على هامش المؤتمر النسائي الإسلامي لاستكمال تطبيق الشريعة فاطمة منصور

القوانين ظلمت المرأة.. وأنصفها الإسلام؟
تصوير: فهد الكوح

المرأة مظلومة دائما..

اتهموها بإخراج آدم من الجنة، وأنها ناقصة عقل ودين، وأكدت كثير من القوانين الوضعية على الوضع المتدني لها. فهل يملك الإسلام خلاصا لها؟ وإذا تأملنا الشريعة بعمق وتفتح فهل نصل إلى سبل لهذا الخلاص؟

في خطابه أمام المؤتمر النسائي الإسلامي لاستكمال تطبيق الشريعة طالب وزير الديوان الأميري بدولة الكويت "الشيخ ناصر المحمد الجابر الصباح" بإعطاء المرأة كامل حقوقها التي أعطاها لها الإسلام، وأشاد بدور المرأة العربية المسلمة التي استطاعت أن تجتاز مرحلة صعبة لتصل إلى مستوى الرجل في تحمل مهام رفيعة، بالإضافة إلى وظيفتها كأم، وزوجة ومربية. كما أكد على أن المرأة الكويتية أخذت دورها في المجتمع الكويتي على جميع الأصعدة علمية أو عملية خيرية أو تطوعية، أسوة بالرجل، وكانت بدورها مكملة لدور الرجل.

أسلمة القوانين الكويتية

كانت هذه هي الكلمات الأولى في المؤتمر النسائي التربوي الإسلامي الذي عقد في الكويت من خلال اللجنة الاستشارية العليا لاستكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وقـد ألحقت بالديوان الأميري لوضع خطة تهيئة الأجواء لاستكمال تطبيق "شريعة الله" مع مراعاة واقع البلاد، ومصالحها ودراسة القوانين السارية، واقتراع ما تراه بشأنها لضمان توافقها جمع أحكام الشريعة.

ومنذ ثلاثة أعوام صدر مرسوم بتشكيل لجنة ضمت مجموعة من المستشارين " تشريعية، واقتصادية، وإعلامية، وتربوية، واجتماعية" والهدف من عمل هذه اللجنة هو أسلمة القوانين الكويتية وحصر القوانين المخالفة في بنودها للشريعة الإسلامية مع طرح البدائل القانونية التي تتوافق مع هذه الأحكام، ودراسة الواقع التربوي في البلاد، بالإضافة إلى وضع خطة تربوية تستبعد فيها السلبيات مع التوجه الإسلامي.

في صدد هذا التوجه الكويتي تقول "خديجة المحميد" إحدى الداعيات الكويتيات: "إن تحقيق الأهداف لتطبيق الشريعة الإسلامية تحتاج لعمليات تربوية زمنية طويلة، ومدروسة، وقد تنجح على مستوى الإثارة والتنبيه لدور المرأة الإسلامي، أما على مستوى التوقعات المستقبلية فإننا ننبه الأذهان لضرورة الفهم الموضوعي للإسلام الواقعي. فهناك فرق بين الإسلام كعقيدة ونظام، والمجتمعات التي تعمل على تطبيقه. إذا عدنا إلى التاريخ في الماضي فسنجد نساء متميزات أمثال خديجة وفاطمة الزهراء، وزينب وغيرهن من الصحابيات اللائي تحملن مسئولية الدعوة الإسلامية بجانب الصحابة. وتشير الداعية خديجة إلى أن الإسلام حدد الأهداف، وترك للعلم تحديد الشكل، والوسائل.

الثقافة.. وأهمية دور القرآن

أما الشيخة لطيفة الفهد حرم ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بدولة الكويت فقد أكدت على أهمية "دور القرآن" وإقامة الندوات، والمحاضرات فيها للاستفادة من العلوم الشرعية والأحكام الفقهية، وتقول إن الحاجة ماسة ثقافيا إلى هذه الدور التي تعد نموذجا للمؤسسات التي تحقق النفع للمجتمع.. فدار القرآن تحقق للفرد تحصيل حاجته الثقافية وتشبع ذاته أيضا.

وتشير الشيخة لطيفة إلى أن التجربة أثبتت أن دار القرآن يمكن أن تعوض النقص في الأساليب التعليمية المستوردة، والجهل بأحكام الشريعة.. كما ركزت على أن جمعيات النفع العام لها دور مهم في نشر الإسلام شريطة أن تكون مقننة الخطط محددة الدور، وأن يتم تقييمها ودراسة مدى وقعها على المجتمع وأفراده. وتقول إن هناك ثلاثة محاور لتهيئة الأجواء التربوية لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وهي المؤسسات التربوية، والمؤسسات الثقافية ومؤسسات النفع العام.. أو بمعنى آخر المدرسة ودور القرآن، والجمعيات النسائية.

