قيمة الزمان.. وحصاد الثورات

قيمة الزمان.. وحصاد الثورات

جاء مقال الدكتور سليمان إبراهيم العسكري في حديث الشهر بمجلة العربي العدد 644 يوليو 2012 تحت عنوان «دروس الثورات وحصاد الأزمنة» ليدعونا لوقفة تأملية وبنقاط:
1 - ثورة الجزائر.. وأعلنت استقلالها في 15 / 7 / 1962 بعد احتلال دام 132 عامًا، دفعت خلاله نحو مليون شهيد، ثم تفجرت أعمال العنف الشعبي منذ العام 1988، بالتظاهرات العامة وأحداث الشغب وأيامها أعلنت حالة الطوارئ وفرض حظر التجول في العاصمة وتم استدعاء الجيش للتدخل والسيطرة على الموقف.

لماذا حدث ذلك .. تساؤل له أكثر من مغزى؟

الجواب: غياب الديمقراطية.. أزمة الحزب الواحد.. اتساع الفجوة بين الطبقات غياب التنمية السياسية.. ووجود اختلالات وتناقضات في شكل الاقتصاد الجزائري وحدث ذلك نتيجة: ارتفاع صوت الجيش.. وسياسات النظام سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وتربويًا.

نقارن بمجال آخر، أحداث 17 و18 / 1 / 1977 في مصر بانتفاضة الخبز ثم تداعيات أحداث تمردات الأمن المركزي في يناير 1986.

وأحداث مشابهة في تونس أعوام 1978 و1981 و1984 وأحداث في المغرب 1981 و1984.

ما معنى «قيمة الزمان»؟ هل تعني «مرور الزمن»؟ .. وحصاد الثورات، حيث لا توجد برامج تنموية مستدامة في العديد من البلدان العربية والأجيال أصبحت تتعايش مع ظروف اقتصادية واجتماعية بائسة وإحساس بالبؤس والاغتراب.

ولا نقلل هنا من دور الجماعات الإسلامية التي تستغل تلك الأحداث.. وترفع راية الرفض والتحدي في وجه النظم العربية الحاكمة، وهي تعادي النظم الحاكمة بدعاوى العلمانية والديكتاتورية.

2 - ثورة مصر 1952 جاءت لتحقيق مبادئ الثورة الستة، مع الإعلان الدستوري في 10 / 2 / 1953، وكان الرئيس محمد نجيب رئيسًا لمجلس قيادة الثورة منذ النصف الثاني من أغسطس 1952 حتى 15 / 4 / 1954 وتولي الرئيس جمال عبدالناصر رئاسة مجلس قيادة الثورة منذ 17 / 4 / 1954.

وكان الرئيس عبدالناصر يلعب الدور الرئيس في عملية صنع القرار السياسي الخارجي في فترة وجود مجلس قيادة الثورة.

ثم جاء دستور العام 1956 حيث حددت سلطات رئيس الجمهورية في المجال الخارجي وجاءت أحداث العام 1956 كي تبرز دور الرئيس عبدالناصر بدءًا من قرار تأميم شركة قناة السويس، حتى جلاء قوات العدوان الثلاثي على مصر.

وجاءت الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 ثم الانفصال السوري عام 1961 وبرز نفوذ عبدالحكيم عامر في القوات المسلحة، بل وداخل النظام السياسي بعد الانفصال بين مصر وسورية.

ثم جاء إعلان دستوري ينظم سلطات الدولة العليا في 27 / 9 / 1962 ثم دستور العام 1964، وجاءت هزيمة العام 1967 لتعصف بالرئيس عبدالناصر وقدم استقالته وعاد تحت ضغط شعبي.

