قضية: هل يمكن تنمية التفكير الإبداعي؟ زين العابدين درويش

قضية: هل يمكن تنمية التفكير الإبداعي؟

مبادئ و أساليب

في نظمنا التربوية ثمة تركيز على العمليات المعرفية التي تقوم على التلقي السلبي والقـريب من التلقين الببغائي، وذلك على حساب تعليم التفكير الإبداعي الذي يتعامل مع المضامين المعرفية بوعي وانتقاد وابتكار. ولإصلاح هذا الاختلال وجب الاهتمام بالعملية الإبداعية وشحذ القدرات المؤهلة لها.

هناك برامج عديدة لتنميـة الإبداع، وهذه البرامج تنبع من مجموعة مبادئ يجب أن يستند إليها المعلم في موقف الدرس باعتبـارها أساليب سلوكية يمكن أن تدخل في نسيج عاداته التربوية.

والواقع أن هـذه المبادئ مستمدة من عديـد من المصادر، بعضها دراسات علمية، وبعضها خبرات عمليـة وتطبيقيـة لعـديـد من البـاحثين النفسيين والتربويين، ومن المعلمين الممتازين أيضا، وبالتالي فإن قـابليتها للتطبيق من جـانبنا، وإمكـان دمجها في نسيج العملية التعليمية، وفي إطار مـا نقدمه من دروس هي أمور لن تكـون موضع خـلاف فيما بيننا غالبا.

ونعرض لبعض هذه المبادئ فيما يلي:

وجوب التعلم والتعليم

فبما أننا نتصدى لمهمة تنمية الإبداع لدى طلابنا، فلا بد أن نتعلم ونعلم، كيف نقدر صـور الإنجاز المبـدع حق قـدرها، ولكن يبدو أنه يحول دون ذلك أحيانا عائقان:

الأول: يتمثل في مدى قـدرتنا على تمييز ما يعتبر إنتاجـا مبدعا، أو فكرا مبتكـرا من جانب الطالب، مثل ذلك يعتبر أمرا صعبا بالنسبة للمعلم العادي، أو التقليدي أو الحرفي غالبا، وهو أمر أكثر صعوبة حـين يتعلق بصور غير تقليدية أو غير محبـذة من الإنتـاج المبدع أو الأفكار الخلاقـة، أو حين يكـون مصدرها طالبا غير محبوب، أو غـير مرضي عنه من جـانب هذا المعلم، ممـا يـؤثر سلبيـا في حسن تقديرنـا للناتج أو الأداء المبدع، ولهذا يعد عائقا.

العائق الثاني: هو ميلنا، كمعلمين، إلى الإعـلاء من قيمة الناتج المنتهي والجاهز والمكتمل، حتى مع احتمال كـونه تقليـديا، وليس جديدا، والاستهانة بالنواتج المبدعة سواء كانت أفكارا أو أشياء، التي لم تتهيأ لها فرصـة الاكتمال، مع جدتها ومقدار ما يمكن أن يتوافر فيها من عناصر إبداعية.

على أي حال، فإن تنبهنا إلى مثل تلك العوائق التي تحول دون تقديرنا الواجب لصـور التفكير المبدع من جانب الطلاب والطالبـات (أداء أو إنتاجا) من شأنه أن يجعل من تحقيق هذا المبدأ أمرا ميسورا.

تنظيم اختبار الفكرة

فمن خلال ذلك يمكنهم امتحان الواقع وتمحيصه، وأن يحصلوا صورة حية وحقيقيـة عن العالم الـذي يعيشون فيـه، ويجنبهم التسليم السهل بـالأفكـار أو التفسـيرات الخاطئة حوله.

والملاحظ أنـه حتى بالنسبة لنا، نحن الراشدين، كثيرا ما نـواجه أفكارا كثيرة تطرح أمامنا، لكن دون أن تتاح لنا فرصة اختبار مدى صحتها، ويترتب على ذلك أحـد شيئين، إما أن نسلم بها تسليما أعمى، أو أن نسقطها من حسابنا وننساها تماما، مع ما يمكن أن يكون لها من قيمة أو أهمية بالنسبة لنا في وقت ما.

إعمال هذا المبـدأ من جـانب المعلم المعني بتنميـة التفكير المبدع في صفوف طلابه سوف يقتضيـه أن يطرح مشكلات معينة، وأن يقرر بدائل عديدة لحلها وأن يحث الطلاب على تجربة أو امتحان مدى كفاءة هذه البـدائل بصورة منظمة، وأن يقرروا أي الحلول هي الأنسب، وأن يتخـذوا قـرارهم المستقل في هذا دون تدخل منه.

