ملف العمارة في الفن: السرد والعمارة عند دينو بوتزاتي: شاكر لعيبي

ملف العمارة في الفن: السرد والعمارة عند دينو بوتزاتي: شاكر لعيبي

فن السرد وفن العمارة
قصة حلم السُّلّم لبوتزاتي مثالا

  • إذا وجدت خصوصية ما في فن السرد وإذا التقينا بتميِّز في إنشاءات معماري فإن كلاً منهما يقوم، على التفاصيل المتناضِدة، بطريقة تستهدف بدورها، إبراز المختلف أو المؤتلف في الظاهرة موضوع المعالَجة.

ولد دينو بوتزاتي Buzzati في 16 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1906 في بللوتو وتوفي في 28 يناير (كانون الثاني) 1972 في ميلانو بسبب السرطان، وهو صحفيّ وكاتب إيطالي أشهر أعماله روايته المعنونة «صحراء التتار» Le Désert Des Tartares عام 1940 التي تُرجمت للفرنسية عام 1949وحازت على نجاح كبير في وقتها. نشر موسى بدوي ترجمتها العربية في القاهرة، ستينيات القرن الماضي عن مؤسسة الأهرام، كما صدرت ترجمة جديدة لها أخيرًا.

كان البير كامو معجبًا ببوتزاتي لأسباب لن تخفى على قارئ النموذج القصصيّ المدروس هنا، فقد قام بإعادة صياغة مسرحية الكاتب الإيطالي «حالة سريرية» بعنوان «حالة مثيرة للاهتمام Un Cas Intéressant» ومُثلتْ على مسارح باريس عام 1956 من إخراج جورج فيتالي.

الحسّ الوجوديّ والكابوسيّ يفوح من قصة بوتزاتي

يمكن قراءة القصة وفق وجهتين: الأولى في إطار الكوابيس التي تغزو الآدمي أثناء منامه وفيها تقدّم القصة، حسب كلمة ناشرها الفرنسي، «مثالًا لكفاءة البساطة الأسلوبية. تختفي صعدة السلم تحت يد النائم، تتشظى وتنسحق. الدرجات العليا والفناء يصيران هاوية أو يتناقصان إلى محض قضبان منحنية على الفراغ، يعتقد النائم أنه يتشبث بها».

نستطيع تأويل القصة إذنْ، من دون مجازفة، كاستعارةٍ للوجود، للحياة التي نظن بأننا أمسكنا بكثافتها، بينما لا نمسك إلا بالنخاع المترجرج فيها. يتقدّم الحلم في قصة بوتزاتي بوصفه كابوسًا، ويصير السلم، عن جدارة، كناية عن ذاك التأرجح في الوجود الغامض الذي يسكننا حتى في الأحلام. إننا نسقط في الهاوية أو نصعد إليها عبر السلالم، بينما تنادينا أصوات حسيّة، أحيانا شبقية (وهذه كناية أخرى)، دلالة على أننا في هذا النخاع الوجوديّ المُخادِع لأنه في آن واحد واقع ملموس ومن طبيعة سرية، سحرية ومجهولة. السلم هو النخاع المترجرج، لأنه قد ينفرط في أي لحظة مخادِعًا، لذّويًا وغامضًا. إن بساطة السرد رديفٌ في القصة لبساطة السلم وما يحيط بعوالمه. بساطة مُخادِعة أيضًا إلى حدٍّ بعيد. وتعاود تذكيرنا بالهيئة السُّلّمية وبجماليات السُّلّم التي تصير في هذه القصة جمالية للرعب المطلق، للوجود الكارثيّ على السلم الذي لا نعرف الآن فيما إذا كان يَصِلُ أم يفصلُ، وفيما إذا كان الوصل أو الفصل أمرًا بديهيًا أم خوفًا شاملًا.

