين دينار لذلك نقوم بإرسالها إلى القمر مباشرة الذي يوزعها إلى مناطق شاسعة".

وهكذا نصل إلى تقنية جديدة عملية وسهلة التكلفة وهي استخـدام "الكابل" الأرضي الذي أصبح ظاهرة عصرية تعتمد عليها العـديد من القنوات الفضائية حيث تستقبله الدولة وتعيد بثه للمواطنين. وهكذا يمكن للمشاهد خارج الكويت أن يتابع البرامج الإعلامية والثقافية لأنها تمثل نوعاً من وجدان المجتمع الكويتي والوطن الكويتي. ويضيف رضا الفيلي قائلا: "إنها تجربة جيدة، فقد جاءت إلينا رسائل عديدة من الإخوان في السفارات الكويتية والعربية في أوربا وجنوب آسيا وقد وجدنا أنهم يشاهدون ما نقدمه من برامج ويتابعون أحداث الوطن. إننا مقبلون على فترة سيزدحم فيها الفضاء بشكل كثيف بالقنوات الفضائية وسوف تصل هذه المحطات في الوطن العربي فقط إلى 46 قناة وهو أمر يثير أسئلة كثيرة ومحيرة حول نوعية البرامج التي ستقدمها وكيفية إنتاجها، ومهما كان الإنتاج مكثفا في استديوهات القـاهرة وبيروت ودمشق فلن يستطيع تغطية احتياجات هذه البرامج التي ستحتل الفضاء على مدى 24 ساعة.

دخول التلفزيون الكويتي إلى الفضاء ليس مهمة سهلة، والمسئولون هم أول من يدرك هذا الأمر. فالمنافسة أصبحت محتدمة ولم يعد هناك جدوى من أن يختبىء أي جهاز إعلامي داخل حدوده الضيقة، بالإضافة إلى أن عليه أن يتصدى للهجمات الفكرية والغزو الإعلامي الذي سوف تبثه هذه الأجهزة. لقد استعد تلفزيون الكويت لهذا الأمر بإنشاء المحطات وشراء الكاميرات ذات الإمكانات العالية وكذلك البرامج الجيد، ولكن التحدي مـازال قائما ويجسده السيد رضا الفيلي قـائلا: "لنكن واقعيين حتى لا نكذب على أنفسنا نحن في مواجهة يومية مع "دش" كبير يـذيع من 20 إلى 25 قناة يوميا. ماذا نفعل أمام كل هذا؟ سوف لا نستطيع أن نصد هذا التيار ولن نتمكن من توجيهه، وكل ما نستطيعه هو أن نقف بجرأة وشجاعة لتقييم هذا الشيء القادم على أطفالنا وشبابنا. الكل سوف يتأثر لأننا لا نستطيع أن ننعزل عن العالم. إنك تستطيع أن تمنع شريطا أو كتابا أو مجلة ولكنك لن تستطيع أن تمنع البث.

نحن في حاجة إلى ثورة فكرية وتربوية واجتماعية يجب أن ننادي بها وأتمنى ألا يكون قد فات الأوان..".

إشعاع عربي في عاصمة الضباب

كان علينا بعد أن نترك الكويت أن نرحل بعيدا إلى الشمال حيث تقف أولى المحطات العربية وسط أوربا كي ترفع الصوت عاليا وتقدم الرؤية العربية لأحداث العالم.

في عاصمة الضباب والتكنولوجيا الإعلامية، بل وإن جاز التعبير عاصمة الإعلام العـربي المغترب، حيث توجد عشرات المطبوعات والإصدارات والوسائل الإعلامية، في العاصمة البريطانية لندن، كانت تنطلق بنا السيارة باتجاه شارع هيثمنز، حيث نحن على موعد لزيارة مركز تلفزيون الشرق الأوسط.