احترام الجديد

فكثيرا ما يلاحظ ضيق المعلمين حين يقـدم إليهم طالب ما إجابـات أو أفكارا غير متـوقعة، أو تختلف عما هو مألـوف، ردا على الأسئلة التي تـوجـه إلى الطلاب، أو لكونها لا تتناسب مع معايير تقييمهم لما هو صواب أو خطأ فيها، بالتالي تكف لديهم إمكانات التعامل مع هـذه الإجـابـات المربكـة، بـالنسبة لهم كمعلمين، مع احتمال كونها إبداعية.

ولكن إذا تكـونت لـدينـا عادة إخضاع مثل هذه الأفكار لاختبار مدى صحتها أو واقعيتها أو أصالتها أو جدتها.. إلخ، فإننا بذلك نرسي أساسا نعتمد عليه في تأصيل قـدرتنا على التحمل، والصبر على الأفكـار المبدعـة وغير المألوفة، ليـس ذلك فحسب، بل أيضا التحمل والصبر على الشخصيات المبدعة من طلابنا، بحكـم ما لديهم من خصال نفسية، يشار إلى أنها لا تقع موضع الرضا من المعلمين دائـما.

الحذر من التفكير النمطي والحلول الجاهزة

فيؤكد العديـد من الباحثين خطورة فرض المعلمين لطريقة واحـدة من التفكـير على الطلاب أو تأكيد نمط معين في حلهم للمشكلات التي تطرح عليهم، وعدم إتاحـة الحرية لهم للتفكير بطريقتهم الخاصة، في ظل مناخ يتسم بالتوتر، ويسوده عدم التسامح، والإلحاح بالتـوجيه، والمبادرة إلى النقـد، والتقييم المتعجل للحلول المقترحة.

عمومـا فإن ما ينبغي على المعلم معرفتـه، أن هناك أكثر من طريقـة لعمل أي شيء أو التفكير فيه، بدءا من رسم موضـوع ما إلى كتابة قصيـدة من الشعر، إلى إعداد وصف مفصل عن ظاهرة التفاعل الكيميائي بين مادتين مثلا، وكل ما يحتاج إليـه الطالب أن نتيح له فرصـة أن يعمل ويفكر بطريقته، وأن نوفر له الجو الآمن من النقد، والمتسم بقـدر معقول من الحرية والتسـامح الفكري، سواء من جانبنـا كمعلمين، أو من جانب أقرانه من الطلاب.

خلق مناخ موات للتفكير الإبداعي

أما مواصفات هذا المناخ، فتتمثل في الآتي:

- أن تتاح فيه فرص الانطلاق المنضبط للطلاب.

- أن يتوافـر فيـه قـدر غير قليل من التسامح مع الأفكار الجديدة، أو المغايرة للمألوف.

- أن يتحقق فيه لكل طالب الشعور بالأمان من أي تهديد.

- أن يغيب منـه عنصر الخوف بأي صورة، ومن أي مصدر.

- أن تشيع فيـه (سـواء بين الطـلاب وبعضهم البعض، أو بينهم وبين المعلم) روح التعاون والـرغبة في العمل معا بصورة مرنة وبلا تكـلف.

- أن تتـاح فيـه للطـالب فـرص الاختيـار الحر للـوسائط والمصادر التي تعينـه على تحقيق أهـدافـه الخاصة بما ينمي لـديه ليس فقط قـدرات الإبداع، بل أكثر من ذلك، مشـاعر الاستمتاع بخبرة الإنجـاز المبدع، وبحريته في استخدام خياله الخلاق.

تقدير الأفكار الخلاقة

فليس المهم فقط أن يقدر المعلم الفكر الإبداعي من جانب الطـالب، بل أيضا تعليم الطالب نفسه تقدير أفكاره الخاصة حـق قدرها، وأن يزيد مـن ثقته فيها، وخير أسلـوب لتحقيق ذلك أن يعلـم الطـالب عادة تسجيل ما يفكر فيـه على الورق، وسوف يجد أن مجرد قيامه بذلك سوف يعينه على تقـدير قيمة خياله وفكره وفي الـوقـت نفسـه سـوف تحميـه هذه العـادة من الاستغـراق في أحـلام اليقظـة، فضـلا عن أن رؤيتـه لأفكاره معبرا عنها سوف تشجعه على مواصلة الجهد لتأصيلها، بـدلا من الشرود بعيدا عنها. والواقع أن العديـد من المخترعين العظام، تبين أنه كانـت لديهم عادة تسجيل أفكـارهم في حينهـا، ثم العكـوف على تقييمهـا واختبارها بعـد ذلك. وحتى ما يعتبر من الأفكار من قبيل الوهم، أو شطحات الخيـال، ينبغي أن نعـود الطالب على تقديرها حق قـدرها، وعـدم إسقاطهـا من حسابه، وأن يبادر إلى تسجيلهـا للحظة أخرى، تتاح له فيها فـرصة تقييمها على مهل. ولسنا بحـاجة إلى التأكيـد بأن الكثير من الأفكـار الإبداعيـة العظيمة في تـاريخ حضارتنا، بدت في أول أمرهـا شطحات خيال جامح، وصورا من الوهم مبالغا فيها.

