بيتنا العربي: غدٌ بلا مياه

بيتنا العربي: غدٌ بلا مياه

رئيس التحرير
د. سليمان إبراهيم العسكري

تزعجني كثيرًا سلوكيات عربية تهدر أثمن مورد في حياتنا، وهو المياه. وعلى الرغم من أن شبكات التوعية التي تبث رسائل تحذيرية وإرشادية نجدها في وسائل الإعلام المختلفة، فإن إهدار الماء لا يزال مستمرًا.

أرجح أن المسألة ترتبط على نحو كبير بأسلوب التربية، ومسلك القدوة، فالأجيال الأكبر سنا - والتي عانت كثيرًا من شح الموارد - هي الأحرص على الحفاظ على ما لديها من إمكانات. أما أجيال الوفرة في الموارد فهي التي تفرط بها، على نحو مُهْلِك، ولو أن لدينا رسوما بيانية تبين تصاعد هذا الإهدار المائي لوجدنا غدنا بلا مياه.

صحيح أن في الوطن العربي موارد مائية سواء كانت نهرية أو جوفية، أو مطرية، كما أن مشاريع التحلية منصوبة على كل بحر وخليج عربي، ولكن المستقبل بات يهدد ذلك كله، فالأنهار التي تنبع من دول غير عربية باتت السدود العملاقة تبطئ من تدفقها، والتغيير في طبقة الأوزون أصبح يهدد حراريًا مناخ الأرض، والتكلفة العالية لتحلية المياه، مقابل هدرها المفرط، أصبحت كلفة لا تطيقها ميزانيات المستقبل.

الحل يكمن في أسلوب جديد للتعامل مع الموارد، يبدأ في البيت، ويستمر في المؤسسات العلمية، وتتابع جهده مؤسسات المجتمع المدني جنبا إلى جنب مع المؤسسات الحكومية، فالمستقبل مشترك، والجميع يريد الحفاظ على الماء سر الحياة.

---------------------------------------

  • تربية: الإيثار والمساعدة عند الأطفال

طارق راشد عليان

حصل فليكس وارنكين على درجة الدكتوراه من جامعة لايبزيغ عندما كان يعمل في معهد ماكس بلانك للإنثروبولوجيا التطورية. وهو يعمل حاليًا أستاذًا مساعدًا في علم النفس في جامعة هارفارد، حيث يرأس مجموعة التنمية المعرفية الاجتماعية في معمل الدراسات التنموية في الجامعة. وتركز أبحاثه على أصول التعاون في البشر والشمبانزي. وهذا المقال معد من مقالة كتبها بعنوان الأطفال يقدمون يد العون والمساعدة.

إحدى أهم السمات البشرية هو ميلنا إلى العمل بالنيابة عن آخرين، من خلال مشاركة موارد مثل المال والطعام مع المحتاجين أو تعزية الأشخاص الذين يمرون بوقت الشدة. نفعل ذلك كبالغين بصورة روتينية، أحيانًا دون النظر إلى مكاسب شخصية أو الالتفات إلى أن السلوك مكلف بالنسبة لنا. وغالبًا ما تعتبر هذه السلوكيات الإيثارية ذات أصول ثقافية: على سبيل المثال علمنا آباؤنا قيمًا أخلاقية أو منحونا مكافآت لأننا نتعامل بلطف مع الآخرين. علاوة على ذلك، يعتقد كثير من الناس أن هذه السلوكيات بشرية فريدة، مؤمنين بأن الحيوانات الأخرى لا تتصرف على نحو إيثاري بهذه الطريقة؛ لأنها تتصرف بدوافع أنانية مجردة وليس لديها آباء يعلمونها كيف تتصرف بمبدأ الإيثار.

على الرغم من ذلك، تشير العديد من النتائج التجريبية الحديثة إلى أن الإيثار البشري له جذور عميقة أكثر مما كان يُعتقد سابقًا. وعلى وجه التحديد، أجريت وزملائي دراسات أظهرت أن الأطفال يتصرفون على نحو إيثاري منذ سن مبكرة، أي قبل اكتسابهم خبرات اجتماعية محددة يمكن أن تؤثر على نموهم بصورة كبيرة، مثل تعلم الأعراف الثقافية.

علاوة على ذلك، أحيانًا ما يقدم حيوان الشمبانزي المساعدة، مما يزيد من احتمالية عدم تميزنا فيما يتعلق بالإيثار كما نعتقد. ومن خلال إجراء دراسة على بعض الأطفال، نستطيع أن نحدد السلوكيات الإيثارية التي نقدر على ممارستها في مرحلة مبكرة من حياتنا، ونتتبع مراحل التطور لهذه النزعات أثناء تفاعلها مع الأعراف الثقافية والتربية الأخلاقية.

بالمقارنة بين سلوك الأطفال وصغار الشمبانزي، يمكن الإجابة عن أسئلة أثارت كثيرًا من الجدل منذ عصر الفيلسوفين توماس هوبز وجان جاك روسو: هل يرجع أصل الإيثار إلى الأعراف الاجتماعية المتبعة من أجل كبح جماح طبيعتنا الأنانية (رؤية هوبز) أو مثلما افترض روسو، هل نميل فطريا إلى الاهتمام بالآخرين؟

في مرحلة مبكرة من حياتهم، يتحمس الأطفال لمعرفة لماذا وكيف يفعل الناس الأشياء. ويستوعب الأطفال الأشياء بتطور مدهش. على سبيل المثال، عندما يشاهد أطفال يبلغون من العمر عامًا واحدًا شخصًا ما يستخدم آلة جديدة أو يضغطون على أزرة جهاز مذهل فيُحدث نتيجة مدهشة، يمكنهم أن يعلموا الفرق بين ما فعله الشخص عن قصد وما فعله بشكل عرضي (وهو الذي غالبًا ما يصاحبه رد فعل يعبر عن الدهشة). وعندما يأتي دورهم في استخدام الأداة أو الضغط على الزر، لا يقلدون كل ما فعله الشخص بل فقط ما كان يقصد فعله. فالأطفال قراء للنوايا، وليسوا مجرد مقلدين للسلوكيات. وتحمل هذه القدرة على قراءة النوايا بعض الفائدة: عندما يتعلم الأطفال من خلال ملاحظة الآخرين، يفصلون القمح عن القشر ويقلدون فقط تلك الجوانب التي تستحق في سلوك الشخص الآخر.

ما خطر في ذهني هو أن هناك مجالا آخر من الضروري فيه قراءة النوايا هو العطاء. إذا أردت أن تساعد شخصا ما يعاني من مشكلة، يجب أن يكون الشخص الذي يقدم المساعدة قادرًا على تحديد ما يحاول الشخص الآخر فعله ولكنه يفشل فيه. هل يستخدم الأطفال الصغار قدرتهم على قراءة النوايا ليس فقط من أجل غاياتهم الخاصة (كيف تعمل هذه الأداة؟ أي زر يشغل التلفاز؟) ولكن أيضا لمساعدة الآخرين؟ على سبيل المثال، عندما يسقط شيء من شخص ما ويحاول التقاطه، هل سيفهم الأطفال أن عملية الإسقاط كانت عرضية والشخص الآخر يحاول الآن أن يلتقط الشيء الذي سقط؟ هل سيساعدونه؟ لقد سنحت الفرصة عندما كنت اختبر طفلا عمره عام في دراسة أجريها على لعبة اجتماعية، وكنت أزحف مع الطفل على الأرض حتى يكون من المناسب أن ألعب معه (حيث يبلغ طولي ستة أقدام وست بوصات). في مرحلة معينة، تدحرجت الكرة عرضيًّا بعيدًا عن متناول يدي وتظاهرت بعدم قدرتي على استردادها وأنا ممدد على الأرض. وبالفعل وقف الطفل والتقط الكرة ووضعها في يدي.