في أحد الشوارع الضيقة جدا وقفت بنا السيارة، وقال السائق: ها نحن قد وصلنا، قلت: أين وصلنا؟ قال: حيث تريد 10 شارع هيثمنز، قلت: مستحيل!! بالتأكيد هنالك خطأ ما بالعنوان، فالمكان لا يدل أبدا على وجود واحدة من المحطات التلفزيونية المهمة ولكنني لمحت لافتة صغيرة كتب عليها mbc، فنزلت... فتحت الباب الذي تعلوه اللافتة وإذا بمكتب استقبال، تقدمت باتجاه موظفة الاستقبال، وعرفتهـا بنفسي، فقالت: نعم، السيدة نهلة المعراوي مسئولة المكتب الصحفي والعلاقات العامة بانتظاركم، قادتني إلى مكتبها في المبنى المقابل والأقل تواضعا من المبنى الحالي، قالت السيـدة نهلة بعد أن تعارفنا وعرفتنا بواحدة من أكثر الموظفات في المركـز نشاطا مها عبدالأحد لتصحبنا في جولتنا، أتفضلون أن نتحدث أولا أم نقوم بجولة في أنحاء المركز؟، قلت: نتجول ونتحدث في وقت واحد، ونحن في طريقنا إلى المبنى السابق حيث سنبدأ الجولة قالت السيدة نهلة: إن مركز تلفزيون الشرق الأوسط mbc بدأ البث كأول محطة تلفزيون عربيـة تنقل برامجها عبر الأقمار الصناعية من لندن في الثامن عشر من شهر أيلول - سبتمبر 1991 م، وخلال أقل من عامين أصبح باستطاعة الملايين من المشاهدين في أنحاء الوطن العربي وفي العواصم والمدن الأوربية استقبال برامجنا.

التقيت أولا بالمذيعة فاطمة بن حوحو التي كانت تستعد لقراءة نشرة أخبار الخامسة والتي قالت لي ونحن في طريقنا إلى استديو الأخبار: إنني سعيدة جدا لعملي هنا فيmbc لأننى يوميا ألتقي بآلاف المشاهدين العرب في جميع أرجاء الوطن العربي وتضيف: لقد تخرجت في جامعة الجزائر قسم إعلام، وبدأت علافتي مع الإعلام بعد ذلك من خلال عملي كمراسلة للتلفزيون الجزائري، ثم إنني استفدت جدا من تجربتي الصحفيـة، فقد عملت بالصحافة لمدة طويلة، منها حوالي سنة ونصف في الصحافة الكويتية وتقول: إنني في دهشة كبيرة لما أراه وأعايشه من قدرات فائقة وتطور هائل في مجال الإعلام المرئي، هذا التطور الذي ينقل الخبر والحدث من أدنى بلاد الله إلى أقصاها.

أما أحمد منجونة فقال إن أول تجربة إعلامية له في ميدان التلفزيون كانت مع mbc، وإن كان عمل لفترة في أخبار القسم العربي في b.b.c، وأضاف أن العمل التلفزيوني يحتاج إلى الكثير من الجهد كما يحتاج إلى قدرة فائقة في استخدام تعبيرات الوجه حسب متطلبات الخبر الذي تقرؤه إضافة إلى ضرورة عدم المبالغة في استخدام هذه التعبيرات وقال: إنني أشعر بالسعادة عندما أجد ردود الفعل الإيجابية عند الناس، ردة الفعل هذه هي مصدر السعادة، أما الشهرة فهي جميلة بلاشك ولها بريقها، لكن أيضا لها ثمن قد يكون باهظا في كثير من الأحيان، فأنت غالبا ما تدفع جزءا كبيرا من حرياتك مقابل الشهرة. كذلك فإن أحمد منجونة يعتقد أن العالم اليوم عالم الإعلام وإن كان في الأعوام التي مضت عبارة عن عالم المال والأعمال الاقتصادية، وكما انفجرت في أواسط القرن الحالي ثورة اقتصادية كذلك حاليا ونحن نقف في نهاية القرن العشرين، ومع بداية القرن الواحد والعشرين فإننا نشهد ثورة إعلامية ضخمة وكبيرة ولا يخفي أحمد منجونة سعادته البالغة حينما يقول: أنا سعيد جدأ لأن العرب استطاعوا أن يساهموا بجـزء كبير في صناعة هذه الثورة الإعلامية، وذلك من خلال إدراكهم السريع لأهمية الإعلام وخطورة الدور الذي يلعبه في التأثـير على المجتمعات.

