تمكين الشباب.. د. سليمان إبراهيم العسكري

تمكين الشباب.. د. سليمان إبراهيم العسكري

  • ربما لم يدرك الشباب في أثناء حراكهم الشعبي تعبيراً عن رفضهم للنظم الديكتاتورية التي أسقطوها أن هذا الرفض مجرد بداية وأن طريق التغيير طويل
  • على مدى التاريخ ثبت أن الشعارات الحماسية ذات الطبيعة العاطفية والدينية هي التي تتحرك بها القوى التي لا تفكر في مستقبل الوطن والشعب بقدر ما يكون هدفها كله منصباً على تمكين نفسها من السلطة
  • إذا فكرنا في أن الكثير من الأنظمة الاستبدادية كانت قد تمت زراعتها في المنطقة لتنفيذ مصالح تلك القوى الغربية والاستعمارية سنكتشف عقب سقوطها كيف أن تلك القوى كانت تنفذ فقط مصالح الغرب ولم تترك مشروعاً واحداً نافعاً
  • صنع الشباب العربي ثوراتهم التي حققوا بها ما كان الجميع يظنه مستحيلاً، وبالتالي فقد أدرك هذا الجيل أن فكرة المستحيل لم تعد واردة في قاموسهم، أو على الأقل هذا ما ينبغي أن يحافظوا عليه وألا يستسلموا أو ييأسوا حين يرون تجربتهم الثورية لم تكتمل أو تعطلت أو انحرفت عن مسارها، فليس من جاء إلى السلطة اليوم أكثر تشبثاً بالسلطة ممن سبق

تشير الإحصاءات السكانية في دول المنطقة العربية إلى أن تعداد الشباب مقارنة بإجمالي عدد السكان يشهد ارتفاعا ملحوظا، ما يعني أن طاقة العمل الكبرى سوف تصبح من نصيب جيل الشباب، وبالتالي أصبح من الواجب الأخذ في الاعتبار، والانتباه، أن هذه الطاقة الشابة هي التي سوف تتحمل مسئوليات جسيمة في قيادة مجتمعاتها وتوظيف جهدها لإعادة بناء الوطن، وهو المنطق الطبيعي للأمور وتطورها.

لقد عبَّرت هذه الطاقات الشابة عن وجودها وقوتها وتأثيرها عبر قدرتها على تغيير أنظمة حاكمة عصيّة في عدد من الدول العربية.

انطلاقًا من شعورها باليأس من سوء إدارة هذه الأنظمة الحاكمة لشئون الاقتصاد والسياسة والتعليم، وسوء الإدارة في التخطيط وعدم القدرة على إيجاد حلول للمشكلات العاجلة للشباب، وعلى رأسها أولويات حق العمل وحق السكن، وصولًا حتى إلى عدم قدرة تلك الأنظمة على توفير الحد الأدنى الواجب من توفير المرافق الأساسية وشبكات مواصلات جيدة المستوى بالشكل اللائق، وغير ذلك من أولويات الحكومات في أرجاء العالم.

ولاشك في أن رفض كل تلك السياسات الفاشلة حق مشروع تماما، بل وضروري، مع الانتباه إلى شرط ألا يتحول الرفض ليكون فقط المحرك اليومي لطاقة هؤلاء الشباب، بحيث يصبح غاية في حد ذاته، بدلا من كونه وسيلة للتغيير. فإذا كان الرفض هو أساس التغيير، فإن عملية التغيير ذاتها تقتضي من هؤلاء الشباب الآن بذل الكثير من الجهد في التفكير والتخطيط والعمل معا لتحريك عملية التنمية، أساس وهدف الثورة، ومنحها أولوية قصوى لطريق طويل يحتاج من الجميع إلى تضافر جهودهم لإعادة البناء الاقتصادي والسياسي والعلمي لمجتمعاتهم، وإرساء أسس دستورية قانونية جديدة تعيد النظر في طبيعة العلاقة بين الدولة والمواطنين على أساس من احترام متبادل للقانون، وتحديد الحقوق والواجبات بين الطرفين، بحيث لا تتعطل مرة أخرى طاقات التنمية والنهضة في مسارات الفساد وسوء الإدارة وتقليدية وسائل ومناهج التعليم، ووسائل التخطيط لإدارة موارد الدولة البشرية والمادية معا.

