عبدالعزيز الرشيد ودوره في نشر اللغة العربية في إندونيسيا

عبدالعزيز الرشيد ودوره في نشر اللغة العربية في إندونيسيا

  • في عام 1928 أصدر الرشيد أول مجلة تصدر من الكويت وهي مجلة الكويت والتي أصبح يطبعها خير الدين الزركلي في المطبعة العربية في مصر وهي مجلة شهرية تاريخية أدبية ذات مسحة دينية
  • وإذ كان يهم بالخروج إلى المسجد حتى عاجله شخص بضربة ساطور كشطت جلد جبهته وشقت حاجبه الأيمن وكان يقصد ضرب عينه اليمنى ليفقده البصر

ولد عبدالعزيز بن أحمد الرشيد البداح في الكويت عام 1887م (1305هـ) في منزل والده بمدينة الكويت، وكان والده هاجر إلى الكويت قادمًا من مسقط رأسه (الزلفى) في نجد طلبًا للرزق، وكان رجلاً متدينًا، وتزوج من حصة الموسى وأنجبت له عددًا من الأبناء والبنات منهم من نحن بصدد الحديث عنه.

نشأ عبدالعزيز في الحي وحين بلغ السادسة أدخله والده في كتاتيب المطوع الملا زكريا الأنصاري، والد الأديب الكويتي الراحل عبدالله زكريا لتعليمه مبادئ قراءة القرآن والكتابة والحساب، وقد ختم القرآن بعد ثلاث سنوات.

حاول والده أن يستدرجه للعمل معه في التجارة ولكنها لم تناسب ميوله، فتركها ليتجه إلى العلم من خلال التحاقه بمجلس الشيخ عبدالله خلف الدحيان الذي لمس لديه نبوغًا في العلوم الشرعية، فقرأ عليه بعض كتب النحو، وبعد سنتين اتجه إلى الزبير - بالرغم من معارضة والده - فوصلها في حوالي عام 1902م (1320هـ) - وعمره يقارب الخامسة عشرة - قاصدًا الشيخ محمد بن عبدالله العوجان مدرس الفقه الحنبلي، فتعلم عنده في مدرسة الزهير أصول الفقه والنحو والتجويد وعلوم الحساب والجبر والهندسة والفلك. عاد بعد سنة إلى الكويت، ولكنه ما لبث بعد أشهر أن سافر إلى الأحساء لمواصلة طلب العلم لدى الشيخ عبدالله بن عبدالقادر بالمبرز، وانتهز والده موسم الحج ليلحق به بالأحساء ويعود به ليزاول مع والده رحلات البحر للغوص بحثًا عن اللؤلؤ في مياه الخليج.

في العام 1911م عند بلوغه الرابعة والعشرين من عمره اختار بغداد وجهة له، بعد أن وسط شيخه عبدالله الخلف ليقنع والده لمواصلة طلبه العلم، فدرس هناك على السيد محمود شكري الألوسي بمدرسة الداوودية، ومن هناك بدأ بتأليف أول رسالة أسماها (تحذير المسلمين عن اتباع غير سبيل المؤمنين) وطبعها في بغداد عام 1329هـ (1911م) في مطبعة دار السلام.

غادر الرشيد بغداد إلى القاهرة في فبراير عام 1912م، من بغداد إلى دمشق عبر فلسطين وبيروت وعن طريق البحر من بيروت إلى بورسعيد ثم القاهرة، وكله شوق للقاء محمد رشيد رضا وليدرس بمدرسته دار الدعوة والإرشاد، ولكن خاب أمله عندما رفض قبوله بها، فعاد بعد أسبوع عن طريق البحر إلى جدة ومنها إلى مكة حتى نهاية موسم الحج من العام نفسه، حيث توجه إلى المدينة لمدة عام قضاها في طلب العلم ليعود بعدها إلى الكويت، وهناك أصبح إمامًا لمسجد النبهان ولبس الشيخ عبدالعزيز الجبة والعمامة على طريق علماء العراق. وتوثقت علاقته بالشيخ يوسف القناعي مصلح الكويت وراعي نهضتها التعليمية الحديثة، فانضم إلى هيئة التدريس في المدرسة المباركية عام 1917م، وهي المدرسة النظامية الوحيدة آنذاك التي أصبح مديرًا لها لمدة سنتين، لينتقل بعد ذلك إلى مدرسة أخرى تسمى المدرسة العامرية (مدرسة خاصة) عام 1919م ثم المدرسة الأحمدية الجديدة، كما اشترك في أول مجلس للشورى بالكويت عام 1921م، في عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح، وفي العام التالي أنشأ الشباب النادي الأدبي الذي تولى الرشيد إلقاء المحاضرات فيه، وفي عام 1923م احتفلوا بأمين الريحاني عند قدومه من نجد، وبعده محمد أمين الشنقيطي فعبدالعزيز الثعالبي الزعيم التونسي.