خطة جديدة للإنتاج

وخلال تجوالنا في المركز التقينا بالسيد إحسان رمزي رئيس قسم البرامج الذي قال لنا: إننا بدأنا خطة جـديدة منذ 15/ 9/ 1993م تتعلق بالإنتاج الجديد والخاص وأضاف: إن الدخل الوحيد لنا هو عن طريق الإعلان وهو لا يكفي لتغطيـة النفقات. وعن الإنتاج المشترك قال: إننا بصدد التعاون مع العديد من التلفزيونات العربية في مجال الإنتاج المشترك، وقد بدأنا فعليا ببعض الخطوات العملية وسيكون أول إنتاج مشزك لنا مع تلفزيون الكويت.

صرنا نتجول في مركز تلفزيون الشرق الأوسط، وقفنا عند أحد الأبواب فوجدنا لافتة كتب عليها (البرامج الخاصة) فتحت الباب وكأنني فتحت بابا يطل على حديقة غناء تملؤها الزهور المنتقاة بعناية فائقة، فهذه لينا صوان وهذه حفيظة بن زعيم، وتلك رانيا برغوث تجلس بجنبها شـافكي المنيري وهما تحاوران المطربة لطيفة التي تزور لندن خصيصا لتصوير أغنيتين من إنتاجmbc عن أوضاع المسلمين في البوسنة والهرسك، وغيرها... وغيرها، أخذت أتجول بنظري في أرجاء الغرفة رأيت واحدة تمسك بمجلة أعرفها جيدا تقرأ بشغف وكأنها تحلق في السماء، اقتربت منها أكثر إنها كوثر البشراوي تقرأ مجلة العربي، قلت لها بعد أن ألقيت التحية: هل تعجبك مجلة العربي؟ قالت، وقد علت وجهها ابتسامة رائعة الرقة، أنا والعربي صديقان منذ أكثر من عشرين سنة، كيف لا وهي مجلة تنقلك إلى جميع بلاد العالم بالمجان.

فقلت إننا بعثة مجلة (العربي) ونحن اليوم لن ننقل لك العالم بل سننقلك إلى العالم من خلال الاستطلاع الذي نقوم بإعداده عن مركـز تلفزيون الشرق الأوسط، وسألتها: ماذا استفدت من خلال عملك هنا؟ قالت: إن العمل هنا أتاح لي الفرصة لتنمية هوايتي وهي معرفة غرائب البلاد وعجائب الدنيا من خلال عادات الشعوب وتقاليدها، وثقافاتها والمبدعين والمتميزين فيها، وبهذه المناسبة فأنا الآن بصدد الانتهاء من برنامج يتناول عادات الزواج عند الشعوب العربية. وتضيف كوثر: إن الإعلام العربي اليوم يقف أمام محك كبير، فإما أن يساير ركب التطور والتقدم الذي تشهده الساحة الإعلامية الدولية، وإما أن يقف كما اعتاد في آخر الركب ضاما ذراعيه إلى صدره، يستمتع بنعمة التفرج ولا يشارك بأي شيء مما يشاهده، ولكن والحمد لله نلحظ أن هناك وعيا وإدراكا لهذه الحقيقة، وذلك من خلال ما نلحظه من الاهتمام العربي بوسائل الإعلام.