القراءة الأخرى معمارية، وبمصطلحات العمارة المحددة، وهي موصولة بالقراءة الأولى وتستوجب، بالضرورة، بعض المعارف عن (تركيبة أجزاء السُّلّم) في المنازل الأوربية التقليدية، وهي التراكيب التي ترد كلها بالتفصيل في قصة بوتزاتي. مهما حاول المرء فهم القصة من دون القاموس الاصطلاحي لفن بناء السلم، فلن يتوصّل تمامًا إلى تخيُّل مشهد القصة بتلك الدقة التي يستهدفها المؤلف. إن التباس مصطلحات العمارة في اللغة العربية يساهم، من جهة، في هذا الاضطراب، ومن جهة أخرى فإن العمومية التي تسم الاستخدام الاصطلاحيّ في العربية، في حقول ليست العمارة بالضرورة، إنما هي سمة أخرى توطن القراءة غير الدقيقة لكثير من النصوص الروائية والقصصية المترجَمة للعربية. هذه القصة مثال جيد على اضطراب القراءة القادم من غموض مصطلحات العمارة في لغتنا. لكنها مثال جيد أيضا للعلاقة الممكنة بين فن السرد وفن العمارة.

في السرد نحن نقدِّم، في الغالب، وصفًا، للمظاهر والملامح والمشاهد الطبيعية والبشرية والعمرانية. ثمة انتباه شديد لتفاصيل تلك المظاهر من أجل اكتشاف الخفيّ والجوهريّ فيها. نحن في قلب تلك الملامح الدقيقة للأشكال والأشياء التي ستساهم بطريقة ما في إيقاظ معان يستهدفها السارد أو يحفـِّز عبرها أمرًا دفينًا في ذاكرة قارئه. تقوم خصوصيات القصّاصين والساردين، من بين أمور أخرى، على الدقة الوصفية التي تستبطن الملامح المتميزة، المرئيّة بإحساس متفارق مرهف.

في العمارة، من جهتها، ثمة تناضد Juxtaposition (أو تنضيد) للعناصر المعمارية. ثمة الاستخدام المتميز للتفاصيل المتناضِدة التي نتذوّق عبرها المزاج الأسلوبيّ والروحيّ الخاص بهذه العمارة أو تلك.

يُنجَزٌ التنضيد في الفن بنيّة مقصودة عادةً، من أجل استحضار ملمح معين أو لخلق تأثير محدد، خاصة عندما يُسْتعْمَل عنصران، عبر التضادّ أو التعارُض، لجعل المشاهِد يركز على التشابهات أو الاختلافات في المشهد الكلي. نتكلم في الفن التشكيليّ عن ألوان متناضِدة، وعناصر متناضِدة وغير ذلك. بينما تتشكّل العمارة، أصلًا، من العناصر الهندسية التي تتاضَد كالباب النافذة.. الخ. في البنية المعمارية المُركَّبة يسمح تناضُد عدة منشآت مستطيلة الشكل باقتصاد أكبر مساحة من السطح، مما يسمح به تناضُد المنشآت ذات العناصر بيضوية الشكل أو غير المنتظمة.

إذا وجدت خصوصية ما في فن السرد على يد كاتب باهر، وإذا التقينا بتميِّز في إنشاءات معماري متفوّق، فإن كلاً منهما يقوم، في الأقل، على التفاصيل المتناضِدة، في حقليهما المخصوصين، بطريقة شخصية تستهدف بدورها، عبر التضاد أو التعارض، إبراز المختلف أو المؤتلف في الظاهرة موضوع المعالَجة.

إن ما يسمى بعناصر تنظيم التقنيات المعمارية Architectonie (ومنه الصفة Architectonique التي تُترجم في القاموس بـ «المعمارية» أيضًا مثلها مثل Architectural، وهذا التباس لغويّ عربيّ عرضيّ آخر)، يبدو وكأنه، في حقل القصّ، نوع من «ترتيب العناصر السردية» القصديّ لدى الساردين. وكلها تقوم على وعي ومعرفة وبصيرة بالعناصر المعمارية أو السردية المستهدَفة والمشغول عليها.

