بعد تحرير الكويت
يوم السادس والعشرين من فبراير (شباط) من عام
1991، اتضح لعدد من المراقبين الاقتصاديين أن البلاد لا يمكن أن تعود لنمط الاقتصاد
الذي ساد قبل الاحتلال دون تبعات وتكاليف اقتصادية وسياسية مهمة. فلا النفط يمكن أن
يحقق العوائد اللازمة لنمط الإنفاق والاستهلاك العام والخاص اللذين اعتادت عليهما
البلاد ما قبل الثاني من أغسطس (آب)
عام 1990، ولا الاستثمارات الخارجية ودخلها يمكن
التعويل عليها لتعضيد الدخل من النفط. إذن كانت هناك حاجة لإعادة ترتيب الأوضاع
الاقتصادية بما يتناسب مع الحقائق الجديدة. بيد أن إجراءات الإدارة الاقتصادية لم
تأخذ بعين الاعتبار تلك المستجدات واستمرت في الصرف والإنفاق وتشجيع الاستهلاك
الخاص مما فاقم من المديونية الحكومية وزاد من الالتزامات على الدولة ورفع من العجز
في الميزانية الحكومية، بل إن الأنكى من كل ما سبق ذكره أن العديد من المسؤولين
وغير المسؤولين في الإدارة الاقتصادية استخفوا بمبادرات عدد من الاقتصاديين
الكويتيين الذين حذروا من احتمالات مواجهة ظروف اقتصادية معقدة في ظل سياسات
الإنفاق المشار إليها، واتهموا أولئك الاقتصاديين بالتشاؤم ورفع رايات يوم الحساب،
وكرر عدد من أولئك المسؤولين أن البلاد مقبلة على إزدهار وأن الدخل من النفظ
والاستثمارات سيعوض كل الخسائر والتكاليف التي تحملتها البلاد نتيجة للاحتلال
والحرب..
كيف هي أوضاعنا
الاقتصادية الآن وبعد مرور عامين على تحرير البلاد من الاحتلال العراقي البغيض؟ لقد
استطاعت الكويت أن تعيد معدلات الإنتاج إلى مستويات يوليو 1990، أي قبل الغزو
العراقي بقليل، وتمكنت من إعادة تشغيل عدد كبير من المنشآت النفطية، بيد أن هناك
أمورا يجب التنبه لها في قطاع النفط: الأمر الأول هو أنه حتى هذه اللحظة لم تتضح
أوضاع المكامن النفطية وحقيقة الضرر الذي لحق بهذه المكامن نتيجة عمليات التخريب
والتدمير والحريق الرهيب التي ارتكبتها القوات العراقية أثناء هروبها بعد بدء معارك
الحرب البرية، هناك أكثر من جهة متخصصة تقوم الآن بتكليف من المؤسسة العامة للنفط
بدراسة أوضاع تلك المكامن لاستنتاج الحقائق. الأمر الثاني أن صافي دخل النفط لابد
أن يكون قد انخفض بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج نظراً للاستثمارات الرأسمالية الجديدة
في إعادة بناء قطاع الإنتاج، أو بسبب ارتفاع التكاليف التشغيلية..
هناك أيضاً أوضاع
منشآت التكرير، وصناعات البتروكيماويات حيث لا تزال تعمل بمستويات تشغيلية أقل من
تلك التي كانت سائدة قبل الثاني من أغسطس (آب) 1990، ولذا فهناك استثمارات مهمة
ستوظف في تلك المنشآت لإعادة الحياة كاملة لها.. وتقدر التكاليف التي ستتحملها دولة
الكويت من أجل إعادة بناء القطاع النفطي بجميع منشآته الإنتاجية والتكريرية
والصناعات البتروكيماوية والخدمات الأخرى بحدود خمسة عشر بليونا من الدولارات
الأميركية. وبدون جدال فإن هذا المبلغ يعتبر كبيراً للكويت في ظروفها الاقتصادية
الراهنة.
