جمال العربية

"إبل وما يتفرع عنها"

كان لابن فارس في كتابه "مقاييس اللغة" فضل التنبيه إلى الجذر اللغوي للكلمة العربية والمعنى الواحد المشترك الذي تشتمل عليه المشتقات من هذا الجذر.

وأضاءت نظرية ابن فارس الطريق أمام الباحثين والدارسين، ومصنفي المعجمات - على وجه الخصوص - وهم يحاولون الوصول إلى المعاني الكلية، متدرجين من الأصلي إلى الفرعي، ومن الحسي إلى المعنوي، ومن الحقيقي إلى المجازي، ومن المألوف إلى الغريب.

وابن فارس - مثلا - يشير إلى الهمزة والباء واللام، بناء على أصول ثلاثة: على الإبل، وعلى الاجتزاء، وعلى الثقل والغلبة.

يقال أبَل فلانٌ يأبُلُ إبالةً، أي حذق مصلحة الإبل والشاء.

يقول عدي بن الرقاع:

فنأت وانتوى بها عن هواها

شظف العيش آبل سيار

"انتوى بها أي تعد بها". وأبلت الإبل أبولا: كثُرت
وأبل العشب: طال، فاستمكنت منه الإبل
وأبل الشجر: نبتت في يبيسه خضرة تختلط فيه: فتسمن عليه الماشية.
وأبل فلان أبلا: تنسك وترهب.
وأبل الرجل يأبل أبلا: كثرت إبله.
وأبلت: تأبدت وتوحشت.
وأبلت الإبل بالمكان أبولا: أقامت به.
يقول أبوذؤيب:

بها أبلت شهري ربيع كليهما

فقد مار فيها نسؤها وافترارها

(مار: ماج وذهب، نسؤها: بدء سمنها، افترارها: تتبعها الرطب في بطون الأودية).

والآبل: ذو الإبل.

والآبل: اسم تفضيل بمعنى الأحذق في رعاية الإبل.

يقال: هذا من آبل الناس: أي من أشدهم تأنقا في رعاية الإبل.

وفي المثل: آبل من حنيف الحناتم، وهو أحد بني حنتم من تيم الله بن ثعلبة.

ويقال: إبل أوابل: أي كثيرة.

والأبابيل: الجماعات المتفرقة، وفي القرآن الكريم: وأرسل عليهم طيرا أبابيل

ويقول زهير بن أبي سلمى:

وبالفوارس من ورقاء قد عُلموا

إخوانَ صدقٍ على جُردٍ أبابيلِ

(ورقاء: اسم قبيلة).

وهو جمع لا واحد له، أو مفرده إبيل، أو إبول أو إبالة.
والإبالة: الحذق برعاية الإبل والقيام عليها.
والإبالة: القبيلة، يقال: جاء فلان في إبالته.
والإبالة: الأصحاب، يقال: جاء فلان في إبالة سوء.
والإبالة: الحزمة من الحشيش أو الحطب. وقيل: الكبيرة منه، يقول أسماء بن خارجة يصف ذئباً طمع في غنمة:

لي كل يوم من ذؤاله

ضغث يزيد على إبالة

(والذؤالة: الذئب، والضغث: القبضة من الحشيش)
والأبال: راعي الإبل الذي يحسن القيام عليها.
والإبالة مثل الإبالة: الحزمة من الحطب أو الحشيش.
وفي المثل: ضغث على إبالة، أي بلية على أخرى.
والأبل: الوخامة والثقل من الطعام.
والإبل: الجمال والنوق، مؤنث لا واحد له من لفظه. وتصغيره: أبيلة.
والأبل والأبل: الرطب أو اليبيس من الكلأ.
والإبلة: العداوة.
والإبلة: الحقد. يقول الطرماح:

وجاءت لتقضي الحقد من أبلاتها

فثنت لها قحطان حقداً على حقد

والإبلة: الإثم، وفي الحديث الشريف: "كل مال أديت زكاته فقد ذهبت إبلته". أي مضرته وشره.
والأبلة: الناقة المباركة في الولد.
والإبلة: الجماعة من الناس، يقال: هو من إبلة سوء.
والأبلة: تمر يدق بين حجرين ويحلب عليه لبن.
يقول أبوالمثلم الهذلي:

فيأكل مارض من زادنا

ويأبى الأبلة لم ترضض

والأبلي: الراهب
والإبلي والإبلي: المنسوب إلى الإبل
والإيبال: الجماعة من الطير والخيل والإبل.
والمأبلة: الأرض الكثيرة الإبل، وجمعها: مآبل.
والمستأبل: الرجل الظلوم. يقول الشاعر:

وقيلان منهم خاذل ما يجيبني

ومستأبل منهم يعق ويظلم

ولمن شاء المزيد من المادة اللغوية الواسعة التي تحيط بهذه الحروف الثلاثة: الهمزة والباء واللام، أن يرجع إلى "المعجم الكبير" مادة: أبل، فإن في صفحاته كل الغناء.