فليس من شك بأن الشباب في أرجاء المنطقة العربية مطالب اليوم بتطوير قدراته العلمية بشكل ينبغي أن توضع له الأولوية، وخصوصًا أن الكثير منهم بالفعل قد تلقى تعليما أفضل كثيرًا من العديد من الأجيال التي سبقته، كما أن معرفة هذا الجيل الشاب بالتقنيات الحديثة التي فرضها عصر المعلومات، وقدراته على التعامل مع الوسائط الافتراضية الحديثة تزوده بالكثير من الفرص التي تمنحه ميزة إضافية لتطوير معارفه بما يدور حوله في العالم.

وهكذا باتت مسألة تطوير الذات قضية أساسية ينبغي أن يأخذ كل شاب على نفسه عهدًا بتحقيقها لأنها لم تعد ترفًا، بل ضرورة لجيل آن له أن يتحمل مسئولية حماية مجتمعه، وأن يسهم - وبطموح - في تطوير قدرات هذا المجتمع، الصناعية والزراعية والعلمية والتكنولوجية في زمن قياسي.

إن ما يلفت الانتباه في تأملنا لمسار الأحداث العاصفة التي مرت بها المنطقة العربية خلال العامين الماضيين، وتحديدًا منذ قيام الانتفاضات والتمردات والثورات الشعبية، أن الشباب تكتلوا بقوة وإصرار نادرين، واستطاعوا إسقاط أنظمة عتيدة لم يكن أحد يتصور قبل أيام قليلة من سقوطها أنها يمكن أن تسقط، لكن الملاحظ هو ما حدث بعد ذلك حين اعتقد شباب بعض الدول العربية أن دورهم قد انتهى، فتركوا ما أنجزوه لقوى أخرى لم يكن لها ذلك الدور الفاعل في صناعة الأحداث، أو على الأقل لم يقدموا جهدًا، في عملية التغيير وإسقاط النظم، وانسحب الشباب تاركين الطريق لغيرهم!

ربما لم يدرك الشباب في أثناء حراكهم الشعبي تعبيرًا عن رفضهم للنظم الديكتاتورية التي أسقطوها، أن هذا الرفض الشعبي هو مجرد البداية فقط، وأن طريق التغيير طريق طويل يحتاج إلى الكثير من الجهد والتفكير وتنظيم الجهود لتحقيق جميع المطالب التي قامت من أجلها تلك الانتفاضات والثورات، فما سقط فقط هو رأس جبل الجليد، أما ما هو مخفي تحت الماء فهو الكيان الذي تقوم الثورات لإزالته وإنهائه.

وهذا أمر يدعو للدهشة في الحقيقة؛ لأن الملاحظة العامة في أغلب أرجاء المنطقة العربية الآن، كما رأيناه في خطابات شباب الثورة في بداياتها في كل من تونس واليمن وليبيا ومصر وغيرها، هو تمتُّع الكثير من هؤلاء الشباب بخطاب تقدمي وعلمي ومستقبلي كشف عما يتوافر لديهم من المعرفة والعلم والقدرة على الاتصال مع أرجاء العالم وتغيير صور بلادهم أمام دول العالم. بالتالي ظهر بوضوح أن هذا الجيل مؤهل بالفعل لقيادة عملية التغيير، وكان الأجدر به أو المتوقع أن يقوم بالحفاظ على المرحلة التالية للتغيير، وتحديد أولوياتها، بوصف هذا الجيل الشاب مسئولًا عن مستقبل بلاده، لكنهم لم يتحملوا مزيدًا من الصبر، وفقدوا بوصلة الطريق، تاركين المسئولية لقوى كانت تتربص للانقضاض على السلطة والنفوذ منذ زمن بعيد. وهذا أمر متوقع الحدوث؛ فالفراغ إذا وجد فهناك دائما قوة تملؤه.

إن القيمة التي أصر الشباب العربي على إظهارها خلال التكتل من أجل التغيير تجسدت في تأكيد الرغبة في التحول من أنظمة فردية متسلطة تلتف حول شخص أو حزب أوحد، إلى أنظمة تؤمن بقيم الشعب، وهي هنا العدل والمساواة وإرساء دولة القانون والرفاهية، ولعل هذا ما تسبب في تكتلهم وتأكيدهم على عدم أهمية القائد الفرد أو الحزب القائد لثورتهم وتمردهم.