العالم بعيون عربية

إن الشعار الذي ترفعه محطةmbc هو "العالم بعيون عربية" وهو عنوان له إيقاع رومانسي رغم أنه يعبر عن أحد الطموحات العربية وهو معرفة كيف تنظر العين العربية خاصة في الخارج إلى ما يجري من أحداث وتطورات ليس فقط على الصعيد السياسي، بل والفكري والإنساني. لقد كانت هذه المحطة هي التي ركزت الضوء على المحنة التي تتعرض لها دولة البوسنة الإسلامية وسط صمت وتواطؤ إعلامي أوربي وقد أعدت برنامجا متكاملا شمل جمع التبرعات التي وصلت إلى 17 مليون دولار. كذلك قدمت هذه المحطة الرائدة برامج عن العرب في بلاد أوربا مثل إنجلترا وفرنسا وهولندا، وتدلنا الأرقام على أهمية طرح هذا الموضوع لأن عدد العرب في فرنسا وحدها بلغ 4 ملايين وفي البرازيل بلغ 12 مليونا. لذلك تطمح المحطة في خطواتها التالية ان تصل إلى الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية. ويعلق عرفان نظام الدين المستشار العام للـ mbc على ذلك قائلا: سوف يصل بثنا إلى الولايات المتحدة خلال ستة أشهر فقط والخطوة التالية هي أمريكا اللاتينية حتى لا يبتعد هؤلاء العرب عن جذورهم. فهناك أجيال عربية قديمة ابتعدت عن اللغة العربية حتى انمحت من ذاكرتها. وقد تزايدت أعداد هذه الأجيال في الثمانينيات من هذا القرن ونحن نحاول من خلال برامجنا أن ننقل لهم بثا حيا ومباشرا عن أهم أحداث العالم العربي ولا يفـوتنا المناسبات الدينية المهمة فلقد نقلنا برامج عن الصلاة في المسجد الحرام في رمضان وختم القران والوقوف بعرفات وقد كان لهذا الأمر صدى طيب في نفوس هؤلاء المغتربن العرب وجعلهم على صلة مباشرة بلغتهم ودينهم.

ولكن كيف يمكن أن نصنف محطة mbc هل نشأت لأغراض سياسية أم أنها محطة تجارية. يحاول عرفان نظام الدين تصنيف المحطة قائلا:

نستطيع أن نقول إن محطة الـmbc محطة تجارية، فهي قامت كشركة هدفها إعلامي تجاري، فإعلاميا لها رسالة تقوم بها، وتجاريا هي كأي شركة فيها أرباح وخسائر، وفي خلال خمس سنوات سيكون باستطاعة هذه المحطة تغطية مصاريفها.

أما الناحية السياسية، فهناك فرق بين أن نتناول السياسة كإعلام وخبر وبين التعاطي معها من موقع أنك تتبنى سياسة معينة، ونحن لا ننكـر أن هناك سياسة عامة للمحطة، وليس من مصلحتنا أن نخرج عن السياسة العامة أيضا، فليس هذا مجالنا، وكما قلت فهذا لا يمنع من أن نتعامل مع السياسة كخبر، والتغطية الإخبارية بشكل موضوعي، ومعنى أن نكون موضوعيين أن نغطي الحدث كخبر لأن الفرق بين الجريدة والتلفزيون، هو أن الجريدة قد تبدي الرأي في مقال أو افتتاحية، أما نحن فتلفزيون إخباري، ونحن لا نتعامل مع السياسة كسياسة، ولكن نتعامل معها كأخبار وأحداث بقدر الإمكان.