بدأت علاقة الرشيد بالصحافة من عام 1925م حين أصبح مراسلاً لجريدة الشورى المصرية لصاحبها محمد علي الطاهر. وكانت بداية علاقته أيضًا بالملك عبدالعزيز في نجد عام 1923م حيث بعث له بقصيدة يبدي له بها إعجابه بالإصلاحات والقضاء على الفساد.

وفي عام 1925، بدأ يجمع المصادر من أفواه كبار السن للبدء في كتابه الأشهر (تاريخ الكويت) والذي طبع ببغداد عام 1926م.

وفي عام 1928م أصدر أول مجلة تصدر من الكويت هي مجلة «الكويت» والتي أصبح يطبعها خير الدين الزركلي في المطبعة العربية في مصر وهي مجلة تاريخية أدبية أخلاقية ذات مسحة دينية شهرية. قال عنها يحيى الربيعان في كتابه (الطباعة والنشر في الكويت)».. وفي شهر رمضان 1346هـ الموافق فبراير 1928م صدرت مجلة «الكويت» وهي مجلة شهرية عمرها عشرة أشهر في السنة وتعوض القراء عن الشهرين التاليين بكتاب صغير ونافع هدية لهم».

أما توجه المجلة فقد كان يعبر عن المطالبة بالإصلاح والمعاصرة على أساس معتقد الرشيد وفهمه للتجديد الديني، ومحاربة ما ترسب في بعض الأذهان من بدع وانحرفات وخرافات وأوهام تراكمت في عصور الجهل والتخلف ودعوة القراء للعودة إلى المصادر الأولى للدين والأدب، إضافة لوكالته لمجلتي «الفتح» و«الشورى» المصريتين.

وقد لقي معارضة شديدة من بعض المحافظين عند محاولته طباعة المجلة «الكويت» بالكويت عندمااشترى الشيخ أحمد الجابر مطبعة صغيرة أحضرها إلى الكويت، كما عارضوا فكرة إنشاء بلدية للكويت لولا وقوف الشيخ الرشيد إلى جانب البلدية.

في نهاية عام 1928م عزم على القيام برحلة في الخليج، مبتدئًا بزيارة البحرين حيث حل ضيفًا على آل القصيبي وكان ينوي مواصلة سفره إلى الهند وإندونيسيا، ولكنه رغب في الاستقرار بعض الوقت بالبحرين، حيث أشيع أنه على خلاف مع أمير الكويت ونشر هذا في الصحف العراقية ما دعاه إلى نفيه بشدة.

وقد احتفى به صديقه الأديب والشاعر البحريني إبراهيم العريِّض والذي أقام له حفلاً في المنتدى الإسلامي، وهو النادي الثقافي الاجتماي الديني والذي بدأ الشيخ الرشيد بإلقاء محاضرات عامة به. وبمدرسة الهداية بالمحرق إضافة إلى عمله الصحفي.

وقد أشاد مكي محمد سرحان بالدور التنويري الذي قام به عبدالعزيز الرشيد في البحرين، وانضمامه إلى سلك التعليم في مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق ومدرسة الهداية الخليفية بالمنامة، ومساهماته بإلقاء الخطب الإرشادية في صلاة الجمعة، ومشاركته في أنشطة التجمع الثقافي بالمنتدى الإسلامي، إضافة إلى قيامه بتحرير مجلة (الكويت).

سفره إلى البصرة واجتماعه بعبدالعزيز القصيبي

واصل الشيخ عبدالعزيز الرشيد إعداد مواد مجلة «الكويت» بالرغم من انقطاعها عدة أشهر بسبب إقامته الجديدة في البحرين، وبسبب عدم تسديد الاشتراكات مما اضطره لتوقفها بعد العدد العاشر من السنة الثانية، وعاد إلى الكويت زائرا ليعود بزوجه وأولده للإقامة معه بالبحرين، وفور وصوله عن طريق البحر الذي صادف وصول معتمد الملك عبدالعزيز بالبحرين - عبدالرحمن القصيبي - من القاهرة بالطائرة في 9 يوليو 1929م فشارك في استقباله مع كبار المسئولين والمعتمد البريطاني، وأقيم له احتفال ترحيبي شارك فيه الرشد بإلقاء قصيدة.