وقد نجح الشباب في تأكيد ذلك، لكن مع تغير ملامح المشهد وبروز قوى منظمة تنتمي لتنظيمات فكرية وسياسية قديمة، أو لا تنتمي للأفكار التي حملتها حركات الشباب، وتمكن هذه القوى من الإمساك، ولو مؤقتًا، بزمام الحركة والتفرد بها بسلب منجزات التغيير من الشباب، فإن كل تلك القوى الشابة مطالبة بالتكيف مع الواقع الجديد، وتخطيط مرحلة التغيير بشكل مختلف.

لذا لا بد من أن يتم تحكيم قيم العلم والعقل في الثورات والانتفاضات العربية، لأنها القيم التي حركت طاقة التغيير في بداياتها، بل وهي القيم التي استطاعت بفضلها الثورات الكبرى في العالم أن تحقق مطالبها وتصنع تغييرًا حقيقيًا في المجتمعات التي قامت فيها تلك الثورات.

وربما يرى البعض أن تراجع دور الشباب في المرحلة التي أعقبت سقوط الأنظمة الفاسدة أمر طبيعي، في ضوء عدم توافر عنصر الخبرة السياسية عند الغالبية العظمى من هؤلاء الشباب، وهذا صحيح، لكنه لا يكاد يمثل عائقًا، إذا تضافرت جهود الشباب في تحقيق التغيير، لأنهم يمتلكون الوسائل العلمية التي يمكنهم بها امتلاك ناصية القدرة على الفعل وتنظيم الجهد بناء على أسس جديدة تماما، وليس بالشكل الذي تقوم به القوى التي وصلت إلى دفة السلطة، والتي لا تملك القدرة على التغيير الذي تنشده ثورة الشباب وتصلهم بمستقبلهم. بالإضافة إلى تبني تلك القوى لخطابات من شأنها تعزيز العقلية التقليدية التي تقوم على الطائفية المذهبية أو القبلية أو الفئوية، وهي قيم تختلف تماما مع القيم العقلانية التي يتبناها خطاب الشباب العربي، كما تجلى في أثناء الثورات.

وعلى مدى التاريخ ثبت أن الشعارات الحماسية ذات الطبيعة العاطفية والدينية هي التي تتحرك بها القوى التي لا تفكر في مستقبل الوطن والشعب بقدر ما يكون هدفها كله منصبّا على تمكين نفسها من السلطة والنفوذ، والاستحواذ على ما كان تحت يد السلطة التي سقطت ووراثتها سياسيًا وماليًا وإداريًا، والأمثلة في التاريخ القريب والبعيد أكثر من أن تحصى أو تعد.

وهنا علينا أن ننبّه إلى أن دور الشباب ليس فقط في التغيير، لكن الأهم هو الحفاظ على الأوطان وحمايتها من القوى الخارجية قبل الداخلية، وأن ننتبه جيدًا إلى أن الخارج مهما شجع وقدم وأغرى فإنه لا يقوم بذلك من أجل سواد عيوننا أو رأفة بنا من الفقر والجوع والظلم، إنما من أجل أثمان باهظة علينا تسديدها. إن الخارج، وهنا أسمّيه الغرب، قد استعمرنا وسيطر علينا عشرات بل مئات السنين، ولم يعمل على انتشالنا من فقرنا ومرضنا وعبوديتنا. وعندما غادرنا مرغمًا لم يخلف وراءه شيئا من علمه وحضارته وأنظمته الديمقراطية. تحكّم في ثرواتنا الأولية وباعنا منتجاته، لكنه لم يعلّمنا علمه. فلا جامعات أنشأ ولا طرقًا تجارية بنى، برية كانت أو حديدية، وخير شاهد على هذا أحوال أوطاننا التي غادرها في العراق والشام ومصر وإفريقيا العربية.

وسوف نجد في ثنايا التاريخ الكثير من هذه الأمثلة، فحين تدعي بعض القوى الغربية أنها تقف مع الشعوب وتدعم الديمقراطية، فهي في الحقيقة لا تعبر عن الحقيقة. لأن تمتع الشعوب العربية بالديمقراطية لا يعني الغرب إلا بقدر ما يحقق ذلك مصالحه، بدليل دعم الغرب لسنوات طويلة لعدد من الأنظمة العربية الديكتاتورية، دون مراعاة لأي حقوق ديمقراطية للشعوب.