ومن ناحية السياسة العامة هدفنا هو الحفاظ على الأهداف الأساسية ومحاولة تغطية الخبر بطريقة إعلامية. فمثلا هذا ما فعلناه مع ترسيم الحدود الكويتية العراقية. نحن نتعامل مع السياسة كخبر وحدث، فقد أحضرنا الخرائط وبعض الخبراء وأجرينا معهم أحاديث بحيث تكون التغطية لأي خبر بشكل موضوعي، ونبتعـد عن الذم والقدح. ولقد تناولت كثير من الصحف الأجنبية محطة الـ mbc مثل صحيفتي التايمز والهيرالد تريبيون بل وخصصت بعض صفحاتها الأولى للحديث عن المحطة بالتفصيل وعن دورها وقيمتها الإعلامية وإضافاتها التى تتميز بها، بالإضافة إلى أن المشاهد العربي تعود على أن يرى شيئا متنوعا ومتعدد الثقافات فهي تخرج المسلسلات المدبلجة والأفلام ومع مراعاة إبراز التراث العربي القديم، ومزج الأصالة بالحداثة. وتركز المحطة على تقديم الجيل الجديد من شباب المطربن، وفي نفس الوقت تقدم أيضا التراث، والناحية الدينية لها اهتمام واضح في برامجها ونحاول أن نكـون محافظين بليبرالية وليس بتزمت.

وهكذا نجد أن الهدف هـو تكوين جسر بين العرب المغتربين والعرب عموما في كـل الدول العربية، وأنا شخصيا من خلال هذه البرامج عرفت من الـ mbc تاريخ السعودية وتاريخ المغرب العربي، فالآن يستطيع المواطن في الخليج أن يعرف المطرب في المغرب العربي وكذلك العكس وقد تم كل هذا من خلال المحطة التي أصبحت تشكل رابطا بين العرب والعالم.

ودائما هناك بداية

ونترك عاصمة الضباب، لنرحل جنوبا إلى العاصمة العربية المشرقة "القاهرة" فمنها بدأت أول قناة فضائية عربية منذ ثلاث سنوات وقد احتلت مصر عبر ساعات إرسال كثيفة مساحة مناسبة في الفضاء من خلال رسالتها الإعلامية المتميزة فأنشأت القناة الفضائية المصرية التي وصلت ساعات إرسالها إلى عشرين ساعة يومياً، تغطي معظم مساحات العالم، وبالسرعة نفسها أدركت مصر ضرورة أن تكون لها رسالة فكانت قناة النيل الدولية باللغتين الإنجليزية والفرنسية والتي تكمل هذه الأيام شهرها الرابع، وبهاتين القناتين يسكن التلفزيون المصري الفضاء بثلاث لغات مطمئنا دون خوف أو حذر من أية أخطار إعلامية تأتي عبر الفضاء.

قبل أن ينتهي عام 1990 م بأيام قليلة، وتحديداً في 12 ديسمبر (كانون أول) دخلت مصر عصر الفضاء التلفزيوني، حيث بدأ بث قناتها الفضائية بواسطة القمر العربي عربسات ليغطي الإعلام المصري المتلفز جمغ الدول العربية والإفـريقية، في الحيز المعـروف هندسيا بـ (C- BAND)، وبعد أشهر قليلة من هذا التاريخ، وبعد استخدام القمر الصناعي الأوربي يـورتيلسـات وتغطية حيز الـ (KU - BAND) أصبحت مناطق تغطية القناة الفضائية المصرية تشمل جميع الدول العربية والأوربية والإفريقية، وجزءا كبيرا من الهند وباكستان وإيران وأفغانستان، وكما أخبرنا مهندسو المحطة الأرضية في مصر أن الصوت والصورة في كل هذه المناطق يتسمان بدرجة نقاء ووضوح تصل إلى 100%.

وإرسال القناة الفضائية المصرية، حالياً، يبلغ 20 ساعة يوميا، يمتد من الساعة السابعة صباحاً بتوقيت القاهرة حتى الثالثة من صباح اليوم الذي يليه.

وفي الطابق العاشر من مبنى "ماسبيرو" الشهير في القاهرة تقع إدارة القناة الفضائية المصرية، والتي ترأسها المذيعة (المخضرمة) سهير الأتربي التي فاجأتنا بأن عدد العاملين في القناة لا يتجـاوز 15 فردا، وأن القناة تعتمد في خريطتها البثية على قنوات التلفزيون الأخرى، (خمس قنوات) حتى البرامج الخاصة بها، والتي لا تذاع على القنوات المحلية الخمس تسند مهام إنتاجها لقطاع الإنتاج بالتلفزيون المصري.