"موكب الشعر"
شعر: أحمد شوقي

غاية القول فيه أنه شوقي، شاعر العصر الحديث، وأمير شعراء العربية، الذين تنادوا لمبايعته بالإمارة في الحفل الذي أقيم بدار الأوبرا الملكية في 29 أبريل سنة 1927، تحت رعاية الملك فؤاد وبرئاسة سعد باشا زغلول.

وكان شاعر النيل حافظ إبراهيم - المنافس العتيد لشوقي - هو المتحدث باسم الشعراء العرب، وهو يخطو تجاه شوقي حيث يجلس في مقصورته مرددا بين يديه قصيدة المبايعة التي يقول في مستهلها:

بلابل وادي النيل بالمشرق اسجعي

بشعـر أمير الدولتين ورجعي

أعيدي على الأسماع ما غردت به

يراعة شوقي في ابتداء ومقطع

وصولا إلى البيت المدوي:

أمير القوافي قد أتيت مبايعا

وهذي وفود الشرق قد بايعت معي

ولم يشأ شوقي أن يترك المناسبة تمر من غير أن يضيف ويبدع شوقية جديدة من شوقياته، فكانت قصيدته هذه تعبيرا عن شكره لشعراء العربية الذين قدموا لمبايعته بالإمارة وتجسيدا لإحساسه بدوره الشعري في التعبير عن شجون الأمة العربية وهمومها وأشواقها، وذكرا للروابط الوثيقة التي تربط العرب جميعا حيثما كانوا، وفي مقدمتها روابط الوطن واللغة والفكر والمصير.

يقول شوقي:

مرحبا بالربيع في ريعانة

وبأنواره وطيب زمانة

رفت الأرض في مواكب آذار

وشب الزمان في مهرجانه

نزل السهل ضاحك البشر يمشي

فيه مشي الأمير في بستانه

عـاد حليـاً براحتيـه ووشيـاً

طول أنهاره وعرض جنانة

نـغم في السماء والأرض شتى

من معاني الربيع أو ألحانة

أيـن نـور الربيع من زهر الشعر

إذا ما استوى كل أفنانة

حسـن فـي أوانـه كـل شيء

وجمال الفريض بعد أوانه

ملك ظله على ربوة الخلد

وكرسيه على خلجانه

أمر اللة بالحقيقة والحكمة

فالتفتا على صولجانة

ثم يقول شوقي:

شرفت مصر بالشموس من الشرق

نجوم البيان من أعيانة

قد عرفنا بنجمه كل أفق

واستبنا الكتاب من غنوانة

لست أنسى يداً لإخوان صدق

منحوني جزاء ما لم أعايه

رب سامي البيان نبه شأني

أنا أسمو إلى نباهة شانه

كان بالسبق والميادين أولى

لو جرى الحظ في سواء عنانه

إنما أظهروا يد الله عندي

وأذاعوا الجميل من إحسانه

ما الرحيق الذي يذوقون من كرمي

وإن عشت طائفاً بدنانه

وهبوني الحمام لذة سجع

أين فضل الحمام و تحنانه؟!

وتر في اللهاة ما للمغني

من يد في صفائه وليانه

رب جار تلفتت مصر توليه

سؤال الكريم عن جيرانه

بعثتني معزياً بمآقي

وطني، أو مهنئا بلسانه

كان شعري الغناء في فرح الشرق

وكان العزاء و أحزانه

قد قضى الله أن يؤلفنا الجرح

وأن نلتقي على أشجانه

كلما أن بالعراق جريح

لمس الشرق جنبه فى عمانه

وعلينا كما عليكم حديد

تتنزى الليوث في قضبانه

نحن في الفكـر بالديار سواء

كلنا مشفق على أوطانه

 

فاروق شوشة