وفي الفترة التي أعقبت طرد المستعمرين من أوطاننا العربية على يد حكومات وطنية لم نجد شيئا من مظاهر النهضة التي يمكن لتلك القوى المستعمرة أن تثبت به حرصها على مصالح الشعوب، وإذا فكرنا في أن الكثير من الأنظمة الاستبدادية كانت قد تمت زراعتها في المنطقة لتنفيذ مصالح تلك القوى الغربية والاستعمارية سنكتشف عقب سقوطها كيف أن تلك القوى التي كانت تنفذ فقط مصالح الغرب لم تترك مشروعًا واحدًا نافعا، فلم تخلف وراءها سوى أنظمة تعليم مهترئة وجامعات مهلهلة، ومستشفيات بلا أي قدرات علاجية مهنية وطبية محترمة، وصناعات استهلاكية استثمارية لا يمكن أن تنهض بها المجتمعات، ولم تترك حتى مركزًا علميًا محترمًا يعتد به، أو مصنعًا لصناعات ثقيلة، وغير ذلك من أمثلة كثيرة شواهد على الخراب الذي كان الغرب يحققه لأوطاننا على يد حكومات تسمى وطنية، بينما لم تكن سوى وسائل تدمير لمجتمعاتنا في يد القوى الغربية.

لذلك فإننا حين نتأمل الثورات الوطنية التي تحققت في دول العالم غربًا وشرقًا سنجد أن الغالبية العظمى من تلك الثورات قد أعقبتها ثورات علمية وثقافية أسفر تحقيقها عن طفرات هائلة في الانتقال بتلك المجتمعات إلى النهضة الحضارية الشاملة في عقود قليلة. والأمثلة كثيرة من إنجلترا وفرنسا في أوربا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفي كثير من دول العالم المتقدم.

لكن ما يجب الالتفات إليه في الوقت نفسه هو مدى التضحيات التي بذلت في تلك الثورات والفترات الزمنية التي استغرقتها، وعلى سبيل المثال فقد استغرقت الثورة الفرنسية عشر سنوات بين عامي 1789 وحتى 1799 حتى تتمكن من تحقيق مطالبها. ثم عاد النظام الملكي مرة أخرى على يد نابليون، واستمرت معركة الفرنسيين مع السلطة حتى أسسوا الجمهورية التي ارتكزت على شعارات الأخوة والمساواة ودولة القانون كما أرادوا من البداية، وما أعقب ذلك من إنهاء امتيازات النبلاء ورجال الكنيسة ومصادرة أملاكها لمصلحة الشعب، وإقرار مبدأ إجبارية ومجانية التعليم والعدالة الاجتماعية بين كل فئات المجتمع.

وهذا نفسه ما حدث في الثورة الإنجليزية 1688 التي عرفت باسم «الثورة المجيدة» والتي بسببها أصبح حقّ الملك في التاج مستمد من الشعب الممثل في البرلمان، وليس من سلطة دينية كنسية. كما أقرت الثورة أنه ليس للملك إلغاء القوانين أو وقف تنفيذها أو إصدار قوانين جديدة، إلا بموافقة البرلمان. كما أصبح بمقتضى الثورة الإنجليزية ممنوعا فرض ضرائب جديدة، أو تشكيل جيش جديد إلا بموافقة البرلمان. بالإضافة إلى حرية الرأي والتعبير التي تعد الإنجاز الأبرز في الثورات الشعبية خصوصا في أوربا وأمريكا.

بالتالي على الشباب العربي أن يدرك جيدا أنَّ الطريق إلى الحرية الكاملة وتحقيق مطالبه يقتضي الكثير من الجهد، وأن أصحاب المطالب هم الذين يجب أن يتبنوا مطالبهم إلى النهاية، وليس القوى صاحبة المشاريع السلطوية الأخرى.