مستقبل
الأسعار
المسألة المهمة
والحيوية في قطاع النفط، في حقيقة الأوساط الحكومية الكويتية من يتعجل زيادة
الإنتاج للحصول على إيرادات مالية مناسبة تحسن من الملاءة الحكومية، لكن ذلك يجب أن
ينظر إليه بحذر من حيث الأثر على المكامن النفطية، وكذلك الأثر على الأسواق ومن ثم
الأسعار.
إذن فإن
الإيرادات من النفط ستكون مرهونة بالأوضاع الحقيقية للمكامن النفطية، والقدرة على
زيادة معدلات الإنتاج وكذلك على مدى استيعاب السوق للعرض من النفط من جميع الدول
المنتجة. وقد يكون الافتراض الواقعي أن أسعار النفط ربما استمرت على معدلاتها
الحالية وبسعر وسطي يقارب ثمانية عشر دولاراً للبرميل، وربما تنخفض بين فترة وأخرى،
لكن احتمالات ارتفاع الأسعار تظل بعيدة المنال ما لم تحدث تغيرات غير تقليدية في
الأوضاع الاقتصادية والسياسية على المستوى العالمي أو حدوث توترات إقليمية في
المناطق الحساسة والمنتجة للنفط.. وعلى هذا الافتراض فإن الدخل السنوي المتوقع من
النفط في الكويت سيكون بحدود ثمانية بلايين دولار، أو ما يقارب 2500 مليون دينار
كويتي. ولا شك أن هذا المعدل من الإيرادات يقل كثيراً عن حجم الإنفاق الحكومي
السنوي، مما يجعل العجز بين الإنفاق والإيرادات هيكلياً ولا يمكن
تجاوزه.
تساؤلات
هامة
وضعية العجز تطرح
قضايا مهمة، وهي أن الكويت التي أعتمد النشاط الاقتصادي فيها على الإنفاق العام منذ
بداية عصر النفط هل يمكن أن يستمر نمو النشاط في مختلف القطاعات فيها إذا قررت
الإدارة الاقتصادية تقليص الإنفاق من أجل تخفيض حجم العجز في الميزانية السنوية؟
وإذا خفض الإنفاق أو قلص ما هي البنود التي ستتأثر بشكل أساسي، هل ستنخفض مخصصات
الاستهلاك، أو يتم ترشيد الإنفاق على المشتريات، أو هل سيتوقف دعم المؤسسات وبرامج
الدعم الأخرى، ثم ماذا عن المخصصات للتعليم والعلاج والخدمات الأساسية الأخرى، ماذا
سيحدث لها؟ ثم ماذا عن النفقات على التسلح والدفاع؟ كل البنود لها علاقة بالنشاط
الاقتصادي والاستهلاك العام والخاص في البلاد بشكل مباشر وغير مباشر. هناك احتمالات
لتباطؤ في النشاط الاقتصادي، ولن تتمكن الحكومة والقطاع الخاص من إنعاش الحركة
الاقتصادية كما كان متبعاً في السنوات السابقة عندما توافرت لدى الحكومة الأموال
الكافية لزيادة الإنفاق.
وإذا كانت هناك
رغبة في استمرار الإنفاق بمعدلاته السابقة فهل تلجأ الحكومة إلى استخدام أدوات
الدين لتمويل العجز، وتحميل الخزينة العامة التزامات مستقبلية لا تعلم كيف ستدبر
الأموال لمواجهتها؟ ومما يجعل الموقف أكثر تعقيداً هو ما تبين من أن وضع
الاستثمارات الكويتية في الخارج لا يعكس صورة وردية.. فقد تكشفت معلومات عن مخالفات
في توظيف الأموال في أكثر من موقع، والمثال الصارخ على ذلك ما حدث في إسبانيا، كما
أن هناك اختيارات غير موفقة للأصول هى التوظيف، يضاف إلى ذلك أن جزءاً مهماً من تلك
الأصول جرى تسييله لمواجهة تبعات الاحتلال، والتحرير، وإعادة البناء، ولا بد أن هذه
الأصول كانت من أفضل ما كانت تملكه الكويت في الخارج.. إذن بعد أن كان المراقبون
الاقتصاديون يتحدثون عن أصول تبلغ قيمتها مئة بليون دولار أضحوا يتحدثون عن قيمة لا
تزيد على خمسة عشر بليون دولار من الأصول القابلة للتسييل.
