الأبناء والزواج الثاني ليلى بيومي

الأبناء والزواج الثاني

بعد الطلاق أو الترمل .. الزواج الثاني ضرورة
تربية أطفال الزوج أو الزوجة تجربة إنسانية

قد يهرب طفل من بيت أبيه نتيجة لقسوة زوجة الأب أو تهرب طفلة من أمها نتيجة لغلظة زوج الأم. قصص وحكايات تناولتها وسائل الإعلام وصفحات الحوادث، ولكن ترى ، ما هو الدور التربوي والنفسي الملقى على عاتق الآباء والأمهات في ظل الزواج الثاني سواء كان بعد ترمل أو طلاق ، وماذا عندما يعيش الجميع في البيت الكبير؟

في دراسة للدكتور كمال إبراهيم مرسي أستاذ التربية بجامعة الكويت يؤكد أن هناك زيادة متنامية في عدد الأطفال الذين يعيشون مع أحد الوالدين في معظم البلاد العربية والإسلامية ، وأن هؤلاء يحرمون من رعاية الوالد الآخر ويواجهون ظروفّا اجتماعية ونفسية وتربوية قد تكون صعبة ، وقد تعرضهم للإحباط وتجعلهم للاضطرابات النفسية والانحرافات السلوكية.

نجاح الزواج الثاني مرتبط بنضج الزوجين

تقول الدكتورة سامية الجندي أستاذ الدراسات الإنسانية ومقررة الطفولة بمجلس الشورى : نجاح الزواج الثاني وتوافق أبناء الزوجين في العائلة الجديدة يتوقف على نضج الزوجين وإحساسهما بالمسئولية ، وطبيعة احتياجات الآخرين النفسية والتربوية. والتماسك الأسري في العائلة الجديدة لا يتوقف على مدى تعليم الزوج أو الزوجة، ففي الأرياف والمناطق البدوية مازال البيت الكبير يضم بعض أبناء الأقارب لاسيما إذا كان هؤلاء الأطفال أيتاما لا يجدون من يرعاهم، ولكن قد تكون المشكلة واضحة عند بعض الأزواج والزوجات القاسية قلوبهم أو قد يغار الزوج أحيانا من أولاد زوجته والعكس إذا كان هناك اهتمام زائد على حساب الطرف الآخر ، وقد تنتهي الغير بالحقد والكره. وإذا كانت المرأة هي التي تحتضن أولادها من الزوج السابق مع زوج جديد، فعليها بذكاء شديد أن تتوازن في مشاعرها واهتماماتها ، وتعطي أولوية ولو ظاهرية إن لم تكن حقيقية للزوج حتى يحس بالسعادة والاطمئنان. ومن هذا المنطلق سيضفي على البيت كل رعاية وحبا وستوازن في تربيته واهتمامه بأولاده وأولاد زوجته. كما أن وجود أطفال جدد من الزوج الثاني يوثق الترابط الأسري بين جميع الأطراف، أما بالنسبة لأولاد الزوج وهذا الأخطر فيجب على الرجل أن يكون حاسما مع زوجته الثانية ولا يخضع لتأثيرات المرأة إذا كانت لا تقبل أولاده تعاملهم بخشونة وغيره، وعليه أن يحدد منذ بداية الزواج أنه لن يتنازل لطرف على حساب الطرف الآخر (سواء كان أولاده أم زوجته) في مضمار الحب والأمن والرعاية ، لأن الأمومة أحيانا تكون متطرفة فتفضل المرأة أبناءها على أبناء زوجها أو تغار على الزوج من أولاده ، وهنا يقع الخطر لأن الأب بطبيعته مشغول طوال اليوم ، أما المرأة فهي أكثر التصاقّا واحتضانا للأولاد ، وهنا تقع مسئوليتها التربوية في العدل والحب للجميع.

اهتمام كل طرف بأبناء الآخر

وتضيف الدكتورة سامية، لقد لمست بنفسي نماذج عديدة لرجال كرهوا المرأة بسبب قسوة زوجة الأب وإهمال الأب لهم. وقد وصل هؤلاء الرجال إلى أعلى المناصب ومازالت هناك تجارب مؤلمة وآلام لا شعورية مندثرة من عقلهم الباطن وتظهر أتوماتيكيا عندما يتعاملون مع النساء. وفي النهاية ، الوصول إلى قلب الرجل أو المرأة في الزواج الثاني يبدأ من اهتمام وحب كل طرف لأبناء الطرف الآخر.