إن ما يلفت الانتباه في بعض الدراسات القليلة التي اهتمت بالشباب العربي خلال العقد الأخير أنها أثبتت وجود طاقات جادة من الشباب في مجالات الفنون والعلوم والآداب وغيرها، وكشفت عن طاقات مبدعة وبارزة لا تحتاج سوى إلى الرعاية والاهتمام الإعلامي والدعم الذي يسمح لتلك الإمكانات أن تبرز على خارطة الإبداع العربي بالشكل اللائق بها، وربما أن هذا الدور يجب أن يكون بين أولويات جهات الإعلام العربي كافة ودعم الشباب معا، لأننا في المرحلة المقبلة سوف نحتاج إلى كل الجهود المبدعة لكي تبرز وتمارس نشاطها في مناخ صحي وبلا معيقات، ولكي تتاح لكل هذه الطاقات أن تسهم في تنمية المجتمعات العربية وتثوير المناخ الثقافي وتحريك بحيرات راكدة في مجالات العلوم والفنون والإعلام العربي.

وربما لا نحتاج إلى التأكيد هنا على أن الإبداع وإطلاق الطاقات المبدعة في أي بقعة من بقاع العالم يحتاج إلى مناخ من الحرية الكاملة الذي يتوافر بمقتضاه لكل فرد في المجتمع أن يعبر عن رأيه وفكره بأي وسيلة يراها، وبالتالي فإن قوى اليمين الديني التي تسلمت السلطة في عدد من الدول العربية التي سقطت الأنظمة الديكتاتورية التي كانت تقودها، لا يمكنها أن تواصل استحواذها على السلطة إذا ظنت أنها يمكن أن تكبح فرص التعبير عن الرأي ومناخ الحرية الذي خرج الشباب ليطالبوا به خلال العامين الماضيين. فالحرية مطلب أساسي وضروري ليس بموجب الثورات فقط، بل هو مطلب إنساني مكفول في جميع المواثيق والأعراف الخاصة بحقوق الإنسان في العالم، بل وحق أساسي من حقوق الإنسان في جميع الشرائع السماوية والأديان.

وبالتالي لاشك بأن هذه المرحلة الدقيقة من التغيير سوف تشهد مواجهات واسعة بين الشباب العربي وقوى الفكر والثقافة والتيارات السياسية الناهضة من جهة، وبين حرس السلطة السابقة والجديدة من أنصار قوى التخلف أيّا كانت مواقعهم.

لقد ثبت للجميع خلال العقود الماضية أن أحدًا لا يمكنه أن ينقذ مجتمعاتنا العربية من براثن التخلف والفتنة إلا أنفسنا وسواعدنا، وليس اعتمادًا على قوى أجنبية مهما كانت قريبة أو بعيدة عنا، كما أن طريق إنقاذ مجتمعاتنا من التخلف بدأ بالفعل من خلال الثورات والانتفاضات العربية، ولن يتمكن من استكماله سوى جيل شاب مستعد للتغيير، يمتلك الرغبة والإرادة والمعرفة، ومسلح بمختلف وسائل العصر الحديث التقنية والمعرفية.

لقد صنع الشباب العربي ثوراتهم التي حققوا بها ما كان الجميع يظنه مستحيلاً، وبالتالي فقد أدرك هذا الجيل أن فكرة المستحيل لم تعد واردة في قاموسهم، أو على الأقل هذا ما ينبغي أن يحافظوا عليه. وألا يستسلموا أو ييأسوا حين يرون تجربتهم الثورية لم تكتمل أو تعطلت أو انحرفت عن مسارها، فليس من جاء إلى السلطة اليوم أكثر تشبثا بالسلطة ممن سبق، وقد كان في مصير السابقين من الأنظمة التي تهاوت عبرة لمن يعتبر. فالغد بكل آماله وبقدر ما أراده الشباب العرب مضيئا ومؤملا بالنهضة وبالتنمية والارتقاء بدولهم إلى مكاناتها الطبيعية بين الأمم، لن يتحقق إلا على يد أصحاب الحلم وصُنَّاعه من الشباب والثوار والوطنيين المخلصين الذين يؤمنون بأن دورهم لا ينتهي بما وصلوا إليه من تغيير حكام فاسدين ومفسدين، بل إن ما حدث هو بداية الطريق، والطريق طويل يتطلب تقديم العقل والعلم ليقودا مسيرة البناء والنهضة، واللحاق بركب البشرية المعاصر بكل ما يحمله من قيم إنسانية لحقوق الإنسان في الحرية والأمان والمساهمة في حركة ارتقاء الإنسان.

 

سليمان إبراهيم العسكري