كيفية تجنب ضغوط الأقران

فقد دلت الشواهد على أن الطلاب الأكثر إبداعا مـن غيرهم، يتعرضون أو يعرضون أنفسهم لصور عديدة من الأذى (النفسي غالبـا) من جانب الأقران أو الزملاء في الفصل، وأن هذه الصور من الإيذاء أو التصرفات غير اللائقة أو الضغوط المضايقـة تتفاوت كـما وكيفا، مع تدرج الطلاب في صفوف الدراسة.

أقرب الأمثلـة المزيدة لذلك دراسة علمية أجريت على عدة مجمـوعات صغيرة من تـلاميـذ المدارس الابتدائية، بتدرج الصفوف من الأول إلى السادس.

تكونت كل مجموعة من خمسة تلاميذ، واحد منهم فقط يعتبر أعلى أفراد المجموعة إبداعا، وقد وضعت كل مجموعة في مواقف تتطلب التفكير المبدع في حل مشكلات معينـة، وتتضمن المناقشة بين المجموعات وبعضها البعض.

وأهم ما عني بتسجيلـه من مشـاهـدات على هـذه المجموعات، هو مقدار الضغوط أو الضـوابط التي تمارسها المجموعة على العضو المبدع فيها، من ناحية، ومن نـاحية أخرى رصد الأساليب التي يلجأ إليها المبدع في تعامله مع هذه الضغوط.

أكثر ما أوحت به هذه المشـاهدات أهميـة، أنه في العـديد من المواقف كان الفرد المبـدع في المجـموعة، مسئولا عما يتعرض له من ضغـوط أو ممارسات مضايقة من جانب الآخرين.

تبين مثلا، أن مجموعات التلاميـذ الممثلـة للصف الثاني، تبدي ما يمكن اعتباره نوعا ساذجا من السلوك الضاغـط، مما جعل العضو المبدع غير سعيـد، وجعله يبدي عدم المبالاة بالمجموعـة، واهتماما ضئيلا بالتوجه لتحقيق أهدافها، وعـدم الاكتراث بصور السلوك القيادي التي تمارس من جانب الأفراد الأقل إبداعا.

أما في المجموعات الممثلة للصف الثالث الابتدائي، فقد عمل العضـو المبدع مستقلا عن المجموعة، وتم تجاهله من جانبها.

بالنسبة للمجموعات الممثلـة للصف الرابع، لقي المبـدع مقاومة واضحـة لسلوكياته، حيث حـال الآخرون بينه وبـن مسئوليات القيادة، ونسبوا إليه القليل من الإسهام فيما حققته المجموعـة من إنجاز، وما أصابته من نجاح.

أما في المجموعات الممثلة للصف الخامس، فقد أبدى العضو المبدع محاولات واضحـة لإبراز دوره القيادي، وكان شديد الميل إلى السيطرة، لكنه تعرض للنقـد والتجـريح من جانب الآخـرين، واتهم بأنـه متعالم، واستبدادي. إلخ.

الشيء نفسه، ولكن بدرجة أوضح، كان في موقف مجموعات الصف السادس، فإذا أضيفت لذلك قائمة طويلة من الخصال المميزة لشخصية المبدع التي يمكن أن تنفر منه أقـرانه العاديين وتجعلهم يعزلونه أو يعتزلونه، ومنها نزوعه القوي إلى الاستقلال وإلى تأكيد ذاته. إلخ، فضلا عما يمكن أن تثـيره حيـويته، ووعيه ومعرفته الواسعة من تهديد صريح أو مستتر لزملائه عند مقارنة أنفسهم به، لكل ذلك نجـد أنه من الضروري تقديم هذا العون الخاص للمبدعين من طلابنا، والذي يتمثل في إكسابهم مهارات التعامل الكف مع الأقران، وتجنب مضايقاتهم أو تقليلها إلى أدنى حد يمكن تحملـه مع عدم التضحية- في الوقت ذاته- بالخصال الإيجابية فيهـم والمرتبطة بنزوعهم الإبداعي، فكيف يمكن تحقيق ذلك؟