عاد الرشيد إلى البحرين حيث أقام مع عائلته الكبيرة والتي لم يستطع بسبب متطلباتها الاستمرار بالتدريس بمدرسة الهداية أو إدارة المنتدى الإسلامي.

لقاؤه بالملك عبدالعزيز

بعد استسلام فيصل الدويش للملك عبدالعزيز في 28 يناير 1930م، مر الملك عبدالعزيز بالبحرين بعد زيارة عاجلة للعراق، فرغب الرشيد في مقابلته لتهنئته بانطفاء الفتنة، ولكنه لم يتمكن من الاجتماع به بالرغم من أنه ألقى قصيدة في الحفل الذي أقامه له آل القصيبي، عند مغادرة الملك عبدالعزيز البحرين إلى الأحساء أبلغ القصيبي برغبته في لقاء الشيخ عبدالعزيز الرشيد في الأحساء، وقد تم ذلك في نهاية شهررمضان 1348هـ فبراير 1930م والذي استقبله وأحسن وفادته، وقال إنه فور دخوله على الملك قام له مرحبًآ فسلم عليه وأجلسه إلى جانبه، مما أذهب الخوف والرهبة، حيث اقترح عليه طباعة تفسير ابن كثير مع بعض الأمور التي تهم المسلمين، وعند نهاية اللقاء عرض عليه الملك مخاطبًا: «وإذا ما كتب الله تحج هذا العام، فسوف نعيد البحث في هذا الموضوع هناك».

أعاد الرشيد عائلته إلى الكويت، وغادر كعادته للاتصال بأصدقائه علماء العراق وسورية ولبنان وفلسطين وأخيرًا إلى القاهرة والتي استغرقت منه عدة أشهر، ألقى خلالها محاضرات ومن أهمها محاضرة (الخطابة عند العرب) التي ألقاها في جمعية الهداية الإسلامية بالقاهرة في 6 رجب 1349هـ 26 نوفمبر 1930م.

ذهب الرشيد إلى مكة معتمرًا مع بداية شهر رمضان، وقد احتفى به الوزير عبداله السليمان وحدد له موعدًا لمقابلة الملك عبدالعزيز على مأدبة الإفطار في القصر الملكي في 17 رمضان 1349هـ حيث ألقى قصيدة في مدح الملك، ومن هنا «اقترح عبدالله السليمان الحمدان على الملك عبدالعزيز أن يبعث الشيخ عبدالعزيز الرشيد داعية للمذهب السلفي إلى إندونيسيا، ومنشطًا همم الإندونيسيين على القيام بأداء الفريضة المقدسة، أسوة بالشاعر محمود شوقي الأيوبي الذي أرسل للغرض ذاته في العام الذي سبقه».

وقد التقى الرشيد خلال إقامته بمكة بعدد من العلماء مثل محمد حسين نصيف وأحد علماء الأزهر الشيخ إبراهيم الجبالي، وشارك في اللقاءات الثقافية، وشارك أيضًا في اجتماع جمعية الطيران بمكة ، وألقى قصيدة تشجيعية لهذه الجمعية. وقد نشرت (أم القرى) خبرًا قالت فيه: «إن عبدالعزيز الرشيد صاحب مجلة «الكويت» قد شارك في الاحتفال الذي أقامته الهيئة المؤسسة لجمعية الطيران العربية بمكة مساء الخميس الماضي، وقالت: ثم أعقبه الأستاذ الشيخ عبدالعزيز الرشيد متفوهًا بخطاب بديع قوبل بالاستحسان».

بعد نهاية موسم الحج سافر الشيخ عبدالعزيز الرشيد على إحدى البواخر التي تقل الحجاج إلى جزيرة جاوه بإندونيسيا للاطلاع على أحوال المسلمين وكان عمره آنذاك أربعة وأربعين عامًا.

