طفلك وتأثير المياه الغازية! سهير سيد

 حتى الآن لم يربط أحد بين الأخطار الكامنة في المياه الغازية وغيرها من المشروبات الخفيفة، لا أحد يقول إنها في خطورة التدخين أو الكحوليات. ولكن من المؤكد أن لها أخطارا عديدة علينا أن ننتبه إليها خاصة مع أطفالنا.

كانت الأم هي أول من لاحظت التغيرات التي طرأت على تصرفات ابنها. كان عصبيا. يعاني دائما من حالات من المزاج السيء ويثور لأتفه الأسباب. بل وينام لفترات طويلة أيضا. وظلت الأم تبحث حتى أدركت أنه خلال هذه الرحلة التي قامت بها إلى منطقة ريفية لم يأخذ طفلها كمية المشروبات الغازية التي تعود عليها كل يوم. وهكذا فطنت للمرة الأولى إلى أن هناك نوعا من الإدمان على مثل هذه المشروبات، إدمان يسببه نقص مادة "الكافيين" التي تعود الطفل أن يحصل عليها من هذه المشروبات.

لقد تضاعفت كمية المياه الغازية المبيعة منذ الثمانينيات حتى الآن. بل ظهرت مشروبات جديدة تحتوي على ضعف كمية مادة "الكافيين" التي كانت موجودة في مشروبات الكوكاكولا والبيبسي التقليدية، وأصبح السؤال المطروح الآن: ما هي الكمية المسموح بتعاطيها من هذه المادة حتى لا تمثل خطرا على صحة الطفـل؟ وهل من الممكن وضع حجـم هذه الكمية على كل علبة أو زجاجة بحيث يملك الطفل أو الأهل حرية الاختيار؟. تختلف الآراء الطبية حول هذا الحجم، وآخرها هو أن الطفل فوق الخمس سنوات يمكن أن يشرب 125 جراما من هذه المادة في كل لتر من المياه الغازية دون أن يتأثر بذلك.

ويؤكد بعض المتخصصين في تحليل الأغذية أنه لا توجد محاذير حقيقية على شركات صنع المياه الغازية رغم معرفتنا أن مادة الكافين التي تدخل في صناعة هذه المشروبات قد ثبت أنها تؤثر على النوم وأن شرب كوبين من القهوة يوميا يمكن أن يشعر المتعاطي بالنقص الشديد. وإذا كان هناك خطر من مثل هذا النوع من الإدمان فإن هناك تهديدا أن يعتمد الأطفال على كميات متزايدة من هذه المادة.

والكافيين مادة منبهة للأعصاب، وربما كانت واحدة من أكثر المواد انتشارا في المشروبات فهي توجد في القهوة والشاي والشيكولاتة، ومشروبات الكوكا. وهي بالطبع موجودة في العديد من الأدوية والأقراص التي نعالج بها نزلات البرد والصداع.

اختلال التأثير

وفائدة هذه المادة للبالغين معروفة. فهي تساعدهم على التركيز والانتباه وتمدهم بالطاقة اللازمة عند شعورهم بالتعب والإرهاق. ويختلف البالغون في استجابتهم للكافين. فالبعض يستطيع أن يشرب ستة أكواب من القهوة يبلغ فيها حجم الكافين حوالي 600 جرام. بينما يشعر آخرون بعد ثلاثة أكواب فقط بارتفاع في دقات القلب ويصاب بالأرق طوال الليل.

والبالغون يستطيعون أن يضبطوا أنفسهم وأن يتحكموا في كمية الكافيين التي يتناولونها، ولكن الأطفال لا يستطيعون ذلك. وكيف يمكن أن نشرح لهم أن 125 جراما في اللتر الواحد هي الكمية الكافية والمناسبة؟ إن كمية المادة التي يتناولها البالغ في كوب من القهوة هي نفسها التي يتناولها الطفل في علبة المشروبات الغازية، ومثلهم تماما يختلف تأثير الكافيين من طفل إلى آخر، ويمكن أن يظل تأثيرها في الجسم لمدة عشر ساعات حتى يتناقص إلى النصف.

ورغم ارتفاع نسبة استهلاك المشروبات الغازية بين الأطفال فلم تلتفت الدراسات إلى هذا الأمر كثيرا، وانما تركزت على تأثير الكافيين على أمراض مثل القلب والسرطان والحالة الجسدية. لكن الجمعية الأمريكية للطب النفسي اهتمت بإجراء دراسات حول حالة الطفل الذي تعود أن يتناول حوالي 6 علب من المياه الغازية في اليوم أو ما يعادلها من مادة الكافين وقد وجدت أنه أكثر انتباها وسرعان ما ينقلب هذا الانتباه إلى حالة من التوتر والعصبية. يتكلم بسرعة أكثر من المعتاد ولكنه من الناحية الإكلينيكية غير زائد النشاط. وقد وصل الأمر إلى حد صرح فيه الدكتور ميشيل جاكسون مدير مركز أبحاث الصحة العامة في واشنطن أنه من الجنون أن نضع مثل هذه المادة في شراب الأطفال، إننا نعرف الأماكن التي يتركز فيها الكافين ونعرف أيضا أن له تأثيرا إدمانيا ومع ذلك نواصل تقديمه لهم.

وقد بدأت أيضا أبحاث مختلفة حول تأثير الكافين على الأطفال حديثي الولادة. فقد ثبت بالبحث أن الأمهات يعودن أطفالهن على تعاطي مادة الكافين منذ العام الأول من العمر من خلال تعويدهم على شرب الكولا.

كيفية التحكم

شركة الكوكاكولا تدافع عن نفسها إذ يقول مديرها إيان موير: "إن الكافين الذي يستهلك في مشروب الكولا أقل بكثير مما في الشاي والقهوة. والأبحاث الكثيرة التي أجريتها حول هذا الموضوع أثبتت أنه لا داعي للمبالغة في مثل هذه المخاوف. بالإضافة إلى أنه من الممكن التحكم في تناول هذه المادة".

ولكن الانتقادات لم تتوقف إزاء الأنواع الجديدة من هذه المشروبات التي تقل فيها نسبة السكر فقد زادت الشركات من نسبة الكافيين السكري كي تعوض النقص في مقدار السكر وقد وجدت بعض الأبحاث أن نسبة الكافيين في الكولا الخالية من السكر Diet Cola أعلى بحوالي 33% من الكولا العادية. وهكذا تثور الحملة ضد الشركات بين المتشددين الذين يرون أنه من الواجب منع إضافة مثل هذه المواد نهائيا، وبين المتساهلين الذين يرون أن عليها أن تكتب على العلبة حجم مادة الكافين الموجود بها يرافقه تحذير حاسم.

 

سهير سيد