تتناضد وتتراكم العناصر المعمارية الخاصة بالسلم وحده وحصريًا في قصة بوتزاتي القصيرة «حلم السلم» المكتوبة عام 1971، لتصير العناصر التأسيسية الجوهرية التي تمكّننا، وفق فهمنا الدقيق لها، من تلمُّس وتذوُّق السياق السرديّ والمعني الأخير للقصة. نترجمها كاملة قبل التعليق عليها:

حلم السلم

«أظن بأني لديّ حذاقة كبيرة في إنتاج الأحلام، وبالخصوص تلك التي تُحْدِث الخوفَ. في الحقيقة فإنني مرغوب بي كثيرًا، ورغم أني لا أقوم بأي دعاية لنفسي فإن أرواح الليل تفضّلني على الكثير من زملائي الذين يضعون الكثير من النشرات الغالية في الجرائد. إنني أمتلك فهرسًا للكوابيس المشحونة بالخيال. غير أن هناك كابوسًا هو الأكثر تفضيلًا من بينها، وهو الأقل أصالة كما عليّ الاعتراف، الأمر الذي يزعجني قليلًا، وهو حلم السُّلم. شهرتي في أوساطنا تتأسس، حصريًا، تقريبًا على هذه المادة التي لا تسمح الأرواح الليلية لنفسها بطلبها مني. بالطبع كنت أودّ، مع تقادُم السنوات، أن تكون متكاملة المزيد من التكامل. تقول الأرواح إذا صدَّقناها، بأن (الحلم) ذو تأثير لا يُقاوَم، خصوصًا لأنه ينطوي على كنايةٍ للحياة.

هل نحاول؟ ها هو السيد ام. جيوليو مينيرفيني، في الخامسة والأربعين من عمره، صائغٌ وساعاتيّ: قبل منتصف الليل بقليل وبعد أن يشاهد التلفاز ينام قرب زوجته، وبسرعة يغفو. ومثلما بالنسبة للجميع فإن الكوابيس المقلقة تنتظر ذوبانه العميق في طيّات النعاس لكي يكون من الصعب عليه النهوض عندما يتحرق شوقًا إلى التحرّر.

لاحظوا. تجاوزت الساعة الثانية صباحًا. ها نحن (في صلب الأمر) كما يبدو: السيد مينيرفيني ينام على جنبه الأيسر وهو بالطبع ما سيسهّل العملية، كأنه في الجنة طالما أن التعبير يناسب وجهه الذي يستنشق عرفان الجميل وحتى البلادة. أناديه إذنْ، فيقوم بردة فعلٍ. لا يرى شيئًا لكنه يسمع اسمه، من جهة الباب الأخرى، يتكرّر بإلحاح، و(يسمع) أيضا جلبة مشبوهة.

الفكرة الثابتة عن (وجود) لصّ لدى ممتهنيْ الصياغة رئيسية. شخص آخر ليست لديه حاسة الشم سيسمع ضجيجًا غامضًا، قليلًا أو كثيرًا، وسوف لن يعيره انتباهًا. لكن جيوليو مينيرفيني يفعل. يترك على السرير جسده الغافي مثل حيوان، وينهض على عجل مرتديًا بنطاله ونعليه ليمرّ إلى الغرفة المجاورة حيث.. هل من حاجة للقول؟ لا يجد أحدًا.

حينها اختبأتُ في «غرفة الانتظار» «Antichambre»، أناديه مرة أخرى. وعندما ظهر في تلك الغرفة كنتُ قد تحوّلتُ دون أن يراني أحد تحت «مستوى السلم Palier». أقوم بإصدار ضربات صغيرة على «صعدة الدرج Rampe» الحديدية، وأنا أقلد الخبب المسعور، وأناديه بتحسّر وتأوه: «يا سيد مينيرفيني، يا سيد مينيرفيني!».

ما الذي يحدث؟. الصائغ مفعم الآن بالهيجان يردّ «المزلاج Verrou» الثقيل للباب المصفح مشرعًا «مصراعًا Battant»، ملقيًا نظرة إلى الخارج. حتى اللحظة لُعبتْ اللعبة.