وتشرح لنا سهير الأتربي طبيعة العمل في القناة الفضائية: البرامج الفضائية ليست منفصلة عن التلفزيون المصري، بل هي جزء منه، وبالتالي هي قناة مصرية خالصة، وتتمتع بأنها تستطيع بث كل ما ينتجه جهاز الإعلام المصري، وبالطبع تختار أفضل ما فيه، بشرط أن يتناسب مع طبيعة المشاهد الذي توجه له هذه البرامج، وبالإضافة إلى القنوات الخمس، فهي تبث أيضا قناة المعلومات، وغالباً تصل ساعات بث المعلومات المرئية إلى ثلاث ساعات يوميا.

برامج خاصة

أما البرامج التي تنفرد بها القناة الفضائية، فيبلغ عددها 13 برنامجاً، تتمحور حول السياحة والاستثمار والخدمات والترفيه. فهناك البرامج السياحية التي توجه للمصريين الذين يعيشون خارج بلادهم، كما توجه للأجانب أيضا، وتشمل تغطية زيارات السائحين العرب والأجانب في مصر وإجراء اللقاءات للتعرف على مشاكلهم وما يريدونه كنوع من الخدمة المزدوجة، للسائح وللسياحة المصرية، وقد أنتجت القناة أخيرا برنامجا للتعرف على ملامح مصر السياحية بواسطة النيل، عـبر رحلة تلفزيونية طويلة تمتد من الجنوب (أسوان) وحتى الشمال عند المصب في الدلتا، وفي نفس الوقت أشارت رئيسة القناة إلى أن هناك برامج ستتناول بعض المناطق السياحية الجذابة في العالم العربي والترويج لها وليس في مصر فقط.

وعن أحدث البرامج الخدمية، تشير الخريطة البثية للفضائية المصرية، إلى البرامج التعليمية والتي بدأت إذاعتها في شهر نوفمبر من العام الماضي (1993) والتي تقدم المنهج التعليمي التابع لوزارة التعليم المصرية والتي تشرف على الامتحانات في جميع السفارات المصرية في العالم، وتذاع طوال أيام الأسبوع لمدة عشرين دقيقة يوميا، ترتفع إلى 40 دقيقة يومي السبت والأحد، وبالفعل وصلت رسائل شكر عبر أجهزة الفاكس من كل أنحاء الدنيا، على هذه الخدمة. وتذكر سهير الأتربي أن جهاز الفاكس، عبر الرسائل التي تأتي من خلاله، يلعب دوراً خطيراً في تحديد خريطة برنامج القناة من أجل تلبية رغبات المشاهدين في أي دولة، فهم أصحاب هذه القناة، وكل دقيقة بث تخضع لدراسة دقيقة من أجل التوفيق بين رغبات الجميع، خاصة أن فرق التوقيت يصل أحيانا إلى أربع ساعات بيئ الدول التي تشملها منطقة التغطية، سواء في أوربا أوآسيا أو إفريقيا.

صباح الخير يا مصر

وهذه الرسائل، هي التي دفعت المسئولة عن القناة، لإعداد برنامج إخباري بعنوان "صباح الخير يامصر" يستغرق زمن عرضه ساعة كاملة، في الصباح مع بداية الإرسال، أهم ما يميزه تناول الصحف اليومية واستعراض أهم الأخبار من خلال استضافة رئيس تحرير إحدى هذه الصحف، كما يتضمن هذا البرنامج بعض التعليقات على الأحداث المهمة،إلى جانب المتابعات الثقافية والفنية والرياضية.