وتوفي الرئيس عبدالناصر في 28 / 9 / 1970 وتولى الحكم الرئيس السادات من 1970 إلى 1981 وجاء خلالها دستور العام 1971، وأعلن الرئيس السادات أن عام 1971 عام الحسم، وكسر حالة اللاحرب واللاسلم، ثم جاء نصر العام 1973 في أكتوبر، وفي العام 1975 أبريل تم تعيين حسني مبارك نائبًا للرئيس السادات وطوال حكم السادات، نجد عملية الشخصنة بقول: جيشي، شعبي، مبادرتي، وجاءت زيارة الرئيس السادات للقدس عام 1977 ثم إبرام معاهدة كامب ديفيد 1978.

وجاءت حقبة الرئيس مبارك 1981 إلى 2011 وتعصف بحكمه ثورة يناير 2011 بعد التحول الديمقراطي للتوريث بالحكم، وتلك نقاط من قيمة الزمان وحصاد الثورات.

3 - قيمة الثورات العربية فيما بعد، وسقوط النظم في تونس ومصر واليمن وليبيا بمسمى ثورات الربيع العربي تتشابه أحداثها.

فالعسكر والمسار الديمقراطي توافق أم تضاد؟ لأن مفهوم تداول السلطة مفقود، وهذايمثل نكسة للتطور الديمقراطي، والعديد من النظم العربية يتجاهل كيفية تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مما أسفر عن نتائج منها: التفكك الاجتماعي والاقتصادي، بل فقدان السياسات العربية لمواجهة الفكر الصهيوني، والسياسات العربية الحاكمة تتناسى دور فكرة إسرائيل الكبرى، وخطورة الفكرة على الأمن القومي العربي، بل افتقدت السياسات العربية وقتئذ كيفية مواجهة الهجرة اليهودية لأرض فلسطين المحتلة، وتلك الهجرة اليهودية ساهمت في تعديل الميزان الديمغرافي بين الشعب الفلسطيني واليهود، وهذا ما جعل إسرائيل تسعى إلى يهودية الدولة الإسرائيلية.

4 - جاءت ثورات الربيع العربي أخيرًا، لأن السياسات الحاكمة افتقدت رؤى التصحيح والتنمية حتى أصبحت قدراتها الاقتصادية لا تتفق مع المعدلات السكانية وكأن السياسات الحاكمة تتناسى أن الاقتصاد هو قضية العصر بل والقضية الساخنة المطروحة على صعيد المناقشات الشعبية، والاقتصاد يحمل تصورات لمجمل السياسات الاجتماعية ولخدمة التنمية، والتساؤل: لماذا تعثرت بعض البلدان العربية اقتصاديا، ففي مصر كمثال نجد نجاحات طلعت حرب بمسمى الرأسمالية الاقتصادية ثم نجاحات ثورة يوليو 1952 بالتركيز على القطاع العام، وسياسات الإصلاح الزراعي ثم جاءت حقبة الانفتاح الاقتصادي الاستهلاكي في العام 1975، وتلاها فقدان الدولة المصرية أسلوب تخطيط الاقتصاد.. والاستفادة من الاستثمار الداخلي والخارجي. وسياسة الانفتاح الاقتصادي أضعفت من حركة الطبقات الوسطى ومحدودي الدخل، ولم تحقق العدالة الاجتماعية إنما كانت سياسة للأثرياء فقط وطبقة رجال الأعمال بل وأضعفت القدرة الذاتية للاقتصاد الوطني.

5 - البلدان العربية مازالت تفتقد كيفية السيطرة على التحولات المجتمعية بسبب إخفاقات الديمقراطية وغياب تداول السلطة وعدم مواجهة التدهور المعيشي وغلاء الأسعار ونهب ثروات المجتمعات.. إلخ.

لذلك، اندلعت تلك الثورات شعبياً وبتوفيق من الله عز وجل بلا أي ارتباطات حزبية، ولا ارتباطات خارجية، وكانت النظم العربية الحاكمة التي سقطت تفتقد حسن العلاقات مع الشعوب، وسياساتها متخبطة مع عدم وضوح الرؤية وكأن الشعوب في واد والحكم السلطوي في واد آخر، وأصبحنا بين رحى قيمة الزمان وحصاد الثورات. والله الموفق.

يحيى السيد النجار
دمياط - مصر