وكان الهدف الأساس الذي قدم من أجله إلى جاوة هو الإصلاح بين فئتين مختلفتين من العرب الحضارم المقيمين في جاوة وهما: العلويون والإرشاديون، وتقريب وجهات النظر بينهما والتي تشعل الخلاف بينهما الجريدتين الناطقتين باسم كل منهما: «الإرشاد» وهي الناطقة بلسان الإرشاديين، و«الإقبال» وهي الناطقة باسم العلويين، وكان هناك من يؤجج الخلاف بينهما، فاستبدلت جريدة العلويين بجريدة تحمل اسم «حضرموت» ثم أصدروا مجلة شهرية أسموها «الرابطة» عام 1929م وقام الإرشاديون بإصدار جريدة جديدة أسموها «الإصلاح»، وقد حاول من سبق الشيخ الرشيد الإصلاح بين المتخاصمين وهو الشيخ أحمد محمد السوركتي الأنصاري، وهو من أصل سوداني والذي اختاره السيد حسين بن محمد الحبشي أحد كبار الحضارم بمكة المكرمة، وبعثه إلى هناك عام 1329هـ (1911م) والذي اختلف مع العلويين بسبب فتواه بجواز زواج العلوية من غير العلوي، فقوبل بحملة شديدة ما دعاه إلى التفكير بالعودة إلى مكة لولا أن أصر عليه الآخرون بالبقاء للدعوة، وهكذا أصدر عام 1923م مجلته «الذخيرة الإسلامية» للمدافعة عن الدين قدر المستطاع.

الرشيد في جاوة

بعد وصول الرشيد إلى جاوة ولحقه السائح والصحفي العراقي يونس بحري التقيا بالشيخ أحمد السوركتي الذي أعطاهما فكرة عن النزاع بين العلويين والإرشاديين، بدأ بالاتصال بزعيمي الفئتين، فسافرا إلى مدينة بوقور حيث قابلا زعيم العلويين السيد علوي بن طاهر الحداد، ثم سافرا إلى مدينة سورابايا وقابلا زعيم الإرشاديين الأستاذ أبوبكر باشراحيل، فرحب بهما وأكرمهما، وبدأ بالاتصال بالصحيفتين اللتين تتحدثان باسم الفئتين المتنازعتين، ونشر يونس بحري في العدد 297 من «حضرموت» الصادر في 10 أغسطس 1931م بيانًا وضح فيه أنه لم يأت إلى جاوة وسنغافورة للمفاوضة باسم الرابطة الشرقية في مصر حول موضوع الصلح بين العلويين والإرشاديين، وإنما جاء للمفاوضة بصفته الشخصية، خلافًا لما ذكرته عنه جريدة الشورى المصرية. أما عبدالعزيز الرشيد فقد نشر بيانًا في الصحيفة والعدد نفسه، قائلا: «يتساءل كثير عن مهمتي في هذه الجهات بعد وصولي إليها، ويظن البعض منهم أنني جئت للقيام بواجب القنصلية الحجازية النجدية في هاته الأصقاع.. وهذا لا أساس له من الصحة، وإنني لم أسافر من الحجاز إلى جاوة إلا برغبة مني في السفر إليها لأجل الاطلاع علىأحوال المسلمين عمومًا، والعرب منهم خصوصًا، والقيام بواجب الدعوة إلى الله.. ولمحاولة إصدار مجلة شهرية بمشاركة الأستاذ الفاضل السائح العراقي لتكون وسيلة لنشر ما نقصده من حقائق الدين..».

لقد تجول الرشيد في المدن والقرى التي يوجد بها العرب من أجل التعرف على أحوالهم وتوثيق الصلة بهم والتقريب في وجهات النظر بينهم وبالذات في جاوة الشرقية والوسطى، وذلك تمهيدًا لعقد الصلح بين العلويين والإرشاديين، بالرغم من تهكم جريدة «برهوت» بهم لصاحبها السيد محمد بن عقيل والتندر بهم ووصفهم بأوصاف كاريكاتورية تحط من قدرهم ومكانتهم.