ومن البرامج الجديدة التي تستعد الفضائية المصرية لبثها، برامج لجذب المشاهد وسط التنافس التلفزيوني الذي يتطور يوما بعد يوم، من بينها برنامج المسابقات "من كل لون" إلى جانب حلقات خاصة من البرنامج الشهير "كلام من دهب"، وتغطيات لنشاط الأوبرا المصرية، وبرنامج "نغم" الذي يعتني بتقديم الأغنيات المتميز، سواء أغنيات مصرية أو عربية.

وتوضح سهير الأتربي أن استقبال إرسال القناة حالياً أصبح متيسرا، فبالنسبة للقمر العربي يستطيع طبق قطره 2,4 متر أن يستقبل برامجها، بينما يكفي طبق قطره متر واحد فقط لاستقبال برامج القناة عبر القمر الأوربي.

قناة النيل الدولية

وفي نفس المبنى القاهري الشهير "ماسبيرو" وفي الطابق الثالث، تقع قناة "النيل الدولية"، أو القناة الفضائية المصرية الثانية والتي بدأ إرسالها التجريبي في السادس من أكتوبر العام الماضي باللغتين الإنجليزية والفرنسية، باعتبار أن الفضائية الأولى تقدم برامجها باللغة العربية.

والتفكير في إنشاء قناة النيل الدولية جاء من أجل أن يصبح لمصر حضور إعلامي عند الغرب، خاصة أنها تملك التقنية المطلوبة، ولما كان القمر الصناعي يخدم هذا الغرض فقد تم استخدامه للدفاع عن أي مواقف تحدث فيها تشوهات من إعلام غربي اعتاد تشويه صورة العرب، واعتاد تشويه القضايا الإسلامية، وقضايا العالم الثالث وإظهارها بمظهر يخالف ما نحن عليه.

حسن حامد رئيس قناة النيل الدولية قال لنا إنه يمكن اعتبار هذه القناة رسول العالم العربي، والعالم الثالث إلى الغرب، وتقدم قضايانا العربية والإسلامية على حقيقتها، وهي حالياً تبث 3 ساعات يوميا ساعتين باللغة الإنجليزية، وساعة باللغة الفرنسية، وهي تختلف عن القناة الفضائية الأولى بأنها هي التي تنتج بـرامجها، وتقدم حاليا أفلاما تسجيلية وأخبارا وتعليقات سياسية وتحليلات لكبار المتخصصين في مصر والعالم العربي إلى جانب بعض المنوعات الخفيفة.

وتتميز هذه القناة، بأن برامجها خارج الاستديو... تعتمد على التحقيقات السريعة التي تتناول الموضوعات المختلفـة في شكل يقترب كثيرا من نمط الإنتاج الغربي، ولن يتم اللجوء إلى الاستديو إلاَ في إذاعة النشرات الإخبارية فقط.

والتفكير في إنشاء هذه القناة، كما قال حسن حامد، كان في وقت مبكر من عام 1993 بعد أن استقرت تجربة القناة الفضائية المصرية باللغة العربية وحققت نجاحاً طيباً وأصبح لها شكل متميز خاصة بين المغتربين في أوربا، وربما هم الذين أوعزوا بضرورة بث برامج فضائية باللغات الأجنبية باعتبار أنهم الأكثر تأثرا بكل ما تعرضه أجهزة الإعلام الغربي عن القضايا العربية والإسلامية. إلى جانب أنها تفيـد أبناء المغتربين، الجيل الثاني، الذين انفصلوا، تقريبا، عن تراث الأجداد، ودائما كانت اللغة هي العائق، لكن بعد أن وصل بث هذه القناة إلى معظم دول العالم، يمكن حل العديد من المشاكل التي تواجه المغتربين، خاصة أن المشكلة ليست فقط في اللغة ولكن في طريقة التفكير.. فابن المصري أو العربي المغترب يحتاج إلى طريقة أخرى في التخاطب غير طريقة العواطف التي اعتدنا أن نتبعها في العالم العربي، ويحتاج إلى العقل تماماً مثل المواطن الأوربي أو الغربي وهذا ما تعمل القناة على تحقيقه.