التكيف والمواءمة النفسية ضرورة

أما الدكتور سمير حسين أستاذ التربية بمعهد البحوث التربوية بجامعة القاهرة فيقول : ينبغي على الزوج أو تتزوج مرة ثانية مع وجود أطفال من الزواج الأول أن يقدم على عملية تكيف ومواءمة نفسية تجعله يتقبل التعامل مع هؤلاء الأطفال ليس على أنهم أولاده من صلبه ، بل على أنهم بشر لهم حقوق ومتطلبات إنسانية ثابتة لا بد من إشباعها، وأتصور أن على هذا الزوج أو الزوجة أن يعتبر أولاد الزواج السابق من الشريك الآخر تجربة إنسانية فذة يمكن من خلالها أن يعبر عما بداخله من التواصل والتعامل مع البشر ، ولاسيما الأطفال بالتربية والتهذيب والمساعدة على اكتساب المهارات ، ولذلك فلا ينبغي النظر إلى أطفال الزواج السابق باعتبارهم عيبا يتنقص من قيمة الشريك في الزواج الثاني ، بل لا بد من معاملتهم على أنهم قيمة إنسانية يضيفها الشريك الآخر في الزواج الثاني إلى هذا الزواج وعلى أنهم يمثلون فرصة أمام الطرف الجديد في أن يقوم بتجربة التربية والتعامل مع الأطفال وأن ينقل إليهم القيم والمثل الحميدة وأن يتعامل معهم ويجعل من مشاكلهم أو متطلباتهم جزءا أساسيا من حياته. وبجانب ذلك فهناك خطوط عامة أرى أنها يجب أن تسود في هذه الحالة من عدم التفرقة في المعاملة سواء على المستوى المادي وإشباع الاحتياجات الأساسية أو المستوى الشعوري أي مستوى إعطاء الحنان والتفهم والأذن الصاغية.

القسوة ونتائجها السيئة

أما الدكتورة ملك الطحاوي أستاذة العلوم الإنسانية بجامعة المنيا فتقول :

في معظم الطبقات الشعبية تعتبر المرأة زوجها أهم وأحق بالرعاية من الأولاد لأنه يمثل بالنسبة لها المسئول عن كل شيء في حياتها بالنسبة للإنفاق واتخاذ القرار، كما أن تربيتها منذ الصغر تؤكد على إعدادها للزواج، وأنه ليس للمرأة إلا الزواج وخدمة الزوج، وإن تزوجت وفقدت أحد أولادها، فالبركة في زوجها. وقد ينحرف ميزان التعامل بين الزوج والزوجة فيظل الرجل دائما هو المسيطر المهيمن على كل شيء وهي مجرد امرأة ضعيفة ذليلة، ويتجلى هذا واضحا في الزواج الثاني فتصبح المرأة أكثر حرصا على التمسك بزوجها سواء إذا كانت أرملة أو مطلقة. ومن ثم ينعكس هذا على تربية الأولاد في البيت الجديد. وغالبا ما تترك المرأة أطفالها من الزوج الأول لدى الجد أو الجدة أو الأب إذا كانت مطلقة. أما الرجل فغالبا ما يحتفظ بأولاده معه أو يتزوج من أجل رعايتهم. وإذا كانت المرأة غير سوية في هذه الحالة ، فقد تكيد لهم وتظهر غير ما تضمر ، وإذا تعرض الطفل لقسوة زوجة الأب أو زوج الأم يتولد داخله انكسار ومرارة قد تحوله في بعض الأحيان إلى مجرم. ولمثل هذه الحالات من الممكن إيجاد مكاتب للتوجيه الأسري وتقديم رعاية بديلة للأطفال من قبل متخصصين اجتماعيين وتربويين وعلماء نفس.

الزواج الثاني ضرورة حتمية

أما لدكتور فرماوي محمد أستاذ التربية بكلية رياض الأطفال بجامعة القاهرة فيقول : الطفل في سن صغيرة يكون أكثر التصاقا بأمه، وتتأثر الفتيات بفقدان أحد الوالدين أكثر من الأولاد لأن الجوانب العاطفية عندهن أكثر. وإذا حدث زواج ثان والأطفال صغار، فقد يرتبطون بالأم الجديدة ويعتبرونها بديلا للأم إذا أحسنت معاملتهم. وفي رأيي أن الزواج الثاني ضرورة حتمية سواء بعد طلاق أو ترمل للزوج والزوجة للتناسق الاجتماعي والأسري وهو نوع من التعادلية. والحاجات العاطفية الضرورية للأسرة كلها، والمعاملة الطيبة والمتوازنة للأطفال من قبل زوجة الأب تتوقف على وعيها الحضاري وحسها العام وتربيتها، ومن ثم يجب التدقيق في الاختيار في الزواج الثاني أكثر من الزواج الأول الذي يعتمد على اعتبارات أخرى. ويجب أن تكون لمصلحة الأولاد الأولوية الأولى ، وللأم والمرأة عموما دور تربوي وتوجيهي مهم في احتضان الجميع ورعايتهم. ويأتي دور المرأة في المقام الأول ثم يأتي دور المدرسة التي يجب ألا تقدم فقط المناهج التعليمية ولكن تهتم بالجوانب النفسية وتراعي الفروق الأسرية. وللإعلام أيضا دور خطير، وإذا كان له دور في تقديم مواقف مسبقة سيئة لزوجة الأب أو زوج الأم، فيجب أن تصحح هذه الصورة حتى لا تكون هناك نماذج سيئة يقتدي بها الأطفال أو الزوجان.

 

ليلى بيومي