ألهمت هذه الصدفة مجموعة من الدراسات التي تحقق في السلوك الإيثاري لدى الأطفال الصغار. اتضح من هذه الدراسات أن الأطفال يساعدون الآخرين بطرق مختلفة ويبدأون في ذلك منذ مرحلة مبكرة للغاية في حياتهم. بالتعاون مع مايكل توماسيلو من معهد ماكس بلانك للإنثربولوجيا التطورية في لايبزيغ، رتبت عدة مواقف لاحظ فيها أطفال يبلغون من العمر ثمانية عشر شهرًا مُختَبِرًا وهو يؤدي عملا بينما تحدث مشكلة مفاجئة تمنعه من تحقيق هدفه. اكتشفنا أن الأطفال قاموا تلقائيًّا بتقديم المساعدة دون أن يطلب منهم ذلك أو يحصلوا على جائزة أو حتى ينالوا ثناء على محاولاتهم. التقط الأطفال في الاختبار مشابك الغسيل التي ألقاها المختَبِر على الأرض ولم يستطع الوصول إليها. وفتحوا أبواب الخزانة عندما اصطدم بها المختَبِر عندما كان يحمل مجموعة من المجلات التي أراد أن يضعها داخل الخزانة. وساعدوا على وضع كتاب في مكانه فوق مجموعة من الكتب عندما وقع من أعلى. وبعدما علموا أن صندوقًا معينًا من الممكن أن يُفتح من خلال رفع غطائه ورأوا المُختَبِر وهو يُسقِط عرضيًّا ملعقة من خلال فتحة في الصندوق ويحاول إدخال يده في الفتحة في محاولة يائسة لاستعادة الملعقة، استخدموا الأسلوب الذي اكتسبوه حديثا في فتح الصندوق وإخراج الملعقة وإعطائه إياها.

جدير بالملاحظة أن الأطفال البالغ عمرهم ثمانية عشر شهرًا لم يؤدوا هذه السلوكيات في ظروف التحكم، حيث يقع فيها الموقف الأساسي ذاته ولكن من دون أي إشارة إلى أنها تمثل مشكلة للمُختبر (على سبيل المثال: أن يلقي مشابك الغسيل على الأرض عمدا أو أن تكون أبواب الخزانة مغلقة ولكنه يحاول وضع المجلات فوق هذه الخزانة بدلا من أن يضعها داخلها). يستبعد ذلك احتمالية أنهم يتصرفون بغض النظر عن حاجة الشخص الآخر، فقط لأنهم أحبوا أن يعطوا الأشياء للكبار أو أن يفتحوا أبواب الخزانة على سبيل المثال.

بدا الصغار المشاركون في الاختبار قادرين على تحديد إذا كانت المساعدة مطلوبة أم لا، واستطاعوا فعل ذلك في مواقف متنوعة، مما أبرز قدراتهم المتطورة على قراءة النوايا التي ظهرت مبكرًا في طفولتهم.

يرغب الأطفال الصغار أيضا في الاجتهاد في تقديم المساعدة. أظهرت دراسات عديدة أن الأطفال يستمرون في المساعدة مرارًا وتكرارًا، حتى لو كان عليهم التغلب على مجموعة من العقبات أو التوقف عن اللعب بلعبة شائقة من أجل التقاط شيء ما سقط. كان علينا ابتكار ألعاب تجذب الانتباه يمكنها أن تقلل من ميل الأطفال إلى المساعدة، مثل الأجهزة اللافتة التي تضيء وتصدر الموسيقى، والصناديق الملونة التي تصدر رنينًا عندما تلقي بها مكعبًا من الألعاب وتطلقه في الاتجاه المقابل. قررنا أننا إذا لم نتمكن من إقناع المجتمع العلمي بالنتائج التي نتوصل إليها، يمكننا حينها على الأقل أن نتجه إلى العمل في مجال لعب الأطفال.

وكما هو ملاحظ، فإن سلوك الأطفال لم يبدُ أنه كان مدفوعًا بتوقع الثناء أو المكافأة المادية. في دراسات عديدة، لم يكن آباء الأطفال في الغرفة ولذا لا يرجع تفسير المساعدة إلى رغبة الأطفال في الظهور بصورة جيدة أمام آبائهم. وفي إحدى الدراسات، لم يكن الأطفال الذين تم منحهم لعبة مقابل تقديمهم المساعدة أكثر احتمالية لتقديهما من أولئك الذين لم يمنحوا لعبة. في الحقيقة، قد يكون للمكافآت المادية تأثير سلبي على المساعدة: أثناء المرحلة الأولى من تجربة أخرى، حصل نصف الأطفال على مكافآت مقابل تقديم المساعدة، بينما لم يحصل النصف الآخر على شيء. بعد ذلك عندما سنحت أمام الأطفال فرصة لتقديم المساعدة ولكن في هذه المرة من دون حصول أي من المجموعتين على مكافأة، كان الأطفال الذين حصلوا على مكافأة في البداية أقل احتمالا لتقديم المساعدة تلقائيًّا من المجموعة التي لم تحصل على مكافأة. ربما تشير هذه النتيجة المدهشة إلى أن تقديم الأطفال للمساعدة هو دافع غريزي أكثر من كونه مدفوعًا بتوقع الحصول على مكافأة مادية. وبشكل واضح، إذا عرضت مثل هذه المكافآت، من الممكن أن تتغير دوافع الأطفال الأصلية، لتجعلهم يقدمون المساعدة فقط لأنهم يتوقعون الحصول على شيء ما في المقابل.

تظهر هذه الدراسات أنه بعد أول عام في عمر الطفل بوقت قليل، يبدأ الأطفال في التصرف بدافع الإيثار من خلال القيام بأفعال نطلق عليها اسم «المساعدة الآلية»، حيث يستنتج الأطفال نية شخص آخر للقيام بفعل لا يتحقق فيساعدونه على تحقيقه. تتفق هذه النتائج مع الدراسات التي توضح أن الأطفال، في نفس العمر تقريبا، يبدأون في التصرف بالنيابة عن الآخرين بطرق أخرى متعددة. على سبيل المثال، يقوم أطفال في عمر عام وعامين بتسلية شخص يقع في محنة، مما يوضح القدرة على التناغم مع الحالات العاطفية للآخرين. علاوة على ذلك، عندما يبدأ الأطفال في الإشارة بأصابعهم، تقريبا عند عمر عام، يستخدمون هذه الوسيلة غير المنطوقة المكتسبة حديثا ليس فقط لكي يطلبوا أشياء من الآخرين (والتي تسمى بالإشارة الأمرية، أو «أعطني هذا») ولكن أيضا لمساعدة شخص يبحث عن شيء ما («ها هو»).

أحيانًا ما يشارك الأطفال في عمر عامين الأشياء مع آخرين، على الرغم من أن ذلك في الغالب بعد أن يعرب الشخص عن رغبته بوضوح. وليس غريبًا أنهم يترددون في مشاركة ممتلكاتهم الخاصة أكثر من ترددهم في مشاركة أشياء أخرى أقل قيمة.

أحد التحديات الكبرى التي تواجه الدراسات المستقبلية هو اكتشاف الظروف الأخرى التي يبدي فيها حيوان الشمبانزي ميولا إيثارية، والظروف التي لا يبدي فيها ذلك. في العديد من الدراسات، كانت حيوانات الشمبانزي مترددة في تقديم الطعام إلى آخرين، حتى في ظل عدم تحملها أي عبء. وعلى جانب آخر، تأكد لنا أنها تتدخل بالنيابة عن آخرين في مواقف تسمح بتقديم المساعدة. ما الذي يفسر هذا التفاوت؟ يبدو أحد الأنماط الظاهرة في تقديم الشمبانزي للمساعدة فقط عندما يعرب المستفيد عن حاجته للمساعدة بوضوح: بأن يحاول الوصول إلى الشيء المطلوب، أو يحاول فتح الباب، أو يومئ نحو صاحب المساعدة المحتمل. عندما تغيب مثل هذه الإشارات، لا تستبق حيوانات الشمبانزي إلى إظهار سلوك إيثاري. ربما يعكس هذا محدودية قدرتها على قراءة النوايا أو يشير ببساطة إلى دوافع إيثارية أضعف عامة، أي أن على طالب المساعدة أن يجتهد في إقناع بني جنسه بتقديم المساعدة له. من جانب آخر لم تشمل الاختبارات التي أجريناها وأظهرت سلوكا إيثاريا لدى حيوان الشمبانزي (فيما يتعلق بالتدخل من أجل تحقيق هدف فرد آخر) أي تضحية بموارد أو بذل جهد كبير من جانب مقدم المساعدة. وبناء على ذلك، يظل هناك تساؤل: هل تقدم حيوانات الشمبانزي سلوكا إيثاريا يكبدها أي تكلفة؟ من الممكن أن تكون هذه الحيوانات مستعدة للتصرف بصورة إيثارية إذا كان الأمر لن يكلفها شيئا، ولكنها أقل إمكانا للإيثار إذا كان الأمر بخلاف ذلك. ما يمكن أن نقوله في هذا الصدد هو أن الميول الإيثارية ليست غائبة في الشمبانزي، بل لهذه الحيوانات أيضا قدرات معرفية ودوافع أساسية لكي تمارس سلوكيات إيثارية. ويشير ذلك إلى أن الإيثار البشري ربما تكون له جذور تطورية يرجع تاريخها إلى آخر سلف مشترك بين البشر والشمبانزي.