إعلام ملتزم

وتخطط إدارة القناة حالياً، لأن تصل ساعات الإرسال إلى 6 ساعات يومياً، رغم أن عدد العاملين في القناة لا يتجاوز العشرين فرداً، كما أن المساحة لا تسمح بإنجاز الكثير، لكن حسن حامد رئيس القناة أشار إلى أنه سيتم الانتقال إلى مبنى خاص بعد شهور قليلة،حتى يمكن للقناة أن تقدم رسالتها الإعلامية بالشكل والمضمون الذي يجب أن تكون عليه. وهنا أشار إلى أهمية المحطات التلفزيونية العامة أو الحكومية، التي تهدف في الأساس إلى نشر الثقافة العامة في مواجهة السوقية، والتمسك بالمبادىء السامية، ونشر الجمال والحفاظ على القيم التي لا يوجد عليها خلاف مهما تكلف ذلك من مال أو جهد، دون الانزلاق إلى منافسة قنوات ومحطات تلفزيونية تجارية تختلف في الهدف السياسي، ومضمون الرسالة الإعلامية.

وفي نفس الوقت، فإن هذا لا ينفي أن المستقبل للقنوات الفضائية، أولا لأن إرسالها أعم وأشمل ويغطي مساحة واسعة جدا، وبالتالي يستطيع الوصول لأكبر عدد من المشاهدين، وثانيا لأن البث الفضائي أوفر ماديا من طريقة الميكروويف أو البث الأرضي، والتي غالبا ما ستقتصر في المستقبل على القنوات الإقليمية التي تغطي مدنا وأقاليم صغيرة، مثل قناة شمال الصعيد والإسكندرية في مصر، وهذا يعني أن الحكومات عليها أن تلتفت لأهمية البث الفضائي والسيطرة عليه وبالتالي يمكن لكل دولة أن تمتلك أكثر من قناة فضائية إلى جانب القنوات الفضائية التجارية المملوكة لأفراد أو مؤسسات وشركات خا صة.

وتهتم قناة النيل الدولية، كما يؤكد حسن حامد، بالخبر، الذي يحصل عليه الجهاز العامل في القناة أو الخبر الذي يحصل عليه التلفزيون المصري ككل فهو يستطيع الحصول على كل مواده، وتبقى فقط عمليات الترجمة إلى اللغة التي سيتم البث بها. وفي هذه الحالة يستطيع الإعلام المصري أن يقدم الحقيقة للغرب من مصادرها الاصلية، خاصة أن مصر وبعض الدول العربية تعرضت لحملات إعلامية غربية ظالمة خلال السنوات الماضية، والقناة ستبذل كل جهدها في جميع برامجها، عبر رسائل إعلامية غير مباشرة، أو مباشرة إذا استدعى الأمر، لإظهار حقيقة ما، أو دفع ظلم عن قضية بعينها. وغالبية العاملين في القناة من الشباب، وهي الذخيرة التي ندخرها للمستقبل، بكل ما يحملونه من حماس وأفكار جديدة تستطيع مواكبة التغيرات المتلاحقة في العالم. وفور الدخول إلى مقر العمل يتضح أن السيطرة بالفعل للشباب من الجنسين، وجميعهم ليسوا أسرى الاستديو، فنظام العمل لا يحتاج إلى المذيع أو المذيعة، بل ينطلق الجميع إلى مصـادر الأخبار أو مناطق الأحداث للمتابعة بالصوت والصورة وهم مؤهلون تماما لذلك، ويدركون خطورة الرسالة الإعلامية التي يقدمونها، أو باختصارهم المعنيون بنقل صورة مصر وقضاياها وحقيقة ما يحدث بها إلى مشاهدين تفترسهم وسائل إعلامية غربية أو معادية، تشوه بعض هذه القضايا وتزيف الكثير من الحقائق.

 

عمرو خفاجي