وتقول رئيسة الرابطة النسائية الإسلامية في لبنان الدكتورة منى أحمد جلال الدين يكن: "إن التوجه الكويتي نحو استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية توجه حضاري على طريق التقدم لبناء الدولة الإسلامية المنشودة"، مشيرة إلى أن رياح الغرب هبت على المجتمعات الإسلامية فحلت الكارثة وحصل الشقاق، وعاش الناس تناقضا بين ما يؤمنون به وينصاعون له قلبا، وفكرا، وبين ما يفرض عليهم قهرا. وعاشت الأمم فترات سوداء بين القهر والنكبات، إلى أن بدأ الناس يشعرون أنهم لن يستطيعوا تحقيق ذاتهم إلا من خلال عودتهم إلى الإسلام مصداقا لقول أمير المؤمنين الفاروق: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله".

الدور التربوي للمرأة

دار حوار المؤتمر حول دور المرأة التربوي، والاجتماعي مع ذكر شواهد من التاريخ الإسلامي، وتقويم العمل النسائي في تأهيل القيم الإسلامية، وركز على دور المرأة التربوي في البيت والمدرسة ودور المعلمة على وجه خاص، وأثر الفكر المستورد على المرأة المسلمة وبالتالي تربية النشء والمجتمع.

تعتبر الأهداف السلوكية في العملية التربوية إحدى ركائز الفكر التربوي الحديث، ومن المحاولات الجديدة التي تركز عليها أهداف التربية الإسلامية الاهتمام بالمراحل الأولى من أعمار أولادنا.. فلم تعد هذه الأهداف هلامية الصياغة فضفاضة المعنى، بل وضعت في صورة جعلتها ذات ارتباط كبير بمواقف حياتية. وقد ركزت مناقشات المؤتمر على دعم دور المرأة التربوي وأهميتها في بناء مجتمعها، وأسرتها بوجه خاص على أساس المنهج الإسلامي، لأن نجاح العملية التربوية مرتبط بانطلاقها من أساس ومنبع عقيدي صاف يترجم إلى سلوكيات ومواقف متماشية مع واقع المجتمعات والمتغيرات..

وتؤكد "خولة العتيقي" إحدى الرائدات في جمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت ضرورة الأخذ بالمنهج الإسلامي لأنه يحفظنا من تأثير الأفكار المستوردة لمفاهيم الزواج، والعلاقات بين الجنسين، والمفاهيم الخاطئة عن العلاقات المتشابكة بين الدين والعلم، والقومية،. والأجناس، والحالة الاقتصادية، والإنتاج، والاستهلاك، وحرية المرأة، وتعليمها، وعملها. وتدعو خولة إلى إبراز أهمية دور المرأة في التربية لاستكمال التعاليم الإسلامية.

ولكن كيف تستطيع المرأة أن تهيئ الأجواء التربوية لاستكمال تطبيق الشريعة الإسلامية؟

تقول "هدى خلفان النعيمي" رئيسة الجمعية النسائية بالشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة إن دور المرأة مهم في تربية الأبناء، وإن الزوج له دور أساسي فيما يطبق من تعاليم الدين، والأسرة بمجموعها جزء من مجتمع بأكمله، فإذا صلح حال الأسرة صلح حال المجتمع..

وترى دلال البشر الرومي رئيسة الرعاية الإسلامية بدولة الكويت أن المرأة لها دور فعال تجاه قضايا مجتمعها، مشيرة إلى أن العمل المنسق، والمشترك بين قطاعات المرأة يدفعها إلى النجاح في عملها وتدعيم كيانها، وأداء رسالتها التربوية الإسلامية على أكمل وجه.

رأي داعية من أمريكا

وعن هذا المفهوم أيضا تقول الداعية الأمريكية المسلمة من أوهايو "غادة الهيب": إن المرأة دورها ملزم، وليس اختياريا، وتستطيع حواء أن تحول الأرض إلى جنة، والعكس صحيح. وتشير إلى أن العملية التربوية في الغرب في بعض جوانبها سهلة حيث إن الأهل هم المصدر الأساسي للتوجيه ولكن الصعوبة تحدث بسبب الصراع عند النشء الجديد الذي يربى على القيم الإسلامية وسط مجتمع تسوده تقاليد وعادات مختلفة ويشكل هذا ضغوطا تعوق العملية التربوية بشكل إسلامي ويقع الأولاد في هذه الحالة ضحية لمجتمع تتجاذبه هذه الصراعات. فالنشء الجديد يتعلق بالغرب تحت تأثير الإعلام والتلفزة بصورها الجذابة والمغرية وعلينا أن نحاول إنقاذه. وتضيف: "صحيح أنه توجد في الولايات المتحدة الأمريكية مدارس إسلامية ويزداد عددها.. لكن توجد صعوبات مادية تواجه الجاليات الإسلامية هناك".

