الطغيان: إشكالية التأسيس والمشروعية

الطغيان: إشكالية التأسيس والمشروعية

أقرأ باهتمام ما تسطره أنامل كُتاب «العربي», لاسيما ما يتعلق منها بحاضر ومستقبل أمتنا ووطننا الكبير, ومن تلك الإسهامات ما عرض له الباحث الكويتي عامر ذياب التميمي لكتاب «الطاغية» للدكتور إمام عبد الفتاح إمام في العدد 636- نوفمبر 2011. وبما أن موضوع «الطغيان» يتجاوز عمره عمر الجنس البشري على هذه الأرض بما لم يحط به علمًا إلا الله, ذلك أن إبليس طغى واستكبر على آدم وقال: خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ فلا يمكن الإحاطة بمفهومه، إلا على سبيل الإشارة والتلميح لملاحظات, أدركت منها على عجل اثنتين وهما:

1- من جهة التأسيس: إن ظاهرة الطغيان لا يمكن عزلها عن الذهنية والجو السياسي الذي نشأت فيه, والذي تؤطره مجموعة مفاهيم ثقافية وعقائدية تراثية, وبذلك يصبح الطغيان والاستبداد في مرحلة ما مُنتجًا اجتماعيًا ساهمت الصياغات التاريخية في إيجاده, وبما أن الأمر يتعلق بـ«التراث» الذي يمتاز غالبًا بمتلازمة مشهورة تعرف بـ«القداسة» فقد كان النظر إلى الظاهرة بصورة عامة أو إلى أشخاصها يحمل أوصاف التقديس والتبجيل, فما نعرفه اليوم في زمن حرية التعبير بـ«الطاغية» كان وإلى أمد ليس بالبعيد: القائد الرمز, الضرورة, الملهم, والأب القائد, الذي لولاه «لساخت الأرض بأهلها» و«تعطلت مصالح البلاد والعباد» فهو الذي «إن أمكنه التفرد بالماء والهواء ألا يشرك فيهما أحد, فإن البهاء والعز والأبهة في التفرد «د.عبد المجيد الصغير, المعرفة والسلطة, ط1- 2010, (ص 138), نقلاً عن كتاب التاج». ومن يتفحص الأنظمة السياسية العربية وشخوصها يجد أنها استلهمت تلك الأدبيات من الموروث العربي «الخالص» كما يعبر د. الجابري - رحمه الله -.

2- من جهة المشروعية: ففي الوقت الذي يقف النظام السياسي الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وحلف الناتو في خندق واحد مع الانتفاضات العربية - ولكي أكون أمينًا عدا الانتفاضة الفلسطينية في مقابل رموز الطغيان والاستبداديات العربية, في جهد منها لإرساء الحرية ومبادئ العدالة والرفاه الاجتماعي في ربوع وطننا العربي الكبير! ابتداء من العراق مرورًا بتونس ومصر وليبيا وسورية واليمن, فالسودان والجزائر بعد ذلك, ومن المؤكد أن هذا الانحياز الأمريكي والناتوي لشعوب «عدم الانحياز» إنما يتضمن اعترافًا بها, ويؤدي حتمًا إلى حصول تلك الثورات على الشرعية الدولية والإقليمية - أقول: في هذا الوقت يستذكر الشعب العربي المشروعية التي أضفاها النظام السياسي الدولي على الديكتاتوريات العسكرية العربية التي تسلب منها اليوم بعد أن استنفدت خدماتها, على أن تلك الاستبداديات ورموزها من الطغاة ظهرت كحركات تحرر من الاستعمار والإمبريالية, ولا أدل على هذا القول كمثال ما قاله وزير داخلية نظام البعث المقبور في العراق (سعدون شاكر غيدان) عام 1979: «لقد جئنا إلى الحكم في العراق بقطار أمريكي», على الرغم من كون العراق ظاهرًا في ذلك الوقت تابعًا للكتلة الاشتراكية سياسيًا. إن الثورات العربية اليوم لابد أن تكون واعية لأهدافها وقضاياها المصيرية وطريقة تعاملها مع الواقع السياسي الدولي, وآلياتها السياسية للوصول إلى تلك الأهداف, لاسيما قضية فلسطين وأهل فلسطين في الداخل والشتات ومجمل القضايا العربية المشتركة, التي تفرضها ضرورات اجتماعية وثقافية ودينية, ولكي لا تسرق الثورات مرة ثانية؟ وتكون نهاياتها كنهاية من سبقها.

حسين جويد الكندي
العراق