زربية (1): قصة مترجمة

زربية (1): قصة مترجمة

ترجمها عن الفرنسية: منصف المزغني**

أخيرا نشرت للأستاذ «شي» مقالة علمية فريدة في بابها نال مقابلها مبلغا ماليا محترما. هذا العجوز الذي وهب حياته كل مهجته لبحوثه لا يعرف كيف ينظم حياته اليومية وكان علينا نحن الطامحين لنيل الدكتوراه تحت إشرافه أن نعتني به بعد وفاة زوجته حتى يستخدم رأسماله الصغير على الوجه الأفضل ومن أجل هذه المهمة عقدنا عديد «الندوات»!

تنقص الأستاذ «شي» أشياء كثيرة فخلال الثورة الثقافية تبعثرت ممتلكاته وكل أثاثه تقريبا ومن ناحية المبدأ فإن الأستاذ موافق على اقتناء الأشياء الضرورية أكثر من غيرها وحسب الأولوية وكل ما من شأنه أن يساعده على نشر كتابه القادم.

سبق لنا أن تقدمنا بمقترحات لشراء أشياء كثيرة وللأسف كانت كلها مرفوضة من جانبه. إزاء خيبتنا ونفاد صبرنا فإن الرجل العجوز قد ضرب برفق على متّكأ أريكة الخيزران وأطلق تنهيدة:

- لم يعد لدي وقت كثير.

- ولكن، في نهاية الأمر، ما هو الشيء الذي يبهجك؟

- إنني أفكر منذ زمن طويل، بل جدّ طويل، ولكن دعوني الآن أحتفظ بسري! هيا وقوموا بإحضار شاحنة صغيرة من المكتب الإداري على أن يخصم أجرها من راتبي.

صرنا في حيرة من أمرنا، فنحن مرغمون على تنفيذ أوامره في الحال وكنا مدركين أنه لا طائل من إثنائه عما اعتزم القيام به، وهكذا سرنا في الطريق برفقته.

أوقف السيد «شي» الشاحنة الصغيرة أمام محل تجاري كبير وتوجه دون تردّد نحو المصعد.

- الطابق الأخير من فضلكم! هكذا أعلن.

في الطابق الأخير تباع مواد الفراء والحليّ والمصنوعات التقليدية والزرابي، وأمام كوم الزرابي توقف! وبعد أن تمعّن جيدا في لائحة الأسعار والمقاسات اتخذ قراره.

- أشتري هذه.

أصبنا كلنا بالذهول حتى أننا حاولنا ثنيه عن عزمه.

- أنت لا تملك تقريبا أية قطعة أثاث في البيت فما نفع شراء زربية فضلا عن سعرها المرتفع.

- لا عليكم، لدي أسبابي، هاكم الأموال ادفعوا الحساب أرجوكم.

قبلت المال ولكني مازلت أسعى إلى تغيير رأيه.

- إذا كنت حقا تريد شراء زربية فلا فائدة في أن تكون بهذه السماكة، فضلا عن غلاء سعرها.

- بالعكس إن الزربية السميكة هي القادرة وحدها على أن تمنح متعة خاصّة!

أمام عجزنا عن التصرف ضد إرادته دفعنا الحساب ولففنا الزربية قبل أن نشحنها في السيارة.

حين وصلنا إلى العمارة حيث يقيم ورفعنا الزربية إلى الطابق الثاني انتظرناه أن يفتح باب شقته.

وكم كانت مفاجأتنا كبيرة، فبعد أن شكر السائق وفيما هو يصعد الدرج أومأ لنا بيده:

- ارفعوها إلى الثالث!

- ولكن لماذا يا أستاذ؟

- افعلوا مثلما قلت لكم سوف ترون!

لم يبق لنا إلا أن نذعن.

توقف أمام الشقة التي توافق شقته وطرق طرقا وديعا. لا أحد أجاب. لا شك أن الضوضاء داخل الشقة قد أغرق صوت الطرق الخفيف!

وطفق يطرق الباب بقوة وبفعل ارتجاج الباب ظهر وجه باسم لشاب هو الداي الكبير، طباخ المطعم الجامعي. كان ضجيج الأصوات وقهقهة الضحكات تصمان آذاننا!

- اه هو حضرتك يا أستاذ «شي» أية نسائم طيبة حملتك؟ رغم أننا جيران إلا أننا لا نلتقي إلا نادرا! تفضل بالدخول. تفضل.

انحنى أستاذي العجوز قليلا ليعلن:

- ذلك أني... ومنذ زمن طويل وأنا أنوي أن أقدم لك هدية متواضعة.

وببطء قام الطباخ بخطوة راقصة وأجابه وهو يضرب بكفّيه:

- اه... اه! لقد سمعتهم يحكون أنك تلقيت منحة إضافية.

تريد أن تشرك جارك في تقاسم هذه الإكرامية؟ «ليز هي» تعالي بسرعة واشكري...

ثم ظل فاغرا فاه من الدهشة وهو يرانا ننقل الزربية داخل شقته!

في الداخل كانت هناك مجموعة شبان وكانت وجوههم مشعة والعرق يتصبّب من جباههم وكانت السيدة اللطيفة «ليز هي» ذاهلة تستقبل الهدية غير مصدقة عينيها ولا أذنيها.

وخيّم الصمت على ذلك المجلس فقد كان الكلّ يحملق في الزربية بعيون مفتوحة على آخرها وكأنهم أمام لعبة سحرية من صن يوكونغ (2).

قطعت السيدة «ليز هي» الصمت وهي في منتهى الإرباك:

- نحن شاكرون لك لطفك...من هنا فصاعدا لن نزعج..

فقاطعها السيد «شي»:

- أرجوكم تقبّلوها، إنها ليست غير هدية بسيطة.

قاطع السيد «شي» ثم أعطى الأمر: ابسطوا هذه الزربية بسرعة!

وهو ما أنجزناه في الحال! كان الطباخ الشاب متضايقا جدا ويحاول منعنا ولكن السيد «شي» كان يلحّ:

- دعهم وشأنهم ستكون الزربية عندكم كما هي عندي.

بعد قليل وإثر العودة إلى شقة أستاذنا عاتبناه على فعله هذا غير المدروس.

وبدل أن يبحث عن مبررات، استقر مرتاحا في أريكته الخيزرانية، وعيناه إلى السقف، وبعد أن استمع إلى كل شكاوانا، تبدّت ابتسامة على شفتيه:

- الأمر يستحق كل هذا. إن فكرتي كانت جيدة! ثم واصل وهو يشير إلى السقف: لماذا تقولون أني أهديت الزربية إلى غيري ألم أدخل السرور على نفسي مادامت الزربية تغطي سقف بيتي؟.
-------------------------------
(1) الزربية: سجادة باللهجة التونسية.
(2) صن يوكونغ ملك القرود وهو بطل الرواية الكلاسيكية «الحج إلى الغرب» وهو قادر على الإتيان بـ72 طريقة من طرائق السحر.
-------------------------------
* الكاتب Hang Ying من مواليد 1944 وله في الفرنسية مجموعة قصصية بعنوان «مساء خريف».
** شاعر ومترجم من تونس.

 

قصة صينية للكاتب: هانغ يينغ