تساعدنا هذه النتائج أيضا على استيعاب العوامل المسئولة عن السلوكيات الإيثارية بين الأطفال. ويتضح أن الإيثار ليس نتيجة فقط للأعراف الثقافية والمجتمعية. لا شك في أن الممارسات المجتمعية تؤثر بصورة كبيرة على نمو الأطفال، وأن الأعراف الثقافية تستطيع أن تيسر وتدعم ما تنتمي جذوره إلى الوراثة البيولوجية. وعلى الرغم من الظهور المبكر للإيثار، فإن الأطفال يظل أمامهم الكثير ليتعلموه بشأن كيفية ومن يقدمون له المساعدة. على سبيل المثال، يجب ألا نساعد أي شخص بتهور (مثل هؤلاء أصحاب النوايا الخبيثة)؛ ولكن من الضروري أن نعلم متى نقدم المساعدة ومتى نمتنع عن تقديمها. علاوة على ذلك، تعد ميولنا الإيثارية ميزة مهمة، إذ يحسن الميل إلى المساعدة من سمعة المرء بينما يسيء إليها الامتناع عن مساعدة الآخرين. نحتاج إلى قدرات معقدة لمعرفة كيف يؤثر سلوكنا على نظرة الآخرين لنا، وهي مهارة استراتيجية يفتقدها الأطفال ولكنها تصبح مهمة مع تقدمهم في العمر. ولكن الأبحاث لم تتطرق إلى معرفة المرحلة التي يمر بها نمو الأطفال حيث يبدأون في إدراك التداخلات المعقدة والأعراف التي تميز حياتنا الاجتماعية، والإيثار البشري على وجه التحديد. وعلى أي حال، لا يبدو أن الالتزام بالأعراف الثقافية مصدر أصلي في سلوكياتنا الإيثارية. بل يبدو أن العوامل الثقافية يمكن أن تعتمد على نزعة بيولوجية نشترك فيها مع أقاربنا في عملية التطور؛ حيث تربي الثقافة هذه النزعة الفطرية إلى ممارسة الإيثار بدلا من أن تغرسها في النفس البشرية.

---------------------------------------

  • أسرة: أطفال الشوارع

فاطمة حامد الحصي

من مرة يغلبك العطف عليه، فتقاوم رفضك للبطالة المقنعة والاستغلال، والتنطع باسم الطفولة، ولا تفوق إلا وأنت تجد نفسك متلبسًا بمساعدته وإعطائه قطعة من النقود أو أكثر. إنهم أطفال الشوارع الذين يتجاهلهم المجتمع العربي. من المؤكد أن رعاية الطفولة تحتل أهمية خاصة في الفكر الاجتماعي المعاصر فالطفل هو مستقبل كل الأمم، وأي جهد يوجه لرعايته وحمايته هو تأمين وتدعيم لمستقبل الأمة، كما أن الطفولة هي عطاء الأسرة، والأسرة هي صانعة الطفولة، ومن هنا جاءت استحالة الفصل عمليا بين رعاية الأسرة ورعاية الطفولة لتلازمهما الحتمي.

وقد أكدت العلوم الحديثة أن الأسرة التي هى أقدم وأهم الجماعات وأشدها تأثيرًا في المجتمع الإنساني الكبير، بل إنها الأقوى في فاعلية تشكيل الطفل وتكوين المجتمع الإنساني الكبير وتحديد مسارات سلوكه وتنمية قيمه وعاداته، والقارئ لتاريخ القدماء المصريين سوف يجد أنهم التفتوا إلى أهمية رعاية الأسرة والطفولة في تكوين مجتمع سليم، وذلك نلاحظه بقوة في الآثار والنصوص التي تركوها مثل (كتاب الموتى) وتعاليم الوزير (بتاح حتب) التي أكدت على ضرورة رعاية اليتامى والأرامل والمعاقين والمحتاجين لتأكيد روح التضامن في المجتمع الواحد. ويشكل الأطفال شريحة كبيرة ومهمة في الهرم السكاني لمصر، حيث تصل نسبة الاطفال الأقل من 15 سنة إلى حوالي (40%) من إجمالي السكان. وقد انتشرت ظاهرة أطفال الشوارع عالميًا ومحليًا، وتحولت إلى أزمة تنذر بضياع مستقبل وحياة العديد من الأطفال الصغار المشردين، الذين قذف بهم قاع المجتمع إلى الشارع، وعلى الرغم من أن هناك افتقارا شديدا إلى الإحصاءات الدقيقة عن أعدادهم وفئاتهم العمرية، وأماكن تجمعاتهم لعدم إمكان تحديد وجودهم فإن هيئة الأمم المتحدة قدرت عددهم بنحو (40 مليون طفل) يتمركز منهم (25 مليونا) بأمريكا اللاتينية حيث البرازيل هي الأكثر تضخمًا بالمشكلة تليها المكسيك، وتحتل القارة الإفريقية المرتبة الثالثة بعد أمريكا اللاتينية وآسيا في انتشار هذه الظاهرة، وتفتقر الدول العربية بصفة خاصة إلى إحصاءات دقيقة لهذه الظاهرة، على الرغم من انتشارها بكثافة في دولة مثل السودان التي نمت بها هذه المشكلة أكثر وأكثر نتيجة للصراع المسلح ونتيجة لموجات الجفاف والتصحر، هذا بالإضافة إلى الأردن والمغرب واليمن، وأخيرا مصر حيث يمثل أطفال الشوارع دون سن الخامسة عشرة بها حوالي (4%) من إجمالي السكان وذلك عام 1986.

ظروف صعبة

وأطفال الشوارع هم أطفال يعيشون في ظروف صعبة، بالطرقات والميادين والمبانى المهجورة والأراضي المهملة، غالبًا ما يكونون أطفالاً تم التخلي عنهم من قبل أسرهم أو أنهم هم الذين تركوا الأسرة برغبتهم، تتعدد أسباب لجوئهم إلى الشارع فمنها الأسباب الأسرية: كطلاق الوالدين أو وفاة أحدهما أو كلاهما، والتفسخ الأسري بأشكاله المختلفة هو عامل مهيئ للانحراف.

وهناك أسباب مجتمعية وهي ما تعاني منه معظم الدول العربية: كالفقر، البطالة، التسرب من التعليم. ويعد الفقر أهم الأسباب لكنه لا يؤدي وحده إلى هذه الظاهرة أو إلى الانحراف بصفة عامة لكنه يتفاعل مع غيره من العوامل الأخرى في أحداث الانحراف.

ولأطفال الشوارع سمات خاصة بهم ندرك منها القليل، فقد يتميزون بالتحرر وإدراك قيمة الحرية من وجهة نظرهم، يرفضون الامتثال لسلطة الكبار، من الصعب تجانسهم مع الأسرة، ليس لديهم ثقة بالآخرين مهما فعل الآخرون لكسب ثقتهم، لديهم عدوانية غالبًا ما يكون سببها أنهم تعرضوا لنمط من الرعاية به عدم قبول أو يحوي إساءة لفظية وبدنية أو إهمالا، يمكن أن يكون طفل الشارع مدخنا أو مدمنا، ليس لديه مبدأ الصواب والخطأ، مشاغب، غالبا ما تكون أسرة طفل الشارع من الأميين.

خطورة ظاهرة

ويمثل طفل الشارع خطرًا على نفسه وعلى حياة الآخرين، فطفل الشارع ليس لديه إمكان إقامة علاقات إنسانية سليمة بغيره من الناس، حيث إنه هائم على وجهه في أغلب الأحيان يهاب الآخرين، ويخشى التعامل معهم، وبالتالي لا يشعر بتأثير الجماعة عليه أو يرتبط بها أو يحاول إرضاءها، ما يزيد من عدوانه عليها، بالإضافة إلى أن المجتمع ذاته ينبذ أطفال الشوارع ويتأفف من مظهرهم ولا يحاول أفراده التقرب منهم أو حل مشكلاتهم. إن أطفال الشوارع خسارة اقتصادية خطيرة على المجتمعات التي تفقد عناصر بشرية يمكن أن تساهم في عملية البناء والتنمية بها. فهم خسارة لأنفسهم ولمجتمعاتهم لأنهم قوى عاملة معطلة عن العمل والإنتاج.

وتكمن خطورة ظاهرة أطفال الشوارع أيضًا في خطر الفساد الخلقي الذي يتعرض له الطفل أكثر من كمونها في الإجرام الحقيقي، حيث نجدهم يتعرضون للسقوط في هوة الإدمان أو الشذوذ نتيجة ما يتعرضون له من ضغوط من رفقائهم أو العصابات التي تجبرهم على الانضمام إليها.