بعض الباحثين قـدموا ما يمكن أن يعتبر مبادئ يجب اتباعها أو حيلا يمكن اللجـوء إليها لبلوغ هذا الهدف، بالتالي. يمكن توظيفها من جانب المعلمين في مـوقف تنمية التفكير الإبداعي لدى الطـلاب، من ذلك مثلا:

أن يعلم الطالب كيف يحافظ على اعتداده بنفسـه دون أن يكون عدوانيا. وأن يصون حقه في أن يفكر، وأن يعمل مستقلا دون أن يبدو منعزلا عن الآخرين أو معزولا عنهم. وأن يحرص على أن يكـون ودودا واجتماعيا مع الآخرين دون رفع الكلفة معهم. وأن يعرف قدر نفسـه، فيكـون متواضعا دون خضوع ومهاودا، ولكن ليس إلى حد الاستسـلام، وأن يؤكد رأيه دون أن يكون مستبدا.

وأن يكون في علاقاته مع الآخـرين أمينا وصادقا ودبلوماسيا دون قبول منه بما لا يمكن قبوله أو الرضا بما يتعارض مـع اتجاهاته وقيمه وأهدافـه. إلخ. وأن يعلم أنه في محاولته إحراز كسب أو سبق ما، ينبغي أن يغلف دوافعـه بصورة مهـذبة من السلـوك لكن دون اللجوء إلى التلاعب أو المناورة.

وفيما يختص بـالجانب العقلي في الطالب المبـدع، ينبغي أن نعلمـه كيف يكـون واسع الأفق في غير سطحية، وأن يكـون عميق المعرفـة، دون أن يكـون حـرفيا أو عابدا للنصـوص، وأن يكـون حـاسما في حكمه دون أن يبدو متسلطا، أو مفرطا في النقد.

تنمية مثل هذه السلوكيات في الطلاب الواعدين بالإبدل، قد يبدو من الناحية العملية أمرا صعبا إن لم يكن شاقا أيضا، مع ذلك فـالمحاولة من جانب المعلم تستحق الجهد حقيقة.

والأهم من ذلك أن نعي أننـا هنا بصدد وضع الطالب المبدع أمام نموذج السلوك الذي يتيح له- إذا اتبعه- تجنب ما يمكـن أن يتعرض له من ضغوط أو مضايقات أقرانه أو زملائه أو المحيطين عموما.

توفير معلومات التفكير الإبداعي

تقديم كل ذلك من شأنه تنميـة وعي الطـلاب بحدود ما يملكونه من طاقات خلاقة، وأن يتعاملوا بقدر أقل من القلق مع ما تتسم به العملية الإبداعية من طبيعة خـاصة، وما تتميز به من أطوار ومراحل تتفاوت فيما تقتضيه من زمن، ومع العـوائق والمشاعر السلبية المصاحبة لظروف الإبداع ذاتها.. إلخ.

تبديد الرهبة من الإبداعات العظيمة

ذلك أنـه يتـوزع المعلمين الممتـازين في مـوقف الإشـادة بالإنجازات الإبداعية العظيمة، وتأكيد قيمتهـا الحضـاريـة والاجتماعيـة والفنيـة.. إلخ- يتوزعهم إحساسان متناقضان :

الأول: إحسـاس بضرورة تأكيـد عظمة وإعجـاز هذه الأعمال في نفوس الطلاب.

والثاني: إحساس بالـذنب على نحـو ما، لأنهم بذلك يولدون ما يشبـه الرهبة في نفوس الطلاب تجاه هـذه الأعمال، ممـا يجعلهـم ينظرون إليهـا على أنها معجزات غـير قـابلة للتكـرار، مما يشكـل عائقـا أمام تصور قدرتهم على إبداع نظائر لها بصورة أو بأخرى.

مثل هذا الإحساس بالرهبة يمكن تبديده على أي حـال إذا أتيحت الفرصة للمعلمين لكي يـوضحـوا تفصيلا، الطرق التي اتبعها العالم أو الفنان مثلا في إنجاز هذا العمل، والوقت الذي استغرقه في إتمامه، والظـروف التي عـايشها مع تقـدم العمل فيـه، والإمكانات والوسائل التي توافرت له، والعوامل التي ساعدت على إنجازه لهذا العمل على هذا النحو من الإبدال والاكتمال.. إلخ.