لذلك فإن التعويل
على الاستثمارات الخارجية وعوائدها لم يعد مقنعاً، ومن ثم فإن الاضطرار إلى استخدام
أدوات الدين يصبح إلزامياً ما لم تسرع الحكومة إلى تقليص الإنفاق العام، وحيث إن
ذلك يعد ضربا من التمني غير الواقعي فإن الاستدانة ستكون الوسيلة لتمويل ذلك العجز،
وربما لا تكفي الاستدانة من القطاع المالي المحلي، وتضطر الحكومة إلى التوسع في
الاقتراض من الخارج. ويدفع هذا الاحتمال الواقعي الكثير من الاقتصاديين ومتخذي
القرار في الكويت إلى الخشية من الوقوع في نفق المديونية الخارجية وما يترتب عليها
من التزامات، وما قد تقود إليه من نتائج اقتصادية ربما تكون مكلفة مالياً
واجتماعياً.
دور القطاع
الخاص
يمكن أن نزعم أن
القطاع الخاص الكويتي لعب دوراً أساسياً في تحريك عجلة النشاط الاقتصادي، على تواضع
ذلك النشاط، قبل بداية عصر النفط. وكان للقطاع الخاص دور رئيسي في إقامة العديد من
المنجزات الاقتصادية في البلاد، وكرس أفراد القطاع الخاص من أبناء العائلات
التجارية قيما متقدمة في المجتمع وساهموا في إرساء البنية التعليمية. كما كانت
الرسوم والضرائب التي دفعها التجار للحكومة المصدر الرئيسي لموارد الخزينة
العامة.
إن القطاعات
الاقتصادية غير النفطية والتى مثلت الملكية الخاصة فيها الدور الرئيسي اعتمدت أيضاً
إلى حد كبير على الإنفاق الحكومي واعتاشت عليه.. وكما هو معروف، الآن، فإن تلك
القطاعات كانت قطاع التجارة، وقطاع المقاولات، والقطاع العقاري، وقطاع الخدمات،
وقطاع الصناعة.
تعتبر التجارة
نشاطاً كويتياً تقليدياً حيث مارس الكويتيون هذا النشاط حتى قبل أن يكون هناك نفط
في الكويت، وتبادلوا السلع مع العراق والجزيرة العربية، ونقلوا سلعا وبضائع إلى
الهند وشرق إفريقيا من الجزيرة العربية والعراق وعادوا بغيرها من تلك المناطق
النائية.. وفي عصر النفط كان للتجارة دور في توريد معظم السلع الأساسية، والكمالية
إلى البلاد. كذلك لعب التجار دوراً في تجارة إعادة التصدير والترانزيت عندما احتاجت
الدول المجاورة، في بعض الفترات، لمثل تلك الخدمات.. ولا شك أن قطاع التجارة مازال
يمثل قطاعاً مهماً في الاقتصاد الكويتي حيث بلغت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي
في عام 1989 ما يربو على 492 مليون دينار كويتي والتي مثلت 7 بالمئة من إجمالي
الناتج المحلي، كذلك يمثل قطاع التجارة قناة أساسية لتمويلات الجهاز المصرفي حيث
بلغت التسهيلات الائتمانية الممنوحة لذلك القطاع 1147 مليون دينار وذلك في شهر
يونيو 1992 من أصل إجمالي التسهيلات البالغ 5860 مليون دينار أي بنسبة عشرين بالمئة
تقريباً..