ومن الضروري أن تهتم المجتمعات بصفة عامة والمجتمعات العربية بصفة خاصة بعلاج تلك الظاهرة وعدم ترك الأمور للمصادفة، فهؤلاء الأطفال في حاجة إلى احتوائهم نفسيًا واجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا، وعلى المجمتع أن يهتم بأسرهم وتلافي الأسباب المؤدية إلى هجر الأسرة، وذلك من خلال إنشاء ملاجئ، ومراكز إيواء من أجل ضم الأسر المشردة ولم شملها والعناية بها.

محاولة للدمج

على الدول العربية الاهتمام باحتواء هذه الظاهرة عن طريق التوسع في إنشاء وحدات اجتماعية شاملة وعيادات نفسية بالمؤسسات المختلفة، هذا بالإضافة إلى الرعاية الاجتماعية والنفسية للطفل والأسرة. فضلا عن إنشاء وحدات خاصة لتقفي أثر هؤلاء الأطفال، والتعرف على أسباب لجوئهم إلى الشارع، وتشجيع الدراسات والبحوث الخاصة بهذه الظاهرة لتجنب أسبابها على المدى الطويل، بالإضافة إلى إقامة وحدات علاجية مجانية لهم حتى لا يقعوا صرعى مرض الإيدز أو الأمراض المعدية المختلفة كالجرب وأمراض العيون والروماتيزم وكل الأمراض الناتجة عن الإهمال أو عن الغذاء غير السليم.

وقد دعت دراسة للدكتور أحمد موسى إلى محاولة دمج هؤلاء الأطفال في أسرهم مرة أخرى عن طريق التحدث إلى الأسره والتعرف على مشكلاتها ومساعدتها، وذلك من خلال تقوية دور الأخصائي الاجتماعي والمراكز الاجتماعية التابعة للدولة والتي من خلالها يتم جذب هؤلاء الأطفال من الشارع إلى المؤسسات المتخصصة، ومساعدتهم حتى يشعروا بالأمان الاجتماعي والأمن المفقود لديهم، يمكن لهذه المؤسسات أن تلعب دورًا مهما أيضًا في تعديل الأنماط السلوكية غير المرغوب فيها لهؤلاء الأطفال، بالإضافة إلى إكسابهم سلوكيات اجتماعية مقبولة بإشراكهم في ممارسة أنشطة وبرامج هادفة، والتعرف على هواياتهم وتنميتها، وقد تسهل المهمة على الباحثين إذا لجأوا للأبحاث والدراسات التي تقوم بها معاهد البحوث التربوية المختلفة وكليات التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع التي تُحنط فوق أرفف مكتبات الجامعة أو في أرشيفها.

---------------------------------------

  • صحة: كيف نقاوم تسوس الأسنان؟

منى خير

تسوس الأسنان مرض يصيب الأسنان بعد بزوغها في الفم، ويعرف أيضًا بنخر الأسنان وهي آفة تصيب النسيج الصلب للأسنان نتيجة لتكون البكتيريا في الفم، وتعمل على هدم بنية السن الخارجية والوصول إلى عصب السن مسببة آلام الأسنان وفقدانها.

ويحدث تسوس أو نخر الأسنان نتيجة تكون البكتيريا المتبقية من السكريات على الأسنان، والتي تنتج أحماضا تعمل على إذابة الجزء الملاصق للأسنان من الميناء عن طريق نزع العناصر المهمة مثل الكالسيوم ثم يتم تحلل المواد العضوية فتتحول الأنسجة الصلبة في السن إلى نسيج رخو وتتكون بالميناء فجوات صغيرة، وإذا لم تعالج هذه الفجوات ازداد تجمع البكتيريا والفضلات بها، وتزداد كمية الحامض حتى يصل النخر إلى طبقة العاج، وقد يستمر تقدم النخر حتى يصل إلى لب السن.

أين يحدث التسوس؟

يحدث التسوس في الشقوق الموجودة على السطح الخارجي للأسنان وعلى الأسطح الملساء للأسنان وعلى السطح الخارجي للجذر، ويحدث التسوس نتيجة تراكم بقايا الطعام مثل الحلويات والشوكولاتة والسكريات، والبكتريا.

يبدأ تسوس الأسنان دون ألم فلا يشعر به الإنسان، ومع اقتراب التسوس من لب السن أي العصب تبدأ الآلام. وأهم علامات التسوس الإحساس بالألم، خاصة بعد تناول الأطعمة أو المشروبات الباردة أو الساخنة أو الحلويات، ومن أهمها أيضا ظهور بقع بيضاء على سطح السن المصاب وذلك في المناطق التي بدأت فيها عملية تحلل الأملاح ومع الوقت تتحول تلك البقع إلى نسق اللون البنى مما يدل على زيادة نشاط التسوس. وإذا وجد حفر في أي من الأسنان فهو دليل واضح على وجود تسوس الأسنان، كذلك فإن التسوس ينتج عنه رائحة كريهة في الفم.

يؤدى المرض إلى تكون خراجات في جذر السن أو اللثة تسبب آلامًا مزعجة، وقد يمتد الالتهاب إلى عظم الفك فيتورم وترتفع درجة حرارة المريض. يبدأ تسوس الأسنان اللبنية بين السنتين الرابعة والثامنة، أما الأسنان الدائمة فيحدث التسوس بين السنتين الرابعة عشرة والثامنة عشرة. وتسوس الأسنان لا يسبب أي عرض حتى يصل إلى مرحلة متقدمة، بعد ذلك تصبح السن حساسة للبرودة والحرارة ثم يحدث ألم الأسنان.

نوع الغذاء: يؤثر نوع الغذاء وتناول المواد النشوية والسكريات بكثرة، إذ يؤدي إلى زيادة معدل التسوس، وأيضًا تناول السكريات مع عدم العناية بالأسنان وتنظيفها من التصاق بقايا السكريات والأطعمة يزيد من حدوث التسوس. كذلك الأطعمة التي تحتوي على النشويات التي تتحول بسرعة إلى سكريات بفعل الأنزيمات الموجودة في اللعاب، والبكتيريا تتحول إلى أحماض عضوية تزيل المادة الصلبة بالأسنان، كذلك إكثار تناول الأطفال للحلويات والشوكولاتة والبسكويت بين الوجبات يساعد على تسوس الأسنان، وأيضا التغذية غير المتوازنة خاصة نقص الحديد والكالسيوم والفوسفور.

عدم الاعتناء بنظافة أسنان الطفل وترك فتات الأطعمة بينها يؤديان إلى تكون البكتيريا التي تساعد على تسوس الأسنان، أيضا اعوجاج الأسنان وعدم انتظامها يساعد على تراكم فضلات الطعام والبكتيريا، مما يزيد من احتمالات التسوس، وأيضا اللعاب له دور بارز ومهم في منع حدوث التسوس وذلك لما يحتويه من عناصر مهمة مثل الكالسيوم وبعض مضادات البكتيريا، بالإضافة إلى أنه قلوي التأثير يعمل على معادلة الأحماض والتقليل من قدرتها على إحداث التسوس، لذلك كلما زاد إفراز اللعاب وقلّت درجة لزوجته قل معدل التسوس.

ويصنف التسوس حسب المنطقة المصابة من السن، فالتسوس الشائع هو الذي يصيب الضروس، حيث توجد التشققات الخلفية ؛ والتي تكون مناطق تراكم للجير خصوصا أنه من الصعب تنظيفها.وأقل الأنواع شيوعًا تلك التي تصيب أسطح الأسنان الملساء، وذلك لسهولة تنظيفها من الجير، وهناك نوع آخر من التسوس ينتشر بين الكبار هو تسوس الجذور.

عادات تسبب تسوس الأسنان

- بلع الطعام من دون مضغ يؤدى إلى تراكم فضلات الطعام فوق الأسنان، مما يؤدى إلى تخمر هذه الفضلات ويسبب تآكل الأسنان.

- شرب العصائر بالمصاصات يطيل من فترة وجود العصير حول الأسنان.

- مص الليمون والحوامض والإسراف في شرب المياه الغازية.

- أكل الطعام أو شرب العصائر قبل النوم، لأن فترة النوم الطويلة تعطي فرصة كبيرة لجراثيم التخمر فيحدث التسوس للأسنان وبالذات أسنان الأطفال. من مضاعفات التسوس الألم الذي يحدث عندما يتجاوز التسوس طبقة الميناء إلى طبقة العاج يؤدي إلى التهاب العصب، وتورم الوجه نتيجة الخراجات التي تحدث داخل الفم وخارجه، والتهاب العظام، التهاب الجيوب الأنفية.