تقديم مثل هذه المعلـومات عن العمل يصحح كثيرا من تصورات الطالب عنـه، ويجعله يكف حتى بينـه وبين نفسه عن اعتبار مثل هذا العمل معجـزة فـوق- طاقـة البشر في الحاضر أو المستقبل، وبالتالي يستعيد ثقته في قـدراته، وبأنه يمكنه- هـو أيضا- إذا توافـرت له الفرص والعوامل نفسها، أن ينتج عملا أصيلا ومبدعا يمكن أن يدخل مع الأيام في عداد الأعمال العظيمة، ويثير التقدير والانبهـار بالـدرجة نفسهـا. والواقع أنه من بين ما يمكن أن نلجأ إليه كمعلمين لتبديد هذه الرهبـة بالنسبة للأعمال العظيمة، تأكيد ما يلي:

- أننا جميعا نملك رصيدا من القدرات الإبداعية، يمكن لأي منا تـوظيفه في المجـال الملائم لميـوله واتجاهاته المهنية أو العملية أو الفنية أو غيرها.

- أنه بالرغم من أن شخصا ما أمكنه إنجاز مثل هذا العمل في الماضي، فإنه لا يزال بالإمكـان إنجاز عمل مثلـه، بل ويمكن أن يكـون أعظم منـه، في الحاضر أو المستقبل؟ وأنه لا تزال هناك إنجازات إبداعية عديدة تنتظر من يتصدى لها من بين صفوفنا.

- أنه حين تغلق أمامنا سبل الحل لمشكلة ما، فليس معنى ذلك عجزنا عن التوصل إلى حل، بل حاجتنا إلى مزيد من المعرفـة بأساليب جـديدة للعمل، ومصادر أخرى للمعرفة الأفضل بحدود المشكلة.

- أن أي حل لمشكلة قـد لا يتحقق دائـما نتيجـة الدراسة المتأنية، أو التي تستغرق زمنا، بل يمكن أن يبزغ فجأة في لحظة انشغالنا بأشياء أخـرى بعيدة عنه تماما، أو في وقت الراحة من عناء التفكـير فيه، ومعنى هذا أنه ينبغي ألا نقلق إذا تأخـرنا في التـوصل لحل، وألا نتعجل بلوغه بصورة تستثير الإحباط والتوتر.

يكفي هـذا القدر من الحديـث المفصل عن بعض المبادئ المساعدة للمعلم على تنمية التفكـير الإبداعي في صفوف طلابه، ويبقى أن نعرض لعدد آخر من هذه المبادئ التي نوصي بها المعلم.

للمعلم.. نقاط على طريق الإبداع

* شجع مبادرات الطلاب في التعلم الذاتي وتقدير مبادراتهم الخاصة لأداء عمل ما دون تكليف مسبق.

* اشحـذ قـدرتهم على استشفـاف المشكـلات واكتشـاف العيـوب وأوجـه النقص في الأشيـاء والمواقف والنظم.. إلخ.

* انتهز كل الفرص الممكنة لتأكيد الحاجـة إلى الإبدال في نفـوس الطـلاب، واختلق المواقف والمشكـلات وصـور التحـدي العقلي التي تقتضي من الطلاب ممارسة قدرتهم على التفكـير الخلاق.

* اعمل على توفير كل المصادر الممكنة وتسخـير كل الإمكانات المتاحـة في البيئة المدرسية أو خارجها، لتيسير الأداء العقلي المباع من جانب الطلاب.

* نم قدرتهم على النقد البناء، وليس مجرد النقد.

وتبقى كلمة..

فـالواقع أن كل ما ذكر عن دور المعلم في تنمية التفكير الإبداعي في صفوف طلابه، وما فصل من مبادئ وإجـراءات يمكـن أن تعينـه على القيام بهذه المهمة، كل ذلك يمكن أن يكون حـديثا لا طائل من ورائه إذا غاب عنصر مهم في مواقـف تنمية الإبـداع هذه، وهو الاتجاه الإيجابي في شخصية المعلم ذاته نحو الإبداع، أي تقبلـه للإبداع في كل صوره ومجالاته، والتسليم بكل متطلباته، وأهمها: حرية الفكر والرأي والتعبير، دون تهديد أو خوف.

إنه بغير ذلك يصبح كل ما يبذله المعلم في هذا السبيل، جهدا ضائعا ولا جدوى منه.

 

زين العابدين درويش







تنمية التفكير الإبداعي للطلاب مسئولية المعلم وواجبه نحو أبنائه