مجلة الكويت والعراقي

ومع ذلك فقد نفذ الرشيد وصاحبه فكرة إصدار المجلة (الكويت والعراقي) التي صدرت في بتافيا في جمادى الأولى 1350هـ - سبتمبر 1931م وقد كتب على غلافها: إنها مجلة دينية أدبية أخلاقية تاريخية مصورة وقد تصدر العدد الأول الكلمة التالية:

«.. فهذه مجلة «الكويت والعراقي» نقدمها إلى القراء الكرام.. في عاصمة البلاد الجاوية التي نراها في أشد الحاجة إلى مثلها.. قيامًا بما علينا من واجب محتم لديننا المقدس وأبنائه الأماثل. وحسبنا شرفا بإنجاز مشروعها اليوم أن نكون من أنصار الحق في وقت قل فيه مساندوه، ومن دعاة الفضيلة في عصر كثر قائلوها. وستعنى هذه المجلة بشرح حقيقة الدين الإسلامي.. وتنقيته عن كل ما ألصق به من بدع. معتمدة في كل ما ستقوم به على كتاب الله العزيز وصحيح سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) وأقوال علماء السلف الصالح من الرعيل الأول.

وستختص عنايتها أيضا بنقل ما في جزائر الهند الشرقية من حركات علمية وأدبية وفكرية ونحوها إلى البلاد العربية عامة. كما أنها ستنقل ما في تلك الجهات من سائر الحركات إلى هذه الأقطار.. وبهذا ستكون (الكويت والعراقي) وصلة حسنة بين أهل تلك المدن جمعاء.. وستقف بالمرصاد لكل من خرج عن جادة الهدى، مستعملة في نصحها الحكمة التي أمر الله بها، متجنبة الشتم والسباب والتنابز بالألقاب، تعطف على المحق وإن كان بعيدًا، وتَزْوَرْ بجانبها عن المبطل وإن كان قريبا».

واعتنت المجلة بأخبار العالم الإسلامي والعربي، ودعت إلى الألفة والتماسك ونبذ التفرق، وكانت تعنى بالأدب والفكر، فنشرت بحوثًا وقصائد وقطعًا أدبية وفلسفية، ولاقت قبولاً وترحيبًا من الجمهور الإندونيسي، ولكن عمرها لم يزد على سنتين.

لاقت المجلة أصداء واسعة لدى جمهور القراء عامة والمثقفين خاصة. ومن الذين وصفوا المجلة الدكتور الربيع، حيث وصفها بأنها مجلة دينية أخلاقية تاريخية مصورة، لصاحبها عبدالعزيز الرشيد ويونس بحري (السائح العراقي) وهي بحجم 13 × 22 سم ويحمل عنوانها «الكويت والعراقي»، وقد رحبت الجاليات العربية في إندونيسيا وسنغافورة بالمجلة ترحيبا كبيرا.

أصبح يطبع من مجلة (الكويت والعراقي) للعدد الواحد ألف نسخة بـ 52 صفحة وتكلفة 320 روبية كتكاليف طباعة ولم يجد أكثر من 152 مشتركًا بسعر النسخة روبية واحدة وهذا يعني أنه يخسر في كل عدد 78 روبية في كل شهر، فإذا علمنا أن الرشيد لا دخل له سوى ما أمده به الملك عبدالعزيز بمئة جنيه إنجليزي عند قدومه من الحجاز، وما يجمعه له الإرشاديون في بادئ الأمر من مبلغ يساعده على شئونه الحياتية وذلك نظير قيامه بوعظهم وتدريسهم اللغة العربية وأصول الدين.

ثم انتقل الرشيد وصاحبه العراقي من مدينة (بتافيا) إلى مدينة (بوقور) فوجداها أفضل للإقامة ولإمكانات الطباعة فأقاما وتزوجا بها وأصبح الرشيد إمامًا لمسجد التقوى وخطيبًا يوم الجمعة، وكان يجلس بعد صلاة المغرب لبعض الطلبة من الإرشاديين، ليناقش معهم دروسًا في الفقه والحديث واللغة العربية.

وبصدور العدد العاشر من مجلة الكويت والعراقي في شهر يونيو من عام 1932م استعد الرشيد لزيارة الوطن وستكون كما وعد زيارة مؤقتة يعود بعدها إلى جاوة لمواصلة نشاطه، وكان صاحبه يونس بحري قد سبقه في زيارة العراق. عاد بعدها وقرر أن يصدر بمفرده جريدة أسماها جريدة «الحق»، والذي أورد في عددها (12) نبأ وصول الشيخ عبدالعزيز الرشيد إلى بتافيا عائدًا من الكويت على متن الباخرة الهولندية (أفنتور) في يوم الأحد الموافق 22 يناير 1933م (25 رمضان 1351هـ) ويذكر السائح أنهم حين سألوا الشيخ عبدالعزيز عن المملكة العربية السعودية، أخبرهم بأن الطمأنينة والسلام يسودان ربوعها.