ربما يتأثر
القطاع التجاري بالأوضاع المستجدة بعد الاحتلال حيث انخفض عدد السكان حيث تعاني بعض
المؤسسات التجارية في الوقت الحاضر من زيادة المخزون وانخفاض الطلب وانكماش القوة
الشرائية، بيد أن ذلك لن يهمش كثيراً من هذا القطاع الذي سيظل مهما في بلد مثل
الكويت، لكن ما هو جدير بالذكر هو أن القطاع التجاري لا بد أن يمر بعملية إعادة
هيكلة وترتيب أوضاع على ضوء المستجدات الجغرافية، والسكانية، ومما لا شك فيه أن
القطاع الخاص الكويتي اعتمد إلى حد كبير على التجارة كمصدر أساسي لتكوين الثروة،
سواء كان ذلك قبل النفط أو من بعد اكتشافه، وإن كان قد تردد كثيراً في أخذ مبادرات
في قطاعات أخرى نتيجة لارتفاع درجة المخاطر الاقتصادية،
معطيات
جديدة
القطاع الآخر
الذي يربط الاقتصاد الكويتي بالاقتصاد العالمي هو القطاع المالي والذي يشمل شركات
الاستثمار والبنوك.. وهذه المؤسسات تمثل أيضاً نشاطاً رئيسيا في الاقتصاد الكويتي
وإن لم تمثل مساهمتها أكثر من اثنين ونصف بالمئة من قيمة ذلك الناتج المحلي
الإجمالي في عام 1989. وبالرغم من هيمنة الحكومة على عدد من البنوك ومؤسسات
الاستثمار في السنوات الأخيرة، إلا أن النشاط المصرفي والمالي مثل من البداية
مبادرة من مبادرات القطاع الخاص والذي أسس في عام 1952 بنك الكويت الوطني، أول مصرف
وطني خاص في الكويت، والذي يعد الآن أكبر مؤسسة مالية في البلاد..
ولا شك أن القطاع
المصرفي سيتأثر كثيراً بتقلص حجم النشاط لدى القطاعات الأخرى مثلما ذكرت عن قطاعات
التجارة، وهناك احتمالات واضحة لتقلص النشاط في قطاع الإنشاءات والقطاع العقاري
وكذلك قطاعا الصناعة والخدمات، وربما لا يكون تقلص حجم النشاط لدى هذه القطاعات
أمراً سلبياً عندما نعلم أن تلك القطاعات توسعت في السنوات الأخيرة من السبعينيات
والسنوات الأولى من الثمانينيات دون أسس موضوعية.. ولذلك فإن التقلص بالرغم من أنه
جزئياً انعكاس للحالة العامة للاقتصاد بعد الغزو والاحتلال والتحرير، فهو أيضاً
عودة للأوضاع إلى حجم اقتصادي واقعي يتناسب مع المعطيات الجديدة.. بيد أن معضلة
القطاع الخاص الكويتي هي عدم القدرة على التكيف مع الأوضاع الكويتي هي عدم القدرة
على التكيف مع الأوضاع الناشئة عن تراجع حجم النشاط، حيث توجد هناك طاقات متعطلة
مثل المصانع والمتاجر والشقق ومباني المكاتب، ولا يمكن لأصحاب هذه الوحدات
الاقتصادية التخلص منها من خلال البيع في ظروف اقتصادية صعبة.. ولذلك فإن القدرة
على التكيف تتطلب مرور بعض الوقت لاستيعاب الخسائر الناتجة عن هذا التعطل
الاستثماري.
هناك قضية أخرى
ما زالت تعكس ظلها على مجمل الأوضاع الاقتصادية في القطاعات غير النفطية، ألا وهي
عدم التوصل إلى نهاية لأزمة المناخ وذيولها وما ترتب عليها من مديونيات صعبة.. قد
يقول قائل إن الحكومة شرعت القانون 32 لسنة 92 لشراء المديونيات من البنوك وصرفت
سندات للمؤسسات المصرفية والمالية قد تصل قيمتها إلى 5.6 بليون دينار، بيد أن
الجانب المتحصل في تحصيل الحكومة لهذه المديونيات مازال مثار جدل ونقاش سياسي في
البلاد نظراً لطبيعة المستفيدين من المدينين من هذا القانون. وقد اتضح من خلال
جداول المديونيات أن جل الديون يخص عددا محدودا من الأفراد والمؤسسات، وهذا يثير من
حفيظة عدد من القوى السياسية وشرائح في المجتمع الكويتي حول جدوى استخدام المال
العام لتعويم مصالح عدد محدود من الأفراد.