سريعا مثل فكرةٍ أنزلُ إلى «مستوى السلم الأدنى Palier Inférieur» مع قرقعة حادة صادرة من كعب الحذاء العالي. ومن هناك أناديه هذه المرة بصوت نسائي لا ريب فيه، فتيًا، مُراوِغًا مليئًا بالوعود. هو يميل على «الدرابزين Balustrade» لينظر إلى الأسفل. لا يرى شيئا لكنه يسمع تنفسي القادم من «كوة Embrasure» بابٍ في شقةٍ لا تصلها عينه حتى لو مدّ رقبته.

«يا سيد مينيرفيني، يا سيد مينيرفيني!» الصوت مكتمل الآن، همسٌ حقيقيٌّ استفزازيّ وحسيّ. صار الصائغ، بالطبع، في غاية التأثر بما يحيطه.

ما الذي سيفعل؟ يخلع نعليه، وبأقدام حافية لا تثير ضجة، يبدأ نزول السلم. «دودة السلم الأولى Volée» (تتكون) من اثني عشر «موقعَ قدَمٍ Marches». بعدئذ "مستوى السلم الرأسي Palier D'angle» من سبعة مواقع قدم، بينما «مستوى السلم الرأسي» الآخر، من اثني عشر موقعًا. الإضاءة القادمة من المصباح أعلى «مستويات السلم الكبيرة» حيث يوجد مدخل البناية ضعيف بل مشؤوم بالأحرى، لكن الرؤية ممكنة فيه.

عندما يكون قد هبط خمس أو ست درجات فإن الدرابزين الذي تستند يده اليسرى إليه سوف يجعل أصابعه تنزلق لينحدر في العَدَم. سيبقى للحظةٍ في الأقسام السفلى من «دودة السلم». النزول من سلم دون حاجز ومن دون مَسْند «Main-courante» على طول الحائط هو أمر جد مزعج، رغم عدم وجود أيّ خطورة لو احتطنا.

مع ذلك فإن غياب «صعدة السلم Rampe» قد غيّب عن مينيرفيني التفكير بالبنت الغامضة التي كانت تناديه والتي لم تعد تناديه اللحظة. ليس لديه الآن سوى شك (واحد): هل يتوجب عليه الصعود ثانية حتى «الشرفة Balcon» الكبيرة التي مازالت مزودة بـ «درابزينها Balustrade» والعودة بأقرب ما يمكن لمنزله، لكن في مواجهة هذه الدرجات السبع المهولة، بدون «سياج Garde-fou» خارجيّ؟. أم هل يلائمه النزول درجتين أخريين ليستطيع الإمساك بقطعة من «صعدة السلم Rampe» في الأسفل؟.

في صمت مطلق يقرّر الصائغ تبنّي الحل الثاني. يهبط الدرجتين، وباليد اليسرى يتصل بالحاجز الخشبيّ من السلم (الذي نمسك به عادة) والذي انفرط كما لو أنه لم يثبَّت بشيء قط. مينيرفيني يبقى الآن متخشبًا، بيده قطعة من «صعدة السلم». وبرعب يرميها في «القفص Cage»، يستند إلى الحائط كما لو إلى ملجأ مستمعًا إلى القرقعة المعدنية في العمق، خمسة طوابق أسفله. يفهم بأنه قد وقع في الفخ. الشيء الوحيد الممكن عمله هو الصعود ثانية. سيقوم بذلك بأعلى قدر (ممكن) من الحذر. يَسْهل الانسلال لحسن الحظ بسبب قدميه الحافيتين. «مستوى السلم Palier» في الأعلى بدرابزينه الجميل القوي يبدو له بمثابة مرسى رائع. لماذا رائع؟. (لأن الأمر) يتعلق باجتياز تسع دَرَجَات فقط.

خمس دَرَجَات، صحيح، لكن في هذا الحيز الزمنيّ القصير جدًا، فإن الدَّرَجَات صارت عالية للغاية وضيقة، كأنها «حاجز Paroi» هَرَمٍ أزتيكيّ (مكسيكيّ). مينيرفيني لا يراني لكنه يعرف بأنني موجودة هنا. يسأل: «إنه حلم، أليس كذلك؟». لا أردّ. «أقول إنه حلم، أليس كذلك؟» يعاود. وأنا: «باه! سنرى بعد حين».