وقال محمد حسين غلوم: «تزوج الرشيد بفتاة إندونيسية أنجب منها بنتين، أخذ يعمل بالوعظ والتدريس ويعطي دروسًا في الفقه والحديث واللغة العربية، وبعد سنة عاد في زيارة لوطنه حيث كانت تمر ببلاء جراء انتشار وباء الجدري وحالة الركود الاقتصادي بسبب الكساد العالمي.

مكث بها أسبوعين ثم رحل إلى البحرين فميناء العقير لمقابلة الملك عبدالعزيز بن سعود في أكتوبر 1932م، وكانت هناك مفاجأة تنتظره حيث أبصر وسمع اللاسلكي لأول مرة في حياته، كما سمع الراديو وشنف سمعه بغناء من تركيا ولندن وبموسيقى تعزف من إيطاليا، ولقد علق الرشيد على هذه المخترعات بقوله إنه «ليس في هذا كله من غرابة، فلا سحر ولا تنجيم ولا شياطين ولا كهنة، وإنما هي العقول الجبارة التي أوصلت أربابها إلى ما نرى ونسمع».

الرشيد وجريدة التوحيد

بعد توقف مجلة «الكويت والعراقي» لسفر الرشيد لزيارة أهله بالكويت وللمملكة العربية السعودية لمقابلة الملك عبدالعزيز ليطلعه على وضع المسلمين في جاوة، ولسفر زميله يونس بحري المفاجئ بعد الاعتداء عليه بسبب ما ينشره في مجلة «الحق» وغيرها، أصدر الشيخ عبدالعزيز الرشيد جريدة «التوحيد» من ثماني صفحات لتقل كلفتها الطباعية، إذ صدر عددها الأول يوم الجمعة 5 ذو القعدة 1351هـ (1 مارس 1933م) وقد كتب في تعريف لها: إنها جريدة دينية أخلاقية أدبية تصدر في الشهر مرة مؤقتًا، وقدم لهابقوله: «.. وبعد، فهذه صحيفة «التوحيد» أقدمها للقراء أمام مجلة «الكويت»، لتقوم ببعض ما قامت به من واجب، وسأصدرها في الشهر مرة مؤقتا، وربما أعددتها أربعًا إذا وجدت من قرائها تشجيعًا.

وستعنى برد هجمات الملحدين، ممن يدعي الإسلام وليس هو منه في شيء، كالقاديانية ونحوهم ممن شوهوا محاسن الدين بعقائدهم وبدعهم. وستحاكم الكل إلى كتاب الله وسنة رسوله (ص)، وما درج عليه السلف الصالح.

أما خطتها مع من هاجموني فيما مضى، فالمسألة والمصافاة إن أرادوا، والصبر على ما يفاجئوني به من هجوم، إلى أن لا يبقى في القوس منزع، وهناك آخذ القلم لرد ما فوجئتبه، دفاعًا لا هجومًا».

إنا لقوم أبت أخلاقنا كرمًا
أن نبتدئ بالأذى من ليس يؤذينا

ثم يشرح الشيخ عبدالعزيز السبب لاختياره اسم «التوحيد» فيقول: «إن التوحيد هو أعظم العلوم نفعًا، وأجلها قدرًا، وكل ما عداه فهو متفرع عنه تفرع الأغصان من أصلها..».

وكان ينقل أخبار البلاد العربية والإسلامية وينشر ما يصله من مقالات أو قصائد تتناسب وخط الصحيفة. كما نشر خبرًا في العدد الثامن من جريدة التوحيد الصادر في 25 سبتمبر 1933م، إنه قد افتتح نادي الإصلاح والإرشاد في مدينة بوقور في ليلة السابع من ربيع الآخر 1352هـ (29 يوليو 1933م) في قاعة مدرسة الإرشاد، وقد تبرع للنادي بعدد من الجريدة وما يصله من جرائد ومجلات أخرى، وقد حثهم على تعويد الشباب على إلقاء الخطب وإقامة الدروس الفقهية.

أما آخر عدد صدر من جريدة التوحيد فهو العدد الحادي عشر الصادر في 15 ديسمبر 1933م/ 27 شعبان 1352هـ وقال صاحبها: «بهذا العدد تنتهي سنة التوحيد الأولى، وستقف عن الصدور مؤقتًا، وربما أعدناها مرة أخرى بأوسع مما كانت عليه، أو أصدرنا مكانها مجلة «الكويت» التي أصدرناها في الكويت سابقًا، وعلى كل حال فـ «لتوحيد» تشكر قراءها، وتودعهم إلى أجل غير معلوم».

وهكذا بتوقف جريدته انتقل إلى عمله الجديد في مدينة (بكالونجان) ناظرًا لمدرسة الإرشاد، منتقلاً من (بوقور) وقد لقي الكثير من الهجوم والاستهزاء بالهمز واللمز أحيانًا وبصريح العبارة أحيانًا أخرى ومن هذه الجرائد التي هاجمته جريدة العلويين (الشعب الحضرمي) باللهجة الحضرمية الدارجة، فقد رمز الكاتب الشيخ عبدالعزيز الرشيد برمز (بومحارة) استهزاء به نظرًا لأنه عمل في صناعة الغوص على اللؤلؤ في الكويت.

بعد أن استقر في بكالونجان ناظرًا لمدرسة الإرشاد وإمامًا لمسجد النور وكان ذلك في منتصف شهر رمضان 1352هـ إذ كان يهم بالخروج من منزله إلى المسجد لصلاة التراويح. «وما إن أطل برأسه من الباب حتى عاجله شخص برضبة كشطت جلد جبهته وشقت حاجبه الأيمن فسقط على الأرض والدماء تنزف منه، بينما هرب الجاني تاركًا نعله عند الباب، وكذلك الساطور الذي ألقاه من يده».

وكان يقصد ضرب عينه اليمنى ليفقده البصر، إذ إنه قد فقد البصر بعينه اليسرى من قبل، وفزع لذلك الإرشاديون لكونه ضيفًا عليهم وهو عالمهم الديني، واتهموا العلويين بتدبير هذا الاعتداء. بعد إسعافه وتماثله للشفاء انتقل للسكن في فندق بالجون لأحد الإرشاديين لتأمين راحته وحمايته من أي اعتداء آخر.

التربية والتعليم أفضل من الصحف

بدأ بالتدريس وأضاف إلى المنهج تدريس مبادئ الزراعة وعلم الأحياء، وكذا تدريب الطلبة على التمثيل من خلال مسرحيات إسلامية، إضافة لفتح فصل دراسي لكبار السن في جزء من الفندق بعد صلاة المغرب، وقال إنه قد اتجه للتربية والتعليم وإنها أفضل من الكتابة في الصحف.

بعد مضي سنتين على عمله في (بكالونجان) رغب في زيارة عائلته بالكويت للمرة الثانية فكتب إلى لجنة الإصلاح بتاريخ 17 شوال 1354 هـ (11 يناير 1936م) يطلب إعفاءه من إدارة مدرسة الإرشاد.

وصل الكويت في 18 يناير 1937م (7 ذو القعدة 1355هـ) بعد غيبة أربع سنوات متصلة.

وزار أصدقاءه بالعراق، وعاد إلى الكويت وأخبر أهله أنه سيذهب إلى جاوة ليحضر أهله من هناك بعد أن قضى بالكويت 4 أشهر، وغادر إلى المملكة العربية السعودية لمقابلة الملك عبدالعزيز عن طريق البحرين.

وصل إلى جاوة منتصف أغسطس عام 1937م، وبعد عدة أشهر أحس بألم في صدره، وقد اشتد عليه ألم آخر في قلبه حيث توقف عن الخفقان في يوم الثالث من شهر ذي الحجة سنة 1356هـ (3 فبراير 1938م) عن عمر يناهر 51 عامًا، دفن في مقبرة العرب (سيد ناعوم) في حي تانه أبانغ في حي في بتافيا (جاكرتا) العاصمة. وختامًا، فعبدالعزيز الرشيد يعد ممن استسهل الصعب وقهر اليأس وتحدى قيود التخلف والجهل بإرادته الصلبة وعزيمته القوية، فنجح بالرغم من صعوبة الإمكانات، فلن تنسى له الأجيال القادمة ما قدمه من أجلها عندما أنار المشاعل أمامها ومهّد الطريق لها، فهو لا شك يعد من العظماء الذين سيخلدهم التاريخ وسيكتب اسمه بأحرف من نور تخليدًا وتمجيدًا ووفاءً له ولأمثاله ممن حمل أعباء التنوير مبكرًا.
---------------------------------
* كاتب من السعودية.

 

محمد بن عبدالرزاق القشعمي*