يعتقد الناس أن الأطفال هم أكثر المعرضين لتسوس الأسنان، لكن التغيرات التي تصاحب التقدم في السن تجعل من مشكلة تسوس الأسنان مشكلة تواجه البالغين، وكذلك أسنان الكبار التي بها حشوات معرضة أيضا للإصابة بالتسوس.

كيفية التعرف على وجود تسوس بالأسنان

يستطيع طبيب الأسنان الكشف عن التسوس أثناء الزيارات الدورية، بحيث يكون سطح السن المصاب حساسًا عندما يستخدم الطبيب أدواته الطبية للتحقق من وجود التسوس، كما أن الأشعة السينية تساعد على كشف التسوس قبل أن يصبح مرئيا.

كيفية معالجة تسوس الأسنان

يعتمد علاج التسوس على عمق وامتداد التسوس في السن نحو الجذور ويبدأ العلاج:

الحشوة.. إذا لم يكن التسوس عميقًا، فإنه يعالج بعملية حفره لإزالته ومن ثم حشو السن إما بالفضة أو الذهب أو البورسلان أو بالحشوة البيضاء، حيث تعتبر هذه المواد المقوية آمنة صحيًا لحشو الأسنان. التاج: إذا كان التسوس بليغا وبقي جزء بسيط من بنية السن، في هذه الحالة يتم علاجه باستخدام التاج بعد إزالة وإصلاح الجزء المتضرر من السن، حيث يوضع التاج على بقية أجزاء السن، وتصنع مادة التاج من الذهب، أو البورسلان.

علاج العصب: إذا كان التسوس عميقًا وأدى إلى موت عصب السن فيستلزم الأمر من طبيب الأسنان لاستئصال العصب والأوعية الدموية، والأجزاء المسوسة من السن المصاب ويجب وضع تاج بعد معالجة الجذور.

الوقاية خير من العلاج

الزيارة الدورية لطبيب الأسنان كل ستة أشهر على الأقل للكشف والفحص وإجراء اللازم عند وجود تسوس. تنظيف الأسنان بالطرق الصحيحة بشكل يومى واستخدام الخيط السني بالإضافة إلى الفرشاة والمعجون.

استخدام الفلورايد وهو متوافر على شكل غسول للفم أو معجون أسنان.

---------------------------------------

  • مطبخ: النواصر.. زينة المائدة التونسية

سعيدة الزغبي خالد

المغرمون بالسفر في أغلبهم مصابون بنهم البحث في تفاصيل عادات الشعوب وحتى في ملامح النّاس، يتأمّلون المباني وألوان الشبابيك ويحاولون التقاط اللهجات المحليّة ويتذوقون التاريخ والعادات ودرجة التحضّر في الطعام.. وأنت في تونس إذا أردت أن تغيّر العملة اطلب الدينار وإذا أردت طبقا لن تتذوّقه في غيرها اطلب «نواصر» (وادع لي).

في مواجهة برد الشتاء والأزمات الماليّة الطّارئة اعتادت النساء تخزين المواد الغذائية حتى قبل اكتشاف الثلاجات والتبريد.. عن طريق التجفيف أو التخليل وغيرها من طرق حفظ الأطعمة.. في تونس تخزّن النساء الفواكه والخضر والبقول والمعجنات وأشهرها «الكسكسي» وإن لم يكن أكلة تونسيّة خالصة، إذ ينتشر في المغرب العربي وتعرفه مصر أيضا بطعميه الحلو والمالح.. كما تعرفه أوربا أيضا.. ومن أجمل العادات الغذائية الصحية في تونس الطبخ على البخار.. وأشهر ما تعده المرأة التونسية على البخار «لحمة الرأس» «بإكليل الجبل والتليلو» وهي أكلة خاصة بمدينة «بنزرت» و«الشعرية ولسان العصفور» وبعض أنواع الخضار المحشوة باللحم المفروم.. وبعيدا عن «الكسكسي» يشتهر الشمال التونسي خاصة العاصمة و«مدينة بنزرت» الساحرة الواقعة على بعد 60 كلم شمال العاصمة «بالنواصر» وهي أكلة لن تتذوّقها إلا في تونس بلحم «العلوش» «الخروف» أو الدجاج.

والحقيقة أن «النواصر» تثير أكثر من سؤال فلن تجد وأنت تبحث عن تاريخ ظهورها في تونس وسر هذا الاسم جوابا شافيا، بل قد تكتشف أن بعض ما يروج على الإنترنت من تأريخ لها هو محض افتراء على التاريخ وعلى «النّواصر».. فتونس لم تعرف أبدا عملة ذهبيّة تحت مسمّى «الناصري» مربعة الشكل والتّي أرجع بعض الباحثين تسمية «النّواصر» إليها باعتبارها مربّعة الشكل، والحقيقة أن «الناصري» يساوي جزءًا من 25 جزءًا من الريال التونسي الذي سك في 1885م وكان مربّعا ونحاسيّا، وعموما ورث التونسيون شكل العملة المربع عن المرابطين، غير أنهم في العهد الحفصي جعلوا المربع داخل الشكل الدائري للعملة، وبعيدا عن كلّ هذا التعقيد تبقى «النواصر» أكلة شهيّة قد تكون إبداعا نسائيّا في المطبخ في القرن التاسع عشر، وتم استنباط الاسم من شكل العملة النحاسيّة المائلة إلى الحمرة والتي تحيل إليها «صلصة الطماطم» التي تجعل مربعات «النواصر» أشبه بالنقود، وعلى العموم تعد «النواصر» من نفس العجينة التي تعد منها «الرشتة» التي تكون أكثر سمكا وتقص بشكل طولي وهي من الأكلات المفضلة للتونسيين في الشتاء، خاصة إذا تم إعدادها «بالخضر» و«القديد».

لا تنس إذن وأنت ضيف على تونس أن تتذوّق «النواصر» التي هي في الأصل عجينة تتشكل من «سميد رقيق أو دقيق وماء وملح»، تعجن المكونات حتى تصبح العجينة متماسكة، تترك في مكان بارد نصف ساعة ثمّ نقسمها إلى أقسام في حجم البرتقالة ويرقق كل جزء على طاولة مرشوشة بالدقيق، وترش الورقة كذلك بالدقيق عند الترقيق حتى يصبح سمكها أقل من» ملليمتر».تلفّ الورقة حول «النشابة» وتسمى في تونس «القلقال» بشكل اسطواني ثم يسحب «القلقال» وتقص الورقة بالسكين بعرض «سنتيمتر» وبشكل طولي ثم تقص مربعات وتجفف في مكان متجدد الهواء أو تحت الشمس وتحفظ حتّى الاستعمال. وتعدّ النواصر على «المقفول والكسكاس» وهو حلّة البخار.

ولتحضير وجبة من النواصر لأربعة أشخاص تتبع التعليمات السابقة لإعداد العجينة مع المقادير الآتية: نصف كيلو من النواصر (ونحتاج لإعدادها كما هو مشار له أعلاه إلى نصف كيلو من الدقيق وقليل من الملح وماء)، كوب حمص منقوع، كوب زيت، علبة صغيرة من صلصة الطماطم، ويمكن استعمال الطماطم الطازجة، نصف دجاجة مقطعة، بصلة، أربعة فصوص من الثوم، ملعقة قهوة كسبرة جافة، نصف ملعقة فلفل أحمر جاف، ملح وفلفل أسود حسب الرغبة، حبة بطاطا مقطعة أرباعا بالطول وفلفل أخضر.

- ينظف الدجاج ويقطع ويتبل بالفلفل الأسود والملح، ويحمر في الزيت مع البصل المقطع رفيعا، ثم نضيف الحمص وصلصة الطماطم والفلفل الأحمر والثوم المهروس والكسبرة الجافة المعروفة في تونس «بالتّابل» ونغمرها بالماء ونتركها على النار.

- ندهن النواصر بالزيت أو السمن ثم نطهوها على بخار المرق الذي نضيف إليه قطع البطاطا « البطاطس».

- نضع النواصر بعد نصف ساعة في صينية الفرن ونسكب فوقها المرق ونزيّنها بقطع الدجاج والبطاطا وندخلها الفرن حتى تتشرب المرق. تقدم مع إضافة فلفل اخضر مقلي في الزيت.

- هذا سرّ النواصر بين أيديكم والتي قد تتغيّر بعض تفاصيل إعدادها بين الجهات وأحيانا العائلات, فقد يضاف لها الجزر والهريسة للذّين يخيّرون النّكهات القويّة, وقد تعدّ بشكل كلّي على البخار وتسقى بالمرق حتى تنضج وتزين بالبطاطس المقلية في الزيت والفلفل الأخضر وتقدّم مع السلطة الخضراء.

