واحة العربي

السلحفاة

الهادئة الرصينة ذات البلادة وطول البال والغائصة في حلم الكسالى واللامنجبين

السلحفاة حيوان زاحف، بطيء، منه البري ومنه البحري، مدرعة بصفائح عظمية قرنية عظيمة وغليظة تختصر العالم البيروقراطي كله فتكاد تصبح موظفا يبحث في الرمل عن يوم ميلادك، ويقول الدميري - عالم الحيوان العربي القديم - إنها تتغذى على الحيات والثعابين، وبذلك يكون أول من اكتشف قانون البلادة البطيئة الغليظة حينما تلتهم السرعة والمرونة والانسياب والذكاء، ولذا فنادرا ما ترى أثر السلحفاة في آثار السابقين: من جزيرة الرخ الخاصة بالسندباد شرقا، حتى الجزيرة الغامضة الخاصة بروبنسون كروزو غربا، ربما هي محققة - تمجيدا للمثابرة وللتأني والبطء والإمعان وتسفيها للحمق والرعونة وعدم الإدراك - في قصة الأرنب السريع المهمل والذي خسر السباق مع السلحافة البطيئة الرابحة، ومع ذلك يظل للسلحفاة وقعها في النفوس بصفتها ذات تشكيل خاص يعطيك إحساسا غامرا وقويا بمغالبة الزمن، وهو ما أدى بالراغبين في تجاوز الحلقات المعروفة من العمر: أن يتغذوا بلحمها، وبالباحثين عن وسائل الخصوبة الدائمة: أن يمتصوا دمها، وبالحالمين بمواجهة الأهوال: أن يحملوا أسلحة ذات مقابض من صدفتها العظمية، وقد توقف هذا عند حدود السكاكين والمدى وبعض غدارات القراصنة حيث لا تحتاج المدافع والصواريخ والقنابل إلى مقابض، وفي الخرافة نجد أن أثمن التمائم والرقى والأحجبة وأكثرها تأثيرا ما كتب بدم الترسة - وهو الاسم الشائع للنوع البحري من السلاحف، ويرى العلماء المحدثون أن السلحفاة قادرة على تحمل الغبار الذري واحتوائه في جسدها مدة أطول من أي كائن آخر، ولعل تكويناتها الغامضة وراء عمرها المديد الذي يفوق عمر الأحياء المعروفة وهناك سلحفاة في حديقة الحيوان بالجيزة في مصر منذ افتتاح الخديو إسماعيل لها وتحيا حياة هانئة حتى الآن حيث تجاوز عمرها المائة والعشرين عاما.

ومع أن أهل السواحل لا ينزعجون منها، بل وكثير منهم يقتنونها في بيوتهم - وبالذات الصغير منها - إلا أن أهل القرى والوديان يرتاعون لمشهدها لندرة مشاهدتهم لها، وتداهمهم في الحلم فيتشاءمون ويخشون موت الذرية - كتفسير معكوس لما بين الحلم والواقع (كتفسيرهم لرؤية الميت بإشارة لطول عمر الحالم)، أو يرون فيها مكائد الأعداء، ونسيج المؤامرة والخيانة الزوجية، وكل هذا راجع للموروث المعروف من انقلاب السلحفاة على صدفتها - أو درقتها - وتعر ضها - حينئذ - للموت المؤكد، ولذا فإن داود الأنطاكي يصفها علاجا لمن وقع في كارثة الشك، أو "الأمور الضائقات..!!".

والسلاحف في طريقها للانقراض لكثرة الصيد وعمران السواحل، ومع ذلك - حفاظا على مآثرها وصفاتها دون جسدها - تراها وقد تفشت وانتشرت في ملامح المحبطين الفاشلين من الضباط، والمعزولين من السياسيين، والمنتظرين طويلا رحيل المناوئين والأعداء، والمحبوسين وراء الوظائف الكتابية في أرشيف المصالح الحكومية والمصابين بالجذام قبل أن تتساقط أعضاؤهم، والمسرفين في استخدام أدوية الكورتيزون، كما أن غباء السلحفاة وكسلها العقلي يتسلل في كتابات ذوي المناصب الثقافية والصحفية غير الموهوبين، وفي حاملي علوم التراث دون تطويع أو تشذيب أو صياغة تساير روح العصر، وفي الذين ينعمون بخيرات زوجاتهم دون عمل، وتجار مستحضرات البدانة، والمستسلمين يأسا، والخانعين ذلا، والمنتفخين غرورا - وغباء واللائذين لصدفة المنافقين ودرقة المنتفعين.

 

محمد مستجاب