إلي أن نلتقي

كوكب العشق

أثار القاضي الأمريكي وليام نورتون ضجة كبيرة في ولاية داكوتا، حيث يمارس عمله، عندما أعلن أن كوكب الزهرة هو المسئول عن وقوعه في غرام سكرتيرته التي لا يتجاوز عمرها العشرين ربيعا، قال القاضي: "أنتم لا تعرفون هذا الكوكب، ولكنني أعرفه، لقد ولدت تحته! إنه كوكب الحب الجارف، وهو يفيض مرة واحدة كل 60 عاما.. حسنا، لقد انتظرت 60 عاما قبل العثور على حبيبتي، لقد كانت تقف هناك بانتظاري، تماما تحت كوكب الزهرة".

القاضي الأمريكي متزوج وعنده 3 أولاد، وقد سخرت منه أجهزة الإعلام ووصفته بأنه "عاشق الزهرة" غير أنه رد في كتاب استقالته بقوله: "أعرف أن الإنسان ليس ملاكا، ولكنه بالتأكيد ليس شيطانا أيضا، وأرى أن العدالة لا يمكن أن تستوفي شروطها إذا لم تأخذ في اعتبارها تأثير الكواكب على طبيعة البشر، فالكون كله وحدة متجانسة، والخير كما الشر يستقران جنبا إلى جنب في قلب الإنسان".

وتبدو قصة القاضي الأمريكي وكأنها "مرافعة عصرية" عن أساطير وحكايات ومعتقدات يختزنها تراث الشعوب، ومن بينها تراثنا العربي، إذ إن لكوكب الزهرة موقعا مميزا في هذا التراث وقد سماه العرب "السعد الأصغر" ويقول القزويني: "إن الزهرة تثير غريزة الجنس، وهي إذا كانت جيدة الحال، أوقعت بين المتآلفين من شدة الحب ما يتعجب الناس منه، وزعموا أن ذلك مجرب". كما ورد في الجزء الأول من تفسير الطبري عن هذا الكوكب ما يأتي: "لما وقع الناس، من بعد آدم، في الضلال، شرعت الملائكة تطعن في أعمالهم، فأراد الله أن يبتلي الملائكة أنفسهم، فأمرهم باختيار ملكين من أعظم الملائكة علما وزهدا وديانة، فاختاروا هاروت وماروت، وأهبطا إلى الأرض بعد أن ركبت بهما شهوات الإنس.. وفي الأرض عرضت لهما امرأة جميلة كالزهرة بين الكواكب، فغلبت عليهما الشهوة، فأقبلا عليها وراوداها، فأبت إلا أن يكونا على أمرها ودينها. وأخرجت لهما صنما يعبدانه، فامتنعا، وصبرا ردحا ثم أتياها وراوداها عن نفسها، فأبت ثانية واشترطت عليهما إحدى ثلاث: إما عبادة الصنم، أو قتل النفس، أو شرب الخمر، فقالا: كل ذلك لا ينبغي، ثم احتدمت بهما الشهوة فآثرا أهون المطاليب وهو شرب الخمر. فسقتهما، حتى إذا أخذت الخمر منهما وقعا بالزهرة (!)، وهنا يمر بهما إنسان فيخشيان الفضيحة ويقتلانه.. ويكشف الغطاء بينهما وبين أهل السماء، فتنظر الملائكة إلى ما وقعا فيه من الذنب فيعجبون كل العجب، ويأخذون بالاستغفار لمن في الأرض من البشر.. ويروى أنها طلبت منهما تعليمها الكلام الذي يصعدان به إلى السماء فعلماها، وعرجت به إلى السماء، وهناك نسيت ما تنزل به فبقيت مكانها، وجعلها الله ذلك الكوكب الجميل". وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا التفسير هو من الإسرائيليات - كما يقول المحققون - على أساس أن الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم.

... ومع أنني لست في وارد الدفاع عن القاضي الأمريكي عاشق الزهرة، إلا أن قصة كوكب العشق تعيد إلينا فضيلة التسامح. وهي فضيلة تكاد تكون مفقودة في عالمنا اليوم، فالكل واقف على سلاحه يبشر بالويل والثبور وعذاب القبور.. مع أنه يعرف في أعماق قلبه أن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم.

 

أنور الياسين