---------------------------------------

  • ديكور: نصائح ديكورية

إقبال محمد فريد

يقدمها البعض على أنها حيل أو أفكار، ويكتبها آخرون باسم إرشادات، أفضل أن تكون هذه الأمور مجرد نصائح تعين محبي الديكور على إعادة الحياة إلى غرفة متعبة، أو بيت فوضوي.

- الفوضى الواضحة هي العدو الأول ولذلك فالخطوة الأولى لمنزل جميل هو القضاء على ملامح الفوضى.

- عندما ترغبين في تغيير ديكور، ضعي ميزانية، والتزمي بها تماما.

- كنس وغسل الأرضيات في منزلك ليس الطريقة الأكثر راحة والأفضل متعة ولكنها ستعيد البريق للبيت.

- التخلص من طبقة الغبار بالأجهزة والأثاث يساعد على بث حياة جديدة في المساحات حولك.

- في بعض الأحيان يكون كل ما تحتاجين إليه هو مجموعة إضافية من لمسات بسيطة مثل تجديد الطلاء للغرفة وإعادة توزيع بعض الأغراض، وهنا تظهر فائدة عيون الآخرين في منحنا لرأيهم.

- نقل عناصر الديكور إلى أماكن مختلفة في أنحاء الغرفة أو في غرفة مختلفة وتناوب استخدام الاكسسوارات الموجودة لديك يساعد في بث حياة جديدة في غرف دون أي إنفاق لقرش واحد.

- دخول الشمس للغرف وتغيير مسارها بمرايا ونوافذ وأوان زجاجية يعطي منزلك نظرة جديدة من الداخل والخارج.

- أهم شيء هو تركيز الاهتمام عند التجديد في غرفة واحدة أو منطقة داخل المنزل في وقت واحد.

- يمكنك توزيع الإسفنج أو الصخور البركانية في الأقبية العفنة لامتصاص الروائح الكريهة.

- إنشاء مركز داخل الغرفة يمثل عنصرا فريدا يعرض مجموعة من (التماثيل، الإطارات، الدمى.. إلخ).

- الجمع بين ارتفاعات مختلفة وترك مساحة صغيرة بين كل عنصر تزييني لخلق نظرة مثالية.

- لا تشتري الأشياء لمجرد ملء الفراغ.

- تنظيف وإعادة رسم شفرات مروحة السقف أو أجهزة التكييف.

- ضعي قائمة بالأشياء العاطفية التي تحبين الاحتفاظ بها وتخلصي مما عداها.

- الأثاث الحديث جميل، ولكن يمكن إضافة قطعة قديمة - من سجادة حريرية أو قماشية تقليدية - على الأرضيات لأنها تضفي لمسة عصرية. ومثلها الوسائد الملونة على الأريكة، وبعض القطع الزخرفية على طاولة القهوة.

- إقامة برج من كتب الفن أو الموضة، على غرار الحقائب، تحقق إضافة نوعية.

- اللون هو مفتاح صف الأرفف المفتوحة. اختيار الأشكال والمواءمة بينها بالتساوي. لا تخافي من إظهار المصافي، والأواني اللامعة.

- نصيحة: كل غرفة في حاجة إلى نقطة اتصال، وهي الشيء الوحيد الذي يوجه مباشرة للعين. أمثلة لنقاط الاتصال الزخرفية مدفأة، أو قطعة من الأثاث.

---------------------------------------

  • مساحة ود: معادلة بسيطة

حنان بيروتي

يتفاوت مفهوم الغنى من فرد لآخر ومن مجتمع لآخر لكنّه يظل حلمًا لدى معظم الناس، المشكلة في أنّه مفهوم فضفاض مراوغ يتلاعب بالمرء وقد يفقده عمرًا ويختلس منه حياة!

ففي ظل عصر باتتْ فيه المادة تحتل الجزء الأكبر من الحياة المعاصرة الممتلئة بالمظاهر والمتطلبات, وزمن يتملّص من بقايا إنسانيته ويقلص فسحة النفس والروح لمصلحة المادة، تستفحلُ ثقافة الاستهلاك وتتفاقم القيم المشوّهة والهجينة للرقيّ، حين يتداخل المال بصوره وأشكاله المتعددة حتى مع الهواء الذي نستنشقه، ويختزل مفهوم الحياة بمعناها الأسمى والأرحب والتي تظل حقًا متاحًا ومشروعًا للجميع، حينها تبرز المفاهيم المشوهة التي لا تقدّر الإنسان بأخلاقه ودينه ولا بعلمه وثقافته وإنسانيته وإنما بمقدار ما يمتلك من عقارات وأرصدة أو مظاهر براقة والتي تربط منزلة الفرد الاجتماعية طردًا مع مقدار ما يمتلك، ليس غير تبرز بعض الظواهر المؤسفة: فهناك من يمتلك الكثير لكنه يظل فقيرًا ومفتقرًا طالباً للأكثر.

---------------------------------------

  • تلفزيون: مسلسلات السير الذاتية العربية

سناء محمود

مثلت المسلسلات التلفزيونية العربية التي عرضت على شاشات القنوات الفضائية امتدادًا لما سبقها من سنوات، بشأن زيادة الجرعة كمًا وكيفًا بتكثيف شديد خلال شهر واحد. وتبقى مسلسلات السيرة الذاتية هي الأكثر إثارة للجدل. وقد ظهرت السيرة الذاتية عند العرب كفن تقليدي يتحدث عن البطولات (سير الأبطال الشعبيين)، وتطورت لتصبح كتب السيرة الذاتية بمنزلة سرد لبطولات وتكريم لشخصيات أكثر من كونها سيرا ذاتية حقيقية. وبالرغم من كل ذلك الجدل فإن المسلسلات المجسدة للسير الذاتية تتواصل، وهي تتناول:

- قصص حياة شخصيات تاريخية.
- سيرا ذاتية لشخصيات دينية.
- مسيرة نجوم عالم الفن.
- أعلاما وطنيين.

هذا العام تابعت الجماهير مسلسل «كاريوكا» الذي يتناول قصة حياة الفنانة تحية كاريوكا (وفاء عامر) بقلم فتحي الجندي، وإخراج عمر الشيخ. بالمقابل عرض مسلسل (الإمام الغزالي) عن سيرة حياة الإمام الكبير أحد أعظم مفكري أهل السنة من بطولة الفنان محمد رياض، وإخراج إبراهيم الشوادي. لكن المسلسل الأكثر جدلا هو (عُمر) الذي عرض السيرة الذاتية للفاروق عمر رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين، وبالرغم من صدور فتاوى من الأزهر الشريف ومفتي عام المملكة العربية السعودية بتحريم المسلسل، فإن المسلسل الذي أنتج بمشاركة رؤوس أموال سعودية قطرية وأدى معظم أدواره نجوم سوريون، تواصل عرضه عن نص كتبه وليد سيف وأخرجه حاتم علي.

المشكلات التي تتعرض لها مسلسلات السيرة الذاتية لا تقف عند حد الفتوى بتحريمها وتجريمها، بل تمتد لتقع تحت يد القانون، خاصة حين تتعلق السير الذاتية بأسر النجوم والشخصيات التي تتناولها هذه المسلسلات. حتى أن بعض النقاد أطلق على تلك المسلسلات قنابل درامية موقوتة. كما يظهر نوع آخر من المشكلات وهو سرقة النصوص التي يدعي أصحابها أنهم الأسبق إلى كتابتها حول بعض السير الذاتية للشخصيات العربية. كما تظهر نوعية ثالثة من المشكلات، كما في مسلسل «عمر المختار» الذي رشح لبطولته عمر الشريف ودخل نفقا مظلما بعد اعتذاره، وحين رشح نور الشريف للدور انسحبت شركة الإنتاج الليبية التي كانت ستشارك في تمويل وتسويق العمل.

وقد تبرز مشكلة أخرى في تحديد الشخصية التي تقوم بالبطولة، فمسلسل «أهل الهوى» الذي يتناول قصة حياة الشاعر بيرم التونسي واجه مشكلة عدم العثور على ممثل وتناوب إسناد الدور إلى محمود عبدالعزيز وتيم الحسن (الذي قدم من قبل شخصيتي نزار قباني والملك فاروق) وفاروق الفيشاوي.

وتبدو الأزمة الحقيقية في تصوير الشخصيات المعاصرة كما حدث مع مسلسلين تناولا سيرة الرسام ناجي العلي والشاعر محمود درويش، حيث كان تجسيدها توصيرا لرؤية الكاتب والمخرج وليس أمانة تاريخية تستعيد بصدق التاريخ.