وتدعو الأمريكية "غادة" إلى تثقيف المرأة المسلمة لفهم معنى الشريعة الحقيقي، فالقضية ليست شعارا، أو شعورا، أو عاطفة، ولكنه إيمان، وفهم، والتزام، ومبدأ، ولا خيار فيه.

أما حصة سلطان الشيبة من دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة فقد أكدت أن المرأة مطالبة بالفكر وليس بالمظهر، والاضطلاع بقضايا مجتمعها والوعي بدورها الحقيقي في بناء المجتمع المسلم، ومشاركة الرجل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في الحياة العامة ولا تكتفي بدورها بين جدران البيت، وألا تركن إلى حياة الترف، والرفاهية.

توصيات للنشء.. والطفل

وقد نجحت نساء الكويت في عقد هذا المؤتمر الذي يعد أكبر مؤتمر نسائي إسلامي والفريد من نوعه في بلادنا العربية، وجاءت توصياته لتشير إلى أن المرأة لا تستطيع أن تمارس أدوارها كاملة وتنجح في أدائها بما يساهم في تهيئة الأجواء التربوية لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ما لم يكن لمؤسسات الدولة دورها الإيجابي في ذلك المجال، وبناء على ذلك فقد ركز المؤتمر على طرح برامج، وأنشطة للمرأة والطفل، والناشئة في المجالين الثقافي والترفيهي مع إحكام الرقابة على وسائل الإعلام لمنع التأثيرات السلبية على الطفل والناشئة والمرأة بوجه عام. ودعا المؤتمر إلى إعادة النظر في المناهج الدراسية بما يضمن عدم احتوائها على ما يخالف العقيدة والأعراف الإسلامية، وإلى جعل مدرسات ومدرسي مادة التربية الإسلامية قدوة لطلابهم، وطالباتهم، وذلك بتشجيع الأنشطة الدينية، ومسابقة حفظ القرآن وتطبيق نظام الفترة المخصصة لأداء الصلاة، وغير ذلك لإذكاء الروح الدينية، وتعميق مفهوم الإيمان.

كما أكدت التوصيات أهمية توفير تشريعات خاصة بالمرأة في مجالات العمل بحيث تنسجم مع واجباتها الأسرية، واستقطاب النساء ذوات المناصب العامة للعمل ضمن صفوف العمل الإسلامي، وتوفير التعليم والثقافة للفتاة المسلمة.

تجربة الحضانة

وقد أقيمت حضانة خاصة لأطفال الأمهات المشاركات في المؤتمر، وتمت في هذه الحضانة ممارسة عملية وتطبيقية لمفهوم الحضانة التي تعتنق تطبيق المبادىء الإسلامية ومحاولة تدريب الأطفال على السلوكيات الإنسانية من خلال تعاليم مبسطة وقد أكدت الأمهات اللاتي شاركن في المؤتمر أن هناك تغيرا واضحا في سلوك أبنائهن خلال الأيام القليلة التي استغرقتها فترة المؤتمر. وسوف تكون هذه التجربة نظرة لحضانة موسعة تزجم التعاليم الإسلامية إلى سلوكيات تربوية.

إطلالة تاريخية

وبعيدا عن المؤتمر فقد ظلم التاريخ المرأة ظلما كبيرا فقد كانت تباع وتشترى كسلعة. وكان يطلق عليها أنها رجس من عمل الشيطان، ووصفتها الشرائع البدائية القديمة بأنها كالموت والجحيم، والأفاعي، وربط اسمها بالنار.

وفي "التوراة" أطلق عليها "الشباك" وقلبها "أشراك" ويداها "قيود" وتصور الرومان المرأة كحيوان نجس لا روح له، ولا ضوء، ولا نفس، ولا ترث الحياة الأخرى، ويجب ألا تأكل اللحم، ولا تضحك. وحده الإسلام هو الذي أكد أن الأنثى تستحق التكريم مثل الرجل.

وتنسب الحضارة الغربية المرأة إلى زوجها، ولا تحتفظ باسمها، أو اسم عائلتها، ولكن الإسلام أقر للمرأة الاحتفاظ باسمها بعد الزواج حتى أنه في الدنمارك كانت أحد المطالب التي نادت بها المرأة أن تحتفظ باسمها بينما تتمتع بهذا الحق المسلمة منذ أكثر من "14" قرنا من الزمان.

وكثير من المعتقدات وأقوال العامة تحمل حواء مسئولية طرد آدم من الجنة إلا أن القرآن الكريم أشرك آدم معها في المسئولية عندما أكلا من الشجرة المحرمة في قوله تعالى: فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين "(18) الأعراف".

وقال الرسول في تكريم المرأة: ما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم، اتقوا الله في النساء. وهذا يؤكد لنا مدى تكريم الإسلام للمرأة ومن هنا نرى أن على المرأة المسلمة أيضا أن تقوم بدورها الفعال في تربيتها الإسلامية لخلق جيل مثقف واع للأمور الحياتية والدنيوية بشكل سليم.

 

فاطمة منصور