الجانب الذي
يتعلق في القانون بإصدار السندات للبنوك والمؤسسات المالية قد لا يكون من الممكن
التراجع عنه بعد أن أدرجت هذه المؤسسات تلك السندات ضمن أصولها في الميزانيات
المعتمدة للسنة المالية 1991.
هناك تساؤلات
مشروعة حول قدرة الدولة على مواجهة خدمة الدين الناتج عن تلك السندات خلال السنوات
القادمة في ظل احتمالات تراجع العوائد من الاستثمار والإيرادات البترولية واستمرار
معدلات الإنفاق الأساسية.
كذلك يدور الحديث
حول إمكان علاج مسألة تحصيل الديون من الأفراد والمؤسسات على أساس التسويات الفورية
بحيث تحتسب القيمة المستقبلية للسندات بعد إضافة الفوائد عليها على مدى عشرين
عاماً، ثم احتساب قيمة حالية على أساس سعر فائدة يمكن الحصول عليه لو وظفت الأموال
المقابلة لقيمة السندات في أصول استثمارية أخرى..
المديونيات
الصعبة
لقد أصبحت وضعية
المديونيات الصعبة وتعقدها بعد الاحتلال العراقي للكويت من المعضلات الرئيسية التي
تحول دون انتعاش اقتصادي في الكويت. هناك عدد لا بأس به من رجال الأعمال الذين
مازالوا ينتظرون أن تتجلى عناصر حل هذه الأزمة، وطريقة التعامل بينهم وبين الحكومة
بعد شرائها للديون من البنوك والمؤسسات المالية. ولذلك يعزف هؤلاء عن القيام
بنشاطات اقتصادية في مختلف قطاعاتهم التقليدية.. ويدعي عدد منهم أن اعتماد حل نهائي
لهذه المسألة سوف يساعدهم على اتخاذ القرارات المناسبة بشأن أعمالهم..
ربما تكون بعض
هذه الادعاءات صحيحة، لكن ماذا يمكن أن يقوم به هؤلاء المستثمرون ورجال الأعمال في
ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية؟ هناك حدود لما يمكن أن ينجز من قبل القطاع الخاص
الكويتي في مختلف القطاعات والأنشطة. لا بد من التعامل مع السوق على أسس موضوعية
وجديدة. هناك انكماش في مختلف الأنشطة ولا يمكن الاستمرار على أساس المقاييس التي
كانت سائدة في السنوات السابقة، بيد أن القطاع الخاص يمكن أن يوظف بعض أمواله في
عدد من الشركات والمؤسسات ليحل بديلا للملكية الحكومية في تلك الشركات والمؤسسات،
لكن الاستثمار في عمليات الخصخصة لا بد أن يكون خاضعة لمعايير اقتصادية صارمة، وليس
هناك من تصور بأن القطاع الخاص يمكن أن يقوم بشراء أسهم حقوق الملكية من الحكومة
الكويتية إذا لم تتوافر لديه القناعة بجدوى الاستثمار وقدرة الشركات على تحقيق عائد
مناسب على الأموال الموظفة، كذلك يجب أن نعي أن جزءاً مهماً من تلك الأموال المرغوب
استثمارها في عمليات إعادة تمليك القطاع في الشركات والبنوك والمؤسسات، قد يجلبها
القطاع الخاص الكويتي من خلال تسييل بعض أصوله في الخارج، وهنا أهمية أن يكون
العائد أفضل ما يمكن أن تدره تلك الأصول الخارجية، فهل ذلك ممكن؟ هذا السؤال هو
الذي سيحدد المجالات التي قد تتمكن الحكومة من إقناع القطاع الخاص للحلول فيها
محلها، إلا أن الأمر لن يكون سهلاً أو يسيراً.