ينحني على أطرافه الأربعة من أجل الحصول على نقاط استناد أربع بدلًا من اثنين. هذا احتياط حكيم لأنه في أثناء ذلك علية التحقق بأن مواقع القدم، (الدَّرَجَات)، لم تعدْ بعدُ مواقع قدمٍ فعليةً مع مخطط أفقيّ لكن محض قضبان معدنية تطلع خارج الحائط بما يقارب المتر، مُتباعِدة عن بعضها بما يقارب الأربعين سنتيمترًا، وبينها الفراغ. لاشيء سوى العوارض تحته وقد اختفى نصفها فاتحة شقوقًا رهيبة يتوجّب اجتيازها بقفزة بهلوانية، وهو ما سيكون جنونًا لان أسافلها تتغلغل في الهاوية بضراوةٍ.

درجة Echelon، درجتان، ثلاث، يتقصه ست درجاتٍ للوصول إلى الطابق. اليد المتوترة تبحث، الدرجة التالية لم تعد موجودةً هناك. في هذه اللحظة عينها ضاعت عنه الدرجة التي يَسْند إليها قدمه اليسرى، ولديه قليل من الوقت لكي تصل يداه إلى الدرجة الوحيدة المتبقية، والتموْضع بشكل خطر منفرج الساقين. لم يعد قادرًا على الحركة هناك. لن يستطيع أبدًا الحركة. أبدًا. ومن سيأتي لإنقاذه؟.

يستصرخ حينها النجدة. آه! لو يستطيع. رغم استعانته بكل قواه، لم يخرج من حنجرته صوت واحد. النجدة! النجدة! يدرك برعبٍ أن الحاجز الذي يتجعّد هو تحته ينهار بطيئًا فوقه كما لو أنه قد صار مطاطًا. يتشبث بيأس بالوثاق. يحرّك ركبتيه على القطعة المنهارة المفتوحة.. لكنه يعرف أن لا فائدة من ذلك كله. يدعوني : «قولي لي، قولي بأنه حلم، أليس كذلك؟ لو كان حلمًا فقد حان وقت اليقظة. إنه حلم، أليس كذلك؟» وأنا: «باه! سنرى لاحقا». انتهت.

منذ السطور الأولى نحن في غرفة الانتظار Antichambre، وتعرف تقليديًا بأنها غرفة كبيرة في شقة يتبعها بهو وتُوْصِلُ إلى غرفة أخرى تسمى غرفة الانتظار الثانية. الأولى مخصّصة للخدم ومزوَّدة بمدفأة تمنح الحرارة والهواء الساخن للغرف الأخرى وهي بمنزلة فتحة متواصلة من الأبواب التي نمرّ منها حتى غرفة سيد المنزل. وليس فيها عادةً سوى زخارف اعتيادية وقد يكون لها شكل دائريّ. في غرفة الانتظار الثانية ينتظر الزوّار الذين سيتحدث إليهم سيد المنزل، وقد تستخدم للأكل وغالبا صالونًا للاجتماع، وهي مُزيَّنة ومُزخرَفة بشكل جيد. اليوم لا توجد إلا غرفة انتظار واحدة صارت ما نطلق عليه الصالون.

بعدئذ نتحوّل في القصة إلى مستوى السلم Palier، ويُعرَّف بأنه منصّة معمولة بين الطوابق تصِلُ المداخل بـ «مستوى السلم Palier» و«مستوى السلم الرئيسي». المنصة الوسيطة تسمى «راحة» أو «صحن مستوى السلم» ولا تطِلّ على أي حجرة. يقع التمييز بين «مستوى راحة السلم Le Palier De Repos» الذي يتناسق مع «دودة السلم Volée»، و«بين مستوى سلم الطابق Le Palier D étage» الذي تتوزّع منه غرف عدة أو شقق عدة.

أما دودة السلم Volée فهي درجات السلم الواقعة بين منصّتين، ودرجاتها تكون مستقيمة (أي متوازية) على دودة السلم المستقيم. أحيانًا تكون الدرجات حلزونية تسمى مشعَّة بالفرنسية-. وهي مائلة أو راقصة في الأحياء المنعطفة. إن السلالم ذات «الدودة» المستقيمة يمكن أن تتموقع في «مستويات السلم Palier» بثلاث طرق كما في الصورة:

أ- مستوى سلم رأسي أو ذو زاوية.
ب- مستوى سلم مستطيل.
ج- مستويا سلم رأسيان.