وأحيانًا ما تكون الشخصية نفسها مثيرة للجدل، وهو ما يلقي بظلاله على المسلسل كما حدث مع «الريان» الذي يتناول قصة حياة رجل توظيف الأموال خلال ثمانينيات القرن الماضي وأضاع ملايين الجنيهات من أموال المودعين لديه، حيث اتفق بعد خروجه من السجن مع المنتج محمود بركة على تقديم قصة حياته في عمل درامي، وجلس مع المؤلفين محمود البزاوي وحازم الحديدي لعدة أشهر يتحدث عن أدق تفاصيل حياته وعلاقاته بالمسئولين ونشأته الاجتماعية، ومع ذلك فتح الريان نفسه النار على هؤلاء، واضطروا لكتابة أن العمل من نسج الخيال.

بين العراق وتونس ومصر

مع الفورة العددية للقنوات الفضائية العراقية أصبح تقديم تلك الشخصيات يعتمد على توجه القنوات المنتجة. وفي العراق - مثالاً - لا يتحمس كثيرون من صناع الفن لهذا اللون، فالمخرج العراقي فارس طعمة التميمي يرى أن المواضيع المختارة غير صحيحة، لأن بناء الشخصية العراقية الحقيقية أهم من السير الذاتية التي يمكن أن يتم التوجه إليها بعد الاستقرار الاجتماعي. ويوافقه الفنان عدنان شلاش الذي يرى حاجة مجتمعه لمعالجة الوضع المتأزم، وأن تناول الشخصيات غير مناسب خاصة مع سير مثل أبو طبر والقناص وعلي الوردي وسليمة مراد وغيرها. ومواطنهما الفنان حمودي الحارثي يرى أنها لملء الفراغ لا أكثر، لأن هناك قضايا أهم مثل تواجد أكثر من 3 ملايين لاجئ عراقي في أوربا، يعيشون محترمين وكل واحد منهم توفر له الدول متطلباته، وأن على الدراما أن تقدم أعمالًا لشرح كيفية إعادة هؤلاء. فيما يرى المخرج عزام صالح أن الكاتب العراقي لا يستطيع أن يتناول الواقع بتناقضاته، ولذلك لا تهتم الفضائيات بالنوعية سواء كانت القضية سيرة ذاتية أو موضوعًا هزليا، فهو يريد فقط أن يسقط أفكاره على هذا النص ويعرضه للمشاهدين.

في المقابل تشكو بعض الشاشات من شح الأعمال الخاصة بسير ذاتية لمبدعي بلادها، فالتلفزيون التونسي لم يقدم سوى مسلسل وحيد بعنوان «خميّس ترنان» للكاتب الطاهر الفازع في تسعينيات القرن الماضي جسد فيه الممثل عبد القادر مقداد شخصية الموسيقار التونسي الشهير خميّس ترنان أحد أعلام الرشديية وأحد الرموز التاريخيين في تاريخ الموسيقى التونسية. وهو ما يعني أن عجلة الإنتاج مرتبطة كذلك بسوق عربية شاملة تحكمها المصالح. وإن كنت أرى أن مسلسلا مثل بيرم التونسي يمكن أن يكون فرصة للربط بين حياة الشاعر الكبير في وطنه ومهجره ومنفاه أيضا. كما أن آخرين لهم المكانة التي تسمح بإنتاج أفلام عن سيرهم الذاتية، في تونس وبلدان عربية أخرى.

والواقع أن زخم الإنتاج التلفزيوني للسير الذاتية قد وجد أرضا خصبة في مصر، ليس فقط لثراء شخصياتها، وكتابها، وإنما لأن فنانيها جسدوا شخصيات غير مصرية كذلك، كما أن الشخصيات المصرية التي قدموها تخطى تأثيرها الحدود الجغرافية لمصر، باعتبارهم ملكًا للأمة العربية كلها. ومازلنا نذكر الشخصيات التي قدمها الفنان محمود ياسين ومنها جمال الدين الأفغاني وأمير الشعراء أحمد شوقي، وقدم الراحل أحمد زكي أيام عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وقدمت رانيا محمود ياسين مسلسل «أم الصابرين» عن السيره الذاتية لزينب الغزالي ودورها في الاتحاد النسائي مع هدى شعراوي.

يبقى أدب السيرة الذاتية عند العرب مكتوبا ومجسدا على الشاشة الصغيرة مثيرًا للجدل. ربما بسبب ما يحيط بتلك السير من قداسة تاريخية، أو بسبب تعارض الخطوط الفاصلة بين الخاص والعام، بين السيرة الذاتية التي يؤرخ لها أحد الكتاب عن شخصية معاصرة أو تاريخية (بيوجرافي)، والسيرة التي يكتبها أحد الأعلام (أوتوبيوجرافي). وما بين هذين الفنين ستظل المسلسلات التلفزيونية المجسدة للسيرة الذاتية تتأرجح بين الرفض والقبول.

---------------------------------------

  • مجتمع: شهريات السيد عربي (2)

محمد فتحي

(1) البحث عن بطل

كان ابني فاغرًا فاه لدرجة تسمح بمرور جحافل الفرس والروم معًا وهو يشاهد حلقات الكارتون المفضلة لديه على إحدى القنوات. لاحظت التحول في ملامح ابني لأول مرة لدرجة تؤهله للعمل كمذؤوب حين يصير القمر بدرًا، ويأكل البانيه الذي تصنعه والدته. وللحظة تذكرت كل ما رأيته من رسوم متحركة في حياتي، لأكتشف أن طفولتي شهدت صراعًا بين الخير والشر متمثلًا في (آليين) يدافعون عن كوكب الأرض.

(أين ذهب سكان الأرض أصلًا؟ لا أدري)، ليكون مثلي الأعلى آنذاك هو الآلي (جريندايزر) والآلي (مازنجر)، ثم محاولات (الكابتن ماجد) للفوز في مبارياته التي تستمر أيامًا متتالية، ونحن نشاهد تسديدته تتجه للمرمى، وتستمر وتستمر، وتتغير الفصول، وتهلك أقوامٌ وتولد أقوام، والكرة لم تصل للمرمى بعد، فيما قامت العديد من الحروب في المنطقة، وتولى رئاسة أمريكا العديد من الرؤساء والكرة لم تصل، وفي اللحظة المفترض بها الوصول تنقطع الكهرباء!

كنت أريد أن أقارن لابني أبطاله بأبطالي، فاكتشفت أنني كنت أحب «النمر المقنع» الذي يلعب المصارعة مواجهًا اتحاد الأشرار (أين هذا من واقعنا؟ لا أعرف)، وكنا نضحك على القط (توم)، حين يتلقى المقالب من الفأر الضعيف (جيري)، قبل أن نكتشف ميكي وبطوط وعوالم والت ديزني التي تكتشف بعد فترة أن كلها من الحيوانات المصابة بعاهات نفسية (ترى هل أثر ذلك على نفسيتنا؟ أجب أنت)، ثم تطور الأمر من الفترة المفتوحة للأطفال إلى قنوات متخصصة للأطفال تقدم لأبنائنا كل أنواع الرسوم المتحركة، ونترك نحن أبناءنا أمامها بمنتهى الفرح لنكتشف العديد من الاكتشافات اللطيفة حين نجد أبناءنا يقلبون في وجوههم ليقلدوا مسخًا رأوه في المسلسل، ويحلمون بـ «التحول» والوقوف بجانب فريق المسوخ الأخيار (ألا لعنة الله على «بن تن» والذين معه))، ليصبح البطل عند أطفالنا شخصًا متحولًا، أو مسخًا غريب الأطوار يمكن استخدامه في القضاء على الصحة الإنجابية للوطن العربي بأكمله (أنا كعربي أشعر بالرعب إذا رأيته، فضلاً عن انقراض هرموناتي الذكورية)، وهكذا صار البطل إما مقنعًا كالوطواط يستيقظ بالليل وينام بالنهار (سأقتل الرجل الوطواط الذي علم ابني هذا الأمر)، وإما عنكبوتًا يمشي على الحوائط (تقتفي زوجتي آثار أقدام ابننا على الحائط أكثر من آثار الرجل العنكبوت نفسه)، وقد وجدت حلًا لأقنع ابني أنه لا يستطيع أن يكون (سوبر مان) حين سألته إن كان سوبر مانه المزعوم يستطيع القيام بأعمال أمه بما فيها تنظيف ملابسه، وكانت الإجابة أن أمه سوبر وومان!