ومن الصعوبات
التي تواجه عملية التخصيص: موقف عدد من المسؤولين الحكوميين من هذا التوجه ومدى
تفاعلهم مع نتائجها.. هناك عدد من هؤلاء المسؤولين الذين يعتقدون أن النتائج ستكون
وخيمة على أوضاعهم السياسية والاجتماعية.
إذن ما هو
المستقبل للاقتصاد الكويتي على ضوء هذه المعطيات؟
اصلاحات
ومقترحات
من الطبيعي ألا
نتوقف أمام المعضلات والأزمات عاجزين عن إجراء الإصلاحات اللازمة. ذلك أن مسيرة
الحياة ومستقبل الأجيال القادمة تحتم أن نتخذ كل ما من شأنه أن يساعد ويساهم في
إعادة النشاط الاقتصادي في البلاد إلى المستوى المناسب وعلى أسس أكثر رسوخاً..
ولذلك فإن المقترحات التالية قد تكون أساساً صالحاً لإنجاز ما هو مطلوب:
أولاً: تقييد
الإنتاج النفطي بالمصلحة الوطنية طويلة الأجل، وبما يتوافق مع الإمكانات الفنية
للإنتاج، وبما يتناسب مع مصالح المنتجين من الدول الأخرى، وبحيث يظل النفط مصدراً
أساسيا للطاقة خلال المدى الزمني الممكن.
ثانياً: إصلاح
الأوضاع المالية العامة والحد من الإنفاق العام على البنود غير الأساسية، وتكييف
الاقتصاد الكويتي لكي يخفف الاعتماد على ذلك الإنفاق.
ثالثاً: ربط
مصالح القطاع الخاص بالتنمية الاقتصادية في البلاد وتحفيز عناصره للمزيد من
الاستثمار في مختلف القطاعات الاقتصادية من خلال تبني سياسة تؤدي إلى تخفيف هيمنة
الدولة على المؤسسات الاقتصادية وينتج عنها تحويل حقوق الملكية في أكبر عدد من
المؤسسات إلى القطاع الخاص.
رابعاً: اعتماد
سياسة جادة لتنمية القدرات البشرية الكويتية لتكون حقا قادرة على إدارة الاقتصاد
الكويتي بكفاءة، ومن ثم تخفيف الاعتماد على العمالة الوافدة في مختلف المهن والحرف
والأعمال.. وقد يتطلب ذلك تكييفا لبرامج ومناهج التعليم العام والعالي.
خامساً: إعادة
النظر في سياسات الاستثمار الخارجي واختيار إدارة عالية الكفاءة لإدارة الأصول..
كذلك العمل على ربط سياسات الاستثمار بالنشاط الاقتصادي بحيث تكون عملية الاستثمار
جزءا أساسيا من أهداف تنمية موارد الخزينة العامة، ويتطلب ذلك تحديد نوعية وطبيعة
الأدوات الاستثمارية التي يجب التعامل معها لكي تتناسب مع الأهداف المشار
إليها.
سادساً: العمل
على اختيار إدارة اقتصادية متمكنة ومستوعبة لكل الإنجازات والإحباطات التي مرت بها
البلاد على الصعيد الاقتصادي من أجل إحداث نقلة نوعية في المؤسسات الاقتصادية.. وقد
يتطلب مثل هذا الإجراء تحولاً مهما في القيم الاجتماعية السائدة، وتجاهلا
للاعتبارات السياسية التي كان يؤخذ بها في السنوات السابقة.
إن المنعطف
التاريخي الذي تمر به البلاد يتطلب عقليات سياسية جديدة تفكر بمنهج يؤكد أهمية
الإصلاح الاقتصادي وضرورته من أجل وضع البلاد في منأى عن المخاطر التي يمكن أن
تواجهها الكويت إذا استمرت في السير على منهاج السياسات الاقتصادية
السابقة.