دور الحكومات في نقل التقنيَة

لعلها واحدة من مشكلات العالم الثالث الأكثر إلحاحاً، فالفجوة التقنية بين عالم المتقدمين وعالم المتخلفين تزداد اتساعاً، ولذا فإن الحاجة إلى تدخل حكومات العالم الثالث لتعديل القوانين والتشريعات الخاصة بنقل التقنية أمر شديد الأهمية.

تعاني أغلب الدول النامية (دول الجنوب) من معوقات وقيود متعددة تعوق مسيرتها في الاستخدام الأمثل للتقنية المستوردة من الدول المتقدمة علمياً وتقنياً (دول الشمال)، في سبيل تكوين قاعدة علمية، تقنية وطنية قادرة على انتقاء وإدارة وتطوير وتطويع وصيانة التقنية بما يتماشى مع قدراتها وإمكاناتها المتاحة.

قيود كثيرة

ومن أمثلة هذه المعوقات ما تقدمت به الدول الصناعية، عن طريق منظمة "الانكتاد" Unctad منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في سنة 1985 بإصدار ما يعرف بالقانون الدولي للتعامل في نقل التقنية، حيث تضمن أربعة عشر قيداً من شأنها أن تعرقل الدول النامية عن الاستفادة الحقيقية من التقنية المستوردة، وذلك لضمان تحكم الشركات المالكة للتقنية باقتصاديات الدول النامية، وفي سبيل حماية حقوق الاختراع، ولاستمرار تصدير التقنية للدول النامية. ومن أمثلة هذه القيود:

قيود على الجهة المكتسبة من عمل أبحاث وتطوير لتغير وتعدل التقنية المنقولة حتى تتناسب مع الظروف المحلية، أو إدخال برامج أبحاث وتنمية متصلة بمنتوجات أو عمليات أو معدات حديثة.

قيود تلزم الجهة المكتسبة بأخذ الموافقة من الجهة المزوِّدة قبل الشروع في تصدير المنتجات الناتجة من التقنية إلا في حالة الاتفاق المسبق، مع الأخذ بعين الاعتبار وجوب دفع تكاليف معينة يتفق عليها بين الطرفين.

ولقد بينت إحدى الدراسات التي قامت بها منظمة الأنكتاد Unctad بعض القيود التي واجهت أغلب الدول النامية عند حصولها على التقنية من الدول المالكة لها، والتي تمثلت في عدم السماح بشراء مواد خام وقطع غيار من شركات أخرى، وعدم التصدير واستخدام أيدٍ فنية محلية، وكذلك بعدم القيام ببحوث التطوير والحصول على المعرفة التقنية الداخلة في التكنولوجيا.

دور الحكومات

لذا فإنه بات من الضروري على حكومات الدول النامية صياغة قوانين وتشريعات لردع أي شروط تعسفية قد تفرضها الدول المصدرة للتكنولوجيا بحق الدول المستفيدة للحصول على المعرفة والكيفية اللتين تحتويهما التقنية، ولتعزيز موقف الجهات المستفيدة في عملية التفاوض ولتهيئة ظروف بيئية مناسبة للارتقاء بالمستوى العلمي والتكنولوجي.

وقد عمدت بعض حكومات الدول النامية إلى صياغة بعض القوانين المتعلقة بعملية نقل التقنية، ففي البرازيل مثلا أنشئ المعهد الوطني لحقوق الملكية في سنة 1970 والذي من أهم مهامه وضع القوانين المناسبة لعملية نقل التقنية، بما يتماشى مع الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والفنية والقانونية المحلية. وفي المكسيك هناك مكتب تسجيل عمليات نقل التقنية الذي تم إنشاؤه في سنة 1972 تمثلت مهامه في دراسة الجدوى الاقتصادية للعقود التقنية، بما يكفل خدمة ميزان المدفوعات، وفي خلق فرص العمل، وكذلك المساهمة في دعم الإمكانات العلمية التقنية المحلية، وبالمثل في نيجيريا، حيث أنشئ المكتب المحلي لحقوق الملكية في سنة 1979. فلاحظ مثلاً مادة 70 من حقوق الملكية تنص على ضرورة استبعاد الشروط المجحفة وتشجيع التعاون بين الدول المالكة للتقنية مع المؤسسات والشركات المحلية في سبيل تنمية وتعزيز التقنية المحلية.

إن عملية نقل التقنية عملية معقدة وتحتاج إلى مشاركة فعلية من كلا الطرفين: المصدر، والمستفيد، لكي يستطيع الأخير الاستفادة الفعلية من هذه التقنية لخدمة أهدافه المختلفة، ولا تأتي هذه الاستفادة إلا من ضرورة فهم الدول النامية لمفهوم نقل التقنية وتهيئة البيئة العلمية التقنية المناسبة. فيجب على الدول النامية التفرقة بين شراء التقنية، وما يعرف بنقل التقنية، الذي من خلاله يتم نقل المعارف والخبرات إلى الدول المستفيدة وبالتالي تعزيز إمكاناتها المختلفة. ويجب أن ينظر إلى عملية نقل التقنية وعملية خلق قاعدة علمية تقنية على أن كلا منهما مكملة للأخرى. وحيث إن الدول النامية - وبالأخص دول الخليج - تعتبر سوقا خصبة لتقنية الدول المتقدمة فإنه يتوجب على حكومات دول الخليج العمل على وضع قوانين وتشريعات موحدة تحكم عملية نقل التقنية، بهدف انتقاء التقنية التي تتناسب مع إمكاناتها، وللحصول على المعرفة والكيفية المكونتين للتقنية ولردع أي شروط تعسفية قد تفرضها الدول المصدرة للتقنية، ولإشراك المؤسسات المحلية للاستفادة من التقنية المستوردة، ولتهيئة بيئة علمية تقنية محلية للتغلب أو التقليل من حدة تبعيتها للدول المالكة للتقنية.