ثم تتحدث قصة بوتزاتي القصيرة عمّا ترجمناه بصعدة السلم Rampe وهو الميلان المستمر الطلوع (أو الهبوط) في سلم من السلالم، لا غير. وقد لعبت هذه الصعدة دورًا جماليًا أو مفهوميًا أو رمزيًا أو تزويقيًا في العمارة.

وقد تستخدم هذه الطلعة لغويًا رديفًا للدرابزين مثلما استخدمها مترجم قصة بوتزاني للفرنسية. غير أنه يتوجّب القول إن القواميس العربية لا تفرّق كثيرًا بين هذه المفردة وبين مصطلح الدرابزين Balustrade (يترجمها المنهل بالحاجز المُفرَّغ)، وهو عنصر معماريّ يتكوّن من صف من الدُرَبْزينات Balustres (بالتصغير) المثبَّتة بين قاعدةٍ ورفّ يشكل مسنداَ. وهي تشكّل حاجزًا مخرّمًا من أجل الأمان والمساهمة في منح البناء أسلوبه. الدرابزينات تكون غالبًا مُضاعَفة أو موضوعة على مسافات محدّدة بحوافٍ. توجد الدرابزينات في الشرفات والدعائم والمعابر والسفن وعلى صعدة السلم Rampe D escalier بالطبع.

يشير القاص الإيطالي أيضًا إلى ما نقترح ترجمته بمسند السلم Main-courante5 أو مقبضه، وهو ببساطة جزءٌ من السلم نتمسّك به بيدنا عند صعود أو طلوع السلم أو هو، حسب تعريف معماري له، الجزء الأعلى من صعدة السلم، ويقترح المعماريون أن يكون ارتفاعه بحدود تسعين سنتيمترًا، وعليه أن يكون متوازيًا مع نواة السلم Limon D'escalier أي مع درجة انحداره الهندسية. يستخدم القاص كذلك مصطلح قفص السُّلم Cage D escalier في نهاية القصة، والمقصود به الحجرة في المنزل أو الفسحة في البناية التي يوجد بها السلم إذا لم يكن أحد أطرافه يستند على حائط. ويتوجب أن يؤدّي إلى منافذ تطْلع إلى الخارج مباشرة. إنه في الحقيقة المكان الموجود تحت الدرجات، وهو غير مستغل دائمًا.

هناك مصطلحات معمارية أخرى في هذه القصة كالمزلاج Verrou والمصراع Battant والكوة Embrasure والحاجز Paroi، ومترادفات للدرجة مثل Echelon التي هي المسافة النسقية بين قضبان السلم أو المرقاة، وكذلك مفردة Degré التي تعني درجة أيضًا عندما يتعلق الأمر بالسلالم، ومثلها المفردة Marche التي اقترحنا لها موقع القدم، وهي تعني في الحقيقة درجة السُّلّم في السياق. ثم الشرفة Balcon والسياج Garde-fou. إن هذه العناصر جميعها تساهم في البناء الدراميّ البرقيّ للقصة، ولا يمكن فهمها من دون التدقيق بمعانيها. جميع هذه العناصر السُّلمية تتحوّل إلى واقع حلميّ سورياليّ في قصة بوتزاني، هي بشكل خاص، لأنه يستثمر الفكرة الجوهرية الواقعة على ما يبدو في طبيعة السُّلم الداخلية التي تسمح له بذلك.
-----------------------------
* كاتب من العراق.

 

شاكر لعيبي*







دينو بوتزاتي





من مؤلفات بوتزاتي





من مؤلفات بوتزاتي





مخطط لغرفة الانتظار





 





 





 





درابزين يمكن أن تكون للشرفة أو للسلم





يمكن أن يوجد الدرابزين في داخل البناء





سند السلم





نموذج لقفص السلم وهو نموذج قديم من مدينة باريس