بنظرة سريعة عزيزي القارئ على الرسوم المتحركة المنتجة حتى للطفل العربي خصيصًا لن تجد بطلًا يمثلنا يمكن أن يتخذه أطفالنا قدوة أو أن يكون حقيقيًا يستطيعون الوصول إلى ما وصل إليه، وبنظرة على مؤسسات العالم العربي المعنية بأطفالنا ستجد أن المجلس العربي للطفولة والتنمية أجرى مسابقة قبل نحو خمسة عشر عامًا لابتكار شخصية كرتونية عربية تصلح لأن تكون بطلًا يلتف حوله أطفالنا من المحيط إلى الخليج، فكانت النتيجة هي (حجب المركز الأول)، وفازت بالمركز الثاني شخصية (جمل)، ومات الحلم مع روتينيات العالم العربي فلم يخرج أي شيء للنور وبقي أولادنا أسرى لأبطال وهميين يصلحون لتخويفنا أكثر مما يصلحون لكونهم قدوة.

حتى تاريخنا العربي والإسلامي الذي ألهم كثيرين لم يلهم مبدعينا على شرق وغرب عالمنا العربي، ليقدموا لنا من خلاله بطلًا يجذب أنظار أولادنا بعيدًا عن الخارقين والمتحولين والمسوخ.

أنا السيد عربي الذي يبحث عن بطل يقدمه لأبنائه، فهل وجدتم سواي؟

(2) اكتشافات عربية

- الاكتشاف اللطيف أننا بلا أبطال في الأولمبياد لا يفسره إلا اكتشافنا موعد الأولمبياد قبلها بشهر، رغم كونه معروفًا من قبلها بأربع سنوات.

- العرب أكثر من يكتشفون عظمة الأشياء.. بعد أن يفقدوها.

- العرب اكتشفوا أن الكمبيوتر أروع وأفضل في اللعب وتبادل الأحاديث (الشات) أكثر من العمل.

- العرب اكتشفوا أن استهلاك التكنولوجيا أفضل من صناعتها وابتكارها.

- العرب اكتشفوا أن اقتناء الكتب أفضل من قراءتها، وأن شراء أكثر من هاتف محمول أكثر وقارًا, وأن وجود ببغاء في المنزل أفضل من الزواج.

(3) دبابيس

  • قالت الزوجة لزوجها بانفعال: يجب أن تغير هذا السائق لأنه كاد يقتلني ثلاث مرات بتهوره.
    الزوج: دعينا نعطيه فرصة أخيرة.
  • دعيت إلى حفلة تنكرية فارتديت قناع.. إنسان.
  • سأل أحدهم سيدة: لماذا خلق الله المرأة جميلة وغبية؟
    فأجابته: خلقها جميلة ليحبها الرجال، وغبية لتحبهم.
  • حاصل (ضربك) في الحياة هو نفسه حاصل (قسمتك) فيها.
  • أجمل ما في الشهر القادم.. أننا ننتظره.

---------------------------------------

  • العمارة غداًً: حدائق بابل السنغافورية

أشرف أبواليزيد

سَمِّها ما شئْت: حدائق بابل السنغافورية، أشجار سنغافورة العملاقة، الأشجار الخرافية، غابة الأسمنت، لكن دعنا نتفق أنها قراءة جديدة لتاريخ الحدائق المعلقة، الواحة السنغافورية، وفي وسط عالم العواصم العربية المعاصر، الذي تهاجمه كتل الخرسانة والصلب والزجاج بضراوة نجد في هذا الابتكار المعماري حلاً يتنفس به العرب في مدنهم الأسمنتية وشققهم المعلبة ومناخاتهم المتطرفة.

ها هي سنغافورة تنفذ مشروعا يحولها من أن تكون مدينة لديها حديقة، إلى أن تصبح مدينة داخل حديقة، بل عاصمة النباتات في العالم. مشروع يتطلع السكان إليه بفخر الآن، خاصة أن الأشجار تزداد اخضرارًا كل يوم.

باختصار هناك ثمانية عشر شجرة عملاقة، تنشق الأرض عنها لترتفع ما بين 25 و 50 مترا، بارتفاع 16 طابقا، في تصميم مستوحى من جزيرة أخرى قريبة، لكنها أضخم، تمنحه أشجار كاري في أستراليا.

تبلغ الهياكل المعدنية المشكلة لجسد الشجرة التي صنعتها الهندسة البشرية ثمانين طنا، ضمن مشروع عملاق يهدف إلى إنشاء مساحة خضراء شاسعة في منطقة خليجية جنوب الجزيرة. هذه الهياكل مصنوعة من الخرسانة والصلب توفر متكأ للزهور الاستوائية تتسلقه، مثلما تسمح بأن تكون بستان فواكه ونباتات سرخسية. تم استخدام الآلاف من قضبان الأسلاك السميكة لإنشاء فروع أغصان صناعية وستائر تجسد الأوراق ومعابر النباتات المتسلقة. وفي الليل ستضيء الأشجار أيضا، لتثمر وسائل إعلامية أخرى داخلها وخارجها، تجمع بين عوالم النبات والهندسة، حيث أصبحت مسرحًا ومكانا للحدائق الجميلة وشاشات العرض. وهناك جسر بارتفاع 22 مترا يربط بين أشجار المشروع الذي يمثل واحدا من ثلاثة مشاريع بالواجهة البحرية.

صممت المشروع شركة هندسة المناظر الطبيعية؛ جرانت وشركاه بالمملكة المتحدة جنبا إلى جنب مع فريق من الشركات الأخرى بما في ذلك آير ويلكنسون، أتيليه عشرة، وماتيوس توماس. ويغطي المشروع 54 هكتارا على الأراضي المستصلحة في وسط مدينة سنغافورة. العظاءة أو السحلية هي رمز المشروع، ليست فقط لأنها إحدى الحيوانات الوطنية، ولكنها تتسلق، وتتأقلم، وتتكيف في أي جزء بالعالم.

تفتح الغابة المعمارية قلبها، وقبتها في وسط المشروع، لأنواع نباتية من حوض البحر المتوسط مرتبة في حدائق الجغرافيا. كما يمكن لزوار هذه القبة رؤية أمثلة على التنوع البيولوجي، ضمن مشروع نموذجي للتصميم البيئي المتكامل. كما صممت حدائق بابل السنغافورية وسط منطقة حضرية محلية تهيمن عليها أبراج عالية، مما يجعلها مصدرا للحدائق العمودية، مع استخدام تقنيات عصرية لاستهلاك الطاقة.

في قلب هذه الأشجار تختفي أفضل ما توصلت إليه التكنولوجيا، من شأنها الحفاظ على النظام البيئي في حديقة نباتية. المولدات الكهربائية تعمل بالطاقة الشمسية ومزودة بالنظم الكهربائية الضوئية، وفتحات التهوية وغرف تبريد المحركات، وتساعد خزانات المياه على نمو تشكيلة موسعة من النباتات بتصميم مبتكر، وخفة الوزن وقوة تساعد أيضا على توفير 30 في المائة من استهلاك الطاقة، كما تفرق الستائر على تفريق الحرارة بنفس الطريقة التي تعمل بها الأشجار الحقيقية.

هل تثمر الأشجار السنغافورية في مساحات عربية يومًا ما؟.

 





غلاف البيت العربي





 





 





 





 





 





 





 





الأصل في «النواصر» عجينة تتغير وفقاً لما يضاف إليها





الأصل في «النواصر» عجينة تتغير وفقاً لما يضاف إليها





أطباق متنوعة من «النواصر»





أطباق متنوعة من «النواصر»





تختلف مذاقات النواصر وفقا لما يضاف إليها حسب اختلاف أذواق الجهات والعائلات التونسية





تختلف مذاقات النواصر وفقا لما يضاف إليها حسب اختلاف أذواق الجهات والعائلات التونسية





تختلف مذاقات النواصر وفقا لما يضاف إليها حسب اختلاف أذواق الجهات والعائلات التونسية





 





 





 





 





 





 





 





لقطات من مشاهد درامية عربية تناولت شخصيات وأعلاما عربية مختلفة





 





 





أدب السيرة الذاتية العربي لا يزال محاطاً بالجدل





خالد صالح قدم شخصية الريان ببراعة





 





 





حدائق بابل السنغافورية





في قلب هذه الأشجار يختفي أحدث ما وصلت اليه التكنولوجيا





كيف سيبدو المشروع بعد سنوات؟





هذه الهياكل المصنوعة من الخرسانة والصلب توفر متكئا للزهور الاستوائية المتسلقة





 





أثناء العمل





غداً تزهر أشجار الأسمنت





 





